الكولاجين... استخدامات صحية وعلاجية

مركبات البروتين الأعلى وجوداً في الجسم والأقوى من الفولاذ

أغذية غنية بالكولاجين
أغذية غنية بالكولاجين
TT

الكولاجين... استخدامات صحية وعلاجية

أغذية غنية بالكولاجين
أغذية غنية بالكولاجين

الكولاجين هو البروتين الأكثر وفرة في جسم الإنسان، فهو موجود كمكوّن رئيسي في أنسجة العظام والعضلات والجلد والأوتار. الكولاجين هو المادة الأقوى من الفولاذ التي تضم مكونات الجسم كله بعضها مع بعض، لتعطي للجسم شكله المتماسك، عبر تشكيلها سقالة الهيكل البنائي للجسم (Body’s Scaffolding) كي يتمتع بالقوة وشكل البنية.
والكولاجين (Collagen) هو المادة التي تُؤدي مهام وظيفية متعددة، تدعم بها بنية الجسم من الانهيار والترهل والنزيف والضعف.
وفي الجسم، ثمة كولاجين يتم تصنيعه داخلياً (Endogenous Collagen)، كما أن هناك كولاجين خارجياً (Exogenous Collagen) يتناوله المرء من المصادر الغذائية الخارجية لهذه المركبات الحيوية في أنواع مختلفة من الأطعمة.
وإضافة إلى تلك الأدوار الوظيفية الطبيعية، يستخدم الكولاجين الخارجي بشكل واسع وبأمل واعد لعدد من الدواعي الطبية العلاجية والتجميلية لإصلاح وترميم بنية ومتانة أنسجة متعددة في الجسم، وهي الأنسجة التي إما أصابتها الأمراض المزمنة بتلف بنيتها، أو أثرت فيها عوامل التقدم في العمر أو العوامل البيئية وأدت إلى ضعفها وترهل بنيتها.

حقائق علمية
ومن جملة الحقائق العلمية حول الكولاجين أنه عبارة عن ألياف بروتينية غير قابلة للذوبان في الماء، وأنه يمثل الكتلة الكبرى للبروتينات في الجسم، وتحديداً أكثر من ثلث كمية البروتين في الجسم هي على هيئة كولاجين. وألياف الكولاجين البروتينية تتميز بأنها صلبة وذات بنية هيكلية قوية ولها خصائص المرونة العالية، لأن الجزيئات البروتينية الكبيرة في ألياف الكولاجين تترتب ضمن تراكيب معقدة. وبمقارنة بعض أنواع ألياف الكولاجين، غراماً مقابل غرام، فإن الكولاجين أقوى من الفولاذ.
وهنالك ما لا يقل عن 16 نوعاً مختلفاً من ألياف الكولاجين. وفي معظم أنواع الكولاجين، يتم تجميع الجزيئات معاً لتشكيل مركبات ليفية طويلة ورقيقة. وينتمي 90 في المائة من أنواع الكولاجين بجسم الإنسان إلى أنواع 1 و2 و3 (Types 1. 2. 3). وألياف النوع الأول من الكولاجين ذات قدرة عالية على التمدد.
وبأماكن انتشار الألياف الكولاجينية ضمن ما يُعرف علمياً بـ«مصفوفة خارج الخلايا» (Extracellular Matrix)، وبطريقة توزيعها وبهيئة تشكيلها، تتحدد الخصائص الفيزيائية لأنسجة الجسم. ويوجد الكولاجين في أنسجة جميع مناطق الجسم، خصوصاً في الجلد والعظام والأنسجة الضامة. ووجود الكولاجين في أنسجة الجسم، هو بمثابة هياكل تدعم حفظ توزيع الخلايا، وتعمل على ترابط الخلايا بعضها مع بعض لتكوين النسيج الحي. وعلى سبيل المثال فإن الكولاجين في الجلد هو ما يعطي القوة لطبقة الجلد كغطاء واقٍ للجسم، ويعطي المرونة والنضارة للجلد. وأيضاً يعمل الكولاجين بمثابة أغطية واقية للأعضاء الحساسة في الجسم، مثل الكلى.
ويتم إنتاج وإفراز الكولاجين من خلايا مختلفة بالجسم، ولكن بشكل أساسي عن طريق الخلايا الليفية في النسيج الضام (Connective Tissue Cells) في طبقة الأدمة من الجلد، وهي الطبقة المتوسطة من بين طبقات الجلد الثلاث، وفي العظام والغضاريف والشحوم. وتنتشر الخلايا الليفية في جميع أنحاء الأنسجة الضامة بالجسم. وعند إصابة أحد الأنسجة بالجرح، تهاجر الخلايا الليفية القريبة إلى الجرح لعزل وإصلاح الأنسجة من خلال تصنيع كميات كبيرة من الكولاجين في موقع الجرح، وكذا الحال تنشط تلك الخلايا في إنتاج الكولاجين عند تلف النسيج الضام بفعل أي عوامل بيئية أو داخلية.
والنسيج الضام (Connective Tissue) هو أحد أكبر 4 أنسجة حية في الجسم، أي بالإضافة إلى النسيج الضام أولاً، هناك ثانياً، النسيج الطلائي (Epithelial Tissue) الذي يغلف الجلد ويبطن الفم والمعدة والأمعاء والأوعية الدموية وغيرها من الأنابيب في الجسم. وثالثاً، النسيج العضلي (Muscle Tissue) في العضلات والمعدة والقلب والأمعاء والرحم وغيرهم. ورابعاً: النسيج العصبي (Nervous Tissue) في الجهاز العصبي المركزي في الدماغ والنخاع الشوكي، وفي الأعصاب الطرفية وفروعها المنتشرة على نطاق واسع بالجسم.

انحسار الكولاجين
وينخفض إنتاج الكولاجين بشكل طبيعي مع تقدم العمر والتعرض لعوامل بيئية ضارة مثل التدخين وضوء الأشعة فوق البنفسجية للشمس. وبالتالي تضعف شبكة الكولاجين في الأنسجة المختلفة، ما يؤدي إلى مشاكل في تجاعيد الجلد وغضاريف المفاصل وبنية العظام. وتواجه النساء انخفاضاً كبيراً في إنتاج الكولاجين بعد انقطاع الطمث وبلوغ سن اليأس من الحيض، كما بحلول عمر 60 عاماً للذكور، يكون الانخفاض الكبير في إنتاج الكولاجين أمراً طبيعياً.
ويعد الكولاجين من المركبات الكيميائية في الجسم التي يمكن تقسيمها وتحويلها واستيعابها مرة أخرى في الجسم (Resorbable). ويمكن أيضاً أن تتشكل في هيئة كتلة صلبة مضغوطة أو على هيئة شبكة من المواد الهلامية. وفي الجسم تقوم مركبات الكولاجين بعدد واسع ومتنوع من الوظائف، وكونها مركبات طبيعية توجد في منتجات غذائية طبيعية في الأبقار والضأن، يُعطي لها مجالات واسعة في الاستخدامات الطبية المحتملة، في الجوانب العلاجية والتجميلية، وفق ما تثبت الدراسات الطبية جدواها فيه.
وتقول ويتني بو، أخصائية الأمراض الجلدية في نيويورك، ومؤلفة كتاب «جمال البشرة القذرة»: «الكولاجين هو الغراء الذي يربط الجسم بعضه ببعض». وتضيف أن الكولاجين يشكل نحو 75 في المائة من صافي الوزن للجلد الجاف، ما يعطي للجلد قوام امتلاء الحجم ويمنع ظهور خطوط التجاعيد فيه. كما أنه غني بالأحماض الأمينية؛ برولين (Proline) وجلايسين (Glycine)، وهما مكونان أساسيان يحتاجهما الجسم في صيانة وإصلاح وترميم بنية الأوتار والعظام والمفاصل. ولكن مع تقدمنا في السن تنخفض قدرة الجسم على إنتاج الكولاجين، وفي الوقت نفسه ترتفع معدلات تفتيته وهدمه بما يفوق قدرة الجسم على تعويض ذلك في الأنسجة، