بدت «الجمعة الحزينة» في كنيسة القيامة في القدس أشد حزناً للمسيحيين، أمس، إذ تم إغلاقها أمامهم، حتى إشعار آخر، بسبب وباء «كورونا»، وبات مؤكداً أنها ستظل مغلقة اليوم، الذي يُعرف عن المسيحيين بـ«سبت النور»، وغداً يوم عيد الفصح. وسيحيي الفلسطينيون المسيحيون هذه المناسبات في بيوتهم.
وعيد الفصح يعدّ العيد الكبير عند المسيحيين. ويلفّ من حوله عدة مناسبات دينية تجعله «درة التاج» في درب طويل يبدأ بالصوم الكبير الذي يستغرق أربعين يوماً.
ويعدّ هذا الأسبوع عند المسيحيين «أسبوع الآلام»، لكن الوباء لم يسمح لهم بالمشاركة في مسيرات {الجمعة العظيمة} أو {الجمعة الحزينة} أمس ولا حتى بالصوات الجماعية المعتادة في مثل هذا الوقت من كل سنة. وعيد الفصح الذي شهد في السنة الماضية مشاركة 50 ألفاً من مسيحيي فلسطين والحجاج الأجانب، ودخل فيه كنيسة القيامة 1500 شخص، سيتم هذه السنة وراء الأبواب المغلقة. فلأول مرة منذ 92 سنة، حين أُغلقت الكنيسة لغرض ترميمها من الزلزال في سنة 1927، ستغلق كنيسة القيامة بسبب «كورونا» والخوف من أن يتسلل هذا الوباء إلى أجساد المصلين فيسقمها. وسيقتصر القداس الاحتفالي هذه السنة على مشاركة ستة رجال دين فقط، برئاسة المدبر الرسولي لبطريركية القدس للاتين المطران، بييرباتيستا بيتسابالا. وتُعدّ كنيسة القيامة واحدة من أهم ثلاث كنائس في فلسطين. فبالإضافة إليها توجد كنيسة المهد في بيت لحم وكنيسة البشارة في الناصرة، وكلها ستكون مغلقة. والأحياء من كل الأجيال في العائلات المسيحية لا يذكرون حالة كهذه في حيواتهم. وستبث كنيسة القيامة القداس عبر شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، كما فعلت الأحد الماضي خلال قداس أحد الشعانين الذي بُث باللغة العربية، وحضره أكثر من 60 ألفاً حول العالم معظمهم من منطقة الشرق الأوسط.
وتحتفل الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي من الكاثوليك والبروتستانت بعيد الفصح غداً (الأحد)، بينما يحتفل المسيحيون الأرثوذكس بالعيد في 19 من الشهر الجاري. وفي المناطق التي تم فيها توحيد الأعياد لكل الطوائف، يتم الاحتفال به مع الأرثوذكس، في الأسبوع المقبل.
ويقول أمين سر البطريركية، الأب إبراهيم شوملي: «حاولنا التكيف مع الوضع وتنظيم احتفالات مركزية نبثها عبر الشاشات ونخلق جواً إيجابياً داخل المنازل. فرغم كل الطاقة السلبية التي حولنا، لا بد أن نلتمس شيئاً من الإيجابية». وفي حارة النصارى في البلدة القديمة في القدس الشرقية المحتلة، التي هُجّرت شوارعها وأزقتها وأُغلقت جميع المرافق الحيوية فيها منذ أسابيع، تزيّن السيدات الفلسطينيات بيوتهن للعيد، وسط مشاعر الحزن على الحاضر والقلق من المستقبل. فهن لا يرون النور في الأفق، حتى في سبت النور.
وكنسية القيامة تحظى بمكانة عالية لدى المسلمين أيضاً، إذ يروي التاريخ أن الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قام بزيارتها فاستقبله المسيحيون وعلى رأسهم البطريرك صفرونيوس الذي سلمه مفتاح القدس، حينها أطلق الخليفة الإسلامي «العهدة العمرية»، التي تكفل حماية حقوق المسيحيين ومعابدهم وحريتهم. وألقى خطبة قال فيها: «يا أهل إيليا لكم ما لنا وعليكم ما علينا». ثم دعاه البطريرك لزيارة الكنيسة، فلبّى دعوته. ولما حان وقت الصلاة، التفت إلى البطريرك سائلاً: أين أصلي؟ فأجابه البطريرك: في مكانك. فرفض عمر وقال: ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجداً. وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلى، وجاء المسلمون من بعده وبنوا على ذلك المكان مسجداً المسمى بمسجد «عمر»، (قبة الصخرة).
وعندما حرر القائد صلاح الدين الأيوبي القدس من حكم الصليبيين عام 1187، حرص على حمايتها وصيانة مكانتها الدينية. وتدخل في الخلافات التي سادت الطوائف المسيحية يومها حول المسؤولية عن مفتاح الكنيسة، لإصلاح ذات البين ومنع تفجر الخلاف بشكل يمس بالكنيسة. فاقترح عليهم جميعاً أن يتم تسليم مفتاح الكنيسة، لعائلة مسلمة. فوافقوا. ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم، تشرف على كنيسة القيامة عائلتان مسلمتان، عائلة نسيبة التي تقوم بفتح أبواب الكنيسة وإغلاقها صباح مساء، وعائلة جودة آل الحسيني، التي تحرص على الاهتمام بصيانتها.
وتعرضت الكنيسة في عدة عهود للأضرار، التي تسببت في وقف الصلوات فيها، مثل إحراقها بيد الفرس عام 614. واحتراقها في عهد «الإخشيدي» سلطان مصر 965م، وحريق آخر في العهد العثماني سنة 1808م، والزلزال الكبير في عام 1834م، والزلزال الكبير الثاني عام 1927م الذي أثر على أساسات الكنيسة فأبقاها مغلقة طيلة سنة، قامت سلطات الانتداب البريطاني خلالها بترميمها بشكل جذري لحمايتها من الكوارث الطبيعية. وعليه، كانت مغلقة الأبواب في عيد الميلاد وكذلك في عيد الفصح التالي في سنة 1928.
وبعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس في سنة 1967 تعرضت الكنيسة للتنكيل عدة مرات. وأغلقت أبوابها مرتين، الأولى سنة 1990 عندما احتل المستوطنون اليهود مقراً مقابلها، وفي سنة 2018 عندما قرر رجال الدين المسيحيون إغلاقها احتجاجاً على إجراءات ضريبية فرضتها إسرائيل وعلى طرح مشروع قانون يسمح لإسرائيل بمصادرة الأراضي التابعة لها.
«كورونا» يزيد أحزان المسيحيين في «الجمعة الحزينة»
كنيسة القيامة تغلق أبوابها أمام المصلّين للمرة الأولى منذ 92 عاماً
«كورونا» يزيد أحزان المسيحيين في «الجمعة الحزينة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة