بيروقراطية وتأخر جهود الإغاثة... الحدود السورية ـ التركية «كما لو أنها نهاية العالم»

موظف إغاثي: الكارثة آتية إذا لم يتوقف القصف > أكبر موجة نزوح منذ 9 سنوات

سوري بريف حلب الغربي يستعد للنزوح مع عائلته (أ.ف.ب)
سوري بريف حلب الغربي يستعد للنزوح مع عائلته (أ.ف.ب)
TT

بيروقراطية وتأخر جهود الإغاثة... الحدود السورية ـ التركية «كما لو أنها نهاية العالم»

سوري بريف حلب الغربي يستعد للنزوح مع عائلته (أ.ف.ب)
سوري بريف حلب الغربي يستعد للنزوح مع عائلته (أ.ف.ب)

ارتعد رجل نحيف يرتدي سترة من القطن ويحمل حقيبة على ظهره، من البرد الشديد حال انتظاره افتتاح بوابة الحدود التركية للخروج من سوريا. وهناك مئات الآلاف ممن يحاولون الآن الرحيل عن سوريا، بحسب تحقيق صحافي نشرته «نيويورك تايمز» من ريحانلي الحدودية (المعروفة في سوريا باسم الريحانية).
وكان يحيى جمال البالغ من العمر 21 عاما يحاول الدخول إلى الأراضي السورية. فلقد توفي والده، كما قال، وفرّت عائلته إثر انهيار منزلهم من القصف الشديد، وينامون تحت الأشجار في العراء. وعلى الرغم من مغادرته إلى تركيا بطرق التهريب قبل عدة شهور، فإنه قرر العودة إلى بلاده مرة أخرى للوقوف بجوار أسرته المنكوبة.
يقول يحيى جمال وعلى وجهه أمارات الصدمة: «ليس هناك مكان معين أصحبهم إليه، من المستحيل العثور على مكان آمن في سوريا الآن». وفيما وراء التلال المجاورة للمعبر الحدودي التركي عن بلدة ريحانلي، تتكشف أمارات الكارثة الإنسانية الجديدة على الجانب السوري من الحدود.
وصعّدت الحكومة السورية، المدعومة من الجيش الروسي، من هجومها الذي انطلق قبل شهور بغرض السيطرة على محافظة إدلب، وهي تُعتبر آخر المحافظات الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة السورية. وتحت وطأة القصف الجوي والمدفعي الشديد للقرى والبلدات في المحافظة، نزح نحو 900 ألف شخص، أغلبهم من النساء والأطفال، من منازلهم منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ليلحقوا بأكبر موجة من موجات النزوح البشرية في الحرب الأهلية السورية منذ اندلاعها أول الأمر قبل 9 سنوات كاملة.
واتجه أغلب النازحين صوب الشمال، ناحية الحدود التركية، وهم يقاسون الظروف المناخية القاسية. ويحظى المحظوظون منهم بفرصة الاحتشاد في مخيمات اللاجئين، في حين ينام الآخرون في العراء على التلال المحيطة وفي بساتين الزيتون المجاورة. وقد لقي 12 طفلا على الأقل مصرعهم جراء التعرض لموجات البرد الشديدة.
وكانت تركيا، التي تضم على أراضيها بالفعل أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري، قد أغلقت الحدود بينها وبين سوريا منذ عام 2015، خشية حدوث المزيد من تدفقات النازحين. وأسفر هذا الموقف المزري عن حصار النازحين من إدلب بين القوات السورية والروسية والمتقدمة وبين الحدود التركية المغلقة. إنها أكبر حالة للنزوح الداخلي منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية.
وتعتبر ريحانلي، تلك البلدة الزراعية الصغيرة التي تحيط بها البساتين وحقول القطن، المعبر الحدودي الرئيسي من وإلى محافظة إدلب السورية، على الرغم من أنها مغلقة في وجه حركة المرور العامة. ويظهر الجدار الخرساني المرتفع عبر التلال الصخرية بعيدا عن البوابة الجمركية، مع انتشار قطعان الأغنام عبر التلال.
وفي عطلة نهاية الأسبوع، اصطفت نحو 6 شاحنات محملة بالملابس والبطانيات والأغذية القادمة من مختلف أنحاء تركيا بصورة منظمة في انتظار فتح الحدود والدخول إلى سوريا. واحتشد عدد قليل من السوريين، ممن لهم معرفة بالمجال الطبي وبعض التجار الذين يحملون تصاريح عبور الحدود، قبالة البوابة للعبور إلى سوريا سيرا على الأقدام.
مشهد هو الأكثر فظاعة
وكان محمد (تاجر الحلي) يسافر رفقة زوجته أمينة للإتيان بأطفالهما من سوريا، والعودة بهم إلى تركيا. وتسمح السلطات التركية لبعض التجار ممن لهم أعمال على جانبي الحدود بالذهاب والرجوع من سوريا. وقد وصف محمد المناخ العام في المعبر الحدودي بأنه «مهدد». وطلب الزوجان، على غرار غيرهما ممن جرت معهم المقابلة الشخصية، بحجب الهوية الحقيقية، خشية التعرف عليهم من قبل الحكومة السورية. وقال محمد: «الناس خائفون للغاية، والموقف سيئ جداً هناك، حيث يعيش الناس في الشوارع وينامون في العراء تحت الأشجار، والطقس بارد جداً».
