الألم.. عرض أم مرض؟

مسكناته العادية لا تصلح لجميع أنواعه

الألم.. عرض أم مرض؟
TT

الألم.. عرض أم مرض؟

الألم.. عرض أم مرض؟

بات الألم يمثل تحديا صحيا واقتصاديا كبيرا ومشكلة تؤرق الكثير من الناس حول العالم. ورغم تنوع أعراض الألم واختلاف مسبباته، فإن المعاناة تبقى القاسم المشترك الأعظم بين جميع مرضى الألم. ويجمع خبراء وأساتذة طب الألم على أن انتشار المعاناة من الألم بين المرضى في المنطقة العربية يعود إلى زيادة وزن الجسم والسمنة وارتفاع معدلات الإصابة بمرض السكري، وحمل الأوزان بطريقة غير صحيحة، والجلوس بوضعية غير صحيحة لساعات طويلة خاصة أثناء مشاهدة التلفاز أو الجلوس أمام أجهزة الكومبيوتر وغيرها.
ويعرف الألم بأنه الإحساس أو الشعور بعدم الارتياح والمعاناة، وقد يكون حادا أو مزمنا (عضويا nociceptive pain، أو نتيجة اعتلال عصبي مزمن neuropathic pain).
ووفقا لتقارير معهد الصحة الأميركي، يوجد في أميركا وحدها أكثر من 116 مليون شخص بالغ يعانون نوعا من الآلام المزمنة، وهو عدد يتجاوز أعداد من يعانون من أمراض القلب والأورام السرطانية مجتمعة، فيما تبلغ التكاليف المباشرة المرتبطة بعلاج الألم أكثر من 560 مليار دولار سنويا، وتقدر قيمة الخسائر غير المباشرة الناتجة عن الألم والمتمثلة في نقص الإنتاجية وانخفاض الأداء والقدرة على التركيز وحتى التغيب عن العمل أكثر من 653 مليار دولار سنويا.
وقد شهدت مدينة دبي أخيرا انعقاد أكبر مؤتمر طبي إقليمي حول طب الألم برعاية شركة «فايزر» للأدوية على مدار يومين، وحضره أكثر من 300 طبيب ومختص، واستعرض من خلاله مجموعة من كبار أساتذة الطب والمتخصصين في العالم ومنطقة الشرق الأوسط أحدث المستجدات العلمية وأحدث الدراسات وتوصيات المدونات العالمية في التعامل مع الألم بفعالية وأمان وبطرق أكثر مواءمة من الناحية الاقتصادية

* مضادات الالتهاب
يقول البروفسور ستيفن شاج، أستاذ التخدير بكلية الطب والصيدلة بجامعة غرب أستراليا، ورئيس قسم طب الألم بمستشفى بيرث الملكي، أستراليا، وأحد المتحدثين في المؤتمر أن الأطباء يلجأون حاليا إلى علاج الآلام الحادة باستخدام مضادات الالتهاب بنوعيها، غير الانتقائية الخالية من الاستيرويد (التي توقف عمل إنزيمي COX 1 المسؤول عن بعض وظائف الجهاز الهضمي والصفائح الدموية والكلى وغيرها، وCOX 2 المسؤول عن الألم)، والانتقائية الخالية من الاستيرويد (التي توقف عمل إنزيم واحد فقط وهو COX 2 المسؤول عن الألم مع ميزة عدم المساس بإنزيم COX 1 وبالتالي المحافظة على وظائف هذا الإنزيم الهام للجسم).
وأكدت نتائج دراسة حديثة نشرتها مجلة لانست «Lancet» الطبية أن مرضى آلام والتهاب المفاصل الذين يعالجون باستخدام مضادات الالتهاب غير الانتقائية الخالية من الاسترويد مثل DICLOFENAC مع إضافة مثبطات أحماض بروتون (PPI) Proton Pump Inhibitors مثل OMEPRAZOLE هم عرضة لمشاكل الجهاز الهضمي وفقدان الصفائح الدموية كأهم الآثار الجانبية لهذا الخيار العلاجي بمعدل 4 أضعاف أكثر من أولئك الذين يتلقون علاجا بواسطة مضادات الالتهابات الانتقائية COX 2 أو CELECOXIB.
وقد اتفق الخبراء على أن مضادات الالتهاب الانتقائية COX 2 تقلل من فرص حدوث النزيف بعد العمليات الجراحية وذلك عند استخدامها للتحكم في الألم مقارنة بمضادات الالتهاب غير الانتقائية، ودعا البروفسور شاج إلى ضرورة قيام الأطباء قبل أي إجراء جراحي بتعريف مرضاهم بمراحل العلاج لما بعد العملية الجراحية لتوقع ما سيحدث بعد الجراحة كعنصر هام جدا في إدارة وعلاج الألم بكفاءة وفعالية.

