العاصفة «كريم» تحط رحالها في لبنان محملة بالذهب الأبيض

ثلوج وأمطار ودرجات حرارة إلى ما دون الصفر

أدت العاصفة «كريم» إلى تساقط الثلوج على مستويات منخفضة
أدت العاصفة «كريم» إلى تساقط الثلوج على مستويات منخفضة
TT

العاصفة «كريم» تحط رحالها في لبنان محملة بالذهب الأبيض

أدت العاصفة «كريم» إلى تساقط الثلوج على مستويات منخفضة
أدت العاصفة «كريم» إلى تساقط الثلوج على مستويات منخفضة

طبّقت العاصفة «كريم» القول بالفعل وأغدقت بكرمها على المناطق اللبنانية برودة وثلوجاً لم يسبق أن شهدها شهر فبراير (شباط) الجاري.
وبحسب دائرة الأرصاد الجوية في مطار بيروت فإن تأثير المنخفض الجوّي «كريم» المصحوب بكتل هوائية شديدة البرودة أدت إلى تساقط ثلوج خفيفة على مستويات منخفضة دون الـ600 متر في المناطق الشمالية والداخلية مع درجات حرارة هي الأدنى هذا العام اعتباراً من صباح أمس.
وترافقت العاصفة التي تشمل بلداناً مجاورة للبنان وهي تركيا وسوريا والأردن ومصر والسعودية وغيرها مع انخفاض الحرارة بشكل كبير. ووصلت على السواحل إلى ما دون 7 درجات مئوية وعلى الجبال إلى ما دون الصفر. وسيطرت برودة قاسية من المتوقع أن تستمر اليوم وغداً، مع حلول موجات من الصقيع ستشكل الجليد على الطرقات الجبلية والداخلية اعتباراً من ارتفاع 500 متر، بحسب المرصد الجوي في مطار بيروت الذي حذّر من خطر الانزلاق. وابتداء من اليوم تشهد حالة الطقس في لبنان تحسنا تدريجيا لتتحول إلى غائم جزئياً دون تغيير يذكر بدرجات الحرارة وضباب على المرتفعات. فيما تبقى تتساقط أمطار متفرقة مع ثلوج على ارتفاع 700 متر وما فوق خاصة شمال البلاد.
أما حالة الطقس للغد، فمن المتوقع أن تكون قليلة الغيوم إلى غائم جزئيّاً صباحاً مع درجات حرارة باردة. ويتحوّل تدريجيّاً خلال النهار إلى غائم مع ارتفاع درجات الحرارة وتساقط أمطار خفيفة بعد الظهر تشتدّ مساءً وخلال اللّيل، كما تتساقط الثلوج على ارتفاع 1000 متر وما فوق.
ويأتي هذا المنخفض الجوي الذي وصل لبنان مساء الخميس مصحوباً برياح قوية تجاوزت سرعتها الـ90 كيلومتراً في الساعة متأثرا بمنطقة من الضغط الجوّي المنخفض تسيطر على تركيا سببها تمدد خطوط المنخفض الأيسلندي نحو البحر الأسود. وتترافق مع عواصف ثلجية تضرب اليونان وجنوب تركيا.
وكان اللبنانيون قد استعدوا لمواجهة هذه العاصفة بعد أن أعلنت مصلحة الأرصاد الجوية عن وصولها مساء الخميس الفائت. فتزود أهل الجبال بالحطب والمازوت لاستخدامها في وسائل التدفئة في بيوتهم. فيما لم يبارح عدد كبير من سكان بيروت منازلهم بعد اشتداد سرعة الرياح من ناحية وقساوة البرد من ناحية ثانية. فهم سبق وشهدوا في شهر ديسمبر (كانون الأول) الفائت حالة طقس مشابهة من خلال العاصفة «لولو»، لكنها لم تحمل معها البرودة وتساقط الثلوج التي يشهدوها اليوم مع «كريم».
«إنها المرة الأولى التي نشهد هذا الطقس في بيروت هذه السنة، وأنا شخصيا تأثرت به مباشرة بعدما أوقعت قوة الرياح إحدى يافطات الإعلان الحديدية على سيارتي وتسببت في تحطيم قسم كبير منها». تقول نائلة سماحة التي تسكن في منطقة الزلقا في بيروت. فيما يشير منير سلامة في منطقة اللقلوق إلى أن الثلوج شكّلت لوحة طبيعة رائعة بعد أن غطّت الطرقات ودفعت بسكان البلدة إلى التزام بيوتهم لأكثر من 48 ساعة إلى حين تحسن الطقس بعد ظهر أمس.
وكانت الثلوج قد تراكمت على الطرقات الجبلية وقطعت الطرقات. وفي منطقة ضهر البيدر عمل عناصر من الدفاع المدني على سحب السيارات التي احتجزت بسبب تراكم الثلوج. وانزلقت من ناحية أخرى بعض المركبات، ما تسبب بزحمة سير خانقة. وعلق أصحاب السيارات لساعات عدة، قبل أن تعمل القوى الأمنية على مساعدتهم. كما علق المواطنون في سيارتهم على طريق ترشيش زحلة، وفي صوفر، بسبب تراكم الثلوج. وعملت فرق الدفاع المدني على إزالتها وسحب السيارات والشاحنات التي احتجزت.
وأدّت العاصفة «كريم» والرياح القوية التي هبت معها على الساحل وتجاوزت سرعتها الـ90 كيلومتراً في الساعة، إلى تكون الأنواء على طول الشاطئ في صيدا. وصل ارتفاع الأمواج إلى أربعة أمتار ونصف المتر، وطاولت سياج الكورنيش البحري في بعض الأماكن. واجتاحت الأنواء جزيرة صيدا الزيرة والباحة الداخلية لقلعة صيدا البحرية ورصيف المرفأ التجاري القديم وتجاوز بعضها حاجز الحماية العائد للمرفأ الجديد، وهو ما أدى إلى شل حركتي البواخر والصيد البحري. واحتجزت العاصفة عدداً من البواخر داخل حوض المرفأ، بينما حاصرت الأمواج 3 بواخر وقود في عرض البحر قبالة الزهراني.
وتداول اللبنانيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي منشورات وصورا تبرز حال الطرقات المغمورة بالثلوج ابتداء من ارتفاع 600 متر. وغرّد الإعلامي جوني منير عبر «تويتر» وقد أرفق تغريدته بصورة تنقل حال الطرقات المغطاة بالثلوج في بلدته الأم زحلة: «نقاوة الطبيعة بياض الثلج روعة عروس البقاع». أما الإعلامي التلفزيوني مالك مكتبي فنشر عبر صفحته على موقع «انستغرام» صورة له يرتدي فيها ملابس رياضية وغرّد: «رغم البرد والمطر والهواء تمارين رياضية يومية أساسية لحياة صحية». وكانت أكثر الصور تداولاً على مواقع التواصل الاجتماعي تناولت مشهد الثلوج يغطي غابات وطرقات في منطقة الأرز في الشمال وقناة باكيش وفقرا وكفردبيان في جرود المتن وكسروان.


مقالات ذات صلة

إسبانيا تقرّ «إجازة مدفوعة لأسباب مناخية» في الظروف السيئة

بيئة رجل يركب دراجة هوائية في شارع غمرته المياه جنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

إسبانيا تقرّ «إجازة مدفوعة لأسباب مناخية» في الظروف السيئة

أقرت الحكومة الإسبانية اليوم (الخميس) «إجازة مدفوعة لأسباب مناخية» لأربعة أيام لتجنب تنقل الموظفين في حال وجود تحذير بسبب سوء الأحوال الجوية.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
يوميات الشرق الأجواء الباردة شجعت السكان على التوجه إلى البراري ومناطق التخييم (واس)

موجة باردة مفاجئة تعيد حياة سكان الرياض إلى الأجواء الشتوية

شهدت العاصمة السعودية الرياض، ومعظم المناطق الوسطى من البلاد، تغييراً مفاجئاً في طقسها.

بدر الخريف (الرياض)
الولايات المتحدة​ طواقم تعمل على إزالة شجرة أسقطتها عاصفة قوية ضربت منطقة شمال غربي المحيط الهادئ بالولايات المتحدة (رويترز)

مقتل شخصين جراء عاصفة مميتة ضربت غرب أميركا

ضربت عاصفة قوية ولاية واشنطن الأميركية، اليوم (الأربعاء)، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن مئات الآلاف وتعطل حركة السير على الطرق ومقتل شخصين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا فتاة تركب دراجة هوائية تحت المطر في فالنسيا بإسبانيا (إ.ب.أ)

إغلاق مدارس وإلغاء رحلات... موجة عواصف جديدة تضرب إسبانيا (صور)

تسببت موجة جديدة من العواصف في إسبانيا في إغلاق مدارس وإلغاء رحلات قطارات، بعد أسبوعين من مقتل أكثر من 220 شخصاً وتدمير آلاف المنازل جراء فيضانات مفاجئة.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
يوميات الشرق أحداث الطقس المتطرفة كلّفت العالم تريليوني دولار خلال عقد (أ.ب)

تقرير: الطقس المتطرف كلّف العالم تريليوني دولار خلال العقد الماضي

كشف تقرير جديد عن أن الطقس المتطرف كلّف العالم تريليوني دولار على مدى العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)