ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

قوة الأولى تكمن في عيوبها والثانية تتفوق كسيدة أعمال

بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
TT

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ما الذي يمكن أن يجمع دوقة ساسكس، ميغان ماركل وكايلي جينر، صُغرى الأخوات كارداشيان؟ فالأولى ترتبط بالعائلة المالكة البريطانية بحكم زواجها من الأمير هاري، والثانية تنتمي إلى عائلة بَنَتْ شهرتها على تلفزيون الواقع. خبراء الموضة يجيبون بأن هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بينهما؛ فإلى جانب الجدل الذي تثيرانه لدى كل ظهور لإحداهما، بسبب ما تُمثلانه من ثقافة يرفضها بعض الناس ويدعمها بعضهم الآخر، فإن تأثيرهما على صناعة الموضة من الحقائق التي لا يختلف عليها اثنان. ما تلبسه ميغان يتصدر العناوين وصفحات المجلات البراقة وقد ينفد من المحلات، وما تنشره كايلي جينر على صفحاتها ينتشر انتشار النار في الهشيم، في دقائق، ويلهب رغبة متابعاتها في الشراء.

كايلي في فستان «فريز» من «غالفان» (خاص) وميغان في حفل بلوس أنجليس (أ.ب)

وهذا ما يجعل المصممين لا يمانعون ظهورهما بتصاميمهم، بغض النظر عما إذا اتفقوا مع الثقافة التي ترتبط بهما أم لا، على أساس أنه مهما وصلت نسبة الجدل والانتقادات؛ فهي نافعة تعود عليهم بالربح. أو، على أقل تقدير، تسلِّط الضوء عليهم.

في عام 2018، ظهرت كل منهما بفستان مستوحى من «التوكسيدو» باللون نفسه، ومن الماركة النيوزيلندية نفسها، ماغي مارلين. ظهرت به ماركل في زيارتها الرسمية لأستراليا ونيوزيلندا رفقة زوجها الأمير هاري، من دون أكمام، بعد أن طلبت من المصممة تعديله خصيصاً لها. كايلي، وبعد مدة قصيرة، ارتدته كما هو بأكمام، الأمر الذي يشي بأنها اشترته جاهزاً. في الحالتين، أسعدتا المصممة ماغي هيويت، التي تغنَّت بهما على صفحتها بالصورتين معبرة عن إعجابها بالشخصيتين؛ خصوصاً أن المبيعات زادت بشكل ملحوظ.

الجانب التجاري

لكن هناك أيضاً اختلافات بينهما؛ فكايلي تستفيد مادياً وترويجياً، لأنها تتلقى مبالغ طائلة لقاء منشور واحد، على العكس من ميغان التي لا تستطيع ذلك، لحد الآن على الأقل، لدواعي الحفاظ على صورة راقية تعكس لقبها كدوقة بريطانية، مع العلم بأن هذا اللقب لم يمنعها من دخول مضمار أعمال تجارية لم تحقق النجاح الذي تطمح إليه.

تغريدة واحدة من كايلي جينر تحقق ما لا يحققه عرض بكامله من ناحية تسليط الأضواء (رويترز)

في المقابل، فإن كايلي جينر، ورغم سنها الغضة، تجاوزت في فترة من الفترات حاجز المليار دولار لتُصبح واحدة من أصغر سيدات الأعمال بفضل علامتها «كاي (KHY)» لمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة. أكدت، منذ بدايتها، أن الحس التجاري يجري في دمها؛ إذ شقت لنفسها خطأً مختلفاً عن أخواتها، ربما لأنها كانت تعرف أن منافستهن صعبة. ما نجحت فيه أنها استغلَّت اسم العائلة وشهرة أخواتها لتخاطب بنات جيلها بلغة تُدغدغ أحلامهن وطموحاتهن. وسرعان ما أصبحت نجمة قائمة بذاتها على وسائل التواصل الاجتماعي. تغريدة واحدة منها يمكن أن تغير مسار علامة تماماً.