* آلام مرض السكري
هناك تحديات تواجه طب الألم بشكل عام، وأبرزها عدم قدرة المريض على وصف طبيعة الألم بالشكل الصحيح وهو ما يؤثر على دقة التشخيص وعدم حصول المريض على العلاج المناسب. في هذا المجال يقول البروفسور ديديه بوهسيرا، مدير إدارة الأبحاث بالمعهد الوطني الفرنسي للصحة والأبحاث الطبية، إن كثيرا ممن يعانون الألم يستخدمون علاجات ومسكنات عادية ظنا منهم أن المسكنات العادية تصلح لجميع أنواع الألم وهو أمر غير صحيح تماما ويؤدي إلى تفاقم الأعراض وزيادة الشعور بالألم.
وضرب مثالا على ذلك بآلام اعتلال الأعصاب التي تعد مرضا في حد ذاته يعاني منه نحو 7 في المائة من سكان العالم أغلبهم من كبار السن، كما يعاني منه أكثر من 60 في المائة من مرضى السكري، مؤكدا أن طبيعة هذه الآلام تختلف كليا عن أي آلام أخرى نظرا لكونها ناشئة عن اختلال وتلف في وظائف الأعصاب.
وتتمثل أهم الأعراض في الإحساس بتنميل اليدين والقدمين أو الشعور بألم كالصعق الكهربائي أو حتى الإحساس بوخز الإبر والحرقان، وقد يؤدي هذا التلف العصبي إلى فقدان الإحساس في القدم بالكامل في المراحل المتقدمة.
وأكد بوهسيرا أن الإحصائيات تشير إلى انتشار آلام الاعتلال العصبي بين النساء بدرجة أكبر من الرجال لا سيما في المدن والأماكن الحضرية أكثر منها بالقرى، مشيرا إلى أن أعداد من يتم اكتشاف وتشخيص إصابتهم بمرض آلام اعتلال الأعصاب بشكل عام لا تتجاوز ثلث معدلات انتشار المرض على أرض الواقع، وأن أقل من ثلث المرضى يتلقون العلاج الصحيح من هذا المرض.
وأضاف أن مرضى آلام اعتلال الأعصاب الطرفية يعانون أيضا من مجموعة أعراض متزامنة وهي الألم والاكتئاب والقلق والأرق وصعوبة النوم مما يعيق المريض عن ممارسة أنشطة حياته اليومية بالشكل المعتاد وتؤثر على إنتاجيته بشكل كبير. وأوضح بوهسيرا أن هذا النوع من الألم لا يفيد معه مسكنات الألم العادية ولا أدوية مضادات الالتهاب غير الاسترويدية، بل يجب وصف الأدوية المتخصصة من قبل الطبيب المختص.

* آلام المفاصل
أوضح الدكتور شريف ناصف، استشاري الأمراض الروماتيزمية بمستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام، وزميل الغدد الصماء وأمراض الروماتيزم بجامعة تينيسي ممفيس الأميركية، أن مرض التهاب المفاصل الروماتويدي التهاب مزمن في المفاصل يحدث نتيجة خلل غامض وغير معلوم الأسباب في الجهاز المناعي للجسم. تبدأ على إثره خلايا المناعة في مهاجمة أجهزة الجسم المختلفة وإفراز أجسام مضادة ذاتية ومركبات مناعية معقدة تترسب في الغشاء الزلالي المبطن للمفاصل والأوعية الدموية المغذية لها مما يؤدي إلى حدوث تلف واعتلال هذه المفاصل. ويصيب هذا المرض النساء بدرجة أكبر من الرجال. وأشار إلى أن ظهور الأدوية البيولوجية الحديثة أضاف خيارات علاجية بآثار جانبية أقل.

* آلام الظهر
وعن الآلام الناتجة عن التهاب الظهر قال الدكتور إبراهيم عبد الرزاق الحمود، أستاذ مساعد بكلية الطب جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، واستشاري الأمراض الباطنية والروماتيزم، إن تلك الآلام تصيب من هم دون 45 عاما وغالبا ما يصاحبها تيبس في المفاصل الصغيرة للأطراف وطفح الصدفية الجلدي وآلام بالظهر بالإضافة إلى احمرار في العيون وعدم وضوح الرؤية، وأن هذا المرض مناعي يصيب من لديه قابلية جينية مسبقة ووجود جين HLA - B27.
ووفقا للإحصائيات يعاني نحو 1-5 في المائة من سكان دول أوروبا من هذا المرض، أما في العالم العربي فلا توجد معدلات دقيقة نتيجة غياب الإحصائيات. وأكد الدكتور الحمود على ضرورة التشخيص المبكر لأن المرض لا يقتصر فقط على آلام الظهر بل قد يتفاقم ليؤثر على الأوعية الدموية والصمام الأورطى بالقلب لدى بعض المرضى، وليس هذا فحسب بل قد يؤدي إلى التصاق الفقرات وقلة الحركة وتغيير الشكل الخارجي للجسم بحدوث انحناءات في الظهر تؤدي إلى صعوبة حركة الجسم والرقبة، ومع تقدم العلم ظهرت الكثير من الأدوية لعلاج هذه الأمراض ومنها الأدوية البيولوجية الحديثة التي ينصح باستخدامها في مثل هذه الحالات بعد استشارة الطبيب.

* الاكتئاب والألم
تشير الإحصاءات الحديثة إلى أن مرض الاكتئاب يصيب أكثر من 211 مليون شخص على مستوى العالم. ووفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية فقد بات الاكتئاب رابع أهم الأسباب المؤدية للإعاقة والوفاة في سن مبكر على مستوى العالم منذ عام 2001. كما يتوقع أن يتحول إلى السبب الأول للإصابة بالكثير من الأمراض والإعاقة بحلول عام 2030. وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن نحو 75 في المائة من المصابين بالاكتئاب في الدول النامية لا يتلقون العلاج المناسب. أوضح البروفسور راكيش جين، أستاذ الطب النفسي بجامعة تكساس، الولايات المتحدة الأميركية، وجود علاقة وثيقة بين الألم العضوي من جهة والألم النفسي والتعرض للاكتئاب والقلق والأرق من جهة أخرى، وأن الاكتئاب والقلق يزيدان من تعقيد الألم وصعوبته.
وعن السؤال أيهما يأتي أولا: الألم البدني أم الاكتئاب والقلق أجاب أن نتائج إحدى الدراسات العالمية تؤكد أن أعراض القلق والاكتئاب تسبق الإحساس بالألم لدى 3 من كل 4 مرضى، وعن خيارات علاج الاكتئاب والقلق قال راكيش في السابق كانت المعالجة الدوائية تعتمد على مثبطات السيراتونين (SSRI)، إلا أن مدونات الجمعية الأميركية للصحة النفسية (APA) والشبكة الكندية لعلاج الاضطرابات المزاجية والقلق (CANMAT) تنصح باستخدام الأدوية الحديثة من فئة مثبطات السيراتونين ونورادرينالين (SNRI) كخط علاج أول للاكتئاب، ذلك لأنها تساعد في تحسين حالة الإرهاق والتعب ونقص التركيز وكذلك تقليل مخاطر الضعف الجنسي وزيادة الوزن المصاحب للاكتئاب ولبعض الخطوط العلاجية الأخرى، بالإضافة لكونها تتمتع بمعدلات نجاح ودرجة أمان عالية. ودعا راكيش الأطباء للتفكير في معالجة الاكتئاب والألم من منظور شامل بالإضافة إلى العلاج الدوائي المناسب لكل حالة على حدة، مطالبا المرضى وذويهم بعدم الخجل من زيارة الطبيب النفسي والخروج من دائرة المعاناة في صمت.



دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
TT

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، إلى جانب مكملات زيت السمك، يمكن أن يبطئ بشكل كبير نمو خلايا سرطان البروستاتا لدى الرجال الذين يختارون المراقبة النشطة، ما قد يقلل من الحاجة إلى علاجات عدوانية في المستقبل، وفق ما نشر موقع «سايتك دايلي».

وجد باحثون من مركز UCLA Health Jonsson Comprehensive Cancer Center أدلة جديدة على أن التغييرات الغذائية قد تبطئ نمو الخلايا السرطانية لدى الرجال المصابين بسرطان البروستاتا الذين يخضعون للمراقبة النشطة، وهو نهج علاجي يتضمن مراقبة السرطان من كثب دون تدخل طبي فوري.

سرطان البروستاتا والتدخل الغذائي

قال الدكتور ويليام أرونسون، أستاذ أمراض المسالك البولية في كلية ديفيد جيفن للطب بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس والمؤلف الأول للدراسة: «هذه خطوة مهمة نحو فهم كيف يمكن للنظام الغذائي أن يؤثر على نتائج سرطان البروستاتا».

وأضاف: «يهتم العديد من الرجال بتغييرات نمط الحياة، بما في ذلك النظام الغذائي، للمساعدة في إدارة إصابتهم بالسرطان ومنع تطور مرضهم. تشير نتائجنا إلى أن شيئاً بسيطاً مثل تعديل نظامك الغذائي يمكن أن يبطئ نمو السرطان ويطيل الوقت قبل الحاجة إلى تدخلات أكثر عدوانية».

تحدي المراقبة النشطة

يختار العديد من الرجال المصابين بسرطان البروستاتا منخفض الخطورة المراقبة النشطة بدلاً من العلاج الفوري، ومع ذلك، في غضون خمس سنوات، يحتاج حوالي 50 في المائة من هؤلاء الرجال في النهاية إلى الخضوع للعلاج إما بالجراحة أو الإشعاع.

وبسبب ذلك، يتوق المرضى إلى إيجاد طرق لتأخير الحاجة إلى العلاج، بما في ذلك من خلال التغييرات الغذائية أو المكملات الغذائية. ومع ذلك، لم يتم وضع إرشادات غذائية محددة في هذا المجال بعد.

في حين نظرت التجارب السريرية الأخرى في زيادة تناول الخضراوات وأنماط النظام الغذائي الصحي، لم يجد أي منها تأثيراً كبيراً على إبطاء تقدم السرطان.

الاستشارة الغذائية

لتحديد ما إذا كان النظام الغذائي أو المكملات الغذائية يمكن أن تلعب دوراً في إدارة سرطان البروستاتا، أجرى الفريق بقيادة جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس تجربة سريرية مستقبلية، تسمى CAPFISH-3، والتي شملت 100 رجل مصاب بسرطان البروستاتا منخفض الخطورة أو متوسط ​​الخطورة والذين اختاروا المراقبة النشطة.

تم توزيع المشاركين بشكل عشوائي على الاستمرار في نظامهم الغذائي الطبيعي أو اتباع نظام غذائي منخفض أوميغا 6 وعالي أوميغا 3، مع إضافة زيت السمك، لمدة عام واحد.

ووفق الدراسة، تلقى المشاركون في ذراع التدخل استشارات غذائية شخصية من قبل اختصاصي تغذية مسجل. وتم توجيه المرضى إلى بدائل أكثر صحة وأقل دهوناً للأطعمة عالية الدهون وعالية السعرات الحرارية (مثل استخدام زيت الزيتون أو الليمون والخل لصلصة السلطة)، وتقليل استهلاك الأطعمة ذات المحتوى العالي من أوميغا 6 (مثل رقائق البطاطس والكعك والمايونيز والأطعمة المقلية أو المصنعة الأخرى).

كان الهدف هو خلق توازن إيجابي في تناولهم لدهون أوميغا 6 وأوميغا 3 وجعل المشاركين يشعرون بالقدرة على التحكم في كيفية تغيير سلوكهم. كما تم إعطاؤهم كبسولات زيت السمك للحصول على أوميغا 3 إضافية.

ولم تحصل مجموعة التحكم على أي استشارات غذائية أو تناول كبسولات زيت السمك.

نتائج التغييرات الغذائية

تتبع الباحثون التغييرات في مؤشر حيوي يسمى مؤشر Ki-67، والذي يشير إلى مدى سرعة تكاثر الخلايا السرطانية - وهو مؤشر رئيسي لتطور السرطان، والنقائل والبقاء على قيد الحياة.

تم الحصول على خزعات من نفس الموقع في بداية الدراسة ومرة ​​أخرى بعد مرور عام واحد، باستخدام جهاز دمج الصور الذي يساعد في تتبع وتحديد مواقع السرطان.

وأظهرت النتائج أن المجموعة التي اتبعت نظاماً غذائياً منخفضاً في أوميغا 6 وغنياً بأوميغا 3 وزيت السمك كان لديها انخفاض بنسبة 15 في المائة في مؤشر Ki-67، بينما شهدت المجموعة الضابطة زيادة بنسبة 24 في المائة.