«الأخوة الإنسانية» تجمع شيخ الأزهر والبابا في «الطريق الصعب»

محمد عبد السلام يقدم شهادة على ميلاد الوثيقة

«الأخوة الإنسانية» تجمع شيخ الأزهر والبابا في «الطريق الصعب»
TT

«الأخوة الإنسانية» تجمع شيخ الأزهر والبابا في «الطريق الصعب»

«الأخوة الإنسانية» تجمع شيخ الأزهر والبابا في «الطريق الصعب»

عبر مقاربة لافتة توازن بين الخاص الشخصي والعام المشترك، يقدم الأمين العام لـ«لجنة الأخوة الإنسانية»، القاضي محمد عبد السلام، شهادته على ميلادها، التي وقّعها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، في فبراير (شباط) 2019 في أبوظبي، وتأسست بموجبها لجنة تحمل الاسم نفسه لتعميق أهدافها وتحقيقها، والعمل على استدامة العلاقات والتعاون بين المؤسستين الدينيتين البارزتين.
ومن خلال كتاب أصدره عبد السلام حديثاً بعنوان «الإمام والبابا والطريق الصعب... شهادة على ميلاد وثيقة الأخوة الإنسانية»، يقع في 240 صفحة، وقدّم له البابا وشيخ الأزهر، يعرض المؤلف التفاصيل الفكرية والفنية البروتوكولية التي سبقت إعداد الوثيقة، وما أحاط بها من عقبات، وكيف نشأت فكرتها وتطورت، كما يكشف بحكم موقعه القريب عن كواليس القمم الدينية المهمة التي جمعت بين الطيب وفرنسيس في مواقع مختلفة حول العالم.
لا يعتبر المؤلف أن «وثيقة الأخوة الإنسانية» سياقاً منفصلاً عن مجمل تحركات «الأزهر»، بل إنه يؤصل ويوثق للمبادرات المحلية التي أقامتها المؤسسة، ومنها «بيت العائلة المصرية» والتي استهدفت «توحيد الموقف بين الأزهر والكنائس المصرية»، ومعتبراً أنه تم استكمال ذلك الاتجاه عبر تعزيز علاقة المشيخة بالمؤسسات الدينية الكبرى في الغرب، فضلاً عن المشاركة في «مبادرة الحوار الحضاري والإنساني بين الشرق والغرب» عبر التواصل مع كنيسة كانتربري في لندن، وفي فعالية استضافتها مدينة أبوظبي أيضاً عام 2016.
وفي تطرقه لاستئناف العلاقة بين الأزهر والفاتيكان بعد فترة قطيعة، يحكي المؤلف شهادته على مبادرة أسرَّ بها الشيخ الطيب لعبد السلام في عام 2015 وتتثمل في أنه – أي شيخ الأزهر - ينوي زيارة الفاتيكان، مكلفاً مستشاره حينها «المسؤولية الكاملة لترتيب الزيارة».
وتمضي صفحات الكتاب عارضة شهادة المؤلف الذي راقب عن قرب كيفية إقناع الطيب لبعض المعترضين في هيئة «كبار العلماء» (أكبر مرجعية علمية للأزهر) على الزيارة، وإدارة المناقشات، وكذلك الصعوبات البروتوكولية التي واجهت الأمر وطبيعة إرسال الدعوة وتلقيها، إلى أن يصل الكاتب إلى تحقيق المقابلة الشهيرة في عام 2016، وما أعقبها من «مؤتمر الأزهر العالمي للسلام» في القاهرة بحضور البابا، وذلك في عام 2017.

- موقف طريف
من بين المواقف التي يرويها المؤلف، طرفة حدثت في القاهرة خلال زيارة البابا لشيخ الأزهر بمقر المشيخة (عام 2017) قبيل انطلاق «مؤتمر الأزهر للسلام»، ويقول المؤلف، إن «التنظيم كان يقتضي أن يتحرك الشيخ إلى مقر المؤتمر الذي يعقد في أحد فنادق القاهرة، فاستأذن الطيب بالفعل البابا ليسبقه؛ وبهدف أن يكون في استقباله لدى وصوله لمقر المؤتمر، وفق البروتوكول»، وتحرك البابا بعد مغادرة الشيخ بدقائق، غير أن قائد حراسة موكب شيخ الأزهر اختار طريقاً قدّر أنه سيكون مختصراً، لكن الشيخ وصل مقر الفعالية ليفاجئ بوجود البابا في انتظاره «وهو يضحك بشدة»، وقال مخاطباً الطيب «لقد سبقتك يا صديقي، وها أنا أستقبلك في مقر المؤتمر»، فما كان من الطيب إلا أن رد ضاحكاً وقال «هذا دليل على أنك لست ضيفاً، بل صاحب البيت».

- تفاصيل الوثيقة
وبسبب تركيزه خصيصاً على وثيقة «الأخوة الإنسانية»، فإن المؤلف تعمّق في سرد وقائع وتفاصيل وترتيبات الإعداد لها، وعدّد أسباب اختيار الرمزين الدينيين لدولة الإمارات لإعلان الوثيقة، منوهاً بالدور التاريخي الكبير لرعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، للوثيقة ودعمه تفعيل بنودها ونشر قيمها، وعبر صفحات الكتاب شرح المؤلف بشكل دقيق كيف وضع شيخ الأزهر صياغة أولى للوثيقة، والتعديلات التي أدخلها بابا الفاتيكان، فضلاً عن آلية التنسيق بدايةً من اختيار الموعد المناسب لتوقيع الوثيقة، وحتى الاتفاق على نوعية الخطوط التي كتبت بها.
كما أفرد عبد السلام، صفحات شرح فيها بأسلوب جذاب ومشوق كيفية انتظاره قرار البابا بشأن الوثيقة والموافقة على نصوصها، وفي كل المراحل كان يستطرد بالمقارنات بين سلوكي الإمام والبابا وكيفية تطابقهما تقريباً فيما يتعلق بالاهتمام الإنساني بالعاملين معهم على كل المستويات، فضلاً عن القراءة النهمة واستغلال أوقات التنقل في الذكر والصلاة.
ولم ينسَ المؤلف في توثيقه، تلك المفارقة المؤثرة التي تمثلت في غيابه عن حضور حفل توقيع الوثيقة التي عمل على كل مراحلها ممثلاً الأزهر، وبينما كان التأثر يسيطر عليه فوجئ بإشادة كل من شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان به على الهواء أثناء مراسم الحفل.
والوثيقة التي هي محور الكتاب أثارت اهتماماً على المستويين الديني والدولي، وتضمنت تأكيدات على المشتركات الإيمانية والإنسانية، بل إن نصها تضمن استهلالاً بالإشارة إلى «الله الذي خلق البشر جميعاً متساوين في الحقوق والواجبات والكرامة، ودعاهم للعيش كإخوة فيما بينهم ليعمروا الأرض، وينشروا فيها قيم الخير والمحبة والسلام». كما أنها تدحض العنف وتنطلق «باسم النفس البشرية الطاهرة التي حرّم الله إزهاقها، وأخبر أنه من جنى على نفس واحدة فكأنه جنى على البشرية جمعاء، ومن أحيا نفساً واحدة فكأنما أحيا الناس جميعاً».
وفي صُلبها أيضاً التزام وتنبيه إلى «الفقراء والبؤساء والمحرومين والمهمشين الذين أمر الله بالإحسان إليهم ومد يد العون للتخفيف عنهم، فرضا على كل إنسان لا سيما كل مقتدر وميسور».
وعن كيفية التوصل إلى ذلك التوافق بشأن صياغة الوثيقة، يروى المؤلف أن الإمام الطيب «بدأ في صياغة المسودة الأولى وقد استغرقت منه شهراً كاملاً، وبمعدل ثماني ساعات يومياً (....)»، وبعد انتهاء الشيخ من صياغتها طلب من مستشاره تولي إجراءات عرضها على البابا «وشدد على ألا أخبره أن الإمام هو من صاغها حتى لا يجد في نفسه حرجاً في الاستدراك والتعديل عليها».
وبشأن المرحلة اللاحقة والتي أعقبت عرضها على البابا فرنسيس، يقول عبد السلام: «أخبرني الأب يوأنس (سكرتير البابا) أنه عرض مسودة (الوثيقة) على حضرة البابا، وأنه بدأ يكتب أفكاره ومقترحاته عليها»، ويضيف أنه عندما ذهب لشيخ الأزهر بالمسودة في صورتها بعد تعديلات البابا، قال له الطيب «أكاد أجزم أننا لن نختلف، وإذا كان هناك تعقيبات فلا بد من مراجعة المترجم أولاً لأنني أثق في التوافق الفكري بيني وبينه فكلانا ينشد الخير والسلام (...)، وعندما فتح الإمام (المسود الثانية) واطلع على ما فيها تبين لنا صدق ما توقع الإمام؛ إذ لم يعدل الباب على المتن المقترح من الإمام، وإنما أضاف أفكاراً ومقترحات اكتملت بها (الوثيقة) ولاقت هذه المقترحات استحساناً كبيراً من الإمام».

- تعليقات وتفاعلات
اعتماداً على موضوعه المهم والحي، فإن القاضي محمد عبد السلام، تمكن من حشد تعليقات وتفاعلات قيّمة ومعتبرة مع ما كتب، وكانت البداية تقديم شيخ الأزهر للكتاب ووصفه بأنه «مهم جامع لمراحل صناعة الوثيقة»، وأنه جاء عبر «أسلوب حديث منمق وبرواية صادقة للوقائع والأحداث، بعيدة عن المجازفات الفكرية والتعصب والجمود»، وكذلك جاء في السياق نفسه قول البابا فرنسيس، إن «الكتاب يرصد اللحظات المهمة لمرحلة توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية».
وربما بدا منطقياً أن يقدم الرجلان للكتاب باعتبارهما بطلي موضوعه واتصالهما بمعالجته، غير أن المؤلف حشد في صفحاته بذكاء تعليقات من شخصيات بارزة، قدمت كلمات تضمنت تفاعلاً واحتفاءً بموضوعه، ومن هؤلاء الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية ورئيس لجنة الخمسين لكتابة الدستور المصري، عمرو موسى، والممثل السامي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، ميغيل موراتينوس، ورئيس وزراء لبنان الأسبق فؤاد السنيورة، وكذلك المستشار السابق للرئيس المصري للشؤون الاستراتيجية الدكتور، مصطفى حجازي، فضلاً عن أستاذ الدراسات الإسلامية الدكتور رضوان السيد، وشخصيات دولية وعربية أخرى.


مقالات ذات صلة

جوامع باريس لـ«الدعاء لفرنسا» بعد خطبة الجمعة

أوروبا جوامع باريس لـ«الدعاء لفرنسا» بعد خطبة الجمعة

جوامع باريس لـ«الدعاء لفرنسا» بعد خطبة الجمعة

طلب عميد «المسجد الكبير» في باريس، شمس الدين حفيز، من الأئمة التابعين للمسجد الدعاء لفرنسا في نهاية خطب الجمعة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)

عصر «الفاشية التقنية» بدأ... لكنه لم ينتصر بعد

غاري إف. ماركوس
غاري إف. ماركوس
TT

عصر «الفاشية التقنية» بدأ... لكنه لم ينتصر بعد

غاري إف. ماركوس
غاري إف. ماركوس

في عام 1922، عندما صعد موسوليني إلى السلطة في إيطاليا، كانت الفاشية تبدو لأوّل وهلة مشروعاً لاستعادة النظام بعد فوضى الحرب العالمية الأولى؛ لكنها سرعان ما كشفت عن وجهها الحقيقي: سيطرة مطلقة باسم المصلحة العامة. اليوم، وبعد قرنٍ كامل، يعود السؤال ذاته بثوب جديد: هل نحن على أعتاب فاشية أخرى؛ «فاشية رقمية» تتغذّى من الخوارزميات والذكاء الاصطناعي؟

قد يبدو السؤال مبالغاً فيه؛ لكنّ نظرة واحدة إلى ما يحدث في «وادي السيليكون» تكفي لتولّد أعلى أشكال القلق. الشركات العملاقة، التي كانت تُبشّرُ بحرية الوصول إلى المعرفة إلى حدود تنشأ معها مشاعية معرفية مجانية، باتت هي ذاتها تتحكم في المعرفة؛ صناعةً ومناقلةً وترويجاً لما يرادُ وما لا يرادُ، والمنصّات التي رفعت شعار «تمكين الأفراد معرفياً» أصبحت تحدّدُ ما نقرأه، وما نعرفه؛ بل وحتى ما نعتقده.

في كتابه الأخير «ترويض وادي السيليكون (Taming Silicon Valley)»، المنشور أواخر عام 2024، يحذّر الباحث الأميركي غاري إف. ماركوس (Gary F. Marcus)، (وهو مختصٌّ في علم النفس واللغويات والذكاء الاصطناعي، ويعمل أستاذاً في جامعة نيويورك، وله كثير من الكتب المهمّة في هذه المجالات) من تبعات هذا الانجراف الهادئ نحو شكل جديد من السلطة... ليست سلطة عسكرية ولا آيديولوجية؛ بل «سلطة رقمية» تُمارَسُ من وراء الشاشات. يعتقدُ ماركوس أنّ الذكاء الاصطناعي - كما يُمارَسُ اليوم - لم يعُدْ محض علم أو أداة أو ثورة تقنية جديدة؛ بل صار نظاماً اجتماعياً واقتصادياً متكاملاً يصوغ سلوك البشر ويعيد تشكيل المؤسسات والمجتمعات. إنّه عصر نهضة جديدة بكلّ المقاييس والاعتبارات.

يؤكّدُ ماركوس في كتابه أنّنا نشهدُ اليوم انتقالة جذرية من «الفاشية الكلاسيكية» إلى «الفاشية التقنية (Techno-Fascism)». «الفاشية القديمة» كانت تعتمد على السيطرة المادية: الشرطة، والجيوش، والإعلام الموجّه، والخطابة. أما «الفاشية التقنية» فتعمل بطريقة أعلى أناقةً، وأشد خبثاً في الوقت ذاته. إنها لا تفرض عليك ما تفعل؛ بل تدفعك إلى فعله دون أن تدري.

حين تقترح عليك الخوارزمية ما «قد يعجبك»، فإنها في الحقيقة لا «تقترح»، بل توجّهك، وحين تجمع البيانات عنك لـ«تخصيص تجربتك»، فإنّها في الواقع تكتب سيرتك النفسية بدقةٍ تفوق ما تعرفه أنت عن نفسك. نحنُ نعيش لحظة مفارقة: لم يَعُد الإنسان يواجه الاستبداد في الشوارع؛ بل في جيبه: في هاتفه، في ساعته الذكية، وفي كومبيوتره اللوحي أو المحمول. الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرّد أداة للراحة أو الكفاءة؛ بل تحول إلى جهازٍ سياسي بامتياز: كلّما زادت قدرته على التنبؤ، زادت قدرة مالكيه على التحكّم فينا.

ماركوس يسمّي هذا الوضع «اختطاف المستقبل»؛ إذ يرى أنّ حفنة من الشركات - بقيادة أباطرة التقنية الرقمية: «غوغل»، و«ميتا»، و«مايكروسوفت»، و«أوبن إيه آي (Open AI)» - تمسك اليوم بالمفاتيح الجوهرية للمستقبل البشري على مستويات اللغة، والمعرفة، والقرار. هذه الشركات لا تمثّلُ «السوق الحرة» كما تدّعي؛ بل تمثلُ نوعاً من «الاحتكار العقلي العالمي». يصف ماركوس «الأباطرة الرقميين» بأنّهم «الفاشيون الجدد»: «نخبة الخوارزميات». ويمضي في الإيضاح بقوله إنّ «الفاشي القديم» كان يرفع شعارات القوة والوحدة القومية؛ أما «الفاشي الجديد» فهو يرتدي قميصاً رمادياً ويحمل بطاقة موظف في «وادي السيليكون»... إنه مبرمِج، أو مدير منتج، أو مستثمر مغامر؛ لكنّه في كلّ أشكاله الوظيفية يعتقد أنّه يصنع المستقبل؛ غير أنّه في الواقع يعيد صياغة الحاضر على صورته الخاصة.

يصف ماركوس «الأباطرة التقنيين» بأنّهم «الكهنة الجُدُد» الذين يملكون أسرار «الكود (Code)» والمعرفة التقنية... هم مَنْ يقرّرون شكل الذكاء الاصطناعي، والقيود المفروضة عليه، وما إذا كان يجب أن يخضع للرقابة أم لا. بهذا المعنى نحن أمام طبقة جديدة؛ طبقة من «الفاشيين التقنيين» الذين لا يحتاجون إلى رفع شعارات أو استعراض عضلات، يكفيهم أن يملكوا البنية التحتية الرقمية للعالم. يصف ماركوس الأمر بطريقة درامية مثيرة حينما يوردُ في كتابه أنّ «وادي السيليكون» استحال إلى ما يشبه «الفاتيكان الجديد للتقنية»: يملك العقيدة (الذكاء الاصطناعي)، والطقوس (الكود)، والمؤمنين (المُسْتَخْدِمين)، والقدّيسين الجُدُد (روّاد الأعمال)... لكنْ بخلاف الفاتيكان؛ لا يخضع أحدٌ فيه للمساءلة الأخلاقية.

ماركوس يرى أن هذه «اللامساءلة» هي جوهر الخطر؛ فحين تصبح الخوارزميات أذكى من البشر، ويُرفَعُ شعار «الثقة بالتقنية»، فمن ذا الذي بمستطاعه تقديم ضمانة مؤكّدة أو مقبولة بأنّ التقنية نفسها لا تنزلق إلى «فاشية خفية»؟

تعمل «الفاشية التقنية» بواسطة الوسائل التقنية الناعمة والأنيقة... ما يميّزُ «الفاشية التقنية» هو أنها لا تأتي بالبنادق، بل عبر «الواجهات الحاسوبية».

هي لا تمنعك من الكلام، بل تغرقك بالضجيج حتى لا تعود تعرف ما تقول.

هي فاشية لا تحتاج إلى الرعب، بل إلى الإدمان.

في هذا العالم تُصبح البيانات بديلاً للدم، والخوارزميات بديلاً للقوانين.

حين يقرر الذكاء الاصطناعي من يُوظَّفُ، ومن يُقصى، ومن يُراقَبُ، فإننا نعيش بالفعل شكلاً من أشكال «الحكم التقني (Technocracy)» الذي قد يتحول بسهولة إلى «فاشية» حين تُرفَعُ عنه الضوابط الأخلاقية والقانونية.

لعلّ من أهمّ ما ورد في كتاب ماركوس أنّه يقدّمُ قائمة من «12 خطراً فورياً» لـ«الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI)»: من نشرِ المعلومات المضلّلة، إلى فقدان السيطرة على المحتوى، ومن تشويه الحقيقة إلى الترويج لأنساق آيديولوجية مشخّصة دون سواها؛ لكن خلف هذه المخاطر التقنية يكمن خطر أعمق: تحويل «الإنسان» نفسه إلى «بيانات قابلة للمعالجة».

حين يُختزَلُ الوعيُ إلى خوارزمية، والمشاعرُ أنماطاً، والعلاقاتُ إلى إشعارات، نكون قد دخلنا فعلاً «عصر ما بعد الإنسان»؛ العصر الذي تكتب فيه الآلة ميثاق الإنسانية من جديد.

«الفاشية القديمة» كانت تعتمد على السيطرة المادية: الشرطة والجيوش والإعلام الموجّه والخطابة... أما «الفاشية التقنية» فتعمل بطريقة أعلى أناقةً وأشد خبثاً

> عنوان كتاب ماركوس «ترويض وادي السيليكون» يبدو أقرب إلى صيحة استغاثة، منه إلى اقتراح أكاديمي. إنه يدعو إلى استعادة السلطة الأخلاقية من أيدي الشركات التقنية عبر سياسات واضحة للشفافية والمساءلة وحقوق البيانات. الأهمّ من ذلك أنه يدعو إلى وعي جماعي؛ فالتقنية لا تُروَّضُ بالقوانين وحدها، بل بوعي الناس الذين يستخدمونها. المسألة ليست حرباً بين البشر والآلات؛ بل بين مجتمعات بشرية تؤمن بالإنسان، ونُخب تقنية تؤمن بالفائقية التقنية حدّ جعلها الآيديولوجيا الحاكمة للعصر المقبل. ماركوس يذكّرُنا بأنّ السؤال لم يَعُدْ: «هل يمكننا تطوير ذكاء يفوق البشر؟»، بل: «هل يمكننا تطويرُ ذكاء يخدم البشر؟». «الفاشية التقنية» تبدأ حين نخلط بين الذكاء والسلطة، وبين الكفاءة والعدالة، وبين المعلومة والحقيقة.

> نحن عند خطّ الشروع فقط، ولم نشهد تغوّل عصر «الفاشية التقنية» بعدُ. يؤكّدُ ماركوس أنّ الذين يظنون أننا في منتصف الطريق يخطئون التقدير: نحن في البداية فقط. «الفاشية التقنية» ليست مشروعاً معلناً، بل تحوّل زاحف يحدث بصمت. كل تحديث جديد؛ كل تطبيقٍ «مجاني»، كل ميزة «مخصصة لك»، إنّما هي خطوة صغيرة في طريق بناء نظام شامل من المراقبة والضبط الناعم في «إمبراطورية الفاشية التقنية».

> لكنّ هذا المستقبل ليس قدَراً محتوماً لا مفرّ من مواجهته... يكتب ماركوس في خاتمة كتابه: «لم يزلْ لدينا خيار. يمكننا أن نعيد رسم العلاقة بين التقنية والمجتمع، شريطة أن نعترف أولاً بأننا فقدنا السيطرة». ترويض «وادي السيليكون» لا يعني كراهية التقنية، بل تحريرها من عبادة السوق، وألا تتحول القيم إلى كُود، وألا يتحول الإنسان إلى متغيرٍ في معادلة إحصائية.

> «الخوارزميات الحاسوبية» في عصرنا هذا هي التي تُسيّر العقول. نعم، قد لا نسمع خطاباً فاشياً صاخباً؛ لكننا نعيش ضمن نظامٍ يحدّد ما نراه وما نفكّرُ فيه وما نرغب به. «الفاشية التقنية» ليست ضجيجاً، بل صمتٌ منظمٌّ ومبرمَج. مقاومة هذا الشكل الجديد من السيطرة لا تكون بالهروب من التقنية، بل بفهمها، وتملكها، ومساءلتها. علينا أن نتذكّر أنّ كل خوارزمية كتبها إنسانٌ يمكن تغييرها. لكن أول خطوة في المقاومة هي الاعتراف بالحقيقة: «عصر الفاشية التقنية» قد بدأ؛ لكنه لم ينتصر بعد.


القواميس... بنك اللغة وجسر تواصل الشعوب

القواميس... بنك اللغة وجسر تواصل الشعوب
TT

القواميس... بنك اللغة وجسر تواصل الشعوب

القواميس... بنك اللغة وجسر تواصل الشعوب

صدر أخيراً كتاب «القاموسية: النشأة والتطور» للكاتبة المغربية الدكتورة ربيعة العربي، عن «مركز أبوظبي للغة العربية».

ويتناول الكتاب الفارق بين «القاموس» و«المعجم» ودور وأهمية كلٍّ منهما، والاستفادة من القواميس القديمة للحضارات والأمم المختلفة، في عملية الصناعة القاموسية، التي تُعد مورداً مهماً من موارد اللغة والثقافة، وتحافظ على هوية الشعوب من خلال توثيق مفردات اللغة واللهجات وطرق النطق، ودلالة المفردات، كما تُعد وسيلة للتواصل بين الشعوب.

يقع الكتاب في أربعة فصول، يحمل الفصل الأول عنوان «أوليات منهجية»، وتستعرض فيه الكاتبة تعريف القاموسية، والفرق بين القاموسية التطبيقية والنظرية، وبين القاموس والمعجم، وعلاقة القاموسية ببعض العلوم الأخرى.

أما الفصل الثاني فيأتي بعنوان «القاموسية في الحضارات القديمة»، تتبع من خلاله المؤلفة مسار الصناعة القاموسية في الحضارات القديمة.

وجاء الفصل الثالث بعنوان «القاموسية العربية والعبرية»، وتعرض فيه الكاتبة لتاريخ القواميس العربية والعبرية وأشهر القواميس.

وفي الفصل الرابع بعنوان «القاموسية الغربية»، تذكر الباحثة أن الصناعة القاموسية الغربية، تجاوزت الدور التقليدي المنوط بها، والمتمثل في جمع الثروة اللغوية وتصنيفها وفق قواعد معيارية، إلى الإسهام في توسيع النطاق الجغرافي للغات، وذلك بالتركيز على الجانب التعليمي الذي استهدفت به أساساً المتعلم الأجنبي.

مسار تاريخي

ويسرد الكتاب التطورات والتغيرات النوعية، سواء في التصور أو المنهج، التي واكب مسارها التاريخي ظهور مجموعة من القواميس التي اختلفت خواصها وطرائق جمعها للمادة وتبويبها، والمعايير التي ارتكزت عليها، وذلك باختلاف مقاصدها ووظائفها.

ووجدت الصناعة القاموسية - على اختلاف مقاصدها والدواعي التي بلورتها وحددت مساراتها - بداياتها في قوائم محدودة من الكلمات، وكانت هذه القوائم البذرة الأولى لتشكُّل القواميس. وهذا المعطى المحدد نجده متواتراً في مختلف الحضارات وعند مختلف الأمم والشعوب، وهو ما يدعو إلى استنتاج أن البدايات التأسيسية واحدة، وإن اختلف الزمان والمكان. ولئن كانت البدايات واحدة، فإن الغايات قد تعددت وتفرعت ما بين غاية دينية، وغاية فلسفية، وغاية أدبية. غير أن المؤطر لكل هذه الغايات أن جميع الحضارات قد صرفت اهتمامها إلى جمع ألفاظها باعتماد معيارين محددين نراهما يحضران بنسب متفاوتة في القواميس كلها. هذان المعياران هما: معيار الكم، ومعيار الكيف. وإذا كان الدافع وراء تبني المعيار الأول هو الإلمام باللغة، وحشد جميع ألفاظها، فإن الدافع وراء المعيار الثاني هو تنقية اللغة من الشوائب، وحصر الألفاظ الفصيحة والراقية، وترك المهمل منها والمستهجن.

وتأسست «المعجمية» قديماً بوصفها فرعاً من اللسانيات، وهي تعني علم الكلمة، وتفسير كل ما يتعلق بمعرفة الكلمات، وتهتم بالمادة والقيمة والأصل، ويعرفها البعض بأنها «فرع من فروع علم اللغة يقوم بدراسة وتحليل مفردات أي لغة بالإضافة إلى دراسة معناها أو دلالتها المعجمية بوجهٍ خاص وتصنيف هذه الألفاظ استعداداً لعمل المعجم، وهو علم نظري يدرس المعنى المعجمي وما يتصل به من قضايا دلالية».

وحسب الكتاب، تنقسم المعجمية إلى قسمين: «المعجمية العامة»، التي تهتم بدراسة المفردات بصرف النظر عن المظاهر الخاصة لأي لغة من اللغات. و«المعجمية الخاصة»، التي تهتم بلغة خاصة، وذلك بدراسة مفرداتها ووحداتها، وطبيعة المفردات في مرحلة زمنية محددة، وأصل المفردات وما يطرأ عليها من تغيرات، فهي تعد معجمية تاريخية ومعجمية مقارنة.

القواميس الصينية

حسب الباحثة المغربية، عرف الصينيون القواميس منذ 200 ق.م، ويُعد «إريا» أقدم قاموس، وقد شكل النواة المركزية للصناعة القاموسية الصينية، وبعده ظهرت عدة قواميس منها: قاموس شوفان عام 150 ق.م، وقاموس شيزو عام 9 ق.م، وقاموس يوبيان عام 530م.

وقد أسهم انتشار المسيحية خلال القرن السادس عشر في انتشار الثقافة الصينية، وخاصة في البلدان المجاورة مثل كوريا واليابان وفيتنام، مما أدى إلى انتشار القواميس الصينية الثنائية اللغة (القواميس الصينية الحديثة)، فظهرت قواميس تجمع بين الصينية والإنجليزية، والصينية واللاتينية، والصينية والهندية. وقد تميزت القواميس في تلك المرحلة بالتركيز على اللغة المنطوقة والعناية بالكلمات المعجمية، وظهور قواميس منظمة وفقاً للترتيب الألفبائي، مما أدى إلى ارتفاع عدد القواميس الصينية بشكل كبير، والاعتراف بالقواميس بوصفها مجالاً أكاديمياً، وتأسيس الجمعية الصينية للكتابة المعجمية. وتعددت أنماطها.

القواميس الهندية

تعود القواميس الهندية لأكثر من ألفي سنة، غير أن أقدم ما وصل إلينا من القواميس الهندية يعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وكان المحرك الأساسي لها هو الباعث الديني؛ إذ نشطت الحركة القاموسية عند الهنود حول الكتاب المقدس «الفيدا»، وقد اتخذت في بدايتها شكل قوائم تضم الألفاظ الصعبة الواردة في «الفيدا» مع إيراد شروحات لها.

واستندت القواميس إلى ترتيب الكلمات وفق معانيها وليس إلى الترتيب الألفبائي، وكانت تراعي في ترتيب الكلمات الحقول المعرفية التي تنتمي إليها كعلم الفلك والرياضيات والطب وغيرها.

القواميس الفارسية

يعتبر أهم قاموس فارسي وصل إلينا هو قاموس لغة الفرس، الذي ألفه أبو منصور السعدي، ورتبت فيه المداخل تبعاً للحرف الأخير لمساعدة الشعراء في إيجاد القافية المناسبة، وقدمت مرفقة بأبيات شعرية، وبه أبواب كتبت باللغة العربية مثل باب الألف والباء والتاء، واستمرت صناعة القاموسية الفارسية، ومن أهمها قاموس «برهان القاطع» الذي ألفه محمد حسن التبريزي عام 1724م.

ومرت مرحلة الصناعة القاموسية الفارسية بعدة مراحل منها: مرحلة ما قبل العهد المغولي، حيث اتسمت القواميس في تلك المرحلة بتركيزها على الشعر الفارسي، وذلك بعد تحول اللغة الفارسية إلى لغة البلاط والأدب. ومرحلة العهد المغولي، ومنها قاموس مجمع اللغات لأبي الفضل العلامي، واتجه هذا النوع من القواميس إلى جمع المفردات أو التعابير الصعبة الواردة في شعر شاعر أو كاتب معين. ومرحلة العهد الجديد، وظهرت القواميس الثنائية التي تجمع اللغة الفارسية واللغة العربية.

القاموسية العربية

تذكر الباحثة في الفصل الثالث أن الاهتمام بالصناعة القاموسية العربية بدأ في القرن الأول الهجري، وكانت الغاية الدينية هي المحددة لنشأتها، وشكل الاهتمام بغريب القرآن البذرة الأولى التي قادت السعي إلى جمع الألفاظ الغريبة الواردة فيه، وتدقيق دلالاتها إلى جانب الاستشهاد لها بالشعر الجاهلي، للتدليل على أنها من كلام العرب، ويرجح أن أول كتاب صنف في غريب القرآن كان من تأليف عبد الله بن عباس عام 68 هجرياً، والبعض يرجح أنه أبو سعد أبان بن تغلب عام 141 هجرياً.

وقد مرت الصناعة القاموسية العربية بثلاث مراحل هي: جمع الكلمات في شكل مسارد أي في قوائم دون ترتيب، ثم جمع الكلمات تبعاً للموضوعات، ومرحلة جمع الكلمات تبعاً لترتيب مخصوص، وكانت تهدف لجمع ألفاظ اللغة العربية وتبويبها. وقد ظهرت القواميس الحديثة في القرن الثامن عشر، مثل المعجم الوسيط، وقاموس «الغني الزاهر» لعبد الغني أبو العزم.

القواميس العبرية

تأثرت القواميس العبرية بالقواميس العربية، فسارت على منحاها من حيث طرائق الترتيب وصيغ التناول، وتعود أصولها إلى العصور الوسطى، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأصول القاموسية العربية، لدرجة أنه لا يمكن فصلها عنها. فقد كان الإسلام في تلك العصور في أوج ذروته، ومكن من الانفتاح الثقافي والعلمي في كل الاتجاهات؛ لذلك كان من الطبيعي أن يجعل اليهود من اللغة العربية وسيلة للمحافظة على تراثهم، حيث كتبت قواميسهم بلغة عربية وبحروف عبرية مع الاستشهاد بالشعر العربي وأقوال النحاة والفلاسفة العرب، بل إنهم ذهبوا إلى حد الاستشهاد بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة.


فوز الكاتب البريطاني المجري ديفيد سالوي بجائزة بوكر عن روايته «فلِش»

الكاتب البريطاني المجري ديفيد سالوي بعيد نيله جائزة بوكر البريطانية (أ.ب)
الكاتب البريطاني المجري ديفيد سالوي بعيد نيله جائزة بوكر البريطانية (أ.ب)
TT

فوز الكاتب البريطاني المجري ديفيد سالوي بجائزة بوكر عن روايته «فلِش»

الكاتب البريطاني المجري ديفيد سالوي بعيد نيله جائزة بوكر البريطانية (أ.ب)
الكاتب البريطاني المجري ديفيد سالوي بعيد نيله جائزة بوكر البريطانية (أ.ب)

فاز الكاتب البريطاني المجري ديفيد سالوي الاثنين بجائزة بوكر البريطانية المرموقة التي تكافئ الأعمال الروائية المكتوبة باللغة الإنكليزية، عن روايته «فلِش».

وتفوق سالوي (52 عاما) على الروائية الهندية كيران ديساي التي فازت بالجائزة عام 2006 والبريطاني أندرو ميلر، ليحصل على الجائزة البالغة قيمتها 50 ألف جنيه استرليني (65500 دولار) والتي أعلنت في حفلة بلندن. ومن بين الروائيين الستة الذين تأهلوا الروائية الأميركية وراقصة الباليه السابقة كاتي كيتامورا وبن ماركوفيتس وسوزان تشوي.

وكان سالوي رشِح سابقا للقائمة القصيرة للجائزة عام 2016 عن عمله «آل ذات مان إز». وتدور رواية «فلِش»، وهي السادسة لسالوي، حول رجل مجري من الطبقة العاملة ينتقل من الخدمة العسكرية في وطنه إلى العمل مع أثرى الأثرياء في لندن. وتشمل حياته المعذبة علاقاته بنساء أكبر منه سنا والقتال في العراق.

وتضمنت لجنة التحكيم رئيسها والفائز السابق بالجائزة رودي دويل والممثلة سارة جيسيكا باركر بطلة مسلسل «سكس أند ذي سيتي».