هل التنمر الإلكتروني سلوك إدماني؟

تمضية أوقات طويلة على مواقع التواصل تدفع المراهقين الأكبر سناً لممارسته

هل التنمر الإلكتروني سلوك إدماني؟
TT

هل التنمر الإلكتروني سلوك إدماني؟

هل التنمر الإلكتروني سلوك إدماني؟

رغم الجهود المبذولة في نشر الوعي بخطورة «التنمر الإلكتروني» وآثاره المدمرة على الأطفال والمراهقين، التي تصل في بعض الأحيان إلى الإقدام على الانتحار، ورغم توقيع العقوبات ضد من يثبت تورطه في التنمر، إلا أن هذه الظاهرة ما زالت منتشرة في أوساط تجمعات صغار السن مثل المدارس والنوادي، بل وفي دور العبادة أيضاً في بعض الأحيان.
الحقيقة أن سلبيات واقعة التنمر تتعدى الأثر الوقتي لحدوثها وتؤدي إلى إصابة الضحية بالأمراض النفسية والعضوية أيضاً، بشكل غير مباشر، مثل الأعراض الجسدية نفسية المنشأ، حيث يعاني الطفل من أعراض بعيدة تماماً عن الحالة النفسية مثل آلام مستمرة في الجهاز الهضمي. وعند إجراء الفحوصات لا يكتشف أي سبب عضوي. وحقيقة الأمر أن تلك الأعراض هي مجرد تعبير عن الاضطرابات النفسية المختلفة، وتتحسن بالعلاج النفسي.

- أسباب التنمر
مع تحول التنمر إلى مشكلة صحية عالمية، ظهرت مئات من الدراسات تناولت أسبابه ومحاولات علاجه وأثره على المدى القصير والبعيد، سواء على الضحية، أو الأسرة، وعلى المتنمر نفسه في بعض الأحيان، حيث يمثل ذلك خللاً في التركيبة النفسية للمراهق يدفعه إلى ممارسة هذا السلوك.
أحدث هذه الدراسات التي نشرت في مطلع شهر أبريل (نيسان) من العام الحالي في مجلة «the Journal of Child and Adolescent Counseling» المتخصصة بتقديم المشورة الخاصة بالأطفال والمراهقين، أشارت إلى احتمالية أن يكون التنمر نتيجة لقضاء وقت طويل على الإنترنت، خصوصاً من قبل الأطفال الذكور.
وأوضحت الدراسة التي قام بها فريق بحثي من جامعة جورجيا بالولايات المتحدة أن العديد من المراهقين ربما يمارسون التنمر عبر الإنترنت بدون ممارسته في الحياة الحقيقية، وذلك لسهولة إخفاء الهوية وغياب العقاب المجتمعي والمادي، ما يشجع على حدوثه، خصوصاً أن تطور المخ لدى المراهق، بحكم العمر، لم يكن قد اكتمل على المستوى النفسي والعضوي.
ومع التقدم التكنولوجي غير المسبوق، يمكن للمراهق أن يقوم بالتنمر كرد فعل للقلق أو الإحباط والغيرة من الآخرين، مع وجود آلاف من الأشخاص يمكنه الاتصال بهم والتفاعل معهم.
قام الباحثون بإجراء التجربة على 428 من المراهقين تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشرة والتاسعة عشرة بنسب متساوية للذكور والإناث، حيث شكل كل فريق 50 في المائة من العينة. وعرف الباحثون التنمر بشكل مفصل على أنه واحد من أفعال متعددة تشمل قائمة من السلوكيات التي يمكن أن تصنف كأفعال عادية يمارسها الكثيرون، ولكنها تزعج الآخرين مثل: التهجم الشخصي على الآخرين، التحرش سواء بالإناث أو الذكور، أي شكل من أشكال السلوك العنصري ضد الآخرين فيما يتعلق باللون أو العرق والدين والعيوب الخلقية والمستوى الاجتماعي، التشهير بشخص ونشر معلومات كاذبة عنه، تغيير الهوية والترهيب من خلال انتحال شخصية لها سلطات معينة مثل رجال الأمن أو المدرسين.
كما شملت قائمة السلوكيات أيضاً: نشر معلومات خاصة، سواء أحاديث نصية أو صوتية، ونشر صور ومقاطع خاصة بدون إذن صاحبها، سواء تم الحصول عليها بطريقة شرعية مثل أن يقوم الشخص بإرسالها إلى المتنمر، أو الحصول عليها عن طرق غير شرعية من خلال السرقة الإلكترونية، والاستبعاد والعزل المجتمعي لشخص معين مثل تجاهل أحد الطلاب من قبل أقرانه، وتعمدهم عدم وضعه في مجموعة معينة تضم بقية الزملاء، ورفضهم لمحاولات التقرب منه، وكذلك المطاردة الإلكترونية عن طريق تعمد إرسال العديد من الرسائل، أو الإلحاح في معرفة معلومات معينة أو التتبع عبر العديد من المواقع المختلفة، والسخرية من المظهر فيما يتعلق بالوزن والطول وأسلوب الكلام.

- إدمان إلكتروني
حذر الباحثون من أن المواقع المختلفة على الإنترنت مصممة بحيث تجذب الشباب وتنشط إفراز الموصلات العصبية مثل «الدوبامين» من مركز المكافأةreward center) ) في القشرة المخية، وأنه كلما كانت فترات «البقاء الإلكتروني» طويلة كلما زادت خطورة أن يقوم المراهق بممارسة التنمر للتسلية والشعور بالمتعة نتيجة لحصوله على الإعجاب من خلال التعليقات التي ترى في السخرية من الآخرين، وتخويفهم نوعاً من قوة الشخصية وفرض السيطرة والقيادة مما يتسبب في إفراز الموصلات الكيميائية التي تشعره بالسعادة.
وعند سؤال المشاركين عن الوقت الذي يقضيه كل منهم على الإنترنت أوضحوا أنه في المجمل كان متوسط الوقت حوالي 7 ساعات يومياً، وأقصى وقت للوجود كان 12 ساعة يومياً، وهو ما يحول الأمر إلى سلوك إدماني.
وأوضح الباحثون أن إدمان مواقع التواصل يعبر عن فشل التواصل الحقيقي، وعدم الحصول على القبول الاجتماعي في الواقع مما يجعل المراهق يبحث عنه في الفضاء الإلكتروني، خصوصاً إذا كان يعاني من فشل معين، سواء تراجع الأداء المدرسي وعدم التفوق أو مشكلات مع الآباء.
واعترف كثير من الذين شملتهم الدراسة أنهم يمارسون التنمر، رغم شعورهم بالندم بعد ذلك في سلوك أقرب ما يكون لإدمان مادة معينة. وكان المراهقون الذكور هم الأكثر ممارسة للتنمر من الفتيات.
وذكرت الدراسة أن المراهقين يحدث لهم تغير في السلوك الطبيعي على الإنترنت، بحيث يصبحون أقل تعاطفاً مع الضحايا وأقل ندماً أيضاً مقارنة بالحياة العادية. وربما يكون ذلك لعدم تمكنهم من رؤية رد الفعل على الضحية بشكل مباشر، وهو الأمر الذي يفسر عنف الأفراد على وسائل التواصل واستخدام النقد الجارح المبالغ فيه ضد الآخرين، وهذا ما يجعل نشر التوعية عن خطورة التنمر على الضحايا ضرورة إنسانية وصحية.
- استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

تقنيات حديثة لحقن الأدوية في شبكية العين

صحتك صورة توضيحية لتشريح العين وتقنيات الحقن المستخدمة (الشرق الأوسط)

تقنيات حديثة لحقن الأدوية في شبكية العين

أظهرت إرشادات نُشرت لأول مرة في دراسة حديثة، فوائد فريدة من نوعها توفرها حقن الحيز فوق المشيميّة للمرضى الذين يعانون من مشكلات في شبكية العين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تقوم الكبد بالعديد من الوظائف الحيوية بالجسم (رويترز)

ما سبب زيادة انتشار مرض الكبد الدهني خلال السنوات الأخيرة؟

أكد طبيب أميركي أن الاستهلاك المتزايد للمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة والأطعمة شديدة المعالجة ساهم في زيادة انتشار «مرض الكبد الدهني» خلال السنوات الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الشباب والأطفال الأعلى تفاؤلاً يميلون إلى أن يكونوا أفضل صحة (رويترز)

كيف يؤثر التفاؤل على صحة الأطفال والشباب؟

كشفت دراسة جديدة عن أن صغار السن الأعلى تفاؤلاً بشأن مستقبلهم يميلون في الواقع إلى أن يكونوا أفضل صحة بشكل ملحوظ.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك إنجاب الأطفال في سن صغيرة يوفر تأثيراً وقائياً ضد سرطان الثدي (رويترز)

