فيلم «1917» والنجم خواكين فينيكس في صدارة جوائز أوسكار

العودة للبذخ والألوان الزاهية والتطريز في أزياء الحفل لهذا العام

الممثلة أليجرا ريجيو وجاريد هاريس قبل الأوسكار في فندق بيفرلي هيلز (أ.ب)  -  تمثال أوسكار على السجادة الحمراء عشية حفل توزيع الجوائز (أ.ف.ب)
الممثلة أليجرا ريجيو وجاريد هاريس قبل الأوسكار في فندق بيفرلي هيلز (أ.ب) - تمثال أوسكار على السجادة الحمراء عشية حفل توزيع الجوائز (أ.ف.ب)
TT

فيلم «1917» والنجم خواكين فينيكس في صدارة جوائز أوسكار

الممثلة أليجرا ريجيو وجاريد هاريس قبل الأوسكار في فندق بيفرلي هيلز (أ.ب)  -  تمثال أوسكار على السجادة الحمراء عشية حفل توزيع الجوائز (أ.ف.ب)
الممثلة أليجرا ريجيو وجاريد هاريس قبل الأوسكار في فندق بيفرلي هيلز (أ.ب) - تمثال أوسكار على السجادة الحمراء عشية حفل توزيع الجوائز (أ.ف.ب)

مهرج مرعب في «الجوكر» أم رجال عصابات مسن في «الآيرلندي»؟ الحنين لسابق عهد مدينة الأضواء هوليوود مع براد بيت وليوناردو دي كابريو؟ أم الخنادق المليئة بالطين خلال حرب مر عليها قرن من الزمان في فيلم «1917»؟ شهدت هوليوود في وقت متأخر ليلة أمس حفل توزيع جوائز أوسكار، أرفع تكريم في عالم صناعة السينما، وهو حدث يضم الكثير من الترشيحات أو الفوز بالجائرة للمرة الأولى، بينما عادت قائمة الترشيحات للاقتصار على الممثلين البيض، الأمر الذي أحيا الجدل من جديد حول هذا الأمر.
وفي صدارة قائمة الترشيحات أسماء لامعة مثل براد بيت وإلتون جون وتشارليز ثيرون وليوناردو دي كابريو وسكارليت جوهانسون ومارتن سكورسيزي، وفي المقابل هناك طاقم العمل الذي لا يتمتع بالكثير من الشهرة لفيلم «طفيلي» (بارازايت) الناطق بالكورية، والذي قد يسرق الأضواء من أكبر أسماء هوليوود.
وكالمعتاد كل الأعين معلقة بجائزة أفضل فيلم التي يعتقد المراقبون أنها تنحصر بين ثلاثة أفلام من القائمة لا غير وهي «طفيلي» (بارازايت) وهو فيلم مستقل مليء بالسخرية الاجتماعية، و«1917» عن الحرب العالمية الأولى من إنتاج يونيفرسال بيكتشرز للمخرج البريطاني سام مينديز، ورائعة كوينتن تارانتينو الأحدث «ذات مرة في هوليوود» (وانس آبون آتايم إن هوليوود) من إنتاج سوني بيكتشرز.
ويرى سكوت فينبرج الكاتب في مجلة «ذا هوليوود ريبورتر» أن «الخيار الذكي هو بلا شك (1917)، لكنني لا أستبعد احتمال فوز فيلم آخر سواء (بارازايت) أو (وانس آبون آتايم إن هوليوود) أو (جوجو رابيت)». وربما يدخل فيلم «طفيلي» (بارازايت) التاريخ ليكون أول فيلم بلغة أجنبية يفوز بأوسكار أفضل فيلم. ومخرجه بونج جون - هو مرشح في قائمة أفضل مخرج كما أن الفيلم مرشح أيضاً لنيل أوسكار أفضل فيلم أجنبي.
أما باقي الأعمال السينمائية التي تتنافس على أفضل فيلم فهي «الجوكر» من إنتاج وارنر براذرز الذي نال حتى الآن 11 ترشيحا وفيلم الدراما الاجتماعية «قصة زواج» (ماريدج ستوري) وأيضاً فيلم العصابات الأسطوري «الآيرلندي» (ذي أيرشمان) وكلاهما من إنتاج نتفليكس.
كما تضم القائمة دراما سباق السيارات «فورد ضد فيراري» (فورد في. فيراري) من إنتاج توينتيث سنشيري ستوديوز والفيلم المأخوذ عن رواية كلاسيكية شهيرة وهو «نساء صغيرات» (ليتل ومن) من إنتاج سوني بيكتشرز.
يختار أعضاء أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة البالغ عددهم ثمانية آلاف الفائزين. ورسخت نتفليكس أقدامها في هوليوود بحصول أعمال أنتجتها على 24 ترشيحا في المجمل هذا العام بما شمل فيلم «الباباوان» (ذا تو بوبس) وفيلم الرسوم المتحركة «كلاوس» والفيلم الوثائقي «مصنع أميركي» (أميركان فاكتوري). لكن مراقبي الجوائز يقولون إن أمل الحصول على أوسكار أفضل فيلم قد يراوغ الشبكة مجدداً هذا العام.
ويتسم هذا العام بغياب أي تنوع يذكر إذ لم تضم قوائم الترشيحات الرئيسية سوى السمراء سينثيا إريفو كما ضمت قائمة أفضل مخرج مخرجين رجال فقط، مما أحيا جدالا ثار منذ أربع سنوات يحمل عنوان «جوائز أوسكار شديدة البياض» (أوسكار سو وايت#).
ويعتبر النجم خواكين فينكس الأوفر حظاً لنيل أول أوسكار في مسيرته عن أدائه لدور المهرج المضطرب الذي يتحول للعنف في فيلم «الجوكر»، أما جوهانسون فقد تكون الممثلة الأولى التي تحصل على جائزتي أوسكار أفضل ممثلة وأفضل ممثلة مساعدة عن دوريها في فيلمي «جوجو الأرنب» (جوجو رابيت) و«قصة زواج» (ماريدج ستوري).
إلى ذلك، تتوقع مصممة أزياء العودة للبذخ عندما يخطو نجوم هوليوود على البساط الأحمر. وقالت كيتي كيم مصممة الأزياء المقيمة في نيويورك: «على مدى سنوات كانت الأزياء بسيطة للغاية. وتعلمون كان الناس يرتدون حلل السهرة واللون الأسود وهذا دائماً ما يكون كلاسيكياً». لكن هذا العام قالت كيم إنها تتوقع رؤية «بذخ».
وبالتأكيد فإن الطلة الصحيحة لأحد النجوم يمكن أن تلفت الانتباه إليه بدرجة هائلة، سواء كان ذلك سيئاً أو جيداً. وتتوقع كيم ألوانا زاهية ومزجا بين درجات الألوان مثل الأحمر والوردي، بالإضافة إلى خطوط وتطريز مبالغ فيهما.
وقالت كيم: «الشكل‭‭ ‬‬مهم للغاية، عادة ما أبحث عن شيء مثير للاهتمام عندما أنتقي ملابس زبائني». وأضافت: «سيكون (التطريز) في كل مكان... الخرز والترتر والزخرفة... فكر في موضة عشرينيات القرن الماضي وما بعد ذلك بمائة عام».
وفيما يتعلق بالنجمات اللاتي يتعين متابعة ملابسهن أوردت كيم القائمة الكاملة لبطلات فيلم «النساء الصغيرات»، وخصت بالذكر سيرشا رونان وفلورنس بف، باعتبارهما أكثر من تترقب رؤية أزيائهن. وقالت: «كل هؤلاء الفتيات سيكن مثيرات ورائعات على البساط الأحمر».


