كيف تؤثر دهون البطن على صحة الدماغ؟

زيادة دهون البطن في منتصف العمر تؤثر بشكل كبير على الوظيفة الإدراكية (أ.ب)
زيادة دهون البطن في منتصف العمر تؤثر بشكل كبير على الوظيفة الإدراكية (أ.ب)
TT
20

كيف تؤثر دهون البطن على صحة الدماغ؟

زيادة دهون البطن في منتصف العمر تؤثر بشكل كبير على الوظيفة الإدراكية (أ.ب)
زيادة دهون البطن في منتصف العمر تؤثر بشكل كبير على الوظيفة الإدراكية (أ.ب)

يدرك أغلبنا أن الوزن الزائد حول البطن في منتصف العمر يزيد من خطر الإصابة بقائمة طويلة من المشاكل الصحية في وقت لاحق من الحياة، بما في ذلك أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكتة الدماغية والسكري.

ومع ذلك فإن الارتباط بين دهون البطن وصحة الدماغ هو أمر أقل شهرة.

ووفق صحيفة «التلغراف» البريطانية، هناك أدلة متزايدة على أن زيادة دهون البطن في منتصف العمر تؤثر بشكل كبير على الوظيفة الإدراكية، واحتمال الإصابة بأمراض التنكس العصبي على المدى الطويل، بما في ذلك الخرف ومرض ألزهايمر ومرض باركنسون.

ووجدت إحدى الدراسات، التي نُشرت في المجلة الدولية لعلم الأوبئة، أن النساء، اللائي تتراوح أعمارهن بين 50 عاماً أو أكثر، مع حجم خصر يزيد عن 34 بوصة (86 سم)، لديهن خطر متزايد بنسبة 39 في المائة للإصابة بالخرف في غضون 15 عاماً، مقارنة بالنساء ذوات الخصر الطبيعي (بين 18.5و24.9 بوصة).

واقترحت دراسة أخرى، من الجامعة الكورية في سيول، أنه حتى بين الرجال الذين لديهم مؤشر كتلة جسم صحي، كانت معدلات الخرف أعلى لدى أولئك الذين لديهم حجم خصر 35.5 بوصة (89 سم) أو أكبر.

وأظهرت دراسةٌ أجرتها كلية الطب بجامعة هارفارد، والتي قامت بقياس حجم المخ لدى 10 آلاف بالغ سليم، بمتوسط ​​عمر 53 عاماً، أن أولئك الذين تتركز لديهم معظم الدهون في البطن، لديهم بالفعل أنسجة دماغية أقل من نظرائهم الأكثر نحافة، وخاصة في المناطق المعنية بالتفكير والذاكرة وأداء المهام اليومية. (كان هذا الارتباط واضحاً بشكل خاص لدى النساء).

فكيف يؤثر حجم البطن على وظيفة المخ؟

يقوم الدكتور سكوت كييزا، الأستاذ في مركز أبحاث ألزهايمر بالمملكة المتحدة، حالياً بالبحث في العلاقة بين الوزن وصحة الدماغ.

ويقول كييزا: «إن دهون الخصر هي عبارة عن دهون حشوية، وهي تلك الموجودة، على الأرجح، داخل جدران البطن والمحيطة للأعضاء. وبعض مستويات الدهون الحشوية صحي ويساعد في حماية الأعضاء، في حين أن كثيراً منها يمكن أن يكون خطراً على الصحة».

وأضاف: «إن الدهون الحشوية تضع جميع الأعضاء تحت الضغط، وتعطل عملية التمثيل الغذائي (عملية تحويل الطعام إلى طاقة)، وتزيد من خطر الإصابة بأمراض التمثيل الغذائي. وتشمل الأعراض ارتفاع الدهون الثلاثية (نوع من الدهون في الدم)، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع مستويات السكر في الدم. وكلها مشكلات قد تلحق ضرراً بالدماغ».

ولفت إلى أن الدهون الحشوية والسمنة تؤدي أيضاً إلى الالتهاب المزمن والمستدام. وقد ارتبط الالتهاب العصبي ارتباطاً وثيقاً بتراكم وتشابك البروتينات الضارة غير الطبيعية في الدماغ، والتي تتسبب في مجموعة من الأمراض، بما في ذلك مرض ألزهايمر ومرض باركنسون والخرف الجبهي الصدغي.

لماذا يزداد الأمر خطورة في منتصف العمر؟

إن الارتباط بين الوزن الزائد وضعف صحة الدماغ يكون أكثر وضوحاً في مرحلة منتصف العمر، وفقاً لما أكدته الدراسات العلمية.

ويقول كييزا: «من المرجح أن يرجع السبب في ذلك إلى كون السمنة تجعل الأشخاص أكثر عرضة للوفاة في وقت مبكر، ومن ثم فإنهم قد لا يعيشون لفترة كافية للإصابة بالخرف».

الارتباط بين الوزن الزائد وضعف صحة الدماغ يكون أكثر وضوحاً في مرحلة منتصف العمر (رويترز)
الارتباط بين الوزن الزائد وضعف صحة الدماغ يكون أكثر وضوحاً في مرحلة منتصف العمر (رويترز)

كيف يمكن تحسين صحة الدماغ في منتصف العمر؟

تقول أستاذة علم الدماغ، الدكتورة سابين دوناي: «لفترة طويلة، كنا نعتقد أن الخرف وصحة الدماغ وراثيان، ولم يكن بوسعنا فعل أي شيء حيال ذلك. لم نبدأ فهم هذه الآليات والتأثير الهائل للوزن إلا في السنوات الخمس الماضية. وهذه أمور يمكننا التحكم فيها».

ولفتت إلى أن التحكم في هذه المشكلة قد يحدث عن طريق ممارسة الرياضة، حيث أظهرت إحدى الدراسات التي أجراها مركز إيرفينج الطبي، التابع لجامعة كولومبيا في نيويورك، أن الأشخاص الذين يمارسون مستويات عالية من النشاط البدني في منتصف العمر - أكثر من 150 دقيقة في الأسبوع - يتمتعون بصحة دماغية أفضل، وانكماش أقل في المخ، في وقت لاحق من الحياة.

كما يمكن أن يساعد اتباع نظام غذائي صحي في إدارة الوزن وتعزيز صحة الدماغ.

وينصح الخبراء بالإكثار من استخدام زيت الزيتون والأفوكادو وزيت جوز الهند والخضراوات الورقية الخضراء والطماطم والمكسرات والأسماك، وتجنب السكر والكربوهيدرات المكررة.

كذلك ينبغي أن يحرص الأشخاص على الحصول على قدر كاف من النوم. فأثناء النوم، يكون الدماغ مشغولاً بمعالجة المعلومات وتخزين الذكريات وإزالة السموم الخطيرة وإصلاح الأنسجة وتنظيم الهرمونات. وقد ارتبطت قلة النوم بمقاومة الإنسولين، وكذلك تراكم النفايات المرتبطة بالأمراض العصبية التنكسية.


مقالات ذات صلة

دراسة تفسر عدم تذكر بعض الأشخاص لذكريات طفولتهم

صحتك دماغ (أرشيفية - رويترز)

دراسة تفسر عدم تذكر بعض الأشخاص لذكريات طفولتهم

طرحت دراسة، نُشرت الخميس، في مجلة «ساينس»، تفسيراً جديداً لعدم تذكر بعض الأشخاص لذكريات طفولتهم؛ حيث أرجعت هذا إلى صعوبة الوصول إليها في ذكريات المخ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك أبرزت دراسة جديدة أن المُحلّيات الصناعية وبدائل السكر التي يتم تسويقها غالباً كبدائل صحية للسكر لديها ارتباطات محتملة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية (أ.ب)

دراسة: المُحلّيات الصناعية وبدائل السكر مرتبطة بشكل مباشر بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية

تخضع المُحلَّيات الصناعية وبدائل السكر التي تسوَّق غالباً كبدائل صحية للسكر، للتدقيق من الخبراء بسبب ارتباطاتها المحتملة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
صحتك اختبار إجهاد القلب يتنبأ بأمراضه... وبحالات سرطانية مميتة

اختبار إجهاد القلب يتنبأ بأمراضه... وبحالات سرطانية مميتة

رغم بدء استخدامه في ستينات القرن الماضي، فإن المصادر الطبية لا تزال تؤكد أن اختبار إجهاد القلب هو أحد أكثر الاختبارات شيوعاً وأهمية في الطب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الصداقة الإنسانية الحقيقية تؤثر في الصحة النفسية بـ«قوة»

الصداقة الإنسانية الحقيقية تؤثر في الصحة النفسية بـ«قوة»

كشفت دراسة نفسية حديثة عن التأثير القوي للصداقة الحقيقية في الحفاظ على الصحة النفسية للمراهقين

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك التصوير الفلورسنتي... ثورة في جراحة الدماغ

التصوير الفلورسنتي... ثورة في جراحة الدماغ

يُعد استئصال أورام الدماغ أحد التحديات الكبرى في مجال الجراحة العصبية، حيث تؤمن الإزالة الدقيقة والكاملة للورم عاملاً حاسماً في نجاح العلاج

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)

دراسة تفسر عدم تذكر بعض الأشخاص لذكريات طفولتهم

دماغ (أرشيفية - رويترز)
دماغ (أرشيفية - رويترز)
TT
20

دراسة تفسر عدم تذكر بعض الأشخاص لذكريات طفولتهم

دماغ (أرشيفية - رويترز)
دماغ (أرشيفية - رويترز)

طرحت دراسة، نُشرت الخميس، في مجلة «ساينس»، تفسيراً جديداً لعدم تذكر بعض الأشخاص لذكريات طفولتهم؛ حيث أرجعت هذا إلى صعوبة الوصول إليها في ذكريات المخ.

ووفقاً لشبكة «سي إن إن» الأميركية، اعتمدت الدراسة على تجربة من أجل التوصل لهذا التفسير حيث فحصت 26 رضيعاً تتراوح أعمارهم بين 4.2 و24.9 شهراً، مُقسَمين إلى فئتين عمريتين: أقل من 12 شهراً، ومن 12 إلى 24 شهراً.

وخلال التجربة، وُضع الأطفال في جهاز تصوير بالرنين المغناطيسي، وعُرضت عليهم سلسلة من الصور لمدة ثانيتين لكل صورة؛ حيث سعى الباحثون إلى تسجيل نشاط الحُصين وهو جزء من الدماغ مرتبط بالعواطف والذاكرة والجهاز العصبي اللاإرادي.

وبعد فترة عُرضت على الأطفال صورتان جنباً إلى جنب: إحداهما لصور مألوفة شاهدوها من قبل والأخرى جديدة.

وتتبع الباحثون حركات عيون الأطفال، ولاحظوا أي صورة ركزوا عليها لفترة أطول.

وإذا أمضى الرضيع وقتاً أطول في النظر إلى الصورة المألوفة، فهذا يدل على تعرّفه عليها، مما يدل على استرجاعه للذاكرة أما إذا لم يُبدِ أي تفضيل، فمن المرجح أن ذاكرته كانت أقل تطوراً، وفقاً للدراسة.

معظم البالغين لا يمكنهم استرجاع الذكريات التي عاشوها قبل سن الثانية أو الثالثة (أ.ف.ب)
معظم البالغين لا يمكنهم استرجاع الذكريات التي عاشوها قبل سن الثانية أو الثالثة (أ.ف.ب)

وقال الدكتور نيك تورك براون، الباحث الرئيسي في الدراسة والأستاذ في قسم علم النفس بجامعة ييل الأميركية، عبر البريد الإلكتروني، إن «الحُصين منطقة عميقة في الدماغ لا يمكن رؤيتها بالطرق التقليدية، لذلك اضطررنا إلى تطوير نهج جديد لإجراء تجارب الذاكرة على الأطفال داخل جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي».

وأضاف: «أُجري هذا النوع من الأبحاث سابقاً في الغالب أثناء نوم الأطفال، نظراً لكثرة اهتزازهم، وعدم قدرتهم على اتباع التعليمات، وقصر فترة انتباههم».

وذكرت الدكتورة سيمونا غيتي، الأستاذة في قسم علم النفس بجامعة كاليفورنيا، التي تركز أبحاثها على تطور الذاكرة في مرحلة الطفولة، أنه في حين أثبتت العديد من الدراسات قدرة الأطفال على ترميز الذكريات، فإن هذا البحث الأخير فريد من نوعه لأنه يربط ترميز الذاكرة بتنشيط الحُصين.

وأضاف غيتي: «استخدمت حركات العين في مئات الدراسات حول ذاكرة الرضع وتصنيفهم»، وتابعت: «ينظر الرضع إلى ما يجدونه مثيراً للاهتمام، وقد استفاد الباحثون منذ فترة طويلة من هذا السلوك العفوي لاستخلاص معلومات حول وظائف الذاكرة».

تحليل نشاط الحُصين

وبمجرد جمع البيانات الأولية، حلل الفريق فحوصات الرنين المغناطيسي للأطفال الذين نظروا إلى الصورة المألوفة لفترة أطول، وقارنوها بمن لم يكن لديهم أي تفضيل.

واستبعدت التجارب التي لم يكن فيها الطفل مُركّزاً على الشاشة أو كان يتحرك أو يرمش بشكل مفرط.

وكشفت النتائج أن الحُصين كان أكثر نشاطاً لدى الرضع الأكبر سناً عند تشفير الذكريات، وبالإضافة إلى ذلك، أظهر الرضع الأكبر سناً فقط نشاطاً في القشرة الجبهية الحجاجية، التي تلعب دوراً رئيسياً في اتخاذ القرارات والتعرّف على الأشياء المتعلقة بالذاكرة.

وقالت الدكتورة ليلى دافاشي، الأستاذة في قسم علم النفس بجامعة كولومبيا: «من الأمور التي تعلمناها عن الذاكرة لدى البالغين أن المعلومات التي نميل إلى التقاطها وترميزها في الذاكرة هي أمور وثيقة الصلة بتجربتنا».

وأضافت: «الأمر المذهل في هذه الدراسة هو إظهارها بشكل مقنع عمليات ترميز الحُصين لدى الأطفال لمحفزات غير مهمة لهم إلى حد ما».

ورغم أنه لا يزال من غير الواضح سبب قوة ترميز الذاكرة لدى الأطفال الذين تزيد أعمارهم عن 12 شهراً، فإنه من المرجح أن يكون ذلك نتيجة لتغيرات كبيرة تحدث في الجسم.

وقال براون: «يخضع دماغ الرضيع للعديد من التغيرات الإدراكية واللغوية والحركية والبيولوجية وغيرها في هذه المرحلة، بما في ذلك النمو التشريحي السريع للحُصين».

دماغ (أرشيفية - رويترز)
دماغ (أرشيفية - رويترز)

ووفقاً للشبكة، يعمل براون وفريقه بنشاط لمعرفة سبب عدم قدرة الدماغ على استرجاع هذه الذكريات المبكرة في الحياة، لكنه يتكهن بأن معالجة الدماغ لدى الرضع قد تشير إلى أن الحُصين لا يستقبل «مصطلحات البحث» الدقيقة للعثور على الذاكرة كما خُزنت بناءً على تجارب الطفل في ذلك الوقت.

ماذا تعني هذه المرحلة للآباء؟

تشجع غيتي الآباء على التفكير في تأثير الطفولة المبكرة على أطفالهم، حتى لو لم يتمكنوا من استرجاع الذكريات التي عاشوها في هذه السن المبكرة.

وأوضحت غيتي أن الرضع يتعلمون قدراً هائلاً في هذا العمر، وهكذا يبدأون في استيعاب لغة كاملة من خلال ربط الأصوات بالمعاني. وأضافت أن الرضع يُكوّنون أيضاً توقعات حول أفراد أسرهم ويدرسون خصائص الأشياء والعالم من حولهم.

وغالباً ما يلاحظ الآباء هذا السلوك المكتسب عندما يغنون نفس الأغنية أو يقرأون نفس الكتاب، وهو ما أشارت دافاتشي إلى أنه يُنتج استجابة مألوفة لدى الأطفال الأكبر سناً، وقالت إن «استخدام التكرار مع الأطفال سيُعزز التواصل بين الوالد والطفل».

وقالت غيتي إن هذه التجارب قد تُعزز الشعور بالانتماء، وأضافت: «هذا يُذكر الآباء بأن الطفولة ليست وقتاً فراغاً، وأن الأطفال يتعلمون الكثير وقد يكون توفير فرص للاستكشاف البصري أمراً مهماً لتنمية مهارات التعلُّم».