الإنجاب في سن صغيرة قد يقلل خطر الإصابة بسرطان الثدي

كشفت دراسة علمية جديدة أن إنجاب الأطفال في سن صغيرة يوفر تأثيراً وقائياً ضد سرطان الثدي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

كشفت دراسة دولية أن 91 في المائة من المصابين باضطرابات الاكتئاب بجميع أنحاء العالم لا يحصلون على العلاج الكافي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

كيف يؤثر التفاؤل على صحة الأطفال والشباب؟

الشباب والأطفال الأعلى تفاؤلاً يميلون إلى أن يكونوا أفضل صحة (رويترز)
الشباب والأطفال الأعلى تفاؤلاً يميلون إلى أن يكونوا أفضل صحة (رويترز)
TT

كيف يؤثر التفاؤل على صحة الأطفال والشباب؟

الشباب والأطفال الأعلى تفاؤلاً يميلون إلى أن يكونوا أفضل صحة (رويترز)
الشباب والأطفال الأعلى تفاؤلاً يميلون إلى أن يكونوا أفضل صحة (رويترز)

كشفت دراسة جديدة عن أن صغار السن الأعلى تفاؤلاً بشأن مستقبلهم يميلون في الواقع إلى أن يكونوا أفضل صحة بشكل ملحوظ.

ووفق موقع «ذا كونفرسيشين»، فقد بحثت الدراسة، التي أجراها باحثون من جامعة كونكورديا بكندا، في تأثير التفاؤل على الأطفال والمراهقين والشباب على حد سواء، عبر بحث ومراجعة 60 دراسة سابقة ذات صلة أجريت على مدار أكثر من 3 عقود.

ووجد الباحثون أنه، عبر الدراسات المختلفة، كانت الارتباطات بين التفاؤل والصحة البدنية تميل إلى أن تكون إيجابية؛ مما يعني أن الشباب الأعلى تفاؤلاً أو الأقل تشاؤماً كانوا أفضل صحة.

وعلى وجه التحديد، وجد الفريق أن صغار السن المتفائلين لديهم أنظمة غذائية أفضل، ويمارسون الرياضة بشكل متكرر، ولا يستخدمون الكحول والمخدرات. كما أن صحتهم الجسدية تكون أفضل بكثير من غير المتفائلين، حيث يتمتعون بصحة قلبية وعائية أفضل، ولديهم أمراض أقل، ولا يشعرون بالألم بشكل كبير، ويمكنهم حتى أن يعيشوا لمدة أطول من أقرانهم الأقل تفاؤلاً.

كما ارتبط التفكير المتفائل بتحسن الصحة العقلية لدى صغار السن.

وكتب الباحثون في دراستهم أن «الشخص الذي يميل إلى توقع النتائج الإيجابية دائماً في حياته، يكون أكثر ميلاً إلى حماية صحته بشكل استباقي عبر اتباع نظام غذائي أفضل، وممارسة الرياضة، والإقلاع عن التدخين أو الحد منه. وعلى نحو مماثل، عندما يواجه الشخص المتفائل مشكلة صحية فعلية مثل السرطان، فإنه يميل إلى اتباع نمط حياة أفضل صحة يمكنه إبطاء المرض أو تعزيز التعافي».

وأضافوا: «التفكير الأعلى تفاؤلاً يمكن أن يحمي الناس أيضاً من التأثيرات الفسيولوجية للتوتر. على سبيل المثال، وجد بعض الأبحاث التجريبية أن الأشخاص الأعلى تفاؤلاً حين يخوضون اختباراً مثيراً للتوتر، فإنهم ينجحون في الحفاظ على هدوئهم النفسي وصحتهم القلبية بشكل ملحوظ مقارنة بالمتشائمين. كما يمكن أن يحمي التفكير المتفائل الناس أيضاً من ارتفاع هرمون الكورتيزول المرتبط بالتوتر، والذي يمكن أن تكون له عواقب طويلة الأمد على الصحة البدنية».

وسبق أن ذكرت دراسة أجريت عام 2022 أن التفاؤل يمكن أن يطيل عمر الأشخاص، ويزيد بشكل كبير من احتمالية بلوغهم سن التسعين.

كما أكدت دراسة أجريت العام الماضي أن التفاؤل يمكن أن يساعد في إبطاء الشيخوخة، والتصدي للخرف.