«الشرق الأوسط» في مهرجان «فينيسيا الدولي» (3): فيلم تونسي عن اللاجئ السوري الذي باع جلده

المهرجان يجد حلاً ناجعاً لوباء «كورونا»

مشهد من «الرجل الذي باع ظهره».
مشهد من «الرجل الذي باع ظهره».
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان «فينيسيا الدولي» (3): فيلم تونسي عن اللاجئ السوري الذي باع جلده

مشهد من «الرجل الذي باع ظهره».
مشهد من «الرجل الذي باع ظهره».

بعد عشر دقائق من عرض أحد الأفلام مد هذا الناقد أصبعه وحرّك الكمامة نزولاً عن أنفه قليلاً. من وسط الظلام تقدّمت مني إحدى العاملات في الصالة وقالت لي بالإيطالية همساً: «أرجوك... ارفع الكمامة إلى أنفك».
لا أفهم الإيطالية، لكن لم يكن هناك خطأ في ترجمة ما قالته، وفعلتُ ما طلبت على الفور، لكن العجيب هو أنها، وسواها، قادرون على كشف المتلاعبين بالكمامات، ولو في ظلام الصالة.
هذا هو واحد من الاحتياطات المعمول بها. والمرء يقدّر ذلك كما يقدّر تكرار عرض الأفلام أكثر من المعتاد، وفي أكثر من صالة، لأن «الحيطة» تقتضي بألا تشغل الصالة أكثر من نصف كراسيها، وربما أقل من ذلك.
والصفوف الطويلة تحت الشمس الحارقة مراراً وتحت المطر المفاجئ في بعض الأحيان لم يعد لها وجود كما كان الحال في الأعوام الماضية. الآن تحجز مقعدك على الكومبيوتر، والكومبيوتر سيسجل على بطاقتك الخاصة كل شيء؛ من اسمك إلى المقعد الذي حجزته وفي أي صف. شغل لم يكن أكثر من خيال غير مطروق إلا في أفلام جيمس بوند الأولى.
- إصرار إيطالي
الصالة ذاتها هامدة خلال العرض. لا سُعال كما كان الحال قبل «كورونا»، عندما كانت «أوركسترا» من السعال تلف صالات المهرجانات، كما لو كانت في اتفاق مسبق. لا أعياء ولا حالات مشكوك بأمرها، بل تعاون رائع بين الموظفين والمشاهدين لا تجد مثيلاً له إلا في فينيسيا أو برلين، وأحياناً في مهرجانات أخرى.
لكن فوق ذلك، هناك معجزة قام بها ألبرتو باربيرا وفريقه. في ثلاثة أشهر فقط حشد ونفّذ وقدّم مهرجاناً سينمائياً كاملاً. طلب الأفلام، وحصل عليها، ونظّم عروضها حسب الظروف الطارئة، وخصص لها قاعات العرض وأدوات التنظيف، واستعان بخبرات حكومية لتنظيم الحديقة المحيطة بالمركز الرئيسي الذي يشغله المهرجان. وخبراء السير كان لهم دورهم في تنفيذ مهام إضافية تم خلالها منع التجمهر أمام صالات السينما لتحية السينمائيين الوافدين.
هذا كله كان صعباً على مهرجان «كان» القيام به لأسباب عدة، من بينها أن الحكومة الفرنسية طبقّت قانون حظر التجمّعات، ولاحقاً عندما سمحت، كان من غير المحتمل أن يتخلى المهرجان الفرنسي عن تقاليده الإعلامية ويرتّب حاجياته العديدة ليظهر في ثوب قشيب. لم يجد أن هناك متسعاً من الوقت فأحال معظم أفلامه للعرض في مهرجانات أخرى (رفض «فينيسيا» استقبال بعضها مصحوباً بكلمة «من مختارات مهرجان «كان») أو في الأسواق مباشرة.
إضافة لما سبق، وبسبب إصرار مهرجان «فينيسيا» على إقامة الدورة الحالية (تحمل الرقم 77)، فإن ما قامت به من شؤون التنظيم يُنظر إليه من قِبل المهرجانات الأخرى كمنهج لا بد من تقليده، لا خلال جانحة «كورونا» فقط، بل ربما بعدها. تقول لي لوسيا أولاشرغوي، واحدة من مساعدي مدير مهرجان سان سابستيان:
«ما قام به (ألبرتو) باربيرا مثير للإعجاب والتفاؤل. بعض النظم الجديدة جديرة بالتقليد مثل الحجز المسبق على الإنترنت. هذا كان معمولاً به لمن يشاء، لكن تعميمه وجعله الوسيلة الوحيدة، بصرف النظر عن الظروف التي نعيشها، أمر مفيد للجميع».
«على الأقل منع الصفوف الطويلة والانتظار المسبق، ثم الهرع للجلوس على الكرسي المفضل»، يقول الناقد المصري أمير العمري الذي كان حجز لهذه الدورة منذ نهاية الدورة السابقة، رغبة منه في عدم تفويتها.
- حجم النجاح
بذلك يفتح مهرجان «فينيسيا» الطريق أمام منوال جديد من النظم والتدابير. يتولى تعريف الآخرين بأن الوباء ليس قدراً لا مناص منه، وأن هناك حلولاً لإقامة أي مهرجان في أي مكان من دون خوف أو عواقب.
في حديثها الصحافي، قامت رئيسة لجنة التحكيم لهذه الدورة الممثلة كيت بلانشت بتهنئة المهرجان وحيّته على تصميمه إقامة الدورة رغم كل شيء. قالت: «أصفّق للمنظمين الذين تعاونوا على نحو نموذجي (لإقامة هذا المهرجان). علينا أن نفتح دور العرض بأمان لأنها مرحلة عصيبة من الزمن لا نعرف فيها نهاية بعد لهذا الوباء».
الناحية المقابلة لهذا الجهد كانت على المستوى ذاته.
صانعو السينما تقاطروا للحضور. ليس بالكمّ ذاته طبعاً، لكن بالحجم والقدر الكافيين لإنجاح المهرجان. في الأساس لا يعمد المهرجان الإيطالي إلى إقامة سوق سينمائية كحال منافسيه «كان» و«برلين»، لكن العقود تُبرم بين الحاضرين من بائعي أفلام وموزّعين، وهذا حدث، ولو بنسبة أقل، هذه السنة. تقول واحدة من منتجي فيلم «مس ماركس» مارتا دونزيللي لهذا الناقد حين سؤالها عن فائدة الحضور إلى مهرجان «فينيسيا» واحتمالات بيعه للخارج: «قمنا قبل المهرجان ببيع الفيلم لبعض الأسواق، وهنا نبرم عقودنا للأسواق الأخرى. أعلم أن عدد الموزّعين والشركات الكبرى أقل من المعتاد في هذه الدورة، لكن من المهم ذكر حقيقة أن الجميع يراقبنا من بعيد. وأحد معارفي في هذا المجال كتب لي من لوس أنجيلس أنه يأسف لأنه لم يحضر. كان يعتقد أن السفر خطر والإقامة غير مضمونة. وربما اعتقد أن المهرجان لن يُقام بنجاح، لكنه أُقيم بنجاح فعلاً».
في الواقع حجم النجاح لا يمكن أن يُقارن جيداً بدورات السنوات السابقة، لأن المهرجان أقيم بمعزل عن الطبيعة ورغماً عنها. لذلك هو أنجح مما سبق من ناحية وأقل (على صعيد المبادلات والصفقات التجارية) من ناحية أخرى.
- فيلم مهم ومبهر
أما على صعيد الأفلام فالنجاح مؤكد؛ الأفلام الجيدة تتوالى كما لو أن صانعيها اخترقوا الزمن الحالي وأدّوا ما يحلمون بصنعه بصرف النظر عن الوضع الحالي. نعم، عدد كبير من هذه الأفلام تم تصويره في مراحل «كورونا» الأولى، لكن الكم المتوفر والجودة التي تغمر غالبيتها (إلى الآن) دلالة أخرى على أن السينما تقاوم الوباء، والفن يقف بالمرصاد لما تخططه سياسات خارجية فشلت في احتوائه (أو ربما تركته يستفحل جهلاً أو عمداً، كما يتكاثر حديث المواقع).
أحد الأفلام المفاجئة في مستواها هو «الرجل الذي باع ظهره» (للفيلم عنوان مختلف: «الرجل الذي باع بشرته»: The Man Who Sold His Skin) للتونسية كوثر بن هنية. ليس لأنه خالٍ من الأخطاء، لكنها من ذلك النوع الذي يمكن التغاضي عنه حيال الصورة الكبيرة التي يرسمها على الشاشة وبنجاح.
هذا هو أفضل أفلام المخرجة التونسية التي سبق أن شاهدنا لها «زينب تكره الثلج» (2016) و«على كف عفريت» (2017‪). الأول كان تسجيلياً صغيراً (بحكاية مركّبة) ينأى تحت وطأة موضوع شخصي لم يخرج عن المستوى المبدئي للوضع الوارد..
الثاني كان أفضل كثيراً؛ روائياً مأخوذاً عن واقعة حقيقية لفتاة تم اغتصابها من قِبل رجلي شرطة ومعاناتها بعد ذلك لإثبات تهمة الاغتصاب عليهما.
هذا الفيلم الجديد هو أفضل ما حققته إلى اليوم. دراما عن حياة مهاجر سوري في مواجهة عالم يقع على بُعد أميال كثيرة من واقعه. عليه أن يقبله لقاء ثمن وإذ يفعل يكشف الفيلم عن تلك الفجوة الكبيرة بين ثقافتين وعالمين ومبدأين، كل منهما في وجهة مختلفة.
سوريا سنة 2011: سام (يحيى محياني) هو شاب واقع في حب الفتاة التي نراها معه في حافلة عمومية (ضياء ليان)، يعرض عليها الزواج فتقبل. يهب واقفاً وخاطباً في الركّاب: «نحن في زمن الثورة والحرية وأريد أن أزف لكم خبر زواجي» (الحوار ليس حرفياً).
المشهد التالي له وهو في زنزانة البوليس. البعض بلّغ عن خطبته اللاذعة فاقتيد حيث يُشير له المحقق بسبب احتجازه، ثم يتركه وحيداً في غرفة التحقيق ذات النافذة العريضة المفتوحة. هل تم ذلك عن قصد دلالة على موافقة الضابط الضمنية لموقف سام السياسي أو عن غير قصد؟ بصرف النظر عن الجواب يعتلي سام النافذة ويهرب لمنزل عائلة حبيبته. عند الباب يخرج له خطيبها (الذي لاحقاً ما سيتزوّجها) وهو موظف في وزارة الخارجية ووالدتها. كلاهما لا يريد وجوده، على عكس الفتاة التي تبدو مغلوبةً على أمرها. شقيقة سام هي التي ستسهل له الهروب إلى بيروت بينما تحط حبيبته مع زوجها في مدينة بروكسل.
في العاصمة اللبنانية يلتقي سام برسام أميركي - بلجيكي (ولو أن لكنة الممثل كووان دو باوي بريطانية) يعرض عليه مساعدته على السفر إلى بروكسل شرط أن يبيعه ظهره. كيف ذلك؟ يريد الرسام حرية التصرف بظهر سام. يَشِمُه ويرسم عليه ويعرضه ويجني منه المال الطائل. سيمكنه من العيش رغيداً في فندق من خمس نجوم ولا مانع من أن يصبح نجم معارض فنية.
من هنا المنوال يستمر مؤكداً على الصراع داخل سام (يدرك أنه أداة) وخارجه. حبيبته متزوّجة ورجلها متمكّن في سوريا، وهو لا يملك سوى أن يطيع أوامر ذلك الفنان. إلى ذلك، تحشد المخرجة للمجابهة بين عالمين متباعدين ولا تضيع الوقت في مسائل سهلة العرض مثل دهشة سام أمام عالمه الجديد، ووضع مفارقات مفروغ منها في هذا الشأن. لوحتها الأكبر هي كيف يستغل العالم المتقدّم مأساة النازح وكيف يرزح الفرد اللاجئ تحت معادلات بعضها من نتاج الوضع الذي دفعه للهرب، وبعضها الآخر من ذلك المفهوم المختلف حيال الإنسان إيجاباً وسلباً.
مع تصوير رائع من كريستوفر عون، وتوليف لا يهدر الوقت (لماري هلين دوزو) و(على الأخص) موسيقى ذات مستوى عالمي من أمين بوحافة تضع المخرجة ثقلها لضخ حياة جديدة في السينما التي تجمع الشرق والغرب معاً. من ناحية تريد أن توفر للعين الغربية نظرة جديدة لم يدركها من قبل لحال اللاجئ السياسي القادم من بلد عربي يعاني من الحرب والوضع، ومن ناحية معايير الغرب في التعامل مع هذا الوضع وصولاً لمستوى الاستغلال.
في الصورة كذلك الممثلة الإيطالية مونيكا بيلوشي التي تؤدي دور مساعدة الفنان البلجيكي كوثر، ولو أن السيناريو لا يميل لفتح ثغرة عاطفية ما كان من الممكن تجاوز الإيحاء بها بين سام وكوثر. النهاية في خلاصتها المعنوية (ولن أفصح عنها هنا) جيدة. في سياقها درامياً تبدو إضافة غير ضرورية.


مقالات ذات صلة

فيلم «الست» يقدم عرضه الأول في الرياض بحضور أبرز أبطال العمل

يوميات الشرق حضور كبار النجوم افتتاح العرض الأول لفيلم «الست» في الرياض (موسم الرياض)

فيلم «الست» يقدم عرضه الأول في الرياض بحضور أبرز أبطال العمل

شهدت العاصمة السعودية العرض الأول لفيلم «الست»، الذي يتناول السيرة الذاتية لكوكب الشرق أم كلثوم، في حدث فني رعته الهيئة العامة للترفيه (GEA)، و«موسم الرياض».

فاطمة القحطاني (الرياض)
يوميات الشرق الممثل البريطاني خلال حضوره في مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

نيكولاس هولت: أطمح في تقديم عمل سينمائي حول سباقات السيارات

شهدت الجلسة التي استضاف فيها مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» في جدة الممثل البريطاني نيكولاس هولت حديثاً مفتوحاً كشف عن جانب من مرحلة جديدة يمر بها في مسيرته.

أحمد عدلي (جدة)
يوميات الشرق ‎⁨المخرج دارين أرونوفسكي خلال الجلسة (تصوير: إيمان الخطاف)

دارين أرونوفسكي في «البحر الأحمر»: جبل قارة موقع سينمائي

أبدى المخرج الأميركي دارين أرونوفسكي انبهاره بمدينة الهفوف (شرق السعودية)، وذلك خلال زيارته الأخيرة لها، خصوصاً أمام التكوينات الصخرية البديعة لجبل قارة.

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق الأسرة مجتمعةً لمُشاهدة إحدى المباريات ضمن أحداث الفيلم (إدارة المهرجان)

أبو بكر شوقي يعود بفيلم يتتبَّع مصر من الهزيمة إلى التحوّلات الكبرى

يُعرض الفيلم في مسابقة «البحر الأحمر» للأفلام الطويلة...

انتصار دردير (جدة)
سينما شهد أمين في حوار معها من داخل مهرجان البحر الأحمر (المهرجان)

شهد أمين لـ«الشرق الأوسط»: «هجرة» يكسر نموذج المرأة الواحدة

بين حضور دولي، بدأ مع فيلم «سيدة البحر» عام 2019، وصولاً إلى اختيار فيلمها الجديد «هجرة» لتمثيل السعودية في سباق الأوسكار 2026، تبدو المخرجة السعودية شهد أمين

إيمان الخطاف (جدة)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».