مقالات ذات صلة

الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

شؤون إقليمية الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

يتناول الفيلم تأثير فساد نتنياهو على قراراته السياسية والاستراتيجية، بما في ذلك من تخريب عملية السلام، والمساس بحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
يوميات الشرق المخرج الإيراني أصغر فرهادي الحائز جائزتَي أوسكار عامَي 2012 و2017 (إدارة مهرجان عمّان السينمائي الدولي)

أصغر فرهادي... عن أسرار المهنة ومجد الأوسكار من تحت سماء عمّان

المخرج الإيراني الحائز جائزتَي أوسكار، أصغر فرهادي، يحلّ ضيفاً على مهرجان عمّان السينمائي، ويبوح بتفاصيل كثيرة عن رحلته السينمائية الحافلة.

كريستين حبيب (عمّان)
يوميات الشرق تمثال «الأوسكار» يظهر خارج مسرح في لوس أنجليس (أرشيفية - أ.ب)

«الأوسكار» تهدف لجمع تبرعات بقيمة 500 مليون دولار

أطلقت أكاديمية فنون السينما وعلومها الجمعة حملة واسعة لجمع تبرعات بقيمة 500 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (لوس انجليس)
يوميات الشرق الممثل الشهير ويل سميث وزوجته جادا (رويترز)

«صفعة الأوسكار» تلاحقهما... مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية تُغلق أبوابها

من المقرر إغلاق مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية بعدما شهدت انخفاضاً في التبرعات فيما يظهر أنه أحدث تداعيات «صفعة الأوسكار» الشهيرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق أبطال المنصات (مارتن سكورسيزي وبرادلي كوبر) يغادران «أوسكار» 2024 بوفاضٍ خالٍ

هل تخلّت «الأوسكار» عن أفلام «نتفليكس» وأخواتها؟

مع أنها حظيت بـ32 ترشيحاً إلى «أوسكار» 2024 فإن أفلام منصات البث العالمية مثل «نتفليكس» و«أبل» عادت أدراجها من دون جوائز... فما هي الأسباب؟

كريستين حبيب (بيروت)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)