معالجة درامية تختلف عن غيرها لناحية الأداء والنص والإخراج يطالعنا بها مسلسل «أنا» من إنتاج شركة «الصباح إخوان». القصة معروفة، سبق وتم تناولها بخطوطها العريضة في مسلسلات أخرى. ولكن كاتبته عبير شرارة شرحت المشكلات هذه المرة بأسلوب واقعي غير نافر. تدخل من خلاله إلى الذات، تبحث في حنايا المشاعر ولا تفلسف الانفعالات. تنطلق من الـ«أنا» المضخمة عند الغالبية، التي تقف وراء معظم نجاحاتها وسقطاتها في آن. وتحت عنوان عريض يدور حول سؤال يحير كثيرين «هل يمكن تبرير الخيانة؟» تأخذنا شرارة إلى مشهدية درامية راقية لا يمكن لمتابعها إلا أن يتعاطف مع جميع مكوناتها.
10 حلقات هي مدة الرحلة الدرامية التي يمضيها متابع العمل مع ثنائيات قديرة عبر منصة «شاهد» الإلكترونية. فكما تيم حسن ورولا بقسماتي بطلا المسلسل، يستمتع المشاهد كذلك بأداء ديامان بو عبود وإيلي متري. كما لا يمكنه إلا أن يصفق للوجه اللبناني العالمي رزان جمال، فهي تضفي على العمل حضورا أخاذا. فالمسلسل شكل فرصة ذهبية للمشاهد كي يتعرف إليها ويكتشفها. ومع ضيوف الشرف للمسلسل أمثال جوزف بو نصار ونوال كامل وبياريت القطريب وغيرهم، تكتمل حبكة مسلسل «أنا» الذي يوقعه بحرفيته المشهور فيها، المخرج سامر البرقاوي.
يطالعنا صوت الراوية في المسلسل وهي كاتبته دكتورة عبير شرارة في الحلقة الأولى منه. فتضع جميع الأوراق المنتظر تداولها في سياق المسلسل على الطاولة. يبدأ المشاهد معها في تفكيك ألغاز قصة مشوقة ترتكز كما تقول شرارة على سوء التفاهم. فهو يهيمن على تعاطينا مع عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا وحاجاتنا، وحتى مع معنى الحرية والعقل والباطن والحب؛ فجميعها تولد عند صاحبها صراعات، تكون بمثابة أقنعة نرتديها، ولا نعرف حقيقتها بعيون غيرنا.
يخلع تيم حسن عباءة «شيخ الجبل» الملتصقة به منذ الجزء الأول لمسلسل «الهيبة» وصولا إلى الجزء الرابع منه. فهنا يجسد شخصية مهندس ورجل أعمال ناجح (كرم) يعيش حياة طبيعية مع عائلته، إلى حين تعرفه إلى امرأة أخرى (جودي). تنشأ بينهما قصة حب تضعه أمام مفترق طرق. يجد نفسه عالقا بين مشاعر حب يكنها لامرأتين في وقت واحد. وسرعان ما تطرأ أحداث مفاجئة وغير متوقعة تقلب الموازين، وتجبر كرم على اتخاذ القرار الأصعب.
وتقول كاتبة العمل، إنها حاولت أخذ مشكلة يجري تداولها بكثافة في الدراما إلى منحى جديد. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كان لدي طموح لملامسة الواقع في الدراما. فكنت خلال كتابة الأدوار أعيشها شخصياً وأتماهى معها إلى حد الذوبان. فخرجت المشاعر الصادقة إلى العلن، وحققت ما كنت أهدف إليه. كما حاولت معالجة أكثر من مشكلات نواجهها في المؤسسة الزوجية. ورغبت في إيصال رسالة مباشرة إلى المتزوجين بأن هذه الخطوة يلزمها الكثير من الاتزان وأن كل أنانيتنا يجب أن نتخلى عنها من أجل أولادنا. فهم يتعلمون منا ويعلمون أبناءهم من بعدنا. وهو ما يتطلب منا عدم التفكير فقط بذاتنا». وعن النهاية الغامضة التي حملها العمل، وحصل عليها نقاشات مؤيدة وأخرى معارضة تقول: «النهاية أيضا تنبع من الواقع. من الصعب أن يرضي الكاتب جميع المشاهدين في نهاية أي عمل. ولذلك تركتها مفتوحة أمام عدة احتمالات، بحيث لا أحاكم أحداً أو أفرض حلاً. لأن لكل منا وجهة نظر وتفاعل مع المشكلة يختلف عن غيرنا».
وضمن أداء محترف يترجم الخبرة الطويلة لتيم حسن في عالم الدراما العربية بشكل عام، فإنه يجذبنا كعادته بانسيابيته وتلقائيته وعفويته. يبتسم المشاهد لا شعوريا لهذا الفرق الشاسع في طبيعة الدور الذي يجسده في «أنا»، البعيد كل البعد عن الذي يحفر في ذاكرتنا منذ 4 سنوات (جبل شيخ الجبل) حتى اليوم في مسلسل «الهيبة». فكرم يربط شعره الطويل ويرتدي الأزياء السبور. رجل رومانسي يبحث عن المغامرة، يعيش في المدينة المطبوعة بنمط حياته المخملية. يجسد دور الوالد الحنون المتفهم لأخطاء يرتكبها الأبناء. وفي «أنا» تتمحور هيبته حول المرأة التي يحب. فيجاريها كي يرضيها، ويعزز من مكانتها فيدللها. خوفه لا ينبع من أخطار تهدد عشيرته، بل من تداعيات علاقات قد تفقده توازنه. ولذلك لا يتوانى في موقف يقارب فيه المغامرة المجنونة، هو المنسجم مع عقلانيته، أن يسأل نفسه «شو عم تعمل بحالك يا كرم؟» وفي شخصية كرم التي يعبر معها إلى الدراما الرومانسية، نحفظ منه عبارة يرددها باستمرار «يا روحي». فهو يقولها لزوجته واضعا المشاعر التي يكنها لها في إطار يخصها فقط.
أما رولا بقسماتي فنكتشف في أدائها كل الطاقة والعمق في موهبتها. وفي دور صعب يعتمد على ملامح الوجه القاسية، توصل إلى المشاهد فيض العطف والحنان اللذين يسكناها. فتكبتهما داخل امرأة يلازمها وجع فراق والدتها منذ صغرها. يتوج مسلسل «أنا» بقسماتي نجمة دراما عربية، تتميز بحضور وقدرة وموهبة رفيعة المستوى.
يظهر في المسلسل باقي فريق العمل كرزان جمال وديامان بو عبود وإيلي متري، بأنماط أدائية جديدة، تكسر كل ما رسخ في ذاكرتنا من الدراما التقليدية.
وعن نهاية العمل المفتوحة على احتمالات عدة يرى مخرج العمل سامر البرقاوي أنها شكل من أشكال النهايات المرتبطة ببنية المسلسل نفسه ونوع الحكاية. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «سبق وقدمت مسلسل «شبابيك» على مدى 30 حكاية تتناول علاقات زوجية مرتبطة دائما بنهايات مفتوحة. فأحببت اقتراح الكاتبة في هذا المسلسل، لأنها تبني الحبكة حتى نهاية المشهد الأخير لتصل شخصيتها الرئيسية أمام معطى يبرز في النهاية. فيقف الرجل أمام امرأتين أحبهما وتعنيان له الكثير. الموقف الصعب والمحير هذا، يترك للكاتبة قرار اتخاذه أمامهم جميعا، مفتوحا على عدة احتمالات». يتحدث سامر البرقاوي الذي وقع أيضا أجزاء مسلسل «الهيبة»، عن الفرق بين المسلسلات الطويلة وتلك القصيرة. ويقول في سياق حديثه: «طبعا نحن اليوم بدأنا نتجه إلى صيغة البلاتفورم في تقديم المسلسل التلفزيوني. وهي تحرر المشاهد من اختيار زمن العرض. فصيغة العرض الرمضاني مثلاً من المفروض أن تواكب الـ30 يوما المنوطة بعرضه. وبالتالي يجب أن يكون لدى الكاتب القدرة على فرض المسلسل على هذه المساحة. بينما عندما تكون الصيغة تدور حول سرد القصة على قدر ما يلزمها من حلقات، فهو أمر يضعنا أمام عمل جيد البنية ومختزل، ضمن صيغة تعبر عن كاتبه ومخرجه بشكل أفضل».
«أنا»... خطر حب الذات تحت المجهر
نهاية المسلسل أثارت انقساماً بين مؤيد ومعارض
«أنا»... خطر حب الذات تحت المجهر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة