صدر كتاب «كنا كاذبين» عام 2014 لذلك، عندما رأت مؤلفة الكتاب، إي. لوكهارت، أنه عاد إلى قائمة أفضل الكتب مبيعاً الصيف الماضي، تملكها شعور بالفرحة والحيرة.
وعن ذلك، قالت: «لم تكن لدي أدنى فكرة عما يحدث». وهنا تدخل أطفالها لإمدادها بحل اللغز: السبب «تيك توك».
بوجه عام، يشتهر تطبيق «تيك توك» بنشر الفيديوهات القصيرة حول مختلف الأشياء من خطوات الرقص ونصائح بخصوص الموضة وتعليم الطهي ومقاطع طريفة، الأمر الذي جعله يبدو وجهة غير محتملة للمهتمين بعالم الكتب. ومع ذلك، نجحت فيديوهات تولى إعدادها في الغالب فتيات في سن المراهقة والعشرينات من العمر في الهيمنة على نطاق متنام تحت هاشتاغ «بوك توك»، حيث يوصي المستخدمون بكتب، ويسجلون مقاطع لأنفسهم وهم يقرأون أو يبكون أمام الكاميرا بعد الانتهاء من قراءة كتاب نهايته حزينة.
وبدأت هذه الفيديوهات في دفع عجلة بيع الكثير من الكتب، والتي يشعر مؤلفوها بدهشة بالغة بالاهتمام المفاجئ بها بقدر دهشة الجميع.
من جهتها، قالت ميريل لي، 15 عاماً: «أرغب في أن يشعر الناس بما أشعر به. في المدرسة، لا يبدي الآخرون اهتماماً كبيراً بالكتب، وهو أمر يضايقني كثيراً». يذكر أن ميريل وشقيقتها، إيلودي، 13 عاماً، أطلقا حساب «إيه لايف أوف ليتريتشر» (حياة أدبية) عبر «تيك توك» في فبراير (شباط)، ولديهما اليوم قرابة 200 ألف متابع.
من جهتها، خصصت الكثير من منافذ مكتبات «بارنز آند نوبل» عبر أرجاء الولايات المتحدة طاولات عرض تحمل لافتة «بوك توك»، والتي تعرض كتباً مثل «كلاهما يموت في النهاية» (زي بوث داي آت ذي إيند) و«الأمير القاسي» (ذي كرويل برينس) و«حياة صغيرة» (إيت ليتل لايف) وغيرها والتي لاقت رواجاً كبيراً عبر «تيك توك». ومع ذلك، لا توجد طاولات مشابهة ترتبط بتطبيق «إنستغرام» أو «تويتر»، نظراً لأن أيا من شبكتي التواصل الاجتماعي لا يبدو أنها تروج للكتب بذات القدر الكبير الذي يحققه «تيك توك».
في هذا الصدد، قالت شانون ديفيتو، مديرة شؤون الكتب لدى «بارنيز آند نوبل»، إن مصنعي هذه الفيديوهات لا يهابون التعبير علانية عن تأثرهم العاطفي بالكتب «التي تجعلهم يبكون وينتحبون أمام الكاميرا أو يصرخون أو يتملكهم شعور بالغضب يدفعهم لإلقاء الكتاب عبر الغرفة، ومن خلال ذلك الفيديو العاطفي للغاية الذي تبلغ مدته 45 ثانية يرتبط الناس بالكتاب. لم نشهد مثل هذا النمط من المبيعات الجنونية ـ أعني بيع عشرات الآلاف من النسخ شهرياً ـ بفضل صور أخرى من أدوات التواصل الاجتماعي».
من ناحية أخرى، بدأت الأختان لي، اللتين تعيشان في برايتون بإنجلترا، في صنع فيديوهات عبر «تيك توك» بسبب شعورهما بالملل لبقائهما في المنزل أثناء فترة الجائحة. وتبدو الكثير من المنشورات الخاصة بهما أشبه بأفلام شديدة القصر، حيث تتحرك الصور سريعاً عبر الشاشة على خلفية موسيقية.
على سبيل المثال، خلال فيديو عرض كتاب «الأمير القاسي»، ترى الغلاف الورقي للكتاب على الشاشة، ثم سيدة تمتطي ظهر جواد، وترى كأساً دموية ثم قلعة فوق شجرة ـ وتظهر كل صورة لجزء من الثانية، بينما تستمع إلى أغنية بيلي إيليش «ينبغي أن تراني وأنا أرتدي تاجاً» في الخلفية. وينتهي الأمر برمته في غضون 12 ثانية تقريباً فحسب، ليترك ذلك لديك شعوراً قوياً بالكتاب، لكن دونما أن تتمكن من معرفة سوى القليل للغاية من أحداثه. أما الفيديو الذي عرض مقتطفات من كتاب «كنا كاذبين»، فحظي بأكثر عن 5 ملايين مشاهدة.
الناشرون يلحقون بالركب
وفيما يخص الغالبية العظمى لفيديوهات «تيك توك»، نجد أنه يجري نشرها من جانب قراء صغار في السن ومتحمسين. أما فيما يتعلق بالناشرين، فقد جاء هذا بمثابة دفعة غير متوقعة لهم: ذلك أن صناعة تعتمد على شغف الناس بالكلمة المكتوبة تحصد اليوم منفعة كبيرة من وراء تطبيق رقمي جرى تصميمه من أجل تبادل مواد لا تستحوذ على الاهتمام سوى لفترات قصيرة للغاية. اليوم، بدأ الناشرون في اللحاق بالركب، وذلك من خلال الاتصال بأصحاب الأعداد الكبيرة من المتابعين لعرض إمدادهم بكتب مجاناً أو دفع أموال لهم مقابل الإعلان عن كتب تخص الناشرين. (حصلت الأختان لي على كتب من مؤلفين، لكن لم تتصل بهما أي دور نشر بعد ولم تحصلا على أموال مقابل منشوراتهما عبر تيك توك).
في سياق متصل، من الواضح أنه لدى الكثير من مستخدمي «تيك توك» المشهورين استراتيجيات لتعزيز أعداد المشاهدات. وفي إطار ذلك، فإنهم قد يستخدمون أغاني في الخلفية من بين تلك الأغاني التي تلقى رواجاً بالفعل عبر «تيك توك»، وربما يلجأون لاستخدام أداة التحليل في «تيك توك» للتعرف على الوقت الذي تحقق خلاله منشوراتهم أفضل أداء ومحاولة طرح فيديوهاتهم تبعاً لجدول زمني منتظم. ومع ذلك، يبقى من الصعب توقع أي الفيديوهات ستحقق انتشاراً كبيراً.
على سبيل المثال، قالت بولين جوان، طالبة، 25 عاماً: «الأفكار التي يستغرق مني التوصل إليها 30 ثانية تبلي بلاءً جيداً للغاية، بينما الأخرى التي أعمل عليها لأيام أو ساعات، فإنها تخفق تماماً». وأضافت أنها تشعر بأنها «أكبر قليلاً» عن الكثير من المشاركين في هاشتاغ «بوك توك»، واستطردت بأنه: «بعض أكثر الفيديوهات شعبية تدور حول الكتب التي تجعلك تبكي! إذا بكيت أمام الكاميرا، فسيرتفع معدل مشاهداتك».
من ناحية أخرى، من الملاحظ أن غالبية الكتب المفضلة تبعاً لهاشتاغ «بوك توك» سبق وأن حققت مبيعات جيدة لدى نشرها للمرة الأولى، علاوة على أن بعضها حاز على جوائز مثل رواية «ذي سونغ أوف أكيليس» التي نالت جائزة «أورانج» عن الأعمال الخيالية لعام 2012. وهي واحدة من الجوائز العريقة بهذا المجال. وتعيد الرواية سرد الأسطورة الإغريقية عن آخيل. أما نهايتها، فليست بالسعيدة. وخلال فيديو طرحته عبر «تيك توك»، قالت إيمان تشودهري، 20 عاماً، من شيكاغو: «هذا يومي الأول في قراءة (ذي سونغ أوف أكيليس)»، بينما كانت ترتدي غطاءً للرأس ويحمل وجهها ابتسامة واسعة. وظهرت في لقطة جديدة تقول: «وهذه أنا بعدما انتهيت من قراءته»، بينما حملت الشاشة بالأسفل صوراً لنحيب وعويل. وشوهد هذا الفيديو أكثر عن 150 ألف مرة، ولا تتجاوز مدته سبع ثوان. وقد حقق هاشتاغ «ذي سونغ أوف أكيليس» أكثر عن 19 مليون مشاهدة عبر «تيك توك».
من جهتها، علقت مؤلفة الكتاب، مادلين ميلر، على ذلك قائلة: «أتمنى لو كان باستطاعتي إرسال شوكولاته لهم جميعاً!».
«كتب ستجعلك تبكي»
نشرت رواية «ذي سونغ أوف أكيليس» عام 2012 وحققت مبيعات جيدة، لكن ليس بالمستوى الذي تحققه في الوقت الحالي. وتبعاً لموقع «إن بي دي بوك سكان» المعني بمتابعة مبيعات الكتب المطبوعة لدى معظم منافذ التجزئة داخل الولايات المتحدة، فإن «ذي سونغ أوف أكيليس» تبيع قرابة 10 آلاف نسخة أسبوعياً، ما يعادل قرابة تسعة أضعاف مبيعات الرواية عندما فازت بـ«جائزة أورانج» رفيعة المستوى. ويحتل الكتاب المركز الثالث بقائمة أفضل الكتب مبيعاً التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» عن فئة النسخ الورقية للأعمال الأدبية الخيالية.
من جهتها، علقت ميريام باركر، نائبة رئيس والناشرة لدى دار «إكو» التي نشرت «ذي سونغ أوف أكيليس»، قائلة إن الدار شهدت ارتفاعاً كبيراً في المبيعات في التاسع من أغسطس (آب)، لكنها لم تتمكن من التعرف على السبب وراء ذلك. وفي نهاية الأمر، نجحت في اقتفاء أثر هذا الرواج المفاجئ للكتاب وصولاً إلى فيديو نشر في الثامن من أغسطس عبر «تيك توك» تحت عنوان «كتب ستجعلك تبكي» من جانب حساب بعنوان «مون غيرل ريدس». اليوم، حقق هذا الفيديو، الذي يتضمن كذلك كتاب «كنا كاذبين»، قرابة 6 ملايين مشاهدة.
أما ميلر، التي وصفت نفسها بأنها «تتفاعل بالكاد عبر (تويتر)، فأكدت أنها لم تعلم بأمر فيديوهات «تيك توك» حتى شرح لها مسؤولو دار النشر التي تتعاون معها الأمر. وقالت: «على أفضل تقدير، شعرت أنني عاجزة عن الكلام. هل هناك أفضل للكاتب عن رؤية الناس يعتزون بكتاباته؟». أما الشخص القائم خلف حساب «مون غيرل ريدس» فهو سيلين فيليز، 18 عاماً، من لوس أنجليس، والتي انضمت إلى «تيك توك» العام الماضي، بينما كانت تنهي دراستها الثانوية عبر تطبيق «زووم». وقالت إنها صنعت فيديو «كتب ستجعلك تبكي» لأن أحد المعلقين سألها عن توصياتها للكتب التي يمكن أن تدفع المرء للنحيب. وقالت فيليز، التي يتابعها أكثر عن 130 ألف شخص عبر «تيك توك»، إن دور النشر ترسل لها في الوقت الحاضر كتباً مجانية قبل طرحها بالأسواق، بحيث تتمكن من نشر فيديوهات عنها. كما أنها بدأت في نشر فيديوهات تدفع دور النشر مقابلاً مادياً لها.
وتجري هي وقرابة عشرين آخرين من مستخدمي «تيك توك» محادثات مستمرة عبر «إنستغرام» والذين تواصلت معهم دور نشر وتدفع لهم مقابلاً مادياً. وتتراوح الأموال التي تدفعها دور النشر ما بين بضعة مئات إلى بضعة آلاف من الدولارات عن كل منشور.
من ناحيته، قال جون أدامو، رئيس شؤون التسويق داخل «راندوم هاوس لكتب الأطفال»، إنه يتعاون في الوقت الحاضر مع حوالي 100 من مستخدمي «تيك توك». وقال إنه بمجرد انطلاق اسم كتاب معين عبر «تيك توك»، يمكن لآلة النشر أن تبدأ في الوقوف خلفه. وإذا ما انضم كتاب ما لقائمة أفضل المبيعات، فإن هذا الأمر بدوره يؤدي لمزيد من المبيعات، إلا أنه من دون «تيك توك» «لم نكن لنتحدث الآن عن كل هذا».
* خدمة {نيويورك تايمز}