بتول الأحمد... في يدها منشار وفي قلبها حلم

أغرتها رائحة الخشب فأصبحت أوّل نجارة في مدينة الرقة السورية

بتول أحمد أول نجارة في مدينة الرقة بسوريا أثبتت مهارتها وشغفها بالخشب (الشرق الأوسط)
بتول أحمد أول نجارة في مدينة الرقة بسوريا أثبتت مهارتها وشغفها بالخشب (الشرق الأوسط)
TT

بتول الأحمد... في يدها منشار وفي قلبها حلم

بتول أحمد أول نجارة في مدينة الرقة بسوريا أثبتت مهارتها وشغفها بالخشب (الشرق الأوسط)
بتول أحمد أول نجارة في مدينة الرقة بسوريا أثبتت مهارتها وشغفها بالخشب (الشرق الأوسط)

بأنامل رقيقة يزيّنها طلاءٌ أحمر وخاتم ذهبيّ، تمسك الشّابة السورية بتول الأحمد (25 عاماً) المنشار، وتبدأ مهمتها اليومية بتقطيع ألواح الخشب، لتثبت أن مهنة النّجارة لا تحتاج إلى عضلات مفتولة، أو قوى بدنية خارقة... غيّرت الحرب كل شيء في حياة بتول المتمرّدة على واقعها ومحيطها. دفعتها الحاجة لتقف بين 10 عمّال في الورشة، وتتقاسم معهم المهام، لتصبح أول امرأة تعمل نجّارة في مدينة الرقة، بعد أن نزحت إليها من مدينتها دير الزور.
عايشت الشابة السورية حكم «داعش» مدة 3 سنوات، لم تكن تجرؤ وقتها على الخروج من المنزل. وإن أرادت ذلك كانت تتغطى بالأسود، من رأسها حتى أخمص قدميها، من دون أن تنسى وضع نظارة شمسية على العيون، حالها حال بقية السيدات السوريات اللاتي خضعن لحكم «تنظيم الدولة». «خلال تلك الأيام السوداء»، كما تصفها بتول، كان العمل من الأمور المستحيلة بالطبع، إلا في حال انتسبت لأحد التنظيمات التابعة لهم مثل «الحسبة» و«كتيبة الخنساء»، حيث تتلخص المهام بـ«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، و«ضبط النساء اللاتي يخالفن التعليمات في الشارع، وفرض عقوبة عليهن، إن اقتضى الأمر».
الشابة التي تملك طاقة هائلة من النشاط والتمرد، والتي كانت تتمنى في طفولتها أن تصبح محامية، رفضت الانتساب إلى أي من تلك الأعمال، وفضّلت أن تبقى حبيسة منزلها. وتقول: «لم نكن نتخيل أن ينتهي ذلك الحكم يوماً ما، قلبوا حياتنا رأساً على عقب».
تحققت تلك الأمنية اليوم، انتهى حكم «داعش» في دير الزور، وانتهى الخناق الشديد الذي كان يفرضه. هنا تنفس وجه بتول الأسمر، لهواء دير الزور للمرة الأولى، دونما خمار أو سواتر، رأت عيناها العسليتان ألوان مدينتها بعيداً عن سواد نظارتها القسرية.
اليوم تستيقظ بتول في الساعة السابعة صباحاً، تعد طعام الفطور لطفليها وزوجها، ثم تذهب إلى ورشة النجارة بعدما تضع القليل من كحل العيون وأحمر الشفاه. ترتدي بنطالاً من القماش وقميصاً طويلاً، وحجاباً يغطي شعرها، كما كانت تفعل النسوة بطريقة عادية انسيابية في بلادها قبل الحرب وقبل «داعش»... ولا تنسَ تناسق الألوان في ثيابها، فـ«الأناقة تصالحني مع نفسي».
تصل بتول إلى ورشتها ترتدي مريلة العمل، وتبدأ بإنجاز المهام المطلوبة، ولا تنس إضفاء لمستها الأنثوية على التصاميم والطلبات، حيث أصبحت الآن ذات خبرة عالية بتصنيع غرف النوم والمكاتب والطاولات المزخرفة والكراسي والأبواب. تستلم البضاعة الجديدة، وتبدأ العمل عليها، ثم تسلّمها بيدها للزبائن. ولا يقتصر عملها داخل الورشة فقط، بل تذهب مع زملائها إلى السوق لشراء المستلزمات المطلوبة من طلاء، وأخشاب، وعزقات، وإكسسوارات، هناك تتعامل مع التجار، تختار، تفاصل على السعر، وتشتري. «مثلي مثل أي رجل، فما الذي ينقصني؟»، تقول بتول.
النجارة الأنيقة كسرت احتكار الرجال للمهنة، واقتحمت هذا المجال الصعب غير آبهة بحمل الأوزان الثقيلة والخدوش الناجمة عن الأدوات الحادة. فبعدما تهجّرت هي وأسرتها من مدينتهم، أصبح عمل زوجها على المحك، ولم يعد مرتّبه يكفي لإعالة الأسرة. «أحببت مهنة النجارة منذ كنت طفلة صغيرة، فأنا أعشق كل التفاصيل المتعلقة بالخشب، ملمسه ورائحته وتصميمه، أتيحت لي الفرصة للتدرّب على النجارة عبر منظمة (وفاق) للتدريب المهني التي تعرفت عليهم من خلال حملة (نحن أهلها) التي تعمل في محافظتي الرقة ودير الزور شمال شرقي سوريا، فقررت خوض التجربة»، تؤكد بتول. وتشير إلى أنها تعلّمت «مع فريق (وفاق) هي و10 متدربين آخرون أساسيات مهنة النجارة لمدة خمسة شهور. وعندما انتهت الدورة مُنحوا كامل المعدات والمستلزمات المطلوبة لفتح ورشة نجارة رسمية، ليعملوا بها».
كان بوسع بتول أن تقضي يومها بين أدوات التجميل والزينة، وتصبح مصففة شعر، ولكنها اختارت المنشار والمطرقة والمثقاب بدلاً عن ذلك. عانت في البداية من حمل ألواح الخشب وتقطيعها، وتركيب غرف النوم، لكن مع الأيام تأقلمت على العمل بمساعدة زملائها. وتفيد بتول: «حاولت العمل في مجالات نسائية مثل الخياطة والطبخ، لكن النساء اللاتي يعملن في تلك المهن كثيرات والفرصة للحصول على عمل قليلة جداً».
تحاول بتول قدر الإمكان التوفيق بين منزلها وعملها. أما أكثر ما يُحزنها فهو بقاؤها بعيدة عن طفليها في فترة الصباح، حيث تضطر لوضعهم عند جدتهم ريثما تعود هي وزوجها من العمل، كحال غالبية النساء في العالم.
وعن نظرة المجتمع لها، تشير بتول إلى أنه «في البداية تفاجأ الجميع بعملي كنجّارة، البعض انتقدني واستغرب والبعض وصفني بـ(أخت الرجال)، ولكن اليوم لم يعد هناك ما يثير الدهشة أكثر مما حصل في سوريا من تدمير وقتل وتهجير، فليقولوا ما أرادوا، ما يهمني هو رؤية ابتسامة أطفالي عندما أستطيع تأمين حاجاتهم، أنا مستمرة بعملي ولن يوقفني شيء، زوجي وأسرتي يدعمونني، ويقفون إلى جانبي».
درست بتول في كلية التربية الرياضية، ولكن ظروف الحرب والتهجير لم تسمح لها بإكمال دراستها، في المقابل أعطتها التدريبات التي اكتسبتها في الكلية لياقة بدنية عالية وقدرة على التحمل، وهو ما ساعدها على ممارسة مهنة النجارة فيما بعد. مع مرور الوقت وجدت الزوجة الشابة نفسها متعلقة بهذه المهنة، حتى أنها تطمح لافتتاح ورشتها الخاصة، تقول بفطرة الحالم: «أريد أن أصبح مديرة ورشة نجارة، وأن يكون لدي زبائني الخاصون».


مقالات ذات صلة

امرأة تلد في سن الـ61 وتصبح أكبر أم جديدة في مقدونيا الشمالية

يوميات الشرق امرأة مع طفلها المولود (رويترز - أرشيفية)

امرأة تلد في سن الـ61 وتصبح أكبر أم جديدة في مقدونيا الشمالية

أصبحت سيدة تبلغ 61 عاماً أكبر امرأة تلد طفلاً في مقدونيا الشمالية، وفق ما أعلنت السلطات الصحية في الدولة الواقعة في منطقة البلقان الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (سكوبيي (مقدونيا الشمالية))
شؤون إقليمية رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)

حليف إردوغان يؤكد دعوة أوجلان للبرلمان ويتخلى عن إطلاق سراحه

زاد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الجدل المثار حول دعوته زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان للحديث بالبرلمان وإعلان حل الحزب وانتهاء الإرهاب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
يوميات الشرق جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)

منتدى المرأة العالمي ينطلق اليوم في دبي ويناقش دورها في 3 محاور رئيسية

ينطلق منتدى المرأة العالمي دبي 2024 اليوم ويناقش محاور رئيسية ذات أبعاد استراتيجية تتعلق بدور المرأة العالمي ويبحث اقتصاد المستقبل والمسؤوليات المشتركة.

مساعد الزياني (دبي)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
يوميات الشرق في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

«نانسي» و«سهى» و«هناء»... 3 أسماء لـ3 نساءٍ كدن يخسرن حياتهنّ تحت ضرب أزواجهنّ، قبل أن يخترن النجاة بأنفسهنّ واللجوء إلى منظّمة «أبعاد».

كريستين حبيب (بيروت)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».