علاج الألم... بين الفعالية والأمان

ندوة طبية حول مستجداتٌ مواجهة آلام الجهاز الهيكلي العضلي

علاج الألم... بين الفعالية والأمان
TT

علاج الألم... بين الفعالية والأمان

علاج الألم... بين الفعالية والأمان

يتكون الجهاز الهيكلي العضلي من العظام والعضلات والأوتار والأربطة والمفاصل والغضاريف والنسيج الضام الذي يربط الأنسجة والأعضاء ببعضها بعضا. ويتعرض هذا الجهاز للعديد من الاضطرابات المرضية في مختلف مراحل العمر وخصوصا مع التقدم في السن. وفي معظم الاضطرابات العضلية الهيكلية يكون الألم هو العرض الأكثر شيوعا ويتراوح بين الخفيف والشديد وبين الحاد قصير الأجل إلى المزمن طويل الأمد ويمكن أن يكون موضعيا أو منتشرا. وفي الغالب يكون مصدر الألم أحد مكونات الجهاز الهيكلي العضلي، وتكون الإصابات السبب الأكثر شيوعا.
وفي حالات أخرى، يمكن أن يكون مصدر الألم الضغط على أحد الأعصاب مثل متلازمة النفق الرسغي ومتلازمة النفق المرفقي، فيميل الألم إلى التشعب على طول المسار المزود بذلك العصب والذي قد يعطي شعورا بالحرقة، ويكون عادة مصحوبا بشعور بالنخز أو الخدر أو بكليهما. ومن المهم أيضا أن نضع في الاعتبار أنه في بعض الأحيان يكون الألم في ظاهره عضليا هيكليا ولكنه في الواقع ناجم عن اضطراب في جهاز عضوي آخر، كألم الكتف الناجم عن مرض بالرئتين أو الطحال أو المرارة، وألم الظهر الناجم عن حصى الكلى أو التهاب البنكرياس أو عن اضطراب الحوض عند النساء. وهناك الحالة الشائعة لألم الذراع ويكون مصدره نوبة قلبية أو احتشاء عضلة القلب مثلا.

- آلام المفاصل
لأهمية هذا الموضوع أقام منتدى طب الأسرة بالمركز الطبي الدولي بجدة ندوة علمية افتراضية تحت عنوان «المستجدات في علاج آلام الجهاز الهيكلي العضلي»، عبر المنصة الإلكترونية لملتقى الخبرات لتنظيم المعارض والمؤتمرات، وبرعاية أولفين بادج – أوسينو الطبية. تحدث فيها عدد من المتخصصين في طب الأسرة وأمراض الروماتيزم.
وفي حديثه لـ«صحتك» أوضح الأستاذ الدكتور سامي محمد بحلس استشاري أمراض الروماتيزم بكلية الطب جامعة الملك عبد العزيز وأحد المتحدثين في الندوة أن آلام المفاصل قد تكون بسبب التهاب المفاصل، وله أسباب كثيرة تنتج عن أمراض مختلفة يتم تشخيصها بأخذ التاريخ المرضي والفحص السريري وعمل التحاليل ومن ثم يتم وصف العلاج المناسب.
وأشار إلى مرض الروماتويد بصفته الأكثر شيوعا بين الأمراض الروماتيزمية، وهو مرض مناعي يسبب ألما في المفاصل مع انتفاخ وتصلب فيها صباحا مع خمول، وقد يتطور المرض فيؤثر في الأعضاء الداخلية وقد يعمل تشوهات في المفاصل وإعاقة إذا لم يعالج بالطريقة الصحيحة. كما قد يصاحب التهاب المفاصل مرض الذئبة الحمراء وهو عادة يؤثر في النساء صغيرات السن. وقد يتطور مرض الذئبة الحمراء إذا لم يشخص مبكرا بالتهاب في الكلى وقصور في وظيفتها.
وهناك التهاب المفاصل المصاحب لمرض الصدفية والتهابات القولون، أو الناتج عن التهاب جرثومي في المسالك البولية أو الأمعاء. وقد يكون التهاب المفاصل مصاحبا لبعض الفيروسات مثل الحصبة الألمانية وعادة يكون مؤقتا ولا يؤدي إلى أي تشوهات. وأيضا، هنالك الحمى الروماتيزمية التي تنتج عن التهاب جرثومي بالحلق وقد يصاحبها التهاب في أغشية القلب ويؤدي ذلك إلى تشوهات في صمامات القلب.
واختتم البروفسور بحلس حديثه بنصيحة لكل مريض يشتكي من آلام وانتفاخ في المفاصل مصاحبة خمول أو طفح جلدي بسرعة مراجعة طبيب الروماتيزم. فمعظم هذه الأمراض لا تؤدي لأي مضاعفات إذا ما تم تشخيصها وعلاجها مبكرا.

- علاج الألم
تحدث في الندوة الدكتور تامر حربي مدير المنتجات بشركة أسينو الطبية في المملكة العربية السعودية حول «إدارة الألم الحاد بين الفعالية والأمان» وأوضح أن الألم هو السبب الرئيسي لمراجعة المرضي للأطباء، وأنه يعد عبئا عالميا وفقاً للإحصائيات العالمية التي توضح بيانات معدل حدوث الألم الحاد حيث إنه من المتوقع كل البشر بوجه عام قد تناولوا مسكنا للألم ولو مرة على الأقل في حياتهم وأن أكثر من 50 في المائة من البشر قد عانوا من ألم حاد في الثلاثة شهور الأخيرة وأن النساء أكثر عرضة للألم من الرجال. وحسب إحصائيات الجمعية البريطانية للألم فإن 7 من كل 10 أشخاص يراجعون أقسام الطوارئ بشكوى معاناتهم من الألم الحاد الذي يجعل أكثر من 50 في المائة من المرضى ينومون بالمستشفى.
أما عن الأضرار الاجتماعية والاقتصادية التي تنتج عن الإصابة بالألم الحاد فإنها علي سبيل الذكر لا الحصر، تحد من ممارسة الأنشطة المفضلة وتعيق الروتين اليومي كما تؤثر علي الأوقات التي نقضيها مع الأسرة بجانب الإصابة بالأرق الذي قد يؤدي في بعض الأحيان إلى الاكتئاب والغياب عن العمل مما قد يؤثر علي الاقتصاد بشكل كبير.
أما عن آخر التوصيات الطبية من كلية الأطباء الأميركية والأكاديمية الأميركية لأطباء الأسرة التي نشرت عام 2020 فإنها توصي بأن علاج الألم الحاد والإصابات العضلية الهيكلية تكون بالمسكنات الموضعية كعلاج أولي للتخفيف من الأعراض والحد من الألم والتحسين من الأداء الحركي للمرضي.
ومن أشهر المسكنات الموضعية عقار «ديكلوفيناك» الذي استخدم لعلاج أكثر من مليار مريض في 120 دولة حول العالم علي مدار 30 عاما منذ إنتاجه أول مرة ويرجع هذا الانتشار الواسع بسبب خصائصه الدوائية فهو يتركز في مواضع الألم ويقل تركيزه في الدم مما يقلل من آثاره الجانبية مقارنة بالمسكنات الأخرى.
ورغم وجود عقار «ديكلوفيناك» لأكثر من 30 عاما وبأشكال صيدلانية مختلفة منها الكبسولات والجل إلا أن أحدثها هو الرقعة اللاصقة الطبية المعروفة باسم (أولفين بادج) لشركة أسينو السويسرية وتعتبر الأكثر أمانا كونها علاجا للألام والالتهابات الموضعية. وتعمل رقعة (أولفين بادج) بشكلها الدوائي المبتكر من خلال بث المادة الفعالة عبر الجلد مباشرة للألم مع إعطاء إحساس بالبرودة مما يقلل الشعور بالألم ويزيد الشعور بالراحة.
ألم هيكلي عضلي للكبار
تحدث في الندوة استشاري ورئيس قسم طب الأسرة بالمركز الطبي الدولي الدكتور بدر بن حمد حول «مستجدات علاج الألم بالجهاز الهيكلي العضلي» وأشار إلى أن آلام العضلات والأوتار غالبًا ما تكون التهابًا بالإضافة إلى اضطرابات أخرى مثل التهاب المفاصل التنكسية وهي شكوى شائعة بين الناس بغض النظر عن العمر والجنس، سوف يعانون من آلام في العضلات والمفاصل في وقت ما من حياتهم، ابتداء من أعلى العمود الفقري بالعنق وانتهاء بأطراف الأصابع في اليدين والقدمين.
قد يحدث الألم بسبب التهاب وعدوى، إصابات، ألم عصبي في الأرداف، داء اضطراب الأوعية الدموية، وقد يكون السبب نفسيا. ويمكن تصنيف الألم بطرق متعددة، فهناك الألم الحاد لأقل من 6 أسابيع كما هو الحال في الالتهابات وألم الكسور والتهابات اللثة والأسنان، ويختفي تماماً عند زوال العامل المسبب له عن طريق المعالجة المبكرة وإلا فقد يتحول إلى ألم مزمن. وقد يكون ألم العضلات موضعيًا أو منتشرا. وألم المفاصل قد يكون أحادي المفصل أو متعدد المفاصل.
لا يقتصر تأثير الألم على المريض جسديا فقط وإنما تكون له أيضا تأثيرات نفسية وأحيانًا اجتماعية واقتصادية وفي العمل، وغالبا ما تمتد التأثيرات إلى الأسرة. ومن المألوف أن نرى هذا المريض متنقلا بين عيادات الأطباء المختلفة: طب الأسرة، جراحة العظام، الأمراض الجلدية، وإلى عيادة الألم والعلاج الطبيعي وتقويم العمود الفقري. إنه ينفق المال والوقت ويتحمل الصبر والجهد بسبب الألم محاولا السيطرة عليه.
ويجب أن يكون طبيب الأسرة مؤهلاً بدرجة كافية لتقييم أي ألم عضلي من خلال أخذ التاريخ المرضي وإجراء الفحص السريري مع الفحوصات لاتخاذ القرار بشأن التشخيص الدقيق والعلاج.
- التشخيص
بالنسبة للأعراض الخفيفة، عادة يتم التعامل معها دون الحاجة لإجراءات مختبرية أو إشعاعية فالأعراض غالبًا تكون واضحة وتتلاشى من تلقاء نفسها مع مرور الوقت.
وبالنسبة للحالات المعقدة، فيتم طلب عدد من الفحوصات المختبرية وفقًا للتاريخ المرضي والفحص السريري، مثل:
> تحليل الدم الكامل، هرمونات الغدة الدرقية (TFT)، البروتين التفاعلي (CRP)، فيتامين دي، وعنصر المغنيسيوم والكالسيوم والشوارد.
> فحص كورتيزول المصل (ACTH)، صباحا، لتشخيص أو استبعاد القصور الكلوي.
> الأجسام المضادة النووية (ANA)، لحالات الذئبة الحمراء (SLE).
> الأجسام المضادة السيتوبلازمية المضادة (ANCA)، للاشتباه في التهاب الأوعية الدموية.
> مؤشرات الروماتيزم، لالتهاب المفاصل الروماتويدي المشتبه به.
> التصوير بالأشعة السينية، فوق الصوتية (US)، الرنين المغناطيسي (MRI).
> دراسات الفسيولوجيا العصبية لدعم تشخيص الاعتلال العضلي الالتهابي أو الأيضي والاعتلال العصبي.
> فحص عينات الأنسجة، عند الاشتباه في الخراج، الاعتلال العضلي الالتهابي، التهاب الأوعية الدموية، الذئبة الحمراء.

- العلاج
يقول الدكتور بدر بن حمد، يتم اتباع خطوات قاعدة (CRAP) للوصول إلى إدارة حكيمة لألم الجهاز الهيكلي العضلي، كالتالي:
> التوضيح (Clarification): للحالة وشرح الخطة بلغة يمكن للمريض فهمها، كالرسم والصور ومقاطع الفيديو.
> الطمأنينة (Reassurance): حول طبيعة المشكلة والتشخيص والدعم وتوفر العلاج والرعاية الطبية.
> النصيحة (Advice): بتناول العلاج الدوائي، دعم المفاصل، تجنب بعض الأنشطة التي قد تؤدي إلى تفاقم الألم، مع بعض التدابير الوقائية لمنع تكرار الحالة.
> وصف الأدوية (Prescription): مناقشة الخيارات ومشاركة القرارات، نوع الدواء، لماذا؟، وما هي الآثار الجانبية المتوقعة، إجراء تجربة على الدواء، إيقاف الدواء عند ظهور مخاطر.
ثم تأتي خيارات علاج الألم والتي تعتمد على مسار الألم والتلف العصبي المركزي أو المحيطي، وهي: دوائية، طب طبيعي، طب سلوكي، تعديل عصبي، أساليب تداخلية أو جراحية.
وتشمل الأدوية: مرخيات العضلات، مسكنات (أسيتأمينوفين)، أدوية مضادة للالتهابات غير استيرويدية (NSAID)، أدوية مضادة للصرع (جابابنتين، بريجابالين)، مهدئات قوية أفيونية وترامادول.

- حالة مرضية
يستعرض هنا الدكتور بدر بن حمد إحدى الحالات المرضية الشائعة كمثال للمشاكل الطبية في الجهاز الهيكلي العضلي والتي يقابلها كثيرا أطباء الأسرة في عياداتهم وبشكل يومي، وهي «التهاب الوتر السفلي للقدم Plantar fasciitis» أو التهاب اللفافة الأخمصية كمثال عملي يؤكد أهمية هذا الموضوع وأنه من المشاكل الطبية الشائعة حيث يأتي المريض في الغالب بمشاكل طبية متعددة في العضلات والمفاصل والألم ويطلب العلاج السريع.
يتركز الألم في هذه الحالة في المنطقة الأخمصية للقدم ويكون أسوأ عند بدء الوقوف والمشي صباحا ثم يخف ويختفي تدريجيا مع النشاط والحركة ليعود ثانية في نهاية اليوم متأثرا بحمل وزن الجسم طوال اليوم، قد يكون أحاديا أو ثنائيًا في الجانبين.
ويتلخص علاج التهاب اللفافة الأخمصية بتوضيح الحالة وأبعادها وتثقيف المريض وطمأنته بطبيعة المشكلة، وتدريبه على عمل بعض تمارين التمدد للقدم وتجنب الأحذية الضيقة، وتجنب حركات معينة في المشي، وممارسة أنماط حياة صحية، وأخيرا وصف أدوية داعمة لمفاصل القدم، وإعطاء موجات تصادمية كأحد الأساليب الجديدة في العلاج. وفي الحالات المستعصية يتم الحقن والتدخل الجراحي كخيار أخير.

- استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك 7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

خل البلسميك خل عطري مُعتّق ومركّز، داكن اللون وذو نكهة قوية، مصنوع من عصير كامل عناقيد العنب الأبيض الطازج المطحون، أي مع جميع القشور والبذور والسيقان.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة في سن مبكرة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك التمر كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة

آفاق جديدة للابتكار في أبحاث الطب النبوي

تنطلق في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، صباح يوم غدٍ السبت الحادي عشر من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي 2025 فعاليات «المؤتمر العالمي السادس للطب النبوي»

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (بريدة - منطقة القصيم)

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».