«كريم الثلج» الأفغاني... من هدية ملكية إلى مستحضر تجميل ذائع الصيت

تمتع مسحوق التجميل «الثلج الأفغاني» بشهرة ذائعة في الهند وخارجها خلال القرن العشرين
تمتع مسحوق التجميل «الثلج الأفغاني» بشهرة ذائعة في الهند وخارجها خلال القرن العشرين
TT

«كريم الثلج» الأفغاني... من هدية ملكية إلى مستحضر تجميل ذائع الصيت

تمتع مسحوق التجميل «الثلج الأفغاني» بشهرة ذائعة في الهند وخارجها خلال القرن العشرين
تمتع مسحوق التجميل «الثلج الأفغاني» بشهرة ذائعة في الهند وخارجها خلال القرن العشرين

منذ مائة عام، كان ملك أفغانستان، محمد ظاهر شاه، في زيارة إلى الهند، عندما قدم إليه اختصاصي تجميل وصانع عطور هندي مجموعة من منتجات التجميل والعطور داخل سلة كبيرة.
في السلة، كانت هناك جرة بها كريم أبيض ولا تحمل اسماً. وعندما رأى الملك الكريم الأبيض، أشار إلى أنه يذكره بثلوج أفغانستان. وسأل الملك لو أنه من الممكن إطلاق اسم «الثلج الأفغاني» على تلك المادة، وقوبل طلبه بالموافقة على الفور من جانب ملك جهالوار.
وبذلك؛ حملت المادة الكريمية البيضاء اسم «الثلج الأفغاني»، والتي جرى تقديمها إلى حشود الجماهير الهندية وأدمجت في صناعة مساحيق التجميل الهندية الحديثة على يد إبراهيم باتانوالا عام 1919. ويعدّ «الثلج الأفغاني» مادة تجميل أساسية، ومرطباً وكريماً واقياً من أشعة الشمس، ويتميز بقوام غير دهني ومصنوع من عناصر منتقاة ممزوجة بعطر ساحر، مما جعله الاختيار المفضل بين مستحضرات التجميل داخل المنازل الهندية على امتداد القرن الـ20.
خلال الأعوام الأولى من الإنتاج، جرى ذكر الصلة بين الكريم وملك أفغانستان وملك جهالوار، على العبوة حتى نالت الهند استقلالها عام 1947.
من جهته؛ اشتهر باتانوالا بتنظيم حفلات داخل الحواضر الهندية الكبرى، التي حضرها صفوة المجتمع، بمن فيهم نجوم «بوليوود»، أمثال نارغيس وراج كابور. وبلغ كريم «الثلج الأفغاني» مستوى من الشهرة لدرجة أنه كان الراعي الرسمي لأول مسابقة لاختيار ملكة جمال الهند عام 1952، والتي فازت فيها الراقصة إندراني رحمن المختصة في الرقص الهندي الكلاسيكي.
وجرى تصنيع المنتج داخل الهند، بالتعاون مع شركة سويسرية لتصنيع مواد كيميائية معطرة. وبعدما تعرض المنتج عن طريق الخطأ للمقاطعة بوصفه منتجاً أجنبياً خلال حقبة النضال من أجل الاستقلال، اتصل باتانوالا بالمهاتما غاندي وأخبره أنه في واقع الأمر منتج هندي، ويجري تصنيعه في بايكولا، قرب «فيكتوريا غاردينز» في بومباي.
من جهته، قال سمير باتانوالا، حفيد باتانوالا سمير، والذي يتولى حالياً إدارة الشركة التي ورثها عن جده وأضاف إليها علامة تجارية تدعى «بيتالز» تتضمن خطاً متنوعاً لإنتاج أنواع من الصابون، إن جده الأكبر سافر إلى أوروبا رغم معرفته البسيطة بالإنجليزية، وأجرى اتصالات مع أكبر شركة إنتاج للمواد الكيميائية العطرية في العالم، شركة «ليون غيفودون» السويسرية. واعتماداً على تدريبات وتوجيهات من الشركة السويسرية، تمكن باتانوالا الجد من تطوير كريم للوجه أصبح النموذج الأمثل لدى الهنود فيما يخص العناية بالبشرة، وأطلق عليه «كريم وجه الثلج الأفغاني». وبعد ذلك، جرى تصدير المنتج إلى ألمانيا.
في هذا الصدد، كتبت المدونة سومانا خان أنه «عندما كنت طفلة، أتذكر أن أكثر كلمة كان يجري استخدامها لدى الحديث عن كريمات الوجه (الثلج الأفغاني) ـ وكانت عبارة عن زجاجة ذات مظهر لطيف باللون الأزرق الداكن تحوي كريماً أبيض اللون يتميز برائحة أخاذة. وأعتقد أنه كان باهظ الثمن ـ ودائماً ما كنت أرى حرص أصدقائي على الاحتفاظ بهذه الزجاجات بعيداً عن الأعين والأيدي داخل خزانات محكمة. وعندما طلبت ذات مرة من والدتي شراء هذا الكريم، أجابتني بأنه (عندما تكبرين وتعملين وتحصلين على كثير من المال، فسنتمكن حينئذ من شرائه)».
وذكرت مدونة أخرى: «تميزت جدتي الكبرى بجمال أخاذ بفضل بشرتها ذات اللون الذي يجمع بين لوني اللوز والخوخ، وبشرتها المثالية، مما جعلني أتساءل دوماً وأنا طفلة عن السر وراء هذا المظهر الرائع. وبدافع الفضول، سألتها ذات يوم: (ماذا يوجد في تلك الزجاجة الزرقاء الذي تضعينه على وجهك كل صباح ويجعل بشرتك مضيئة؟)، فأجابتني بنبرة مليئة بالإثارة: إنه (الثلج الأفغاني) الذي يجعل بشرتي تتلألأ، ولن أتوقف عن استخدامه أبداً). وتساءلت في نفسي: متى سأكبر كي أستخدم هذا الكريم مثلها؟ لكن بمرور السنوات ماتت جدتي، وكذلك (الثلج الأفغاني)».
وربما تكون «الثلج الأفغاني» من أولى الشركات الناشئة على مستوى الهند، لكن الشركة عجزت عن مواكبة تغير الزمان مع ظهور علامات تجارية أكبر بميزانيات إعلانية أكبر وأساليب تغليف حديثة؛ الأمر الذي مكنها من الهيمنة على السوق.
وعن ذلك، قال سمير: «كنا شركة صغيرة عجزت عن منافسة الأسماء الكبرى التي ظهرت بمرور الوقت، وبالتالي تراجعت شعبيتنا».
من ناحية أخرى، بلغت عائلة باتانوالا حداً من الشهرة جعل بلدية مومباي تطلق الاسم على شارع، رغم انتقال العائلة من هناك. واليوم، لا تزال هناك بنايتان ـ بناية باتانوالا، حيث جرى تصنيع المنتج، و«باتانوالا محل» حيث أقام أفراد الأسرة ـ شاهدتين على الحقبة التي عملت خلالها الشركة على إنتاج الكريم السحري بذلك الموقع.


مقالات ذات صلة

2024... عام التحديات

لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

على الرغم من تعقيد الآلات المستعملة لصنعه، فإن نسيجه يستحق العناء، ويتحول إلى قماش ناعم جداً بمجرّد تحويله إلى سروال جينز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

التول والمخمل... رفيقا الأفراح والجمال

بين المرأة والتول والمخمل قصة حب تزيد دفئاً وقوة في الاحتفالات الخاصة والمناسبات المهمة

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».