عندما تعتقد أنه يمكنك التوجه إلى الداخل لتكون في مأمن من تلوث الهواء بالخارج، فإن دراسة أميركية نشرت في 22 فبراير (شباط) الماضي، بدورية «ساينس أوف ذا توتال إينفيرومينت»، أظهرت أن مستويات تلوث الهواء المرتفعة، مثل «أشرار أفلام الرعب»، تشق طريقها إلى المساحات الداخلية.
- الهواء الداخلي
في دراسة طويلة الأمد على أحد المباني التجارية بمدينة سولت ليك، عاصمة ولاية يوتا الأميركية، وجد الباحثون أن كمية تلوث الهواء التي تأتي نحو الداخل تعتمد على نوع التلوث الخارجي، من حرائق الغابات والألعاب النارية وانقلابات فصل الشتاء، وتؤثر جميعها على الهواء الداخلي بدرجات مختلفة، كما يقول دانيال ميندوزا، الأستاذ المساعد في قسم علوم الغلاف الجوي بجامعة يوتا.
يقول ميندوزا «إن الدراسة فريدة من نوعها، حيث تجمع بين مشروع مراقبة جودة الهواء الداخلي على المدى الطويل مع قياسات خارجية، فنحن نعلم جميعا حجم مشكلة حرائق الغابات، لكن لا نعرف حقا ما يحدث عندما نكون في الداخل».
وقام ميندوزا وزملاؤه بوضع ثلاثة أجهزة استشعار لقياس تركيزات الجسيمات المحمولة في الهواء، أحدهما على السطح لقياس الهواء الخارجي، والآخر في غرفة مناولة الهواء، حيث يأتي الهواء الخارجي، والثالث في المكتب.
ويستخدم المبنى نظام تنقية الهواء الخارجي بنسبة 100 في المائة، وهذا ليس نموذجيًا لمعظم المباني التجارية، التي تستخدم عادةً قدرًا من الهواء المعاد تدويره.
وظلت المستشعرات في مكانها من أبريل (نيسان) 2018 إلى مايو (أيار) 2019، أي ما يزيد قليلاً عن عام، وفي مدينة سولت ليك، تشمل الأحداث المرتبطة بجودة الهواء لمدة عام، الانقلابات الشتوية والعطلات المليئة بالألعاب النارية في يوم الاستقلال 24 يوليو (تموز) ويوم الرواد (4 يوليو)، والدخان الناجم عن حرائق الغابات.
وخلال حدث الانقلابات خلال أشهر الشتاء عندما تنقلب الظروف الجوية العادية (الهواء البارد في الأعلى، والهواء الدافئ أدناه)، تحبس الانقلابات طبقة كثيفة من الهواء البارد تحت طبقة من الهواء الدافئ، وتعمل الطبقة الدافئة مثل الغطاء، حيث تحبس الملوثات في الهواء البارد بالقرب من القاع.
وفي هذه الظروف وصل مؤشر جودة الهواء في الهواء الطلق إلى مستويات برتقالية وحمراء، ووصلت جودة الهواء الداخلي إلى مستويات صفراء، وكانت مستويات التلوث بالداخل حوالي 30 في المائة مما كانت عليه في الخارج.
- ملوثات أولية وثانوية
يقول ميندوزا: «حوالي 20 في المائة فقط من تلوث الهواء هو ما يسمى بالتلوث الأولي، أي الجسيمات التي تأتي مباشرة من عادم الاحتراق، والباقي ثانوي، ويتشكل عندما تخضع الغازات لتفاعلات كيميائية تحت ظروف أرصاد جوية محددة وتتحد لتشكل جسيمات صلبة، وبمجرد دخول الهواء إلى الداخل، تتغير ظروف الأرصاد الجوية». ويضيف: «هذا يغير البيئة الكيميائية لهذه الجسيمات وتتفكك بالفعل، وهذا ما نشك في حدوثه عندما تدخل هذه الجسيمات إلى المبنى ولهذا السبب لا نلاحظها». وفي أواخر أغسطس (آب) 2018، عندما اشتعلت ثلاثة حرائق غابات نشطة في كاليفورنيا، ارتفع تلوث الهواء الداخلي إلى حوالي 78 في المائة من مستويات التلوث الخارجي.
يقول ميندوزا: «لما يقرب من 48 ساعة، وصلت جودة الهواء الداخلي إلى مستويات تعتبر مشكلة بالنسبة للسكان المعرضين للخطر من الناحية الصحية، ووصلت تقريبًا إلى مستويات تعتبر غير آمنة لجميع السكان».
ويوضح أن سبب التسلل العالي لهذه الجسيمات هو أن جزيئات الدخان مستقرة ولا تتحلل في ظروف درجات الحرارة والرطوبة المختلفة. ويضيف: «نرى هذه الجسيمات تنتقل مباشرة إلى الداخل، لأنه لا يوجد ترشيح محدد يحجب هذه الجسيمات. ويمكن أيضًا أن تكون جزيئات الدخان أصغر حجمًا، ولهذا السبب تشكل خطورة كبيرة بالنسبة لنا».
أما بالنسبة لتأثير الألعاب النارية، فتوجد عطلتان رئيسيتان للألعاب النارية: 4 و24 يوليو (يوليو)، وتصادف أن الباحثين التقطوا إشارة من حدث خاص للألعاب النارية قبل أسابيع قليلة من حدث دخان حرائق الغابات، مما أتاح فرصة لمعرفة كيف تؤثر الألعاب النارية، الكبيرة والصغيرة، على جودة الهواء الداخلي.
والدخان المنبعث من الألعاب النارية يقع في مكان ما بين حدث الانقلابات خلال أشهر الشتاء وحرائق الغابات، ويحتوي على جزيئات دخان أولية، بالإضافة إلى غازات يمكن أن تتحد لإنتاج جسيمات ثانوية، والتي يمكن أن تأتي من المواد الكيميائية المستخدمة لإنتاج الألوان الزاهية للألعاب النارية.
وفي ليلة 4 يوليو 2018، تدهورت جودة الهواء بشكل حاد بمجرد بدء عروض الألعاب النارية وظلت في النطاق الأحمر، ومع ارتفاعات في النطاق الأرجواني «غير الصحي للغاية»، لمدة ثلاث ساعات تقريبًاـ وصلت جودة الهواء الداخلي إلى مستويات برتقالية، مسجلة حوالي 30 في المائة من تلوث الهواء الخارجي.
يقول ميندوزا «فقط بعد الساعة الثامنة صباحًا في الخامس من يوليو (تموز)، عادت جودة الهواء الداخلي إلى مستويات ما قبل الألعاب النارية».
ويثني الدكتور خالد علام، أستاذ العلوم البيئية بجامعة المنوفية بمصر، على نتائج الدراسة، كونها تلفت الانتباه لتأثير التلوث الخارجي على جودة هواء الداخل، وهو ما يعني أنه لا يوجد أحد معصوم من أخطار التلوث إن وجد بالخارج.
ويقول علام لـ«الشرق الأوسط»: «نظرًا لأن العديد من الأشخاص يقضون وقتا أطول في المنزل بسبب جائحة (كوفيد - 19)، فإن هذه الدراسات مفيدة في فهم الإجراءات المطلوبة لتحسين جودة الهواء الداخلي». ويشير إلى أنه من أفضل الإجراءات، تصميم نظام تهوية ميكانيكية يتناسب مع حجم المكان وعدد الشاغلين، كما يمكن استخدام نظام خلط الهواء، وهو استخدام مزيج من أنظمة التهوية الميكانيكية والطبيعية في المباني.