نهاية عام وصلت فيه الموضة إلى القمر وتوهجت فيه المنطقة العربية

رغم الأزمات والتحديات... ليس كل ما هو أسود يدعو للتشاؤم

لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
TT

نهاية عام وصلت فيه الموضة إلى القمر وتوهجت فيه المنطقة العربية

لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

اليوم وعلى الساعة الثانية ليلاً، سيودع عالم الموضة عاماً كان حافلاً بالأحداث والتحديات. عام تراجعت فيه أرباح المجموعات الضخمة بشكل لم تشهده منذ عقود، واهتزت كراسي أدت إلى استقالات، بعضها طوعي كما هو الحال بالنسبة للبلجيكي دريس فان نوتن، وأخرى مفروضة كما هو الحال بالنسبة لبييرباولو بيكيولي، مصمم دار «فالنتينو» السابق وغيره. كل هذه التغييرات ترافقت بتعيينات جريئة من شأنها أن تُغيّر مشهد الموضة بشكل أو بآخر، وإن كانت الدراسات التي قام بها هذا القطاع تفيد بأن 2025 لن يكون أفضل حالاً.

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي عانوا منها في السنوات الأخيرة، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئنهم بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات جذرية وسريعة تحسُّباً للآتي. والمقصود هنا الضرائب الجمركية التي يهدد ترمب بفرضها على الصين تحديداً، التي تعتبر إلى حد الآن من أهم الأسواق التي يعتمدون عليها، صناعة وتجارة، إضافة إلى قوانين الهجرة التي ستؤثر على اليد العاملة في هذا المجال.

استراتيجيات مبتكرة... مطلوبة

حتى الآن لا تزال «هيرميس» تحتفظ بالصدارة فيما يتعلق بالحرفية و«صنع باليد» (هيرميس)

وكأن هذا لا يكفي، فإن أحد أهم التحديات التي يواجهونها حالياً سلوكيات المستهلك التي تغيّرت وزعزعت الكثير من المفاهيم التقليدية. فهذا المستهلك لم يعد يُقبل على الصرعات الموسمية، ويفضل عليها منتجات مصنوعة بحرفية تدوم أطول مدة من دون أن تفقد جاذبيتها وعمليتها، وهو ما يتناقض إلى حد كبير مع فلسفة الموضة القائمة أساساً على التغيير كل بضعة أشهر حتى تبقى حركة البيع منتعشة. المحك الآن أمام أغلب الرؤساء التنفيذيين هو كيف يمكنهم تحقيق المعادلة بين الحرفي والتجاري، والمستدام والاستهلاكي.

العمل على هذه المعادلة بدأ بعد جائحة كورونا بافتتاح محلات تتعدى عرض الأزياء والإكسسوارات إلى توفير مطاعم وفضاءات استراحة وتدليل، لاستقطاب الزبائن. لكن رغم ذلك وشعارات «صنع باليد»، يبقى الأكسجين الذي تتنفس منه الموضة كينونتها هو الإبداع الذي من شأنه أن يُحرك المشاعر ومن ثم الرغبة في الشراء. وهذا الإبداع يحتاج إلى مدير فني له القدرة على قراءة نبض الشارع، ثم استدراجه لهذه المحلات، أو الأصح إلى هذه الفضاءات المليئة بالمغريات.

ليس كل ما هو أسود يدعو للتشاؤم

من آخر تشكيلة قدمها بييرباولو بيكيولي لدار «فالنتينو» (فالنتينو)

لم يكن هذا العام سيئاً بالمطلق. فبينما تعاني دار «بيربري» من تراجع مبيعاتها بشكل مخيف وخفوت نجم دار «غوتشي» وطرح «فيرساتشي» للبيع، وصلت «برادا» إلى القمر. فقد ساهمت في التحضيرات لرحلة «أرتميس 3» التابعة لـ«ناسا» المرتقبة في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2026. وتعتبر هذه أول مرة يتم فيها التعامل بين دار أزياء و«ناسا» بشكل مباشر. الهدف منها إلهام أكبر شريحة من الناس لاستكشاف الفضاء، وفي أن تتحول هذه الرحلات إلى مغامرات عادية لمن لهم القدرات المادية العالية والرغبة في اختراق الآفاق.

أولمبياد الرياضة

سيلين ديون في أولمبياد باريس تظهر بفستان من دار «ديور» (غيتي)

كان من البديهي أن يكون لدورة الألعاب الأوروبية الأخيرة، وبطولة ويمبلدون للتنس، وأخيراً وليس آخراً ألعاب الأولمبياد التي استضافتها باريس تأثيراتها على منصات عروض الأزياء، التي غلبت عليها تصاميم تجمع «السبور» بالأناقة. أما في حفل الأولمبياد، فاحتفظت الموضة بشخصيتها من خلال فساتين مفصلة على مقاس النجمات اللواتي ظهرن بها. كان لدار «ديور» نصيب الأسد، كونها تنضوي تحت راية مجموعة «إل في آم آش» الراعية للفعالية. ولم تُقصر في استعراض إمكانيات ورشاتها الخاصة ومهارات أناملها الناعمة.

لا بأس من التنويه هنا بأن العلاقة بين الموضة والأولمبياد بدأت فعلياً في عام 1992 في دورة برشلونة، عندما تبرّع الياباني إيسي مياكي، لتصميم أزياء فريق ليتوانيا. كان هذا الأخير يشارك كبلد مستقل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وبالتالي يحتاج إلى دعم. حازت التصاميم الكثير من الإعجاب، ليتحول ما أراده مياكي تبرعاً مجانياً إلى تقليد تجاري.

الموضة العربية تتوهج

في الوقت الذي تعاني منه صناعة الموضة والترف بتذبذبات وتحديات، تشهد الساحة العربية انتعاشاً يتمثل في تألق مصممين عرب وفعاليات مهمة، أهمها:

أول نسخة من عروض «الريزورت» في جدة

لقطة لأسبوع البحر الأحمر في نسخته الأولى (من الأرشيف)

في شهر مايو (أيار) تم إطلاق النسخة الأولى من معروض خط الـ«كروز» أو الـ«ريزورت» في مدينة جدة. كما يشير الاسم، فإن الأزياء التي شارك بها مصممون سعوديون من أمثال تيما عابد وتالة أبو خالد، فضلاً عن علامات مثل «أباديا» و«لومار» وغيرها، تتوجه إلى البحر وأجواء الصيف. لم يكن الهدف من هذه الفعالية منافسة أسبوع الرياض الرسمي، الذي شهد دورته الثانية هذا العام، بل تنويع المجالات الاقتصادية وتطوير القطاعات الثقافية. وطبعاً الاندماج في السوق العالمية والدخول في منافسة مبنية على الندّية، تماشياً مع «رؤية 2030».

ليلة إيلي صعب في موسم الرياض

من عرض إيلي صعب في الرياض صب فيها كل رومانسيته (رويترز)

في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وفي الرياض، كان العالم على موعد مع عرض ضخم التقى فيه الجمال والأناقة بالترفيه والموسيقى. ليلة أحياها نجوم من أمثال سيلين ديون، وجينفر لوبيز، وعمرو دياب ونانسي عجرم، اعترافاً بإيلي صعب كمصمم مبدع وكإنسان. الممثلة هالي بيري حضرت هي الأخرى، وهي تختال على منصة العرض بالفستان الأيقوني ذاته، الذي ارتدته في عام 2002 وهي تتسلم الأوسكار بوصفها أول ممثلة سمراء تحصل على هذه الجائزة. صدى هذه الفعالية وصل إلى العالم، ليؤكد أن المصمم الذي وضع الموضة العربية على الخريطة العالمية لا تزال له القدرة على أن يُرسّخها للمرة الألف.

في مراكش... تألقت النجوم

الأخوات سبنسر بنات أخ الأميرة ديانا في حفل «فاشن تراست أرابيا» بمراكش (فاشن تراست أرابيا)

لأول مرة منذ 6 سنوات، انتقلت فعالية «فاشن تراست أرابيا» من مسقط رأسها الدوحة بقطر إلى مدينة مراكش المغربية، تزامناً مع العام الثقافي «قطر - المغرب 2024». هذه الفعالية التي اختارت لها كل من الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فارس، الشهر العاشر من كل عام للاحتفال بالمصممين الناشئين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبحت من المبادرات المهمة في عالم الموضة العربية. فإلى جانب مبالغ مالية مهمة تتراوح بين 100 ألف و200 ألف دولار، يتلقى الفائزون تدريبات في بيوت أزياء عالمية، وتُعرض إبداعاتهم في منصات ومحال عالمية مثل «هارودز». هذا العام كانت الجوائز من نصيب 7 مشاركين، هم نادين مسلم من مصر في جانب الأزياء الجاهزة، وياسمين منصور، أيضاً من مصر عن جانب أزياء السهرة، في حين كانت جائزة المجوهرات من نصيب سارة نايف آل سعود ونورا عبد العزيز آل سعود ومشاعل خالد آل سعود، مؤسسات علامة «APOA) «A Piece of Art) من المملكة العربية السعودية.


مقالات ذات صلة

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

لمسات الموضة شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

بدايات جديدة في «جيڤنشي» و«دريز فان نوتن» و«توم فورد» تُوقظ الأمل بولادة عهد جديد

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة المصمم ديمنا عند تلقيه جائزة أحسن مصمم للأزياء الجاهزة في عام 2016 في لندن (أ.ف.ب)

ديمنا مديراً فنياً لدار «غوتشي»... هل ينجح في تلميعها؟

بعد قرابة 10 سنوات، سيغادر المصمم الجورجي ديمنا دار «بالنسياغا» لينضم إلى دار «غوتشي» ابتداءً من شهر يوليو (تموز) المقبل. كان الخبر مفاجئاً إلى حد ما. فرغم أن…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة اجتازت دوناتيلا العديد من الأزمات لكنها لم تصمد أمام قوة العاصفة الاقتصادية الأخيرة (أ.ف.ب)

دوناتيلا تتنحى عن منصبها في دار «فيرساتشي» وتسلم المشعل لداريو فيتالي

ابتداء من الشهر المقبل سيتسلم داريو فيتالي الإدارة الإبداعية لعلامة الأزياء الفاخرة «فيرساتشي» من دوناتيلا فيرساتشي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة ديمي مور وجين فوندا في حفل توزيع جائزة نقابة ممثلي الشاشة (رويترز)

ديمي مور وجين فوندا... قصة إدمان على التجميل كلّلها «الزمن» بالنجاح

اللقطة التي جمعت ديمي مور وجين فوندا، تؤكد أنه برغم فارق 25 سنة بينهما، فإن ما يجمعهما أكبر من مجرد رقم. هوسهما في مرحلة من حياتهما بالتجميل أمر معروف ومسجل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة من إبداعات شيمينا كامالي مصممة دار «كلوي»... (أ.ف.ب)

الفراء الاصطناعي يعود لعروض الأزياء أعلى نعومة وفخامة

لا تستغني عنه الموضة ولا المرأة المقتدرة، مهما تصاعدت نسبة مناهضي استعمالاته وتهديداتهم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
TT

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»

تسعة أيام هي المدة التي استغرقها أسبوع باريس لخريف وشتاء 2025-2026. كان مسك ختام لدورة سنوية تبدأ في نيويورك وتمر بلندن وميلانو وتنتهي بباريس. لكنك لو سألت أي شخص حضر فعالياته بالكامل، لجاءك الرد، ومن دون تردد، بأنه طول مدته مبالغ فيها، مقارنة بغيره من أسابيع الموضة العالمية. لندن مثلاً لم يعد يتعدى أسبوعها الأربعة أيام. لكن منذ سنوات وباريس تتعمد وضع برنامج يجعل من الصعب على ضيوفها من عشاق الموضة مغادرتها قبل انتهائه. فـ«ديور» تقدم عرضها في الأيام الأولى و«شانيل» و«لويس فويتون» و«سان لوران» في الأواخر وبينهم إيلي صعب وفالنتينو وهرميس وستيلا ماكارتني وبالمان وآخرون لا يقلون أهمية. الأسباب مكيافيلية. فكلما امتدت إقامتهم، انتعشت الفنادق والمطاعم وتحركت المحلات ووسائل النقل.

اختتمت دار «سان لوران» الأسبوع ودورة الموضة العالمية في باريس (أ.ف.ب)

ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن هناك إجماعاً على أن باريس ليست مثل غيرها وتستحق العناء والجهد. لا تزال عاصمة الموضة بلا منازع، إبداعاً وعروضاً، بفضل بيوت الأزياء ذات الإمكانات الضخمة التي تمدَها بكل ما يعزز سحرها ويرسخ مكانتها.

أسبوعها الأخير اختتم بعروض كل من «ميو ميو» و«سان لوران» و«شانيل». كان حافلاً بالأحداث، كما كان مثيراً ما بين انتظار بدايات مصممين تم تعيينهم مؤخراً ولم يسعفهم الوقت لكي يباشروا العمل ويتحفونا بما جادت به مخيلتهم، وبين متابعة عروض مصممين سجلوا بداياتهم فعلياً هذا الموسم لأول مرة بعد التحاقهم ببيوت عريقة.

اعتمدت «شانيل» مرة أخرى على فريق قسمها الإبداعي في انتظار أول تشكيلة لمصممها الجديد ماثيو بلايزي (شانيل)

«شانيل» مثلاً، ومعها أوساط الموضة، لا تزال تنتظر ما سيقدمه المصمم ماثيو بلايزي في الموسم المقبل. اعتمدت مرة أخرى على فريقها الإبداعي لتقديم تشكيلة تلعب على أيقوناتها، بينما اكتفت «لويفي» بتقديم عرض أصغر مما عوّدتنا عليه بسبب انتقال مصممها جوناثان أندرسون إلى «ديور».

لكن بالنسبة لـ«جيڤنشي» و«توم فورد» و«دريز فان نوتن» فإن الانتظار انتهى. «جيڤنشي» قدمت أول تشكيلة لها من إبداع سارة بيرتون، و«توم فورد» أول تجربة لحيدر أكرمان و«دريز فان نوتن» أول عرض لجوليان كلوسنر. ثلاثة أسماء لم تخيب الآمال بقدر ما أيقظت الأمل بولادة عهد جديد.

سارة بيرتون

من عرض سارة بيرتون لدار جيڤنشي (جيڤنشي)

المصممة التي التحقت بدار «جيڤنشي» مؤخراً، جاءت بعد تجربة عقود مع المصمم الراحل ألكسندر ماكوين. خلفته في الدار التي أسسها ولا تزال تحمل اسمه حتى الآن، والطريف في التعيين الأخير أن بداية رفيق دربها الراحل ماكوين، كانت أيضاً في «جيڤنشي». سارة بيرتون برهنت على مدى عقود أنها تحترم إرث المؤسسين. لا تحاول أن «تتشاطر» عليهم بقدر ما توظف بصمتها للإبقاء على إرثهم حياً. وهذا تحديداً ما قامت به في هذه التشكيلة التي قالت إنها عادت فيها إلى الجذور. برَرت ذلك قائلة: «للمضي قدماً، لا بدّ من العودة إلى الجذور. وبالنسبة لي، تبدأ الحكاية دائماً من المشغل. هو القلب النابض والملهم».

من إبداعات سارة بيرتون (جيڤنشي)

حاولت استكشاف شخصية الدار من خلال قراءة شخصية صاحبها الراحل هيبار دي جيڤنشي. كان يحب الخطوط الواضحة التي تبرز تضاريس الجسم وجمالياتها من دون مبالغات أو تفاصيل لا داعي لها. أثارها هذا الأمر وخلال بحثها في الأرشيف قالت إنها اكتشفت طروداً مغلَّفة بورق بني، تضم قصّات من قماش الكاليكو من مجموعته الأولى لعام 1952.

درستها وسرعان ما اكتشفت أنها، مثل هيبار دي جيڤنشي، تعشق التفصيل وتقدر العلاقة بين عملية الابتكار التي تولد في الاستوديو، والحرفية التي تُنفذ في المشغل.

عادت بيرتون لأرشيف الدار لتستلهم منه خطوطاً أنثوية واضحة وسلسة (جيفنشي)

أما كيف جسَّدت القواسم المشتركة بينها وبين المؤسس، فمن خلال أساليب تقليدية وكلاسيكية قامت بتفكيكها بتنعيمها، وإضافة تفاصيل أنثوية. والنتيجة أن المرأة تبدو في الظاهر ناعمة إلا أن خلفها تكمن قوة لا تظهر إلا عند الحاجة، وهو ما جسّدته أيضاً في مزجها بين الكلاسيكي والانسيابي، من خلال الأكتاف البارزة بشكل مبالغ فيه أحياناً، والخصور المحددة، والفساتين المكونة من أمتار من القماش، ومع ذلك تكشف عن الظهر، بحيث تبدو من الأمام محتشمة ومن الظهر بلمسات أنثوية مثيرة. الفكرة هنا مرة أخرى كانت اللعب على القوة الكامنة بداخل كل أنثى.

عادت سارة بيرتون إلى أرشيف الدار وأخذت منه عدة عناصر لعبت عليها مثل القميص الأبيض (جيڤنشي)

أسلوب هيبار دو جيڤنشي يُطِل في الكثير من الإطلالات، مثل فساتين قصيرة مصنوعة من دانتيل شانتيلي وأخرى مستلهمة من الملابس الداخلية تطبعها حسِية الخمسينيات من دون أن ننسى القميص الأبيض، الذي أخذ عدة أشكال. كل هذا ترجمته سارة بيرتون برؤية معاصرة ذكرتنا إلى حد ما بعهدها في دار «إلكسندر ماكوين».

توم فورد:

جمع حيدر أكرمان في تشكيلته الأولى بين جرأة توم فورد وبين أسلوبه الخاص لدار (توم فورد)

كان كل ما في العرض أشبه بلقاء دافئ بين جرأة المصمم المتقاعد توم فورد ورومانسية خليفته الحالي حيدر أكرمان. يشرح هذا الأخير بعد عرضه هذه العلاقة قائلاً: «عند دخولي عالم السيد توم فورد، شدّني أن شخصيته تنعكس في كل شيء. ثم انتبهت أنه يمثل حياة الليل والسّهر، بينما أنا أمثّل صباح اليوم القادم، وهو ما كان بداية رقصتنا مع بعض». من هذا المنظور لم يُغيِب أسلوب سلفه المثير، بالعكس أعاده إلى الواجهة بعد أن ضخه بجرعة ديناميكية من الرومانسية والأنوثة المفصلة. هذا التفصيل ساهم في التخفيف من جرعة الإثارة الحسية التي برع توم فورد فيها والتصقت به منذ أن كان في دار «غوتشي».

من أول عرض يقدمه حيدر أكرمان لدار «توم فورد» (توم فورد)

هذه العلاقة بين الأمس الذي يمثله توم فورد والحاضر الذي يمثله أكرمان «مبنية على الحب. فأنا أرى أن الحب جوهر كل شيء» وفق ما قاله هذا الأخير. تخيل هذه التشكيلة كقصة حب، تبدأ بنظرة وابتسامة، ثم التعرّف على الاختلافات بهدف استكشاف القواسم المشتركة للبناء عليها.

وهذا ما كان. فرغم شخصيته الجادة، لم يرفض أكرمان أن الحواس تلعب دورها في التقريب بين الأشخاص، كما على اختياراتنا فيما يخص الأزياء. كلاهما يبدأ بحاسة النظر ويتطور إلى رغبة ملحة في الحصول على الشيء والحفاظ عليه.

إيحاءات رجالية ظهرت في عرض «توم فورد» عبارة عن بدلات وتوكسيدو (توم فورد)

صبَ كل هذه الأفكار والأحاسيس في تشكيلة غلبت عليها تصاميم مستوحاة من عالم الليل بإيحاءات رجالية، مثل سترة توكسيدو اكتسبت طولاً يصل إلى الكاحل وبدلات ناعمة بألوان فاتحة، وفساتين مفصلة بأسلوب سهل لكن ممتنع. خلا أغلبها تقريباً من أي تفاصيل لا داعي لها، واعتمد فيها فقط على التفصيل والأقمشة لإبراز قدراته.

جوليان كلوسنر

جوليان كلوسنر احترم جينات «دريز فان نوتن» في تشكيلته الأولية (أ.ب)

مصمم آخر شهدت باريس بدايته هذا الموسم. عمل مع المصمم البلجيكي الأصل دريز فان نوتن لست سنوات. تعلم فيها أسلوبه وحرفته، قبل أن يتسلم منه المشعل إثر تقاعده المُبكِر. تُطل أول عارضة على المنصة، فتشعر بأن جينات الدار في مأمن من أي تغييرات جذرية. أسلوب دريز حضر في النقشات الغنية والتفاصيل الباروكية وتضارب الأقمشة التي تحمل لمسات «فينتاج». تنتابك طوال العرض مشاعر متضاربة ما بين إطلالات تُنسي بأن دريز فان نوتن ترك الدار، وبين أخرى دمج فيها الكلاسيكي بالرياضي تُذكر بأن فصلاً جديداً بدأ يُكتب بهدوء. فالمصمم الجديد اجتهد في وضع لمسات تترجم رؤية خاصة به. كل ما في الأمر أنها لا تزال خجولة بعض الشيء.

من عرض «دريز فان نوتن» الذي أبدعه جوليان كلوسنر (أ.ب)

في لقاء جانبي له، شرح كلاوسنر رؤيته قائلاً: «أردت أن أطلق العنان لخيالي قليلاً، بأن أجعل بعض القطع أكثر قوة وتأثيراً، لكن كان لدي دائماً ما يُذكِرني أن الأمر يتعلق بخزانة متكاملة يجب أن تضم قطعاً تناسب حياة المرأة في الواقع، وهذا يعني أنها يجب أن تكون مرنة».

اختيار «أوبرا غارنييه» مسرحاً لعرضه، لم يكن فقط ملائماً لتشكيلة غنية بالتفاصيل. كان يشي بالعهد الجديد، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن عروض الدار كانت تقام سابقاً في أماكن أكثر وظيفية ذات أرضيات أسمنتية. طبعاً لا يمكن أن نتجاهل أنه يعكس أيضاً شغف المصمم الجديد بالمسرح، وهو ما ظهر حيناً في أقمشة تستحضر ستائر المسارح وحيناً آخر في شراشيب زينت جاكيتات بوليرو وأكمام فساتين. لكن هل كانت التصاميم مسرحية؟ أبداً. كل ما فيها كان واقعياً حتى في أقصى حالاته الفنية.

أقمشة متنوعة في الإطلالة الواحدة مع نقشات متضاربة في عرض «دريز فان نوتن» (أ.ب)

إذا كان لا بد من المقارنة بين جوليان وبيرتون وأكرمان، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن أنه أفضل حظاً منهما، لأنه تسلم الدار من دريز فان نوتن، وهي في وضع جيد. فتقاعُد دريز وهو في عز تألقه، كان باختياره لكي يعيش «حياة ويمارس هوايات أجَّلَها طويلاً بسبب استنزاف العمل لوقتي وجهدي» وفق تصريح سابق له، وبالتالي لم يكن مفروضاً على جوليان أن يعود إلى منتصف القرن الماضي لرسم بداية جديدة كما هو الحال بالنسبة لسارة بيرتون، ولا أن يصحح ما خلَفه مصممون سبقوه على الدار من آثار لم تحقق المطلوب كما هو الحال بالنسبة لأكرمان.

تضارب الألوان والنقشات في تشكيلة «دريز فان نوتن» الذي أبدعه جوليان كلوسنر (أ.ب)

من جهة أخرى، يمكن أن نرى أن مهمة جوليان التي تبدو أسهل ولا تتطلب منه سوى ضمان استمرارية ما بناه سلفه، هي في الحقيقة صعبة، لا سيما في حال لم يُتقن توجيه الدفة في الاتجاه الصحيح، ومن ثم الإخلال بالتوازن العجيب الذي خلقه دريز فان نوتن وأغوى به عالم الموضة.