سرطان الثدي... مفاهيم خاطئة وعلاجات ناجحة

أهمية رصد علاماته المبكرة

سرطان الثدي... مفاهيم خاطئة وعلاجات ناجحة
TT

سرطان الثدي... مفاهيم خاطئة وعلاجات ناجحة

سرطان الثدي... مفاهيم خاطئة وعلاجات ناجحة

سرطان الثدي هو أكثر أنواع السرطانات الغازية (invasive) شيوعاً لدى النساء، وهو السبب الرئيسي الثاني لوفاة النساء بعد سرطان الرئة. وقد أدى التقدم في فحص وعلاج سرطان الثدي إلى تحسين معدلات البقاء على قيد الحياة بشكل كبير منذ عام 1989. ووفقاً لجمعية السرطان الأميركية (ACS)، هناك أكثر من 3.1 مليون ناجية من سرطان الثدي في الولايات المتحدة. وفي بريطانيا يتم تشخيص امرأة واحدة مصابة بسرطان الثدي كل عشر دقائق. وتبلغ نسبة احتمال وفاة أي امرأة بسبب سرطان الثدي نحو 1 من 38 (2.6 في المائة).

علامات مبكرة

لقد أصبح سرطان الثدي أحد الأمراض المخيفة لاتساع انتشاره بين النساء في دول العالم أجمع. وتكون، عادة، العلامات المبكرة لسرطان الثدي عبارة عن كتلة في الثدي، ألم في الثدي أو الإبط، أو إفرازات من الحلمة. وحتى في حالة عدم ظهور أي من هذه الأعراض، يجب زيارة الطبيب بشكل دوري للتأكد من عدم الإصابة بإجراء فحص يدوي وتصوير شعاعي mammogram للثدي، وهو فحص غير مؤلم ويستغرق نحو عشر دقائق فقط.
وإذا ظهرت أي من هذه الأعراض، فلا داعي للخوف والذعر، فهناك كثير من الوقت لظهور الورم، كما أن الألم أو وجود كتلة في الثدي ليس دائماً دليلاً على وجود السرطان، فالألم يمكن أن يكون علامة على وجود كيس أو قد يكون الورم حميداً. وفي الوقت نفسه هو مدعاة لزيارة الطبيب للتأكد من ذلك.
وإذا أظهر التصوير الشعاعي للثدي وجود كتلة، فالفحص التالي يكون بأخذ خزعة من نسيج الثدي للتأكد مما إذا كان الورم حميداً (غير ضار) أم خبيثاً (سرطانياً). إذا كان الورم سرطانياً، أيضاً، فلا داعي للخوف والقلق، فالاكتشاف المبكر منقذ للحياة، وبعملية بسيطة يمكن إزالة الورم، وبعد ذلك سيناقش الطبيب المريضة حول مزيد من الخيارات.
التقت «صحتك» أحد الأطباء السعوديين الذين يعملون في أحد أكبر المراكز المتخصصة في سرطان الثدي في مستشفى مدينة كولون بألمانيا، الدكتور محمد بن أحمد الديري استشاري جراحة التجميل وحاصل على البورد الألماني في جراحة التجميل والترميم والجراحة المجهرية للثدي، الذي أوضح في البداية أن من أهم الأمور التي لاحظها خلال عمله في ذلك المركز الطبي بألمانيا، هو ازدياد الوعي لدى المرأة الألمانية الذي ينعكس بشكل كبير على اكتشافها المبكر للمرض، واستقرار حالتها النفسيّة والمعنويّة، وأيضاً استجابتها للعلاج وتجاوزها هذا الاختبار.
سوف نحرص على أن يكون هذا الموضوع شاملاً ليتناول كل ما يتعلّق بسرطان الثدي، مع مراعاة عدم الخوض في التفاصيل العلمية الدقيقة لبعض الأمور - كالعلاج الكيميائي - والاكتفاء بما يمكن الحديث عنه من معلومات عامّة هي أكثر أهمية لكل امرأة.
وأضاف الدكتور الديري أن سرطان الثدي يتميّز عن كثير من السرطانات الأخرى، بأنه يعطي في بعض الحالات علامات تسبق حدوث المرض، ويمكن اكتشافه بالفحص المبكر، وهنا تكمن أهمية الفحص المبكر لاكتشاف هذه الحالات. أما في الحالات الأخرى التي لا نرى فيها هذه العلامات، فيمكن عن طريق الفحص الدوري المبكر اكتشاف المرض في بداياته، وبالتالي يكون العلاج أسهل على الأغلب، ونسب الشفاء أعلى، واحتمالية الاستئصال الكامل للثدي - بمشيئة الله - أقل.

عوامل الخطر

> المرأة وسرطان الثدي. كما الحال في جميع السرطانات، هناك عوامل تزيد من احتمالية الإصابة بسرطان الثدي كالتدخين والحمل المتأخر والتعرض للأشعة بمعدلات مرتفعة وغير ذلك. ولكن يبقى العامل الوراثي بوجود الطفرة الجينية المسؤولة عن سرطان الثدي (BRCA1 وBRCA2) هو أقوى وأهم العوامل المسببة للمرض وأكثرها انتشاراً، فما زال العلم يكتشف مزيداً من الجينات المرتبطة بسرطان الثدي.
> الرجل وسرطان الثدي. قد يتفاجأ البعض عندما يعلم أنه حتى الرجال معرضون للمرض، وإن كان بنسبة أقل بكثير من النساء. ولكن المفاجأة الكبرى هي معرفة أن الرجال المصابين بالطفرة الجينية، المسؤولة عن سرطان الثدي، معرضون بنسب مرتفعة جداً للإصابة بسرطان البروستاتا. لذلك يمكن القول إن الفحص المبكر لسرطان الثدي قد يحمي الرجل ويعود عليه بالنفع بشكلٍ أو بآخر في مثل هذه الحالات.

طرق العلاج

أوضح الدكتور محمد الديري أن علاج سرطان الثدي يختلف بناءً على عدة عوامل، منها نوع الورم وحجمه وموقعه في الثدي وخصائص الخلايا السرطانية وأيضاً حالة العقد الليمفاوية والانتشار خارج الثدي وأمور أخرى، لذلك فإن العلاج قد يتفاوت بين العلاج الكيميائي أو العلاج الإشعاعي أو العلاج الجراحي، فيتم استخدام إحدى هذه الطرق أو أكثر من طريقة، بحسب ما يناسب كل حالة على حدة. وهنا يجب التأكيد على أن الفحص المبكر واكتشاف المرض مبكراً من أهم العوامل المؤثرة في تشخيص المرض.
للعلاج الكيميائي عدّة أنواع، وهو علاج يتم أخذه عن طريق الوريد. تتراوح أعراضه الجانبية بين خمول أو غثيان أو فقدان للشهية أو فقدان للوزن أو حرارة في اليدين والقدمين، بالإضافة إلى الأمور الشائعة مثل تساقط الشعر وغيرها من الأعراض الأخرى. هنا يجب أن نشير إلى أهمية الإكثار من شرب الماء، والمواظبة على أخذ المكملات الغذائية من فيتامينات ومقويات، للتقليل من الآثار الجانبية المؤقتة والمترتبة على العلاج، والتي يمكن سؤال الطبيب المعالج عنها والأخذ بتوجيهاته.
عند الحديث عن الاستئصال، يجب علينا معرفة أن نوع الاستئصال يختلف باختلاف العوامل التي تحدثنا عنها سابقاً. فللاستئصال عدة أنواع، منها: استئصال الورم فقط، ومنها استئصال الغدة فقط وإبقاء الجلد والحلمة، ومنها استئصال الغدة والحلمة وإبقاء الجلد فقط، والنوع الأخير الاستئصال الكامل «البتر». الجدير بالذكر أن اللجوء مباشرة إلى البتر الكامل لا يعني الاستغناء عن العلاج الكيميائي.

مفاهيم خاطئة

هناك العديد من المفاهيم الخاطئة لدى كثير من النساء، كاعتقادهن بحتميّة سقوط الشعر أثناء العلاج، أو عدم نمو الشعر مجدداً، أو حصول تغيّرات مستديمة على البشرة، والأهم من ذلك اعتقادهن بأن فقدان الثدي لا يمكن تعويضه مستقبلاً.
يصحح الدكتور الديري تلك المفاهيم الخاطئة، فسقوط الشعر يحدث لدى أغلب النساء، ويمكن تقليل احتمالية سقوط الشعر. وبالنسبة للتغيرات الحاصلة على البشرة، فإنها تزول تدريجياً بعد انتهاء العلاج الكيميائي. أمّا ما يتعلّق بفقدان الثدي، وهو الهاجس الأكبر لدى النساء، فقد أصبح المبرّر الوحيد لهذا الهاجس، مع تقدم الطب في هذا المجال، هو قلّة المعلومات لدى المصابات والمتعافيات عمّا يمكن عمله بعد عمليات سرطان الثدي.أما ترميم الثدي فهو أمل جديد لحياة جميلة. وتعد عمليّات الترميم بشكل عام عمليّات معقّدة، الغرض الأكبر منها إمّا إعادة الوظيفة مثل عمليات ترميم أوتار اليد مثلاً، أو تعويض جزءٍ مفقودٍ كعمليات نقل إصبع القدم ليحل محلّ أحد أصابع اليد، أو تعويض نسيج مفقود كما في التقرحات السريرية والقدم السكّريّة. أما عمليات ترميم الثدي بشكل خاص، فقد يعتقد البعض أنها من أقل عمليات الترميم تعقيداً وهذا مفهوم خاطئ، والسبب هو أن عمليات ترميم الثدي ليس الغرض منها تعويض جزء مفقود فقط، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة بناء الثدي بشكل جميل يشبه أو يتفوق جماليّاً في بعض الأحيان على شكل الثدي قبل الاستئصال!

ترميم الثدي

هناك عدّة عوامل ترتبط بجمال النتيجة النهائية لترميم الثدي بشكل كبير، أهمّها عدم إجراء الترميم في نفس عملية الاستئصال، وأيضاً عدم تعريض الثدي بعد الترميم للعلاج الإشعاعي الذي يتسبب في تلفيّات تحصل للنسيج المزروع، إلى جانب العديد من العوامل الأخرى.
في حين يتساءل البعض عن الطرق الممكنة لترميم الثدي، يعتقد البعض الآخر أن ترميم الثدي يكون فقط عن طريق حشوات السيليكون، ناهيك بالمعلومات المغلوطة عن حشوات السيليكون التي لا حصر لها.
يقول الدكتور الديري إن ترميم الثدي ينقسم إلى نوعين رئيسيّين: الترميم الخارجي والترميم الذاتي. ويُطلق مصطلح الترميم الخارجي على عمليات الترميم باستخدام حشوات السيليكون أو البالون المملوء بالماء. بالمقابل يُطلق مصطلح الترميم الذاتي على إعادة بناء الثدي بأنسجة يتم أخذها من نفس جسم المرأة، لتتم زراعتها لتحل محلّ الثدي، وهي تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
> النوع الأول: شفط الدهون من مناطق مختلفة في الجسم ومعالجتها، ومن ثم حقنها لإعادة بناء الثدي. تعد هذه الطريقة الأسهل جراحياً، ولكنها ذات نتائج محدودة وسلبيات متعدّدة.
> النوع الثاني: نقل شريحة عضليّة - دهنيّة، وقد تشمل في بعض الأحيان نقل الجلد أيضاً. تعد هذه الطريقة متوسطة الصعوبة وذات نسبة نجاح مرتفعة، ولكنها تؤدي إلى قصور وظيفي بحسب نوع العضلة المأخوذة.
> النوع الثالث: نقل شريحة دهنية - جلديّة وزراعتها مجهريّاً لإعادة بناء الثدي. تعد هذه الطريقة الأصعب جراحياً وتتراوح نسبة نجاح العملية ومدّتها من جرّاح لآخر، وهي الأفضل من حيث النتيجة الجمالية على الإطلاق مقارنة بالأنواع الأخرى لعمليات الترميم الذاتي.
يؤكد الدكتور محمد الديري أن للمريضة حق اختيار نوع الترميم الذي ترغب به، ولكن اختيار النوع الأنسب من الترميم لا يخضع فقط للرغبات بقدر ما تحكمه بعض المعطيات، فعلى سبيل المثال، عند تعرّض المريضة للعلاج الإشعاعي فإن الترميم بحشوات السيليكون يصبح أمراً سيئاً، وذلك بسبب ارتفاع نسبة حدوث التليّف الكبسولي حول الحشوة إلى 90 في المائة خلال سنتين، وبالتالي تأتي الحاجة للترميم بنسيج ذاتي، للحصول على مظهر طبيعي وملمس طري.
مثال آخر وهو الترميم بالطريقة الثانية «شريحة عضليّة - دهنيّة»، الذي يتسبّب في إلحاق الضرر بالعضلة المأخوذة، وبالتالي قد يؤدي إلى فقدان أو قصور وظيفي، قد يكون ملحوظاً، وقد لا يكون.
قد تقبل المريضة بهذا النوع من الترميم، ولكن في حالة وجود الرغبة بالحمل والإنجاب مستقبلاً - على سبيل المثال - فمن الواجب على الطبيب توضيح أهمية عضلات البطن ودورها في حماية البطن والطفل. لذلك فإن عمليات الترميم باستخدام الشريحة الدهنية - الجلدية من دون الإضرار بالعضلات، تأتي على رأس هرم عمليات ترميم الثدي الذاتي.
ما زال الطب الحديث، بفضل الله، في تقدّم مستمر ولم يعد سرطان الثدي «المرض القاتل» بفضل الله تعالى ثم بفضل الفحص المبكّر وارتفاع نسب التعافي.

* استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك 7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

خل البلسميك خل عطري مُعتّق ومركّز، داكن اللون وذو نكهة قوية، مصنوع من عصير كامل عناقيد العنب الأبيض الطازج المطحون، أي مع جميع القشور والبذور والسيقان.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة في سن مبكرة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك التمر كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة

آفاق جديدة للابتكار في أبحاث الطب النبوي

تنطلق في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، صباح يوم غدٍ السبت الحادي عشر من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي 2025 فعاليات «المؤتمر العالمي السادس للطب النبوي»

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (بريدة - منطقة القصيم)

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».