جائحة «كوفيد ـ 19» تقلل طلبات علاج السكتة الدماغية

ضرورة تلقي العناية الطبية عند ظهور أعراضها

جائحة «كوفيد ـ 19» تقلل طلبات علاج السكتة الدماغية
TT

جائحة «كوفيد ـ 19» تقلل طلبات علاج السكتة الدماغية

جائحة «كوفيد ـ 19» تقلل طلبات علاج السكتة الدماغية

عرض باحثون من جامعة سينسيناتي بأوهايو في الولايات المتحدة دراستهم الطبية حول تأثيرات جائحة كوفيد - 19 على تلقي الرعاية الطبية للحالات الطارئة من السكتة الدماغية، وذلك ضمن عدد 20 يوليو (تموز) الحالي من مجلة «السكتة الدماغية» Stroke الصادرة عن رابطة القلب الأميركية.
وفي توضيحهم الغرض من إجراء هذه الدراسة، قال الباحثون إنه رغم أن البيانات الإقليمية تؤكد أن قدرات المستشفيات لرعاية السكتة الدماغية الحادة ظلت متاحة بالكامل خلال جهود التخفيف من جائحة كوفيد - 19. إلا أن ثمة أدلة على إحجام المرضى عن المبادرة إلى التماس تلقي العلاج للسكتة الدماغية في المستشفيات، ما يزيد من شدة التأثير المرضي والوفيات بسبب ذلك.
- تخوف المصابين
وبالأساس، تحدُث السكتة الدماغية عندما ينقطع، أو ينخفض، تدفق الدم إلى جزء أو أجزاء من الدماغ، ما يتسبب بمنع، أو نقص، تزويد أنسجة الدماغ بالأكسجين والعناصر المغذية الأخرى. ومع استمرار ذلك، تبدأ خلايا الدماغ لا محالة بالتلف والموت خلال دقائق. ولذا فإن السكتة الدماغية هي بالفعل «حالة طبية طارئة»، ولذا فإن تلقي العلاج الفوري آنذاك هو بالفعل أمر بالغ الأهمية، لأن العلاج المبكِر بإمكانه أن يُقلِل من احتمالات تلَف خلايا الدماغ ومن احتمالات حصول المضاعفات الأخرى للسكتة الدماغية.
وكان الباحثون من جامعة سينسيناتي قد راجعوا الاستشارات والمعالجات لحالات السكتة الدماغية الحادة في 30 من مرافق تقديم الرعاية الصحية بالولايات المتحدة قبل وما بعد تفشي جائحة كوفيد - 19 في ولايات أندينا وأوهايو وكنتاكي، وقارنوها بالفترة المماثلة في العام الماضي. وبالمقارنة، وجدوا في نتائجهم انخفاض استشارات السكتة الدماغية بنسبة حوالي 40 في المائة وانخفض تلقي المعالجات لإعادة ضخ الدم Reperfusion Treatments إلى أجزاء الدماغ المتضررة في حالات السكتة الدماغية بنسبة 30 في المائة، وخاصة تلقي أدوية إذابة وتحليل الجلطات الدموية Thrombolysis. وخلصوا إلى أن هذه النتيجة تتطلب مزيداً من الدراسة، كما أن من الضروري تثقيف العموم بضروري التخفيف من ظاهرة تجنب تلقي الرعاية الطارئة الأساسية في المستشفيات لحالات السكتة الدماغية بعذر تفشي جائحة كوفيد - 19.
وفي مقالة تحريرية لمجموعة أطباء من النرويج والولايات المتحدة وإسبانيا حول هذه الدراسة ودراستين أخريين من إسبانيا والصين حول نفس الموضوع تم نشرها ضمن عدد يوليو (تموز) من مجلة «السكتة الدماغية»، قالوا: «تتم عالمياً ملاحظة انخفاض في دخول حالات السكتة الدماغية إلى المستشفيات. وتؤكد دراسة باحثين إسبان وصينيين بوضوح هذا الأمر».
- تساؤلات طبية
وتساءل الباحثون عن سبب ذلك بقولهم ما ملخصه: «ما الذي يفسر هذا الانخفاض الغريب في طلبات استشفاء مرضى السكتة الدماغية أثناء الوباء؟ هناك العديد من الأسباب المساهمة على الأرجح لهؤلاء المرضى المصابين بالسكتة الدماغية. وربما الخوف من الإصابة دفع المرضى المصابين بجلطات خفيفة إلى البقاء في المنزل، وربما ساهمت العزلة الاجتماعية عن كبار السن في تقليل احتمالية اكتشاف السكتة الدماغية لديهم من قبل أفراد الأسرة، وربما أعاقت الزيادة الهائلة في الطلبات على خدمات الطوارئ الطبية القدرة على الاستجابة لخدمة المرضى بالسكتة الدماغية، وربما تم تفسير أعراض السكتة الدماغية بشكل خاطئ أو لم يتم تشخيصها بشكل صحيح في بعض المرضى المصابين بعدوى تنفسية حادة، وربما من الممكن حصول انخفاض حقيقي في حالات السكتة الدماغية نفسها بسبب التغيرات البيئية أو السلوكية التي حدثت خلال فترة انخفاض مستويات التلوث وانخفاض الإجهاد البدني أو العاطفي في العمل على سبيل المثال، ما قلل من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية». وكانت كل من رابطة القلب الأميركية AHA ورابطة السكتة الدماغية الأميركية ASA قد عرضت ضمن عدد يونيو (حزيران) الماضي من مجلة «السكتة الدماغية»، تقريرهما بعنوان: «إرشادات الطوارئ المؤقتة لمراكز السكتة الدماغية الأميركية خلال جائحة مرض كوفيد - ١٩».
- أسباب السكتة
وبالمراجعة، يُوجد سببان رئيسيان للسكتة الدماغية، أي لانقطاع أو تدنٍ في تدفق الدم إلى أجزاء من الدماغ، وهما: إما نتيجة لانسداد شريان، وتُسمى سكتة دماغية إقفارية Ischemic Stroke (انسدادية)، وهو النوع الأعلى شيوعاً في حالات السكتة الدماغية. أو نتيجة تسرُب من أحد الأوعية الدموية أو انفجارها وتُسمى سكتة دماغية نزفية Hemorrhagic Stroke. وهناك نوع ثالث قد يُصاب به بعض الأشخاص نتيجة حصول انخفاض مُؤقت في تدفق الدم إلى أجزاء من الدماغ، وهو ما يُعرَف بالنوبة الإقفارية العابرة Transient Ischemic Attack التي من أهم سماتها أنها لا تتسبب بأعراض دائمة.
وتفيد المصادر الطبية أن «السكتة الدماغية الإقفارية» تحدث عندما تسدُ أو تُضيق، كتلة من الخثرة (جلطة) الدموية Blood Clot أحد الشرايين المؤدية إلى أحد أجزاء الدماغ. وأنه غالباً ما تتشكَل هذه الجلطة الدموية في داخل الشرايين التي تكون بالأصل قد تضرَرت بسبب نشوء حالة «تصلب الشرايين» Atherosclerosis فيها وتراكمت الدهون والكولسترول داخل جدرانها Plaques، وأدت إلى تضيق مجاري الدم من خلالها.
وثمة أحجام مختلفة لتلك الخثرة أو الجلطة الدموية، وبناء عليه يكون مقدار تأثيرها. بمعنى أنه كلما كان حجمها أكبر تسببت بالسدد في المجاري الشريانية الأكبر ونتج عنها تضرر أجزاء أكبر من الدماغ، وكلما صغر حجمها تسببت بالسدد في المجاري الشريانية الأصغر ونتج عنها تضرر أجزاء أقل من الدماغ. والمقصود بالشرايين المؤدية إلى أحد أجزاء الدماغ أنها تشمل: الشرايين في الرقبة والشرايين الأخرى داخل تجويف الجمجمة. أي المجرى الشرياني بدءًا من خروج الدم من القلب ووصوله إلى أنسجة الدماغ نفسه.
كما تفيد مصادر طب الأعصاب أن السكتة الدماغية النزفية Hemorrhagic Stroke تحصل في حالات ارتفاع ضغط الدم غير المنضبط، أو العلاج الزائد بمضادات التخثُر، أو نتيجة وجود انتفاخات تمدد في الأوعية الدموية في الدماغ، أو نتيجة إصابات الحوادث.
- الخثرة الدموية تحوّل الدم من سائل إلى كتلة
> ثمة عنصران رئيسيان في حصول السكتة الدماغية الإقفارية، هما: تكوين الخثرة الدموية داخل مجرى الشريان، وحصول سدد أو تضيق في المجرى الشرياني المؤدي إلى أجزاء الدماغ.
وبالعموم، تنشأ الخثرة الدموية نتيجة تحول الدم من الحالة السائلة إلى كتلة دموية غير سائلة. وتتشكل بشكل طبيعي وصحي عند حصول الجروح، وذلك بغية سد منفذ النزيف والتسريب الدموي. ويمتلك سائل الدم جميع العناصر اللازمة لتشكيل الخثرة الدموية في هذه الظروف، تحت تحفيز حصول الجرح والمواد التي تفرزها الأنسجة المجروحة آنذاك.
وبالمقابل، قد تتشكل تلك الخثرة، الدموية بشكل غير طبيعي وفي ظروف يجب أن لا تتكون فيها، وتحديداً داخل الأوعية الدموية بنوعيها الشرايين والأوردة. وحينئذ تنشأ حالات مرضية نتيجة السدد الناجم عن تلك الخثرة إما في مجرى الوريد أو الشريان في مناطق الجسم المختلفة.
ومن المظاهر المرضية لتلك الخثرات الدموية في الأوردة: حالات تجلط الأوردة العميقة في الساق أو الفخذ أو الرئة أو مناطق أخرى من الأوردة في الجسم. كما أن من مظاهر تكوين تلك الخثرات الدموية في الشرايين: نوبات الجلطة القلبية، والسكتة الدماغية، وجلطات الأمعاء، وجلطات الساق وغيرها. وفي بعض الحالات، قد تجد الخثرات الدموية المتكونة في الأوردة بالأطراف السفلية، طريقها في الوصول إلى الدماغ، وذلك عند وجود ثقب فيما بين الحجرات اليمنى والحجرات اليسرى في القلب، مثل وجود «الثقبة البيضوية الواضحة» PFO أو «الثقب بين الأذينين» ASD.
وبالأساس، تتكون الخثرة الدموية من مرحلتين، الأولى يحصل فيها تجمع للصفائح الدموية لإنتاج ما يُعرف بـ«سِدَادة صُفيحية» Platelet Plug، والثانية بناء شبكة متينة من بروتينات ليفية تتكون من تنشيط عوامل التخثر التي عادة ما تكون ذائبة في الدم بشكل خامل في الحالات الطبيعية.
وثمة أدوية تعيق من البداية تكوين الخثرة الدموية، منها ما يرتكز في عمله على منع تراكم وتجمع الصفائح الدموية على بعضها البعض، وهي التي تسمى «مضادات الصفائح» Antiplatelet، ومن أشهر أمثلتها عقار الأسبرين. وبعد حدوث النوبة الإقفارية العابرة أو سكتة دماغية طفيفة، قد يصف الطبيب تناول أسبرين مع أحد العقاقير المضادة للصفائح الدموية مثل كلوبيدوقرل (بلافيكس) لفترة من الوقت لتقليل خطر الإصابة بسكتة دماغية أخرى.
وهناك أدوية تعمل على منع تكوين الخثرة الدموية عبر إعاقة تنشيط عوامل التخثر في الدم، ومن أشهر أمثلتها عقار الوارفيرين Warfarinالذي يتناوله عبر الفم، وعقاقير مشتقات الهيبارين Heparinالتي تُحقن إما في الوريد أو تحت الجلد. ويعمل الهيبارين بسرعة ويمكن استخدامه لفترة قصيرة في المستشفى. بينما الوارفارين بطيء المفعول وقد يُستخدم على مدار فترة زمنية طويلة. ولإن الوارفارين دواء قوي يعمل على منع تخثر الدم، ولذلك يجب تناوله تماماً حسب الإرشادات، ومع مراقبة الأعراض الجانبية وإجراء اختبار الدم بانتظام لرصد تأثير الوارفارين على سيولة الدم INR.
وحالياً يتوافر العديد من الأدوية الحديثة المضادات للتخثر (غير الوارفارين) لمنع نشوء السكتات الدماغية للأشخاص الذين لديهم مخاطر عالية لاحتمالات حصولها. ومفعولها أقصر من الوارفارين، وعادة لا تتطلب إجراء اختبارات دم منتظمة أو متابعة من الطبيب ولديها خطورة منخفضة لحدوث مضاعفات النزيف.
وهناك فئة أخرى من الأدوية «المُذيبة للجلطات» Thrombolytic Therapy، ومنها أنواع متعددة يتم استخدمها في حالات مرضية عدة، ومنها السكتة الدماغية ونوبة الجلطة القلبية، وذلك وفق ضوابط طبية.
- أعراض السكتة الدماغية... الوقت أغلى من الذهب
> يلخص الأطباء من مايوكلينك أهمية المبادرة لطلب تلقي المعالجة الطبية في حالات السكتة الدماغية بقولهم: «إذا كانت لديك أنت أو أي شخص آخر سكتة دماغية، فأَوْلي اهتماماً خاصاً بالوقت الذي بدأتْ فيه الأعراض. إذ أن بعض خيارات العلاج تكون أكثر فاعلية عندما تُقدَم بعد فترة قصيرة من بدء السكتة الدماغية».
وتشمل مؤشرات وأعراض السكتة الدماغية ما يلي:
- مشكلة في التحدث وفهم ما يقوله الآخرون. قد تتعرَض للاضطراب أو تتحدَث بغير وضوح أو تواجِه صعوبة في فهم الكلام.
- قد يحدث شلل أو خَدَر بالوجه أو الذراع أو الساق. قد تُصاب بخَدَر مفاجئ، أو ضَعْف أو شلل بوجهك، أو ذراعك أو ساقك. غالباً ما يحدث ذلك في جانب واحد من الجسم. حاوِلْ رَفْع كلتا ذراعَيْك فوق رأسك في نفس الوقت. إذا بدأت إحدى ذراعَيْك بالسقوط، فربما تكون مصاباً بسكتة دماغية. أيضاً قد يهبط أحد جانبي الفم عند محاوَلة الابتسام.
- مشاكل في الإبصار في عين واحدة أو كلتا العينين. قد تشعر فجأة بتَغيُم الرؤية أو رؤية سوداء بإحدى العينين أو كلتيهما، أو ربما تشعر برؤية مزدوجة.
- الصُداع. قد تشير الإصابة بصداع مفاجئ وشديد، قد يكون مصحوباً بالقيء، أو الدوار أو تغيُر في الوعي، إلى أنك مصاب بسكتة دماغية.
- صعوبة في المشي. قد تتعثر أو تفقد اتِزانك. قد تعاني أيضاً من ترنُح أو دوخة مفاجئة.
ومن الضروري البحث عن رعاية طبية فورية إذا لاحظت أي مؤشرات أو أعراض لسكتة دماغية، حتى لو بدا أنها تأتي وتذهب أو تختفي تماماً.
وبالإمكان إجراء فحص منزلي بسيط، وهو ما يُمكن لأي شخص القيام به، ويشمل:
- الوجه. اطلب من الشخص أن يبتسم. هل يتدلى جانب واحد من الوجه؟
- الأذرع. اطلب من الشخص رفع كلتا ذراعيه. هل تنحدر ذراع واحدة نحو الأسفل؟ أم أنه غير قادر على رفع ذراع واحدة؟
- الكلام (النطق). اطلب من الشخص تَكرار عبارة بسيطة. هل طريقة كلامه مشوَشة أو غريبة؟
وإذا لاحظت أياً من هذه المؤشرات، لا تنتظر حتى ترى هل ستتوقف الأعراض أم لا. كل دقيقة لها أهميتها. كلما طال وقت عدم معالجة السكتة الدماغية، زادت احتمالية الإصابة بتلف الدماغ والعجز.
في حالة وجودكَ مع شخص تشُكُ في إصابته بسكتة دماغية، اطلب المساعدة الطبية، وفقط راقِبْه بعناية أثناء انتظار المساعدة الطارئة.
- استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

صحتك تمارين النهوض بالرأس من التمارين المنزلية المعروفة لتقوية عضلات البطن

لماذا قد تُغير ممارسة التمارين الرياضية لساعتين في الأسبوع حياتك؟

نصح أستاذ أمراض قلب بجامعة ليدز البريطانية بممارسة التمارين الرياضية، حتى لو لفترات قصيرة، حيث أكدت الأبحاث أنه حتى الفترات الصغيرة لها تأثيرات قوية على الصحة

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

خلصت دراسة إلى أن عادات العمل قد تهدد نوم العاملين، حيث وجدت أن الأشخاص الذين تتطلب وظائفهم الجلوس لفترات طويلة يواجهون خطراً أعلى للإصابة بأعراض الأرق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل يحضّر فنجانين من القهوة بمقهى في كولومبيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

ما أفضل وقت لتناول القهوة لحياة أطول؟... دراسة تجيب

أشارت دراسة جديدة إلى أن تحديد توقيت تناول القهوة يومياً قد يؤثر بشكل كبير على فوائدها الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين
TT

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

أثارت التقارير عن زيادة حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف اختصاراً بـHMPV في الصين أصداء قاتمة لبداية مماثلة لجائحة كوفيد - 19 قبل خمس سنوات تقريباً، كما كتبت ستيفاني نولين(*).

ولكن رغم أوجه التشابه السطحية، فإن هذا الوضع مختلف تماماً، وأقل إثارة للقلق، كما يقول خبراء الطب.

وإليك ما نعرفه عن «الفيروس المتحور الرئوي البشري» Human Metapneumovirus المعروف اختصاراً HMPV. ويسمى أحياناً أخرى بـ«الميتانيوفيروس البشري».

ما «الفيروس المتحور الرئوي البشري»؟

إنه أحد مسببات الأمراض العديدة التي تنتشر في جميع أنحاء العالم كل عام، وتسبب أمراض الجهاز التنفسي. وهو فيروس شائع؛ بل شائع جداً لدرجة أن معظم الناس يصابون به وهم ما زالوا أطفالاً وقد يعانون من عدة إصابات في حياتهم. وفي البلدان التي تشهد شهوراً من الطقس البارد، يمكن أن يكون لفيروس الجهاز التنفسي البشري موسم سنوي، تماماً مثل الإنفلونزا، بينما في الأماكن الأقرب إلى خط الاستواء، فإنه ينتشر بمستويات أقل طوال العام.

هذا الفيروس يشبه فيروساً معروفاً بشكل أفضل في الولايات المتحدة، «الفيروس المخلوي التنفسي»، RSV الذي يسبب أعراضاً تشبه إلى حد كبير تلك المرتبطة بالإنفلونزا وكوفيد، بما في ذلك السعال والحمى واحتقان الأنف والصفير.

معظم عدوى فيروس HMPV خفيفة، تشبه نوبات البرد الشائعة. لكن الحالات الشديدة يمكن أن تؤدي إلى التهاب الشعب الهوائية أو الالتهاب الرئوي، وخاصة بين الرضع وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة. أما المرضى الذين يعانون من حالات الرئة السابقة، مثل الربو أو مرض الانسداد الرئوي المزمن أو انتفاخ الرئة، فهم أكثر عرضة لنتائج وخيمة.

منذ متى كان الفيروس موجوداً؟

تم التعرف على الفيروس في عام 2001، لكن الباحثين يقولون إنه انتشر بين البشر لمدة 60 عاماً على الأقل. ورغم أنه ليس جديداً، فإنها لا يحظى بالقدر نفسه من التعرف على الإنفلونزا أو كوفيد - 19 أو حتى الفيروس المخلوي التنفسي، كما يقول الدكتور لي هوارد، الأستاذ المساعد لأمراض الأطفال المعدية في المركز الطبي لجامعة فاندربيلت.

أحد الأسباب هو أنه نادراً ما تتم مناقشته بالاسم، إلا عندما يتم إدخال الأشخاص إلى المستشفى بسبب حالة مؤكدة منه.

ويضيف هوارد: «من الصعب حقاً التمييز بين السمات السريرية والأمراض الفيروسية الأخرى. إننا لا نختبر بشكل روتيني فيروس الجهاز التنفسي البشري بالطريقة التي نفعلها لكوفيد - 19 أو الإنفلونزا أو الفيروس المخلوي التنفسي، لذا فإن معظم حالات العدوى لا يتم التعرف عليها ويتم إرجاعها إلى أي عدوى تنفسية موجودة».

كيف يصاب الشخص بالفيروس التنفسي البشري؟

ينتشر الفيروس في المقام الأول من خلال الرذاذ أو الهباء الجوي من السعال أو العطس، ومن خلال الاتصال المباشر بشخص مصاب أو من خلال التعرض للأسطح الملوثة - وهي نفس الطرق التي يصاب بها الناس بنزلات البرد والإنفلونزا وكوفيد-19.

هل يوجد لقاح أو علاج له؟

لا يوجد لقاح ضد فيروسات الجهاز التنفسي البشري. ولكن هناك لقاح ضد فيروس الجهاز التنفسي المخلوي، ويجري البحث حالياً لإيجاد لقاح يمكنه الحماية ضد الفيروسين بجرعة واحدة، لأنهما متشابهان. لا يوجد علاج مضاد للفيروسات مخصص لفيروسات الجهاز التنفسي البشري؛ إذ يركز العلاج على إدارة الأعراض.

ماذا تقول الصين عن انتشاره؟

أقرت السلطات الصينية بارتفاع حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري، لكنها أكدت أن الفيروس كيان معروف وليس مصدر قلق كبير. ويذكر أن فيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد - 19 كان مسبباً جديداً للأمراض، لذا لم تتمكن أجهزة المناعة لدى الناس من بناء دفاعات ضده.

وفي مؤتمر صحافي عقدته مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الصين في 27 ديسمبر (كانون الأول)، قال كان بياو، مدير معهد الأمراض المعدية التابع للمركز، إن حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري آخذة في الارتفاع بين الأطفال الذين تبلغ أعمارهم 14 عاماً أو أقل. وقال إن الزيادة كانت ملحوظة بشكل خاص في شمال الصين. وأضاف أن حالات الإنفلونزا زادت أيضاً.

وقال إن الحالات قد ترتفع خلال عطلة رأس السنة القمرية الجديدة، في نهاية يناير (كانون الثاني)، عندما يسافر العديد من الناس ويتجمعون في مجموعات كبيرة.

لكن كان قال بشكل عام: «بالحكم على الوضع الحالي، فإن نطاق وشدة انتشار الأمراض المعدية التنفسية هذا العام سيكونان أقل من العام الماضي».

وأظهرت البيانات الصينية الرسمية أن حالات فيروس التهاب الرئة البشري كانت في ارتفاع منذ منتصف الشهر الماضي، سواء في العيادات الخارجية أو في حالات الطوارئ، وفقاً لـ«وكالة أنباء شينخوا» الرسمية. وقالت الوكالة إن بعض الآباء ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي لم يكونوا على دراية بالفيروس وكانوا يطلبون المشورة عبر الإنترنت؛ وحثت على اتخاذ الاحتياطات الهادئة والعادية مثل غسل اليدين بشكل متكرر وتجنب الأماكن المزدحمة.

في إحاطة إعلامية روتينية يوم الجمعة الماضي، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية أن حالات الإنفلونزا والفيروسات التنفسية الأخرى تزداد بشكل روتيني في هذا الوقت من العام ولكنها «تبدو أقل حدة وتنتشر على نطاق أصغر مقارنة بالعام السابق».

وقال المسؤولون الصينيون الأسبوع الماضي إنهم سيضعون نظام مراقبة للالتهاب الرئوي من أصل غير معروف. وسيشمل النظام إجراءات للمختبرات للإبلاغ عن الحالات وللوكالات المعنية بمكافحة الأمراض والوقاية منها للتحقق منها والتعامل معها، حسبما ذكرت «هيئة الإذاعة والتلفزيون» الصينية.

ماذا تقول «منظمة الصحة العالمية»؟

لم تعرب «منظمة الصحة العالمية» عن قلقها. واستشهدت الدكتورة مارغريت هاريس، المتحدثة باسم المنظمة، بتقارير أسبوعية من السلطات الصينية أظهرت ارتفاعاً متوقعاً في الحالات.

«كما هو متوقع في هذا الوقت من العام، أي شتاء نصف الكرة الشمالي، فإن هناك زيادة شهرية في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وكذلك RSV وفيروس الميتانيوفيروس» هذا، كما قالت هاريس عبر البريد الإلكتروني.

هل يجب أن نقلق؟

التقارير الواردة من الصين تذكرنا بتلك التي وردت في الأيام الأولى المربكة لجائحة كوفيد، ولا تزال «منظمة الصحة العالمية» تحث الصين على مشاركة المزيد من المعلومات حول أصل هذا التفشي، بعد خمس سنوات.

لكن الوضع الحالي مختلف في جوانب رئيسة. كان كوفيد فيروساً انتقل إلى البشر من الحيوانات ولم يكن معروفاً من قبل. أما فيروس الإنسان الميتانيوفيروس هذا فقد تمت دراسته جيداً، وهناك قدرة واسعة النطاق لاختباره.

هناك مناعة واسعة النطاق على مستوى السكان من هذا الفيروس على مستوى العالم؛ لم تكن هناك مناعة لكوفيد. يمكن لموسم فيروس الإنسان الميتانيوفيروس الشديد أن يجهد سعة المستشفيات -وخاصة أجنحة الأطفال- لكنه لا يرهق المراكز الطبية.

وقال الدكتور سانجايا سينانياكي، المتخصص في الأمراض المعدية وأستاذ مشارك في الطب في الجامعة الوطنية الأسترالية: «ومع ذلك، من الضروري أيضاً أن تشارك الصين بياناتها حول هذا التفشي في الوقت المناسب». «يتضمن هذا بيانات وبائية حول من يصاب بالعدوى. وسنحتاج أيضاً إلى بيانات جينومية تؤكد أن فيروس HMPV هو السبب، وأنه لا توجد أي طفرات كبيرة مثيرة للقلق».

* خدمة «نيويورك تايمز»