آيرلندا... بلد البطاطا التي كانت سبب مجاعته

مطبخ تاريخه طويل ومضطرب مع الاستعمار الإنجليزي

آيرلندا... بلد البطاطا التي كانت سبب مجاعته
TT

آيرلندا... بلد البطاطا التي كانت سبب مجاعته

آيرلندا... بلد البطاطا التي كانت سبب مجاعته

المطبخ الآيرلندي واحد من أكثر المطابخ المغمورة والمجهولة في العالم، رغم أهميته التراثية والتقليدية في القارة الأوروبية.
يوصف هذا المطبخ عادة بأنه مطبخ جزيرة في شمال الأطلسي وقد تطور خلال قرون من التغيرات السياسية والاجتماعية ومن خلال الخلط بين عدة ثقافات وحضارات مختلفة وخصوصاً الإنجليزية والأسكوتلندية السلتية. وقد نشأ المطبخ أو تأسس بالأصل ومنذ قديم الزمان على ما ربى الفلاحون من الماشية وما تمكن الصيادون من جلبه من المحيط الأطلسي والأنهار.
ويبدو من المعلومات المتوفرة أن طبيعة المطبخ الآيرلندي تأثرت كثيراً بالعلاقة التاريخية مع إنجلترا وبريطانيا، حيث عمل الإنجليز بعد السيطرة العسكرية التامة على جزيرة آيرلندا في القرن السادس عشر إلى تغيير النظام الغذائي وتحويله إلى الزراعة المكثفة المعتمدة على الحبوب واللحوم لإعادة توجيه «هذه المنتجات إلى الخارج كمحاصيل نقدية تستخدم لإطعام القوات المسلحة ومدن الإمبراطورية البريطانية... وبالتالي أصبحت البطاطا بعد انتشار ظاهرة الاعتماد عليها على نطاق واسع في القرن الثامن عشر، مجرد الغذاء الوحيد الذي يعتمد عليه الفقراء من الناس الذين كانوا يشكلون غالبية السكان».
تعود معظم المعلومات المتوفرة عن تاريخ المطبخ الآيرلندي إلى الوثائق الأدبية والشعرية منذ قديم الزمان والتي تشير إلى الولائم وطبيعتها، وخصوصاً إشعار القرنين السابع والثامن الني تؤكد على أن الكرم كان إجبارياً وأن وصول المسيحية في بداية القرن الخامس للميلاد جلب معه الكثير من التأثيرات من الشرق الأوسط والثقافة الرومانية ولم يعد يعتمد على الخبز والحليب فقط كما كان الحال منذ آلاف السنين.
ولم يستعد المطبخ الآيرلندي أنفاسه إلا بعد أربعة قرون، أي في بداية القرن العشرين حيث بدا يشهد تطورات هامة واستخدام الكثير من المواد وأصبح مطبخاً يعتمد على اللحوم والألبان والأجبان بشكل أساسي. وقد أصبحت مكوناته ومنذ الاستقلال بداية القرن الماضي تضم: من الفاكهة: التوت على أنواعه والفريز والخوخ والعليق والإجاص والتفاح والتوت ومن الخضراوات: البطاطا أولاً ثم اللفت المجعد (الكيل) والجزر والبصل والملفوف والراوند والبازلاء والبقدونس.
ومن اللحوم لحم البقر ولحم الغنم والدجاج ولحم الديك الرومي والإوز.
ومن الحبوب: الشعير والشوفان والقمح ومن المأكولات البحرية: الأعشاب البحرية وخصوصاً الدلسي وسرطان البحر وجراد البحر وسمك الحدوق وسمك القد والهاك والأسقمري والمحار وبلح البحر والسلطعون ومن أسماك المياه العذبة: السلمون والسلمون المرقط المعروف بالتروات. وبشكل عام معظم أنواع السمك المدخن.
اللحوم والملفوف والأعشاب والجزر والثوم والبصل والفطر والكرنب واللفت وغيرها من المواد، وخصوصاً الأجبان والعسل والأهم من كل هذا البطاطا.
وقد أصبح ينقسم المطبخ الآيرلندي الحالي إلى قسمين القسم التقليدي البسيط والقسم الحديث الذي يجده الزبائن في المطاعم والفنادق الفاخرة. كما أن آيرلندا كغيرها من بلدان العالم تأثرت بالاجتياح المطبخي الأميركي واحتضنت الكثير من الأطعمة السريعة كالبيتزا والهامبرغر وغيرها من الأطباق الأوروبية المعروفة وما جلبه معهم المهاجرون إلى البلاد في السنوات القليلة الماضية وخصوصاً البولنديون.
- البطاطا والمجاعة
هناك الكثير من أنواع الخبز وما لا يقل عن أربعة من أطباق البطاطا الرئيسية في آيرلندا فهي كما هو معروف «بلد البطاطا» والبلد التي عانت من المجاعة بسبب فساد موسم البطاطا عام 1845 التي قتلت مليون شخص تقريباً ودفعت مليون آخر إلى الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية وبسبب السياسات الإنجليزية الخاصة بتوزيع الأراضي. المجاعة دفعت الفلاحين إلى الاعتماد على البيض والطيور وبعض النبات البرية والأعشاب والكثير منهم لجأوا إلى إنزاف ماشيتهم وفلي دمها بدلاً من أكل لحمها، وكانوا يمزجون الدم بالأعشاب والثوم والشوفان والزبدة. ومن هنا تواصل الاهتمام بما يعرف بـ«البودينغ الأسود». كما كان من بين المهاجرين إلى العالم الجديد نسبة كبيرة من النساء الذين عملوا هناك، مما ثقفهم في عادات الطعام الأميركية وأثر على مطبخهم في القرن الماضي وطوره وأدخل عليه المزيد من اللحوم والفاكهة.
- المأكولات البحرية
رغم اهتمام الآيرلنديين بالكثير من أنواع السمك النهري والبحري والمحار قديماً، فإن معدل تناولهم للمأكولات البحرية يبقى أقل بكثير من المعدل الأوروبي العام كما تشير الموسوعة الحرة، ويعود ذلك إلى أسباب سياسية، إذ انخفض بشكل ملحوظ في القرون القليلة الماضية بعد أن كانت حركة الملاحة والسفن الآيرلندية مقيدة بشدة من قبل التاج البريطاني منذ أواخر القرن السادس عشر، ولهذا انتهى الاقتصاد في البلاد أكثر اعتماداً على الماشية وظلت العلاقة مع الأسماك مرتبطة بالصيام.
الحبوب
قبل الاحتلال الإنجليزي ووصول البطاطا إلى البلاد في القرن السادس عشر، كان سكان البلاد يعتمدون بشكل رئيسي على الحبوب وخصوصاً القمح والشعير والشوفان.
وكانوا يحضرون منها ما يعر ف بالـ«بوريج» (عصيدة) والخبز اللذان شكلا عماد النظام الغذائي في البلاد. ويؤكد المؤرخون بأن الشوفان هو الأكثر رغبة من قبل الآيرلنديين من غيره من أنواع الحبوب والأكثر استخداماً، إذ كان الخبز المحضر من القمح حكراً على الطبقات الارستقراطية والغنية المرفهة.
- الأطباق المرغوبة
يقول البناء دين ماكفيي أن أكثر الأطباق التقليدية المرغوبة والمحبوبة في أوساط الطبقة العاملة هي أطباق «الملفوف المسلوق مع اللحم» الذي يضم أيضاً البطاطا المسلوقة وصلصة الزبدة البيضاء و«البلاك بودينغ» (البودينغ الأسود) وهو نوع من أنواع سجق الدم المسطحة التي تصنع من دهن الحيوان والدم ودقيق الشوفان. كما يرغب الناس جداً طبق يخنة «الكودل»، وهو واحد من أهم أطباق العاصمة دبلن والتي تحضر مما تبقى من المواد في المطبخ وعادة ما تشمل البطاطا والجزر وقطع النقانق والبيكون والبصل والملح والبهارات والبقدونس وأحياناً الشعير. أضف إلى ذلك طبق الـ«كولكانون» (الملفوف ذي الرأس الأبيض) الذي يحتوي على البطاطا المهروسة مع لفت الكيل والكرنب.
كما يرغب الآيرلنديون جداً ما يعرف بـ«الفطور الآيرلندي» المشابه لـ«الفطور الإنجليزي» الذي يضم البيض المقلي والفاصوليا المطبوخة بصلصة البندورة والبودينغ الأسود والنقانق والفطر المقلي وقطع البندورة والبطاطا المقلية.
ومع هذا هناك أطباق كثيرة هامة مثل «اليخنة الآيرلندية»، التي لا تختلف يخنة «الكودل» إلا بإضافة لحم الضأن وطبق «تشامب» المماثل لطبق «الكولكانون»، ويحضر من البطاطا المهروسة مع البصل الأخضر المفروم والزبدة والحليب والملح والفلفل الأسود المطحون.


مقالات ذات صلة

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق التفوُّق هو الأثر أيضاً (أ.ف.ب)

الشيف دانييل هوم... أرقى الأطباق قد تكون حليفة في حماية كوكبنا

دانييل هوم أكثر من مجرّد كونه واحداً من أكثر الطهاة الموهوبين في العالم، فهو أيضاً من المدافعين المتحمّسين عن التغذية المستدامة، وراهن بمسيرته على معتقداته.

«الشرق الأوسط» (باريس)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».