تدهور قيمة الليرة يسبّب فوضى أسعار ويثير استياء اللبنانيين

TT

تدهور قيمة الليرة يسبّب فوضى أسعار ويثير استياء اللبنانيين

يحتدم الجدل بين تاجر لبيع الأدوات الكهربائية في بيروت، ومزوِّد للسلع في متجره، حين يشترط الأخير قبض فاتورته بالدولار. يطالب التاجر بأن تُفصل الفاتورة بين سعر البضاعة بالدولار والضريبة على القيمة المضافة التي يجب أن تُدفع بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي (1515 ليرة)، بسبب التفاوت في سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
وينظر التاجر، وكثيرون غيره، إلى أن بعض الموردين يستغلون ارتفاع سعر الصرف بالسوق الموازية إلى عتبة الـ4200 ليرة للدولار الواحد، لتحقيق أرباح إضافية. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بهذه الحال كأننا ندفع الضريبة 24 في المائة بدلاً من 11 في المائة»، بالنظر إلى ارتفاع سعر الصرف 150 في المائة، وهي معضلة تُضاف إلى فوضى الأسعار في السوق، وقد أنتجت تداعياتها توتراً بين بائعي التجزئة وتجار الجملة وبعض المصانع اللبنانية التي تفرض جباية فواتيرها بالدولار، أو ما يعادل قيمته في السوق الموازية. ويتهم التجار بعض المصانع اللبنانية التي تفرض تحصيل فواتيرها بالدولار، بأنها تحقق أرباحاً إضافية مستفيدة من الأزمة على حساب المستهلكين، وذلك حين تفرض تحصيل كامل المبلغ بالدولار. فمعظم المنتجات، عُرفاً، تنقسم أسعارها إلى ثلث للمواد الأولية المستوردة من الخارج بالدولار، والثلثين الباقيين لتكلفة التصنيع والنقل. وما دام المصنع ينتج في لبنان ويستفيد من المازوت المدعوم وسعر الكهرباء والنقل وإيجارات العمال بالليرة اللبنانية، فإن تقاضي كامل سعر السلعة بالدولار سيوفِّر له أرباحاً إضافية من فارق سعر الصرف.
ويبرِّر كل مصنع أسباب إصراره على تحصيل فواتير مبيعاته بالدولار، بينما يقول آخرون إنهم يقدمون تسهيلات لكن «التجار وبائعي الجملة يستغلون الناس لتحقيق الأرباح»، علماً بأن التسهيلات مرتبطة بكيفية التحصيل ومهلته، وبأسعار مكونات المنتج (المواد الأولية) وهي في الغالب بالدولار.
ويقول كميل بطرس، أحد مالكي مصنع كبير للدهانات في لبنان، إنه مضطر للتحصيل بسعر صرف السوق ليرد رأسماله؛ لكنه يقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «إننا نتساهل في سعر صرف الدولار؛ بحيث نتقاضى بسعر أقل مما هو في السوق، ونعتبر ذلك خصماً إضافياً على أسعارنا». ويضيف: «إذا دفع زبون كامل الفاتورة بالدولار، فإن الخصم سيتضاعف إلى حدود 40 في المائة من الأسعار، بدلاً من 25 في المائة».
ويشدد شربل أبو شديد، مدير عام أحد مصانع تمديدات المياه، على أن تسهيلات شركته وصلت إلى حدود تقاضي 40 في المائة من قيمة الفاتورة كشيك مصرفي «مع أنه سيدخل إلى الحساب البنكي، ولن نستطيع إخراجه في ظل القيود على السحوبات»، إلى جانب تقسيم المبلغ الآخر بين دولار وليرة لبنانية وفق سعر صرف السوق. وإذ يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن الأزمة الاقتصادية وأزمة «كورونا» فرضت عليه باعتباره مصنعاً تحمل تكلفة إضافية، ويشير إلى أن الرقابة على السوق النهائية وضبطها؛ حيث يشتري الزبون من التاجر، هي مسؤولية الحكومة، في وقت يقدم هو فيه التسهيلات.
ويئنُّ آخرون من انخفاض حجم الإنتاج بسبب الأزمة، ما رتَّب على المصانع تكاليف إضافية بدفع رواتب العمال والضرائب، ويعتبرون أن التحصيل بالدولار «سيعوِّض بعض الخسائر جراء الأزمات».
ويقول رئيس جمعية الصناعيين، فادي الجميل، إن هناك تفاوتاً بين سلعة وأخرى لجهة حصة المواد الأولية المستوردة فيها؛ لكنه يشدد على أن أي تجاوزات من قبل بعض الصناعيين غير مقبولة، لافتاً إلى أن هناك سلعاً انخفض سعرها، مثل عبوات المياه وغيرها من السلع الأساسية، رغم أن تكلفة إنتاجها ارتفعت بسبب ارتفاع أسعار المواد البلاستيكية المستوردة.
ويشدد على أن الصناعيين «يتجاوبون بكل وضوح ومسؤولية، وبعضهم زاد قدراته الإنتاجية لتغطية السوق المحلية؛ لأنهم يعتبرون أن الوقت لتلبية الاحتياجات، وليس لتجميع الثروات»، من غير أن ينكر أن هناك «حالات شاذة تستوجب المتابعة»، وأن هناك «تجاراً يستغلون الصناعيين والمستهلكين». وينظر الجميل إلى تعميم مصرف لبنان لدعم الصناعيين بقيمة 100 مليون دولار على شكل تحويلات لاستيراد المواد الأولية، على أنه خطوة أولية، رغم أن حاجة السوق تبلغ 3 مليارات دولار سنوياً، ويتطلع للإفراج عن حسابات الصناعيين في المصارف واستئناف إمكانية التحويل، ويشير إلى أن الأزمة الأخيرة «أثبتت ثقة المستهلك اللبناني بالصناعة الوطنية»؛ لكن: «ما يهمنا هو وقف التهريب وإغراق السوق».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.