أعادت مصر أمس افتتاح هرم زوسر المدرج بمنطقة آثار سقارة بالجيزة (غرب القاهرة)، بعد الانتهاء من مشروع ترميمه الذي استغرق نحو 14 عاماً، بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 104 ملايين جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 15.6 جنيه مصري). وأكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، في مؤتمر صحافي أمس، عقد أمام هرم زوسر، اهتمام مصر بآثارها وتراثها، وقال: «الدولة أنفقت ملايين الجنيهات على ترميم الآثار والحفاظ عليها، وافتتحنا عدداً كبيراً من المشروعات في هذا المجال، ونعمل الآن لاستكمال مشروعات أخرى، أهمها مشروع المتحف المصري الكبير المقرر افتتاحه نهاية العام الحالي».
ووصف الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار المصري هرم زوسر المدرج بأنه «أقدم بناء حجري في العالم»، مؤكداً أن «مجموعة الملك زوسر من أهم المجموعات الجنائزية في مصر». وبدأ مشروع ترميم هرم زوسر المدرج عام 2006 بعد دراسات دقيقة استغرقت نحو 3 سنوات، منذ عام 2003. لحماية الهرم من مخاطر العوامل الجوية التي أدت إلى تساقط بعض أحجاره، ما اضطر المجلس الأعلى للآثار في ذلك الوقت لتدعيم الهرم بسقالات، بقيت ملازمة لصورته أكثر من 14 عاماً، لكن مشروع الترميم توقف عام 2011 بعد اندلاع ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، قبل أن يستكمل العمل في المشروع من جديد عام 2013.
وتضمن مشروع الترميم عمليات درء الخطورة، والترميم الداخلي والخارجي، وتطوير مسارات الزيارة السياحية، والممرات الداخلية المؤدية لبئر الدفن، إضافة إلى ترميم التابوت الحجري الخاص بالملك زوسر، والجدران الداخلية للهرم، وفق تصريحات العناني في المؤتمر الصحافي أمس. ويُعد هرم زوسر المدرج، أقدم بناء حجري في تاريخ البشرية، وهو مسجل على قائمة منظمة اليونيسكو للتراث العالمي منذ عام 1979 بحسب الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الملك زوسر هو مؤسس الدولة المصرية القديمة، ويعود تاريخ الهرم المدرج إلى القرن الـ27 قبل الميلاد، وهو هرم بدأ بناؤه بمصطبة كمرحلة انتقالية شهدت الانتقال من البناء بالطوب اللبن إلى الحجر، وهنا استخدم المصري القديم أحجاراً مختلفة في البناء عن تلك التي استخدمت فيما بعد في بناء هرم خوفو بالجيزة؛ حيث بني هرم زوسر من أحجار صغيرة، في تقليد لطريقة البناء بالطوب اللبن صغير الحجم».
وهرم زوسر هو أحد عناصر المجموعة الهرمية للملك زوسر، التي تتضمن مقبرة رمزية، والمعبد الشمالي، ويتكون الهرم من 6 مصاطب صغيرة، بعضها فوق بعض، ويبلغ ارتفاعه 62 متراً، وأبعاد قاعدته 109 و125 متراً، وكان مكسواً بالحجر الجيري المصقول، الذي تأثر بفعل عوامل التعرية، وتوجد أسفل الهرم سراديب بطول 6 كيلومترات، ترتبط ببئر مربع عمقه 28 متراً، يتم الوصول إليه عبر المدخل الشمالي للهرم، وفي نهاية البئر توجد حجرة دفن الملك زوسر، وتوجد في الناحية الشرقية من الهرم 11 بئراً مخصصة لدفن عائلة الملك زوسر.
وبنى هرم الملك زوسر (ثاني ملوك الأسرة الثالثة، 2667 - 2648 قبل الميلاد)، المهندس إمحوتب، وتم فتحه في عصر الأسرة الـ26. وتضم المجموعة الجنائزية لزوسر، معبداً جنائزياً شمال الهرم، ومعابد العيد الثلاثيني (الحب سد)، وبهو الأعمدة والمقبرة الجنوبية، وفق العناني.
ويتميز هرم زوسر بوجود مدخلين شمالي وجنوبي، رغم أن جميع الأهرامات في مصر لها مدخل من الناحية الشمالية فقط؛ حيث كان المصري القديم يعتقد أنه إذا خرجت روح المتوفى ليلاً تستطيع العودة من خلال تتبع نجم القطب الشمالي، لكن هرم زوسر الوحيد في مصر الـذي له مدخل من الناحية الجنوبية أيضاً، إضافة إلى المدخل الشمالي. وأوضح العناني أن «المدخل الجنوبي تم افتتاحه أمس للمرة الأولى للجمهور». مشيراً إلى أن «المدخل الجنوبي عبارة عن ممر طويل يصل إلى غرفة الدفن، التي تضم تابوت الملك زوسر المكون من 32 كتلة جرانيتية، بوزن 176 طناً، سطحها مرقم، لتسهيل تركيبها بعد استقدامها من محاجر أسوان، ولفت إلى أن «أحد مميزات الهرم أنه يضم مقابر لزوجات وأهل الملك زوسر، وهذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك في التاريخ المصري القديم».
ولإعجاب المصريين القدماء بقدرات المهندس المعماري إمحوتب، الذي بنى الهرم، تم تقديسه وعبادته في العصور المصرية المتأخرة، وفق وزيري الذي أكد أن «إمحوتب قلد العمارة التي كانت موجودة في ذلك الوقت بالطوب اللبن، مستخدماً الحجر».
وشدد وزيري على أن «هرم زوسر لن ينهار حتى لو انهارت أهرامات مصر الأخرى، لأنه مبني من مجموعة مصاطب مترابطة مع بعض بشكل رأسي».
ومع افتتاح الهرم للزيارة السياحية حددت وزارة السياحة والآثار سعر تذكرة دخول الهرم بـ100 جنيه مصري للأجنبي، و50 جنيهاً مصرياً للطالب الأجنبي، و40 جنيهاً للزائر المصري، و20 جنيهاً للطالب المصري.
وبالإضافة إلى الانتهاء من ترميم هرم زوسر، أشهر الآثار بمنطقة سقارة، تنفذ وزارة السياحة والآثار مشروعاً لتطوير هذه المنطقة الأثرية بالتعاون مع القطاع الخاص، بهدف تقديم خدمات للزائرين، وتوفير لوحات إرشادية، وزي موحد لأفراد الأمن، وتمهيد الطرق المؤدية للمزارات الأثرية بالمنطقة التي تعد واحدة من «أهم المناطق الأثرية في مصر»، بحسب صبري فرج، مدير منطقة آثار سقارة، الذي أوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «منطقة آثار سقارة تتميز بأنها المنطقة الأثرية الوحيدة التي تضم آثاراً من العصور التاريخية المختلفة، ومقابر للملوك والنبلاء حتى الحيوانات»، مشيراً إلى أن «مقابر سقارة تتميز بنقوشها الرائعة، وألوانها الجميلة».
وبحسب العناني، فإن سقارة تعتبر متحفاً مفتوحاً؛ حيث تضم كنوزاً تمثل معظم فترات التاريخ المصري، وبها عشرات المقابر من العصر العتيق، وأهرامات لملوك وملكات الأسرتين الخامسة والسادسة، وأعظم مقابر الدولة القديمة، التي تمثل ذروة الفن في ذلك العصر، كما تضم المنطقة السرابيوم (جبانة العجل أبيس المقدس)، إضافة إلى دير الأنبا أرميا من العصر القبطي.
مصر تفتتح هرم زوسر المدرج بعد 14 عاماً من الترميم
تطوير الممرات الداخلية لـ«أقدم بناء حجري في العالم»
مصر تفتتح هرم زوسر المدرج بعد 14 عاماً من الترميم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة