اعتاد الممثل الكوميدي الشهير جيم كاري قص نكتة حول أن إحدى السيدات اللائي يعملن لجمع تبرعات لصالح جمعيات خيرية ويقفن في الشوارع حاملين لافتات، أوقفته ذات يوم أثناء سيره وطلبت منه أن يمهلها دقيقة من وقته من أجل خدمة الأبحاث المعنية بمكافحة مرض السرطان. وأجابها كاري: «حسناً، لكن لا أعتقد أن هذا سيحدث إنجازاً يذكر».
خلال عطلة نهاية الأسبوع، وبالتعاون مع حملة «إيفري مايند ماترز» التابعة لمؤسسة «ببليك هيلث إنغلاند» وحملة «هيدز أب»، طلب اتحاد الكرة الإنجليزي من الجميع مشجعين ولاعبين وعاملين في الغرف الخلفية داخل استادات كرة القدم أن ينحوا كل شيء جانباً ويمنحوا دقيقة للتفكير في ومناقشة كيفية الاهتمام بصحتهم الذهنية. ومع أن مسألة تقييم حجم الفائدة المترتبة على هذه الحملة تبدو في حكم المستحيل، يبقى من المؤكد أنها مجهود قيم ومفيد وجدير بالدعم.
والمؤكد أن أصحاب الفكر التقليدي الذين لطالما تحسروا على ندرة مباريات الدور الثالث التي تنطلق في الثالثة عصر السبت خلال السنوات الأخيرة، شعروا بحيرة ودهشة كبيرة لدى اكتشافهم أن هذا العام يخلو من أي مباريات في هذا التوقيت. سعياً لتعزيز الوعي بالصحة الذهنية، انطلقت جميع مباريات بطولة كأس الاتحاد الإنجليزي متأخرة 60 ثانية عن موعدها التلفزيوني المعتاد، الأمر الذي أثار بعض الحيرة والارتباك. وبالفعل، دفع اتحاد كرة القدم الكثيرين للحديث عن إجراءاته الأخيرة. وباعتبار الاتحاد الكيان التنظيمي المسؤول عن كرة القدم، فإنه كثيراً ما يتعرض للانتقادات التي غالباً ما تحمل وراءها أسبابا منطقية. ومع هذا، يستحق الاتحاد في هذا الأمر تحديداً جزيل الثناء لوقوفه بحماس خلف فكرة قيمة للغاية.
هناك بطبيعة الحال من يرون أنه بالتأكيد من الممكن تكريس بعض الوقت لمثل هذه التأملات، فإن الثواني السابقة مباشرة لمباريات كرة القدم المهمة ليست الوقت الأمثل للتوقف والتأمل وإمعان النظر في المشاعر. ومع هذا، يمكن الرد على هؤلاء بالإشارة إلى أن فوائد هذا التوقف والتأمل بدت واضحة على الفور داخل الحدود الضيقة لاستاد سبوتلاند، عندما انضمت جماهير روتشديل إلى جماهير نيوكاسل يونايتد لفترة وجيزة في الشدو بأغنية لطيفة مبهجة.
ومع شعور المزيد من لاعبي كرة القدم بالقدرة على الاعتراف بعجزهم عن التكيف مع الظروف المحيطة، من الطبيعي أن من يدفعون أموالاً لمشاهدتهم ربما يتمكنوا من الاحتذاء بحذوهم.
الملاحظ أن الوصمة المرتبطة بمشكلات الصحة الذهنية انحسرت بصورة هائلة خلال السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فإن الزيادة الكبيرة التي تكشفها الإحصاءات في حالات الانتحار داخل المملكة المتحدة تعني أنه من المهم للغاية المضي قدماً في مناقشة هذا الأمر. جدير بالذكر أنه في عام 2018، أقدم 6507 أشخاص على قتل أنفسهم في بريطانيا، بزيادة قدرها 686 عن العام السابق. ويبدو مثيراً للقلق أن يكون لدينا كل هذا العدد من الأشخاص الذين لم يجدوا مخرجاً من حالة اليأس التي تملكتهم سوى قتل أنفسهم، والمؤكد أن الكثيرين منهم عملوا بجد لإخفاء عذابهم النفسي عن أحبتهم الذين ربما كان بإمكانهم معاونتهم لو أنهم علموا بحقيقة ما يدور.
ومثلما الحال بشتى مجالات الحياة، هناك عدد لا يستهان به من لاعبي كرة القدم عانوا من مشكلات تتعلق بالصحة الذهنية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك وأشدها إيلاماً غاري سبيد. تمتع سبيد الذي عمل مدرباً لنادي ويلز دوماً بحب من عرفوه عن قرب، كما حظي بإعجاب واسع النطاق من جانب من لم يحظوا بفرصة معرفته. وعندما ظهر ضيفاً في حلقة من برنامج «فوتبول فوكس» أحد أيام السبت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، نجح في أن يثير لدى الجميع انطباعاً بأنه لا يحمل هماً في هذه الحياة. وقبل أن يقود سيارته عائداً لمنزله، جلس يشاهد مباراة داخل المقر الرئيسي لمحطة «بي بي سي» برفقة صديقه المقرب آلان شيرر، وشرع الصديقان في وضع خطط لقضاء عطلة نهاية الأسبوع التالي. وفي الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، عثر على سبيد ميتاً، وأثارت أنباء وفاته المأساوية صدمة هائلة عبر مختلف أرجاء الصعيد الكروي العالمي، خاصة أن أحداً لم يلاحظ مطلقاً أدنى مؤشر على إمكانية إقدام سبيد على هذا الأمر.
من جهته، وفي خضم محاولات مريرة للوصول لتفسير للحادث خلال الأيام التالية، تحدث شيرر المكلوم بحزن وإسهاب حول سبيد، وبدا مصدوماً للغاية بإدراكه أنه رغم معرفته الوثيقة بسبيد وعلاقتهما القوية، اتضح له نهاية الأمر أنه لم يعرفه حقاً على الإطلاق.
وقال خلال مقابلة غلبت عليه خلالها العاطفة: «هذا أمر ليس من السهل حدوثه لواحد من أقرب أصدقائك»، قبل أن يتساءل بصوت عالٍ لماذا لم يتحدث إليه سبيد ويطلب العون منه. وتبقى مشاعر الحسرة المؤلمة تلك القاسم المشترك بين الكثيرين غيره ممن صدموا بخسارة مشابهة.
في ظل مجتمع يبدي فيه المزيد والمزيد من الأفراد ممن يعانون مشكلات مرتبطة بالصحة الذهنية استعدادهم للسعي وراء طلب المساعدة، فإن عدداً قياسياً من لاعبي كرة القدم يسعون اليوم لطلب الدعم، تبعاً لما كشفته رابطة اللاعبين المحترفين. منتصف العام الماضي، قال مدير شؤون رفاهية اللاعبين لدى الرابطة، مايكل بينيت، إن الرابطة في طريقها نحو تقديم العون خلال عام 2019 إلى «ضعف أو ثلاثة أضعاف» أعداد اللاعبين الذين سبق وأن ساعدتهم خلال الشهور الـ12 السابقة.
ومع شعور أعداد متزايدة من اللاعبين بارتياح كافٍ للاعتراف بأنهم عاجزون عن التأقلم مع الحياة من حولهم، يبدو من الطبيعي تماماً أن الأشخاص الذين يدفعون من مالهم الخاص كي يشاهدوهم داخل الملاعب سيحتذون بحذوهم. ومن المأمول أن تسهم مبادرة «تمهل دقيقة» في تعزيز هذا التحرك نحو الاتجاه الصحيح.
من ناحيته، كتب لاعب خط وسط آرسنال والمنتخب الإنجليزي السابق الذي تحول للعمل في التعليق الرياضي، بول ميرسون في إحدى الصحف بالتزامن مع انطلاق مبادرة تعزيز الوعي بالصحة الذهنية خلال عطلة نهاية الأسبوع: «في مثل هذا الوقت من العام الماضي، راودتني الرغبة في الانتحار. وأنا اليوم أعترف بذلك على أن يساعد قولي هذا شخصاً ما. ولو أن شخصاً واحداً فقط قرأ ما كتبته ووجد فيه عوناً له، إذن سأشعر أن هذا المقال كان مفيداً حقاً». ودعونا جميعاً نتذكر دوماً أنه لا بأس في أن تكون معتل الحال بعض الأحيان.
الصحة الذهنية تستحق إرجاء مباريات كأس إنجلترا 60 ثانية
اتحاد الكرة الإنجليزي طلب من المشجعين واللاعبين تنحية كل شيء جانباً ومنح أنفسهم دقيقة للتفكير في صحتهم
![لاعبو برايتون وشيفيلد ونزداي يحملون لافتة تشجع على التفكير في الصحة الذهنية (رويترز)](/s3/files/styles/1037xauto/public/2020/01/08/sport-090120-14.1.jpg.webp)
لاعبو برايتون وشيفيلد ونزداي يحملون لافتة تشجع على التفكير في الصحة الذهنية (رويترز)
الصحة الذهنية تستحق إرجاء مباريات كأس إنجلترا 60 ثانية
![لاعبو برايتون وشيفيلد ونزداي يحملون لافتة تشجع على التفكير في الصحة الذهنية (رويترز)](/s3/files/styles/1037xauto/public/2020/01/08/sport-090120-14.1.jpg.webp)
لاعبو برايتون وشيفيلد ونزداي يحملون لافتة تشجع على التفكير في الصحة الذهنية (رويترز)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة