خدام: كنت أول وآخر مسؤول سوري يلتقى الخميني... وهذا محضر الاجتماع (الحلقة 10)

روى في مذكرات تنشرها «الشرق الأوسط» تفاصيل تأسيس «الحرس» الإيراني لـ«حزب الله» في لبنان عام 1982

الرئيس الراحل حافظ الأسد و«المرشد» الإيراني علي خامنئي والرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني (غيتي -  أ.ف.ب)
الرئيس الراحل حافظ الأسد و«المرشد» الإيراني علي خامنئي والرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني (غيتي - أ.ف.ب)
TT

خدام: كنت أول وآخر مسؤول سوري يلتقى الخميني... وهذا محضر الاجتماع (الحلقة 10)

الرئيس الراحل حافظ الأسد و«المرشد» الإيراني علي خامنئي والرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني (غيتي -  أ.ف.ب)
الرئيس الراحل حافظ الأسد و«المرشد» الإيراني علي خامنئي والرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني (غيتي - أ.ف.ب)

يكشف نائب الرئيس السوري الراحل، عبد الحليم خدام، اليوم، في مذكرات تنشرها «الشرق الأوسط»، تفاصيل العلاقات بين سوريا وإيران فور انتصار «الثورة» في طهران، وكيفية تأسيس «الحرس» الإيراني «حزب الله» في لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982.
يقول خدام إن موسى الصدر، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، كان له الدور الرئيسي في تأسيس العلاقات بين دمشق وعدد من الشخصيات الإيرانية المعارضة للشاه التي تسلمت الحكم بعد انتصار «الثورة»، وكان بينهم إبراهيم يزدي الذي وجه لخدام دعوة لزيارة طهران في أغسطس (آب) 1979 لإجراء محادثات مع «المرشد» الخميني وكبار المسؤولين بهدف تأسيس العلاقة بين البلدين.
ويروي خدام: «في اليوم الثالث للزيارة، رافقني إبراهيم يزدي إلى قم لمقابلة الخميني. وبذلك، كنت أول مسؤول سوري، بل المسؤول السوري الوحيد الذي اجتمع به»، حيث إنه «تحدث حديثاً قصيراً، لكنه كان حازماً واضحاً، وأكد أن (الثورة) حققت انتصارها... وطلب مني نقل شكره للرئيس حافظ الأسد، وتحياته له، وحرصه على العلاقات المتينة مع سوريا». ويضيف: «بعد عودتي إلى دمشق، عرضت مجريات الزيارة على الرئيس حافظ، وعلى قيادة الحزب. وكانت وجهة نظري أن كل الظروف متوفرة للتعاون مع النظام الجديد في إيران، على الرغم من التناقض بين طبيعة نظامنا وطبيعة النظام في إيران».
وعن تأسيس «حزب الله»، يقول خدام: «كان الدخول الإيراني الأوسع الفاعل إلى لبنان خلال الاجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية في مطلع يونيو (حزيران) عام 1982، إذ اتخذت آنذاك القيادة الإيرانية قراراً بإرسال لواء من (الحرس الثوري) إلى سوريا، وذلك بالاتفاق معنا. وبالفعل، فقد وصل لواء (الحرس) الإيراني بعد أيام قليلة من بدء القتال، وتوجه القسم الأكبر منه إلى لبنان، إلى منطقة بعلبك - الهرمل... لتشكيل (حزب الله)، وتنظيم عملية المقاومة الإسلامية ودعمها وتدريبها».
كانت البدايات الأولى للعلاقات بين سوريا وقيادة «الثورة» في إيران عبر المعارضة الإيرانية لنظام الشاه التي أقمنا مع بعض فصائلها علاقات جيدة. وكان للسيد موسى الصدر، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، الدور الرئيسي في تلك العلاقات، عبر «حزب تحرير إيران» الذي كان من أبرز قياداته السادة: مهدي بازركان، والدكتور إبراهيم يزدي، وصادق طبطبائي، وصادق قطب زاده، ومصطفى شمران. وبعد نجاح «الثورة»، أصبح مهدي بازركان رئيساً للوزراء في إيران، وصادق طبطبائي نائباً لرئيس الوزراء، وإبراهيم يزدي وزيراً للخارجية، وخَلَفَه بعد استقالته صادق قطب زاده، وتولى مصطفى شمران وزارة الدفاع.
استقبلنا نجاح «الثورة»، بقيادة الخميني، بسرور كبير وتفاؤل عميق، في وقت كانت ترزح فيه المنطقة تحت ضغط الانقسامات العربية والاعتداءات الإسرائيلية. وبادر الرئيس حافظ الأسد بإرسال رسالة تهنئة حارة إلى الخميني، أكد فيها حرص سوريا على التعاون الشامل مع إيران، كما عبر عن ارتياح الشعب السوري لنجاح الثورة.
وفي مطلع أغسطس (آب) عام 1979، تلقيت دعوة من وزير خارجية إيران، إبراهيم يزدي. وقد وصلت إلى طهران في 15 أغسطس (آب)، وكان في استقبالي يزدي وطبطبائي، وعدد من المسؤولين الإيرانيين.
استقبلتُ في المساء السيد طبطبائي الذي كان يتميز بوعيه السياسي، بالإضافة إلى ثقافته الواسعة، والجمع بين الالتزام الديني والعقل المتحرر، وهو ابن شقيقة السيد موسى الصدر، وكان من القادة الأكثر حماسة للعلاقات مع سوريا. وما لفت نظري أنني عندما كنت في جناحي في الفندق وفتحت التلفزيون، فاجأتني العبارة التالية التي كانت تتكرر من وقت إلى آخر، ونصها: «علموا أبناءكم العربية...»... وقد أثر ذلك في نفسي تأثيراً كبيراً.
وفي ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي، نحو الثالثة فجراً، دخل أحد مرافقي إلى غرفة نومي وأيقظني، وأبلغني أن الشيخ محمد منتظري (نجل حسين علي منتظري)، ومعه مجموعة، يريدون اللقاء بي. استغربت أن تكون الزيارة في هذا الوقت، ودون طلب موعد، فطلبت من المرافق إدخالهم إلى غرفة الاستقبال بينما أرتدي ثيابي.
كان منتظري شاباً متحمساً لـ«الثورة»، وبدأ حديثه بالحملة على حزب «البعث»، وعلى «البعثيين»، وأخذ يكيل التهم لبعض «البعثيين» القياديين في العراق، ثم استرسل في شرح أهداف «الثورة» التي ستغير العالم، وكان عليّ أن أسمع لأني أدركت أن الحوار معه غير مُجدٍ. وبعد نحو ساعتين، طلب أن نُصلي صلاة الفجر، وكان له ما أراد، وغادر مع شروق الشمس.
وفي الساعة الحادية عشرة، توجهت للقاء الدكتور مهدي بازركان، رئيس مجلس الوزراء، وكان حاضراً (إبراهيم) يزدي وزير الخارجية، و(صادق) طبطبائي نائب رئيس الوزراء. وتحدث بازركان عن أهداف الثورة، وعن الإجماع الشعبي لتأييدها، وكان يتحدث بثقة وحرارة، ثم تناول الحديث العلاقات السورية - الإيرانية، فأكد أن «الثورة» في إيران ستعمل على بناء علاقات قوية مع سوريا الشقيقة.
أخذتُ الحديث وهنأتهم بنجاح «الثورة» باسم القيادة السورية، كما تحدثت عن الآمال الكبرى التي نعلقها على نجاحها في نقل إيران من مرحلة إلى مرحلة جديدة، يتكامل فيها التعاون العربي - الإيراني. وحدثني بازركان عن رؤيتهم للقضية الفلسطينية، وتصميمهم على تبني هذه القضية، بصفتها قضية المسلمين الأولى. وتحدثتُ عن الأهداف المشتركة في مقاومة الحركة الصهيونية وإسرائيل، وفي مواجهة الإمبريالية الأميركية والأطماع الأجنبية، وكانت وجهات نظرنا متفقة تماماً.
ومن الجدير بالذكر أن السادة بازركان رئيس الحكومة، وطبطبائي نائب رئيس مجلس الوزراء، ويزدي وزير الخارجية، وشمران وحسن حبيبي وصادق قطب زاده، كانوا من «حزب تحرير إيران» الذي كان يرأسه السيد مهدي بازركان، وكان السيد موسى الصدر الأب الروحي لذلك الحزب.
شارك يزدي وطبطبائي في الحديث، وكانت أحاديثهم بالاتجاه نفسه، وركز الجميع على أهمية تنمية العلاقات بين «الثورة» في إيران وسوريا، وأن يكون التعاون وثيقاً ضد إسرائيل والإمبريالية الأميركية.
وكنت في الساعة الثامنة صباحاً قد توجهتُ إلى وزارة الخارجية لإجراء محادثات مع يزدي. وعندما دخلنا قاعة الاجتماعات، فوجئت بوجود عدد من موظفي الوزارة، وعبرت عن ارتياح الشعب السوري والقيادة في سوريا لنجاح «الثورة» في إيران التي تعد تحولاً عميقاً في مسار الأحداث في المنطقة، وركزت على أهمية التعاون بين سوريا و«الثورة» في إيران، كما ركزت على الأهداف المشتركة فيما بين الجانبين.
وتحدث يزدي عن «الثورة»، وعن أهدافها الرئيسية، ووضع في المقدمة تحرير فلسطين، ومواجهة الاستكبار العالمي، وأكد أن التعاون بين «الثورة» وسوريا ستكون له نتائج مثمرة بالنسبة للشعبين وللمسلمين.
اتفقنا على تنمية العلاقات، واستمرار التشاور بين الدولتين، والتعاون في جميع المجالات، وتنسيق الجهود والمواقف تِجاه مجمل القضايا التي تهمنا. وفي اليوم الثاني، شاركت بصلاة الجمعة في جامعة طهران بمناسبة يوم القدس، وكانت الصلاة والاحتفال بالمناسبة لافتين للنظر، من حيث حجم المشاركين الذين تجاوزوا بضع مئات من الألوف، والهتافات للقدس والموت لإسرائيل.
كان مشهداً رائعاً أن ترى مئات الألوف يؤدون صلاة الجماعة، ويهتفون من أعماقهم لفلسطين. في تلك المناسبة، ألقيت خطاباً عبرت فيه عن موقفنا من القضية الفلسطينية عامة، ومن القدس بصورة خاصة، ووجهت التحية لـ«الثورة» في إيران، ولقائدها الخميني، وتمنيت النجاح للثورة لتحقيق أهدافها.
وفي اليوم الثالث للزيارة، رافقني إبراهيم يزدي إلى قم لمقابلة الخميني. وبذلك، كنت أول مسؤول سوري يقابله، بل المسؤول السوري الوحيد الذي اجتمع به.
وصلنا ظهراً، وتوجهنا إلى منزل قائد «الثورة» في حي شعبي، ودخلنا منزلاً بسيطاً في ذلك الحي. وفي مدخل المنزل، غرفة صغيرة فيها مكتب وطاولة يجلس عليها شيخ. وبعد أن سلمنا عليه، دخلنا إلى غرفة ثانية صغيرة، طولها لا يتجاوز المترين ونصف المتر، وعرضها كذلك، وعلى أرضها بساط عادي. وكان الخميني جالساً، فنهض لاستقبالنا. كان الرجل يجلس على الأرض، وكذلك فعلنا. كان يستمع إلى محدثيه من العرب باللغة العربية، ويجيبهم باللغة الفارسية.
وبعد تبادل التحيات، رحب بي، وقدمت له التهاني باسم سوريا، والرئيس حافظ الأسد، بنجاح «الثورة» بقيادته، وعبرت عن الآمال الكبرى التي نعلقها على نجاح «الثورة»، لا سيما في مواجهة العدوان الصهيوني، كما نقلت له تحيات الرئيس حافظ الأسد، وأكدت له أن الشعب السوري حريص على أوثق العلاقات مع إيران، ونحن نقدر حجم التطور الهائل الذي ستطلقه الثورة في الوقت الذي نواجه فيه العدوان الصهيوني والضغوط الأميركية.
تحدث الخميني حديثاً قصيراً، لكنه كان حازماً واضحاً، وأكد أن «الثورة» حققت انتصارها على الطاغوت والظلم اعتماداً على الشعب، وأن «الثورة» ستكون مع المظلومين والمحرومين، وأنها ستقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وستواجه قوى الاستكبار العالمي، وأن المسلمين سينتصرون على الظلم والعدوان والقهر. وطلب مني نقل شكره للرئيس حافظ الأسد، وتحياته له، وحرصه على العلاقات المتينة مع سوريا.
كانت المقابلة قصيرة رمزية، لكنها كانت بالغة الأهمية، من حيث معرفتي تصميم الرجل الذي لمسته في كل عبارة كان ينطق بها. كان واثقاً بالنفس، واثقاً بالنصر النهائي لثورته.
لم يكن النظام الجديد نظاماً شمولياً بمعنى الكلمة. ففيه من الشمولية مركزية القرار عند قائد «الثورة». ولم يكن نظاماً ديمقراطياً، وفيه من الديمقراطية حق الاختلاف في الرأي. كان الجميع يتكلم بحُرية، ولكن في إطار أهداف الثورة. يختلفون في التفسير، ولكنهم موحدون في الموقف.

بعد عودتي إلى دمشق، عرضت مجريات الزيارة على الرئيس حافظ، وعلى قيادة الحزب، وكانت وجهة نظري أن كل الظروف متوفرة للتعاون مع النظام الجديد في إيران، على الرغم من التناقض بين طبيعة نظامنا وطبيعة النظام الإسلامي في إيران، ذلك أن لكل مرحلة ظروفها ومتطلباتها، وما يصلح في مرحلة قد لا يصلح في مرحلة أخرى.
في تلك المرحلة، كانت الخلافات عميقة بين القيادتين السورية والمصرية بسبب توقيع معاهدة الصلح مع إسرائيل، كما كانت العلاقات السورية - العراقية في أسوأ حالاتها، بالإضافة إلى توتر الوضع في لبنان، مع الجبهة اللبنانية من جهة، ومع منظمة التحرير الفلسطينية من جهة ثانية، ومع إسرائيل من جهة ثالثة.
في تلك المرحلة، أخذنا خيارين أساسيين كان لهما دور كبير في تحديد مسار السياسة السورية: الأول توقيع معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفياتي، والخيار الثاني إقامة تحالف مع إيران. لقد وفر خيار التوقيع على معاهدة الصداقة مع السوفيات دعماً سوفياتياً عسكرياً وسياسياً يحد من إمكانية تعرض سوريا لعدوان إسرائيلي بسبب الالتزامات السوفياتية بموجب المعاهدة. وعلى الرغم من أن إيران كانت في حالة حرب مع العراق، كانت ثقتنا كبيرة بأن إيران تُشكل حليفاً قوياً لنا، وفي هذا التحالف مصلحة وطنية (...)
كانت اللقاءات تجري بنشاط بين القيادتين في البلدين، سواء في دمشق أو في طهران، لمناقشة كل الأوضاع والتطورات، وتحديد المواقف منها.
ومع قيام هذا التحالف، لم تتوقف بعض أطراف الدول العربية عن الضغط على سوريا من أجل المصالحة مع العراق، وتجميد العلاقات مع إيران، غير أن تلك الضغوط لم تنجح في تحقيق أي اختراق جدي، على الرغم من اللقاءات المتعددة التي جرت بين مسؤولين سوريين وعراقيين، بما فيها لقاءات بين الرئيس حافظ الأسد ونظيره صَدام حسين.
كان الجانب السوري متمسكاً بالتحالف مع إيران، مدركاً أن سقوط هذا التحالف سيزيد من الضغوط عليه من جهة، ومن جهة ثانية ستتسع ساحة الصراع المسلح بين إيران والدول العربية، ما كان يمكن أن يدفع دولاً أجنبية للتدخل، وهذا أمر كان بالغ الخطورة بالنسبة لنا (...)
وكانت الوفود بين العاصمتين تنشط، ولم يمضِ شهر واحد دون استقبال وفد إيراني في دمشق أو وفد سوري في طهران. وفي كل لقاء، كان يجري نقاش معمق للأوضاع الراهنة، ووسائل العمل المشترك، والعمل السياسي في مختلف الساحات.
تحولت قضية الحرب العراقية - الإيرانية بين عامي 1980 و1988 إلى قضية ذات اهتمام كبير لدى النظام في سوريا، كما تحولت قضية الصراع العربي - الإسرائيلي إلى قضية عقائدية في إيران، كما أن الحرص على عدم توسع الحرب، وعدم استفزاز دول الخليج، كان قاسماً مشتركاً في سياستي البلدين، على الرغم من حدوث إشكالات مقلقة بين وقت وآخر.
في المجال العسكري، ساعدت الحكومة السورية إيران بإقناع الاتحاد السوفياتي بالإيعاز إلى دول أوروبا الشرقية لبيع أسلحة إلى إيران. وبالفعل، فقد تم ذلك عبر سوريا، فكانت العقود توقع باسم سوريا، وتدفع إيران قيمة الأسلحة التي تورد إلى مرفأ اللاذقية، ومنه بالطائرات إلى طهران. والدول التي تعاقدت على الأسلحة كانت بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا بصورة خاصة. أما فيما يتعلق بالأسلحة السورية، فلم تقدم دمشق لطهران من أسلحة الجيش السوري أي شيء.
كان أكثر ما يُقلق الرئيس حافظ الأسد الخوف على النظام. وكان خوفه متقدماً على القضايا الأخرى في تلك المرحلة، بما في ذلك القضايا ذات الصلة بالوحدة الوطنية.
من خلال هذا الخوف، تأتي أهمية لبنان في عقل الرئيس حافظ الأسد. فلبنان يمكن أن يكون ساحة يستخدمها أعداء سوريا، كما يمكن أن يكون ساحة يستخدمها النظام ضد أعدائه، وفي تعزيز النظام وسياساته.
لم يكن في ذهنه ضم لبنان إلى سوريا، أو عدم الاعتراف بشرعية الدولة اللبنانية، وإنما كان الأمر يتعلق بالإمساك بلبنان، وتوجيه سياساته الخارجية، وإغلاق النوافذ أمام إسرائيل وأمام خصوم سوريا وخصوم نظامها لاستخدام لبنان (...). كانت ثقته عميقة بالسيد موسى الصدر. وبعد غيابه، انتقلت الثقة إلى نبيه بري، وأصبح السيد نبيه بري موضع الثقة، على الرغم من أن بعض القادة، أمثال السيد حسين الحسيني، كانوا يحملون راية السياسة السورية في لبنان.
أصبح بري السياسي الأبرز في طائفته، وحظي بدعم كامل سياسياً وعسكرياً، وأصبحت حركة «أمل» هي الميليشيا المسلحة الأكثر التصاقاً مع النظام في سوريا، وساعدناها في نزاعاتها مع «حركة المرابطون»، ومع «الحزب التقدمي الاشتراكي»، ومع الفلسطينيين، ثم مع «حزب الله».
لعبت حركة «أمل» دورين رئيسيين في إطار السياسة السورية: الأول في مواجهة قوى الجيش اللبناني والقوات اللبنانية، وإسقاط اتفاقية السابع عشر من مايو (أيار)، وساعد بدوره السيد وليد جنبلاط في الضغط العسكري على «القوات اللبنانية» في منطقتي الشوف وعاليه، ما دفع الرئيس اللبناني أمين الجميل إلى القبول بتسوية أُسقطت فيها اتفاقية 17 مايو (أيار) 1983. أما الدور الثاني فقد كان في الجنوب، وكان لحركة «أمل» دور رئيسي في مقاومة الاحتلال.
لم يكن لإيران نفوذ في لبنان أو وجود سياسي أو عسكري قبل عام 1980. كان الوجود الإيراني رمزياً، يتمثل بمجموعة من المعارضة الإيرانية تعمل في ظل السيد موسى الصدر، ومن بين هؤلاء السيد مصطفى شمران الذي أصبح وزيراً للدفاع بعد انتصار «الثورة» في إيران.
كان الدخول الإيراني الأوسع الفاعل إلى لبنان خلال الاجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية في مطلع يونيو (حزيران) عام 1982، إذ اتخذت آنذاك القيادة الإيرانية قراراً بإرسال لواء من «الحرس الثوري» إلى سوريا، وذلك بالاتفاق معنا. وبالفعل، فقد وصل لواء «الحرس» الإيراني بعد أيام قليلة من بدء القتال، وتوجه القسم الأكبر منه إلى لبنان، إلى منطقة بعلبك - الهرمل.
هكذا، بدأت مسيرة النفوذ الإيراني في لبنان. وكان من مهام «الحرس الثوري» القيام بـ«تشكيل (حزب الله)، وتنظيم عملية المقاومة الإسلامية ودعمها وتدريبها. وكان التوجه الإيراني عدم انزلاق الحزب في الحياة السياسية اللبنانية، والانصراف إلى المقاومة وتوسيعها وزيادة فاعليتها».
كانت المقاومة في الجنوب مُشَكَّلة من قوى مختلفة، لبنانية وفلسطينية، ولكن بعد الاجتياح أصبحت حركة «أمل» هي القوة الرئيسية للمقاومة. وبدخول «حزب الله» إلى ساحة المقاومة، كان الحزب ينمو ويتسع عدد عناصره على حساب حركة «أمل» التي كانت قيادتها غارقة في العمل السياسي.
ومع تمكن «حزب الله» من الإمساك بمنطقة البقاع الشرقي، وانضمام عناصر قيادية من حركة «أمل» لـ«حزب الله»، خطا الحزب خطوات أخرى باتجاه الضاحية الجنوبية في بيروت، وباتجاه الجنوب، وأصبح بفضل الدعم والمساندة الإيرانية قوة رئيسية منافِسة لحركة «أمل» في الساحة الشيعية. وقد أدى ذلك إلى قتال عنيف بين الحركة والحزب، ولم يتوقف إلا بعد ممارسة ضغوط قوية، سورية وإيرانية، وإجراء مصالحة بين الطرفين.
كان الموقف السوري، عملياً، يتعاطف مع حركة «أمل»، وكان الرئيس حافظ الأسد وحده يُبدي التعاطف مع «حزب الله»، ويعطي التوجيهات لقيادة الجيش والأجهزة الأمنية بمساعدته. وقد بنى موقفه على أن الحزب أصبح قوة المقاومة الرئيسية بعد تراجع حركة «أمل» والأحزاب الوطنية. وبالتالي، يجب الاعتماد عليه في مقاومة إسرائيل واستنزافها. كان معظم الضباط السوريين في لبنان يتعاطفون مع «أمل»، ولا يميلون إلى «حزب الله» بصفته حزباً إسلامياً، وهم -أي الضباط السوريون- ما زالوا تحت وطأة الحوادث الدامية التي وقعت في سوريا بين الدولة و«الإخوان المسلمين».
لم يكن الرئيس حافظ الأسد قلقاً من النفوذ الإيراني، كما لم يكن في ذهنه أن إيران تبني قاعدة عسكرية وسياسية في لبنان تهدف لخدمة استراتيجيتها، وأن لديها طموحاً في التوسع الإقليمي، وهي حليفة نتعاون معها في مواجهة النظام العراقي.
كانت حسابات الرئيس حافظ الأسد أن إيران في كل الظروف مضطرة لأن تكون حليفة لسوريا، وهي معادية لإسرائيل، وعلاقاتها متوترة مع الدول التي تجاورها، بسبب الحرب مع العراق من جهة، أو بسبب الخوف منها من جهة ثانية. لم يكن يُقلقه التمدد الإيراني في لبنان، ودائماً كان في ذهنه صَدام حسين من جهة، ولبنان من جهة ثانية، وفي المسألتين إيران هي الحليف، سواء في مواجهة إسرائيل أو في الاعتماد على الطائفة الشيعية التي أصبحت في معظمها موالية لإيران، وموالاتها لسوريا تتعزز أو تتراجع في ضوء العلاقات بين الدولتين.

خدام: الأسد اقترح إعطاء المعارضة العراقية وعوداً وهمية... وخاتمي حذر من دولة كردية (الحلقة الأولى)

خدام: الأسد غيّر رأيه ومدد للحود فاصطدمت سوريا بالإرادة الدولية (الحلقة الثانية)

خدام: استقبلنا رفيق الحريري بناء على اقتراح جنبلاط... وحافظ الأسد «امتحنه» (الحلقة الثالثة) 
خدام: هاجمت قواتنا ثكنة «حزب الله»... وهذا ما دار مع السفير الإيراني (الحلقة الرابعة)
خدام: بوش أبلغنا برسالة خطية أن عون «عقبة»... والأسد اعتبرها «ضوءاً أخضر» لإنهاء تمرده (الحلقة الخامسة)
خدام: صدام بعث برسائل سرية إلى خامنئي ورفسنجاني... واقترح قمة بحضور «المرشد» (الحلقة السادسة)
رفسنجاني في رسالة لصدام: تتحدث عن القومية العربية وتنتقد رفضنا لاحتلال الكويت (الحلقة السابعة)
خدام: قلت لعرفات إنك تكذب وتتآمر على فلسطين ولبنان وسوريا (الحلقة الثامنة)
خدام: السعودية لعبت دوراً بارزاً لدى أميركا في حل «أزمة الصواريخ» مع إسرائيل (الحلقة التاسعة)

خدام: حافظ الأسد كان سريع التأثر بأفراد عائلته... وعلاقتنا وصلت أحياناً إلى القطيعة (الحلقة الـ 11 والأخيرة)



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.