زِيّ من ماركة «ألتوزارا» الأميركية ظهرت بها خلال مناسبة خاصة بالصحة النفسية والعقل اعتبره كثيرون غير مناسب للمكان والزمان (رويترز)

ميغان ماركل، رغم استثماراتها ومغازلتها صُنَّاع الموضة، لا تزال تستمد بريق صورتها من ارتباطها بالأمير هاري. على المستوى الربحي، لم تنجح في أن تنتقل من رتبة مؤثرة إلى درجة سيدة أعمال، كما لم تنجح في كسب كل القلوب، وهذا ما يجعل شريحة مهمة ترفض وصفها بأيقونة موضة، وتصف اختياراتها بـ«غير الموفقة». هذه الشريحة تستشهد إما بارتدائها تصاميم بمقاسات أكبر أو أصغر من مقاسها الحقيقي، أو تصاميم من ماركات عالمية لا تناسب شكلها أو طولها، وهلمّ جرّا.

ميغان ماركل رغم تأثيرها تثير كثيراً من الجدل بين رافض ومعجب (كارولينا هيريرا)

بيد أن قوتها، بالنسبة للمعجبات بها، كانت، ولا تزال، تكمن في عيوبها؛ فلأنها لا تتمتع بمقاييس عارضات الأزياء، ولا تشبه «كنَّتها»، أميرة ويلز، كاثرين، رشاقةً وطولاً، فإنها تُعبِّر عنهن. كل فتاة أو امرأة، بغض النظر عن عيوبها ومقاييسها، ترى نفسها في إطلالاتها. فعندما ظهرت بصندل من شركة «كاستنر» الإسبانية مثلاً ارتفعت مبيعاتها بنسبة 44 في المائة مباشرة، لأنها خاطبت شرائح من الطبقات المتوسطة، نظراً لأسعارها المعقولة. علامات محلية كثيرة لم تكن معروفة اكتسبت عالمية بمجرد أن ظهرت بها، لا سيما في السنوات الأولى من زواجها، حين كانت بالنسبة للبعض بمثابة «سندريلا» معاصرة. ساهمت أيضاً في تسليط الضوء على علامة «Club Monaco»، بعد ظهورها بفستان مستوحى من القميص، أي بإزار من الصدر إلى الأسفل، حين ظهرت به أول مرة خلال زيارتها الرسمية لجنوب أفريقيا.

لم يكن التصميم ثورياً أو جديداً، لكنه فتح عيون المرأة عليه، ليزيد الإقبال عليه بنسبة 45 في المائة وينفذ من الأسواق خلال 24 ساعة. كان لها نفس التأثير الإيجابي على علامات مثل «جي كرو» و«جيفنشي» و«ستيلا ماكارتني» وغيرهم. منصة «ليست»، وهي أيضاً شركة تسوُّق أزياء عالمية تربط العملاء بتجار تجزئة الأزياء رشحتها «كأهم مؤثرة لعام 2018». بيد أن تأثيرها ظلَّ مستمراً حتى بعد خروجها من المؤسسة البريطانية في عام 2020، وإن خفَّ وهج صورتها بعض الشيء.

البحث عن الجاكيت الذي ظهرت به ميغان في ألمانيا لدى حضورها ألعاب «إنفيكتوس» عطل موقع «جي كرو» (رويترز)

موقع «جي كرو» مثلاً تعطَّل في سبتمبر (أيلول) 2023، بسبب البحث عن سترة بيضاء ظهرت بها لدى مرافقتها زوجها، الأمير هاري، إلى ألمانيا، لحضور ألعاب «إنفيكتوس».

ولأنها باتت تَعرِف قوة تأثيرها على الموضة، استثمرت مؤخراً في علامة «سيستا كوليكتيف»، وهي علامة حقائب تصنعها نساء من رواندا، وتكتمل تفاصيلها في إيطاليا، لتحمل صفة «صُنع باليد». قالت إنها اكتشفتها بالصدفة وهي تقوم بعملية بحث عبر الإنترنت على حقائب مستدامة. ظهرت بالحقيبة أول مرة في مايو (أيار) من عام 2023 لدى حضورها حفل عشاء مع كل من غوينيث بالترو وكاميرون دياز في لوس أنجليس.

عروض الأزياء العالمية

ومع ذلك، لم نرَ ميغان ماركل بأي عرض أزياء في نيويورك أو في باريس أو ميلانو حتى الآن، باستثناء حضورها في عام 2018 حفل توزيع جوائز الموضة البريطانية ضيفةَ شرفٍ لتقديم جائزة العام لمصممة فستان زفافها، كلير وايت كيلر، التي كانت مصممة «جيفنشي» آنذاك. لكن كان هذا حفلاً وليس عرض أزياء.

اختتمت عرض «كوبرني» كسندريلا في فستان من التافتا أسود (رويترز)

كايلي جينر، ورغم رفض الثقافة التي تمثلها هي وأخواتها من قبل شريحة مهمة، أصبحت في السنوات الأخيرة وجهاً مألوفاً في عروض باريس. تُستقبل فيها استقبال نجمات الصف الأول. في الموسم الماضي، وخلال «أسبوع باريس لربيع وصيف 2025»، سجَّلَت في 3 ظهورات لها فقط ما يوازي ما قيمته أكثر من 20.3 مليون دولار، حسب بيانات «إنستغرام» وحده، إذا أخذنا أن «لايك» واحداً يساوي دولاراً.

لهذا ليس غريباً أن يتهافت عليها المصممون. نعم، هي مثيرة للجدل وأسلوبها لا يروق لكل الزبونات، لكنها في آخر المطاف توفر المطلوب من ناحية تسليط الضوء عليهم. ففي عالم الموضة والتجارة «أي دعاية حتى وإن كانت سلبية هي دعاية مجدية وأفضل من لا شيء». لم يقتصر حضورها في الموسم الباريسي ضيفةً فحسب، بل عارضة في عرض «كوبرني» المستلهم من عالم «ديزني». كانت هي مَن اختتمته في فستان من التافتا بإيحاءات قوطية تستحضر صورة «سندريلا».

تأثير إيجابي

3 مقاطع فقط من فيديو العرض، ولقطات من خلف الكواليس حققت 14.4 مليون مشاهدة؛ ما جعل علامة «كوبرني» تحقق 66 في المائة من إجمالي قيمة التأثير الإعلامي. كانت مشاركتها مخاطرة، لكنها أعطت ثماراً جيدة حسب تصريح الدار. تجدر الإشارة إلى أن «كوبرني» لمست تأثيرها القوي في عام 2022، عندما ظهرت في دعاية لمستحضرات التجميل الخاصة بها، وهي تحمل حقيبة من «كوبرني». ما إن نُشرت الصور، حتى زادت مبيعات الحقيبة بشكل كبير. في عرض الدار لخريف وشتاء 2023. لم تتمكن كايلي من الحضور إلى باريس، لكنها لم تغب؛ إذ نشرت صورة لها في زي من التشكيلة المعروضة، شاهدها الملايين من متابعيها، وحقَّقت ما لم يحققه العرض بالكامل من ناحية المشاهدات و«اللايكات».

كايلي جينر لدى حضورها عرض «سكاباريلي» بباريس (سكاباريلي)

وإذا كان الشك لا يزال يراود البعض على مدى تأثيرها على أساس أن علامة «كوبرني» لها شعبيتها الخاصة التي تستمدها من قدرة مصمميها على الإبداع وخلق الإثارة المسرحية أمام الضيوف، فإن تأثيرها الإيجابي على علامة «أتلين» الفرنسية الناشئة تُفند هذه الشكوك. وجودها في عرضها لربيع وصيف 2025 كان له مفعول السحر؛ حيث حققت لها ما يوازي 11.6 مليون دولار من المشاهدات واللايكات. طبعاً لا ننسى حضورها عرض «سكاباريلي» بتصميمٍ أثار انتباه العالم لغرابته وسرياليته.

رغم محاولاتها أن تُصبح أيقونة موضة لا تزال ميغان تستمد بريقها وقوة تأثيرها من ارتباطها بالأمير هاري (أ.ف.ب)

«كايلي» لا تقوم بأي حركة أو فعل من دون مقابل. حتى عندما تختار علامات ناشئة للتعاون مع علامتها الخاصة «كاي (Khy)»؛ فهي تؤمن بأنه لا شيء بالمجان. وهذا تحديداً ما يجعلها تتفوق على ميغان ماركل من ناحية التأثير التجاري حسب الأرقام والخوارزميات. الفضل يعود أيضاً إلى نجاحها في استقطاب شريحة مهمة من بنات جيلها تخاطبهن بلغة تُدغدغ أحلامهن. ماركل في المقابل لم تنجح لحد الآن في الخروج من جلباب لقبها كدوقة ساسكس.


مقالات ذات صلة

بعد طول مكابرة... صناع الموضة يُراهنون على منطقة الشرق الأوسط بكثافة

لمسات الموضة من عرض «فيلفيتي كوتور» (مجلس الأزياء العربي)

بعد طول مكابرة... صناع الموضة يُراهنون على منطقة الشرق الأوسط بكثافة

صناع الموضة أدركوا أن المكابرة والاستمرار في تجاهل سوق الشرق الأوسط خسارة. كلهم يتوددون لهذه السوق أملاً في كسب زبائن مقتدرين ويقدِّرون الموضة

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة من عرض الـ«كروز» الذي قدمته الدار في لندن لعام 2024 (أ.ب)

الأزمة العالمية تودي بمصمم دار «غوتشي» بعد عامين فقط

لم يكن التوقيت في مصلحة المصمم... ما بين تغير سلوكيات المستهلك، والركود الذي تشهده الأسواق الآسيوية، كما أن اقتراحاته كانت هادئة لم تُحفز الرغبة في الشراء.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة العارضة أندريانا ليما في عرض مانيش مالهوترا (مجلس الموضة العربي)

المصمم الهندي مانيش مالهوترا يختتم أسبوع دبي للموضة

اختتم أسبوع دبي لخريف وشتاء 2025-2026 يوم السبت الماضي، بعرضٍ مثير للمصمم الهندي مانيش مالهوترا. كان عالمياً بكل المقاييس، ليس من ناحية تنوع التصاميم وبريقها…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة تعمد المصمم عرض تشكيلته في صالة «إنتركوننتال» نظراً لتاريخه وفخامته (روبير أبي نادر)

روبير أبي نادر يكشف رؤيته للفخامة بالأقمشة والرخام

من حكايات القصور وأسرار الأميرات، يستلهم المصمم روبير أبي نادر تشكيلته لموسم ربيع وصيف 2025.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كارلا بروني تحضر عرض «فالنتينو» (غيتي)

كارلا بروني تسرق الأضواء من العارضات على منصات أسبوع باريس

حققت كارلا بروني، عارضة الأزياء المعتزلة، سباقاً من نوع الماراثون، لكي تلحق بعدد من عروض الموضة الراقية التي تستضيفها باريس. وجدت المغنية مكانها في الصفوف…

«الشرق الأوسط» (لندن)

بعد طول مكابرة... صناع الموضة يُراهنون على منطقة الشرق الأوسط بكثافة

من عرض «فيلفيتي كوتور» (مجلس الأزياء العربي)
من عرض «فيلفيتي كوتور» (مجلس الأزياء العربي)
TT

بعد طول مكابرة... صناع الموضة يُراهنون على منطقة الشرق الأوسط بكثافة

من عرض «فيلفيتي كوتور» (مجلس الأزياء العربي)
من عرض «فيلفيتي كوتور» (مجلس الأزياء العربي)

استيقظ العالم يوم الأربعاء على خبر استغناء دار «غوتشي» عن مصممها ساباتو دي سارنو بعد عامين فقط. بهذا ينضم إلى لائحة طويلة من المصممين الذين تم الاستغناء عنهم بسبب تراجع المبيعات ورغبة المجموعات المالكة استرجاع بريق سرقته منها الأزمة الاقتصادية العالمية وتغير سلوكيات المستهلك. في خضم هذه الأزمة التي عصفت بصناعة الموضة في أوروبا وأميركا، ظلت منطقة الشرق الأوسط في منأى عنها. بالعكس هي تغلي منذ سنوات بأحداث ونشاطات تؤكد أن مستقبلها وردي بكل المقاييس.

صورة أرشيفية لأنا وينتور التي افتتحت مكاتب مجموعة «كوندي ناست» حديثاً في دبي

أكبر دليل أن عرابة الموضة العالمية، والمسؤولة عن مجلات «فوغ» بكل نسخها، أنَّا وينتور، حطّت في دبي منذ أسابيع قليلة بعد الكثير من المكابرة والرفض. السبب أن مجموعة «كوندي ناست» المالكة لـ«فوغ» و«ترافلر» و«جي كيو» وغيرها من المجلات البراقة، اكتشفت أن المنطقة منجم ذهب. سَلمت الأمر لشركة «نيرفورا» بداية لجس نبض السوق... وانتظرت. بعد خمس سنوات تقريباً تأكدت أن موسم القطاف قد حان، وأنه لا بد من الوجود في منطقة تؤكد كل المؤشرات أنها أمل صناع الموضة حالياً. أدركت المرأة الجليدية، كما يحلو للبعض تسميتها أن المكابرة في هذه الحالة خسارة. حضرت شخصياً في الشهر الماضي لتفتتح مكاتبها بدبي. ليس هذا فحسب. تغزلت بالمنطقة كما لم يتغزل قيس بليلى، هي التي كانت تستبعد فكرة أن يكون لهذه المنطقة مجلتها الخاصة.

علامة «ليم» السعودية افتتحت عدة فروع عالمية لتنافس «زارا» وغيرها من المحلات المهمة (ليم)

لكن أنا وينتور ومعها مجموعة «كوندي ناست» ليست وحدها من انتبه إلى أهمية الشرق الأوسط كمنطقة واعدة، بعد أن أثبتت قدرتها على الصمود في وجه الأزمة العالمية. فالموضة فيها منتعشة وتنمو بمعدل سريع. قد لا تكون بديلاً للسوق الصينية، بالنظر إلى الحجم والكثافة السكانية، لكنها تبقى الخيار الأفضل. فالسوق الصينية تشهد تراجعاً كبيراً منذ جائحة «كورونا»، وزاد الوضع سوءاً بعد انهيار سوق العقارات فيها وما سببه من خسارات فادحة لشريحة كبيرة كان صناع الموضة في أوروبا وأميركا يُعوِلون عليها. ومع ذلك ظل أمل التعافي يراودهم. بيد أن استمرار التذبذبات الاقتصادية والاضطرابات السياسية في الولايات المتحدة، وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا لا تُبشِر بالخير. عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، واقتراحاته برفع تعريفات جمركية على السلع المستوردة، تزيد من حالة التوجس والقلق.

المنطقة العربية

الموضة السعودية تنمو بشكل سريع يشجع الكثير من أبناء البلد على المزيد من الإبداع (خاص)

دبي والرياض في المقابل، تعيشان عصراً ذهبياً. هناك انتعاش تشمه في الأجواء تتخلله رائحة منافسة بين العاصمتين لتعزيز صناعات الموضة والتجزئة، وبناء البنية الأساسية اللازمة لتعزيز مكانتهما عالمياً بشكل جدي وبدعم حكومي.

البيانات الصادرة حديثاً عن يورومونيتور إنترناشيونال تشير إلى أن دولة الإمارات تحتل حالياً المرتبة الثانية من حيث حجم سوق الملابس في دول مجلس التعاون الخليجي، بنسبة 36.8 في المائة من إجمالي مبيعات الملابس في المنطقة. المرتبة الأولى للمملكة السعودية.

من اقتراحات المصممة السعودية وعد العقيلي في أسبوع الرياض لخريف وشتاء 2024 (هيئة الأزياء)

المنافسة للاستحواذ على مرتبة الصدارة والحفاظ عليها تأخذ أشكالاً كثيرة، منها تنظيم أسابيع موضة بمستوى عال لإبراز مهارات وإمكانات مبدعيهما. إلى جانب الرغبة في احتضانهم وتوفير منصة مناسبة لهم يستعرضون فيها قدراتهم، هناك رسالة موجهة لصناع الموضة العالميين بأن المنطقة لم تعد مجرد مستهلكة. هي الآن منتجة وتمتلك صوتاً مسموعاً وذوقاً رفيعاً، سواء كان هذا الذوق على مزاجهم أم لا.

السعودية تحديداً سوق واعدة باستراتيجياتها الجريئة وأيضاً بشبابها، إذ إن متوسط ​​أعمار نحو 44 في المائة منهم دون سن الثلاثين. هؤلاء يُحركون قطاع الموضة وينعشونه كما أنهم متعطشون لاستكشاف المزيد والتفاعل مع الغير.

فعاليات ثقافية وإبداعية

لقطة من قمة التجزئة التي احتضنتها العاصمة الرياض (خاص)

لتغذية فضولهم وتعطشهم للمعرفة، احتضنت الرياض في بداية العام الحالي عدة فعاليات تسلط الضوء على مكانة السعودية كمركز رائد في عالم الموضة من خلال حوارات توضح كيف يمكنهم الاستفادة من الانتعاش الحاصل حالياً في المملكة بطرق عقلانية ومدروسة. قمة التجزئة مثلاً استقطبت أكثر من 400 مشارك انضموا إلى حوارات حول مشهد التجزئة المتنامي في ضوء رؤية السعودية 2030 ما استخلص من هذه القمة أن نمو الطلب على منتجات الأزياء في مجال البيع بالتجزئة أصبحت تقدر هذا العام بـ48 في المائة أي نحو 32 مليار دولار أميركي. مبيعات السلع الفاخرة أيضاً سجلت نمواً بنسبة 19في المائة، وفق تقرير صدر عن هيئة الأزياء السعودية بعنوان «حالة الأزياء في المملكة العربية السعودية 2023».

في الشهر ذاته، نظمت هيئة الأزياء قمة WWD احتفاءً بالمواهب المبدعة، والعلامات التجارية المحلية بهدف بناء حضور أوسع وتحقيق تطلعات واعدة، باعتبارها من الأسواق العالمية. كان فاوستو بوغليسي، المدير الإبداعي العالمي لعلامة روبرتو كافالي من بين الحضور. وقد بهره ما رأى.

من تشكيلة تيما عابد في أسبوع الرياض لخريف وشتاء 2024 (هيئة الأزياء)

في حديث مع «الشرق الأوسط» قال إنه لم يكن يتوقع ما عاينه في الشوارع من تطور مدهش في مجال الموضة، سواء تعلق الأمر بـ«أزياء الشارع» أو الأزياء المحتشمة التي تُعبِر عن الهوية والثقافة العربية بأناقة معاصرة.

دبي والرغبة في المرتبة الخامسة:

من عرض «فيلفيتي كوتور» (مجلس الأزياء العربي)

دبي لم تقف مكتوفة الأيادي أمام المد السعودي. فهي ترى أنها أحق بمرتبة الصدارة في منطقة الشرق الأوسط نظراً للاستثمارات التي تقوم بها منذ زمن أبعد في مجالات إبداعية متنوعة، على رأسها الموضة. ثم أنها منذ أكثر من عشر سنوات تعمل كل ما في وسعها لتكون في المرتبة الخامسة ضمن أسابيع الموضة العالمية بعد نيويورك وميلانو ولندن وباريس. بات الأمر بالنسبة لها قاب قوسين حسب المواسم الأخيرة لأسبوع دبي.

أسبوع دبي

بنسخته الأخيرة لخريف وشتاء 2025 – 2026 أكد أنه الآن أشد ورؤيته أوضح بعد أن حصل على دعم من حي دبي للتصميم ومجلس الأزياء العربي. قوته تكمن في أنه يُوفِر منصة لمصممين من كل الوطن العربي إلى جانب مشاركين من آسيا وأوروبا وأميركا واستراليا. هؤلاء يأتون من كل صوب على أمل استقطاب ود زبون مقتدر ويُقدر الموضة.

استلهمت علامة «Velvety Couture» من زها حديد تصاميم هندسية (مجلس الأزياء العربي)

من جهتها قدّمت علامة «Velvety Couture» مجموعة احتفت فيها بالمهندسة المعمارية الراحلة زها حديد ورؤيتها المستقبلية. من مركز حيدر علييف الثقافي في مدينة باكو الأذربيجانية تحديداً، والذي صممته زها أخذت الكثير من التفاصيل طرزتها على فساتين فخمة من الشيفون والتافتا والمخمل، بألوان الأبيض والأسود والرمادي والفضي.

من عرض تارا بابيلون (مجلس الأزياء العربي)

العراقية تارا بابيلون، صاحبة علامة «Tara Babylon» والمقيمة في نيويورك، قدمت مجموعة بعنوان «أميرة اللصوص Princess of Thieves»، لم تشرح سبب اختيارها للعنوان، لكن المتابع للعرض يلاحظ أن الطابع الشرقي غلب عليها. ظهر أكثر في نقشات أشجار النخيل ودرجات اللون الأخضر. كما استعملت تارا أقمشة قطنية مُعاد تدويرها، مستخدمة تقنيات النسج والطباعة والمعدات وأدوات الكروشيه. فهي ترفع راية الاستدامة في كل عرض. النتيجة هذه المرة كانت مفعمة بالديناميكية والعصرية.

من اقتراحات ديما عياد (مجلس الأزياء العربي)

ديما عياد مؤسسة علامة «Dima Ayad»، التي تحتفل بالمرأة أياً كانت مقاييسها أو مقاساتها مجموعة ظلت وفية لقناعاتها. فهي لكل مكان وزمان ولكل الأعمار والأجسام.

أما المصمم فيكتور وينسانتو مؤسس علامة «Weinsanto»، مثلاً قدَّم خلال الأسبوع مجموعة بعنوان «كابوس في المطبخ Cauchemar in the Kitchen»، قال إنه استوحاها من الطابع العام لمطعم «Georges» الباريسي، وهو ما جسَّده في النقشات الزاهية والتطريزات المستوحاة من الفنِّ الحديث.