وقال أيضا إن المباني العامة والمنازل الخاصة مزدحمة بالنازحين، ويصعب تماما العثور على أي خيمة أو مأوى من أي نوع هناك، كما لا وجود للطعام أو العمل «يمكنك مشاهدة الكثير من العائلات ينامون على الورق المقوى وعلى البطانيات في الشوارع. وكافة بلدات المنطقة على هذا المنوال، وإذا لم تتوقف أعمال القصف فسوف يتحول الأمر إلى كارثة شديدة، فالجميع يهرولون صوب الحدود الآن».
وتحدثنا إلى طبيب قال إن اسمه الدكتور محمد، وكان يحاول تسجيل اسم عائلته في مركز الهجرة الحدودي، وقال إنه تمكن من إخلاء زوجته وأطفاله الأربعة من قريتهم في سوريا مع بدء اقتراب القوات الحكومية السورية. وقد تمكن أيضا من الدخول بهم إلى تركيا بينما كان يواصل العمل في أحد المستشفيات الميدانية الصغيرة في سوريا. ويستقبل ذلك المستشفى نحو 300 مريض في اليوم الواحد: «لدينا نقص شديد في أغلب اللوازم المستوردة. والوقود نادر للغاية أو جودته رديئة للغاية، لا سيما مع ارتفاع الأسعار الذي لا يتوقف».
كان الطريق ممتلئاً باللاجئين الفارين من الحرب صوب الحدود في الرحلة التي تستغرق 6 ساعات كاملة لقطع مسافة 20 ميلاً، في مشهد هو الأكثر فظاعة على الإطلاق.
بيد أن السوريين العالقين عند الحدود التركية لا يعولون كثيراً على الجيش التركي، ولا يثقون في أنه سوف يتدخل لوقف تقدم القوات الحكومية السورية. وقال محمد التاجر: «نتمنى لو أن أوروبا تدخلت لضرب قوات النظام السوري، وكنا نتمنى لو أن الولايات المتحدة تتدخل في الأمر، ولكننا لا نتوقع منهم ذلك أبداً. إن بشار يقتلنا بجيشه، وهناك المئات يسقطون صرعى في كل يوم، ولا بد للولايات المتحدة أن تفعل شيئاً».
فرار للمرة الثالثة
وتواصل مراسلو «نيويورك تايمز» عبر الهاتف مع أتورسان مصطفى (26 عاماً)، وهي أم لثلاثة أطفال، وتعيش في بلدة كفر كرمين، القرية السورية التي تبعد أقل من 4 أميال عن خط المواجهة في مدينة الأتارب، حيث انقطعت بها السبل برفقة اثنتين من النساء الأخريات ومعهن 14 طفلاً. قالت أتورسان: «القصف لا يتوقف طوال الوقت، وإن توقفت عن الحديث إليكم فسوف تسمعون صوت القذائف». وكانت تلك النساء، واثنتان منهن أرملتان، قد فررن ثلاث مرات في السابق، منذ بدء الهجوم الأخير في 18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
والآن، تجددت أعمال القتال، واقتربت كثيراً من القرية، حتى إن باقي سكانها قد هربوا منها. وكانت النساء الثلاث يعشن في منزل غير مشيَّد بالكامل، ومن دون أبواب، أو نوافذ، أو كهرباء، لكنهن كن لا يغادرن المنزل، لأن هناك سقفاً فوق رؤوسهن على الأقل.
وكان تقدُّم القوات السورية سريعاً للغاية من جهة الشرق، حتى إن كثيراً من العائلات السورية كانت عالقة، كما قال فؤاد سيد عيسى، مؤسس منظمة «فيوليت» السورية الإغاثية. وتمكنت تلك المنظمة من جمع 1000 متطوع يقومون باستئجار، أو استعارة الشاحنات لإخلاء العائلات العالقة في المنطقة بغياب أي خدمات أو مواصلات أو وقود في مناطق المواجهة الأمامية. وقال إن «حجم حركة النازحين مذهل للغاية». وتمكنت المنظمة المذكورة من إنقاذ نحو 17 ألف شخص من بلدة أريحا السورية في عملية واحدة. وجرى إفراغ مخيم تابع للأمم المتحدة يضم نحو 10 آلاف نازح سوري بين عشية وضحاها، مع اقتراب القوات الحكومية السورية. ويحتشد الجميع الآن في المخيمات المنشأة بالفعل على الحدود التركية.
وقال سيد عيسى: «إنها مثل نهاية العالم»، الآلاف من الناس يحتشدون في المخيمات، ويتجمعون حولها، على أمل الحصول على المساعدة. والمشكلة الكبرى في المأوى، حتى وإن توافرت الأموال فلن تجد ما تشتريه أو تستأجره بها.
فالمخيمات ممتلئة عن آخرها وليست هناك معسكرات جديدة. وأعرب، على غرار غيره من العاملين في جهود الإغاثة السورية، عن إحباطه الشديد بسبب تأخر جهود الإغاثة كثيراً، وعدم قدرتها على تلبية الاحتياجات الهائلة، فضلاً عن شبح البيروقراطية المزري، وقال عن ذلك: «لدى الأمم المتحدة 5 آلاف خيمة، ولكن الناس في حاجة إلى 60 ألف خيمة على الأقل».
وتوقع فرار ونزوح المزيد من الناس مع مواصلة القصف وتقدم القوات السورية، وقال: «لن يبقى أحد هناك. هناك حل واحد فقط وهو أن تفتح تركيا حدودها أمام اللاجئين... ندعوهم لفتح الحدود، لا بد أن تتخذ أنقرة القرار في أقرب فرصة ممكنة».

- خدمة «نيويورك تايمز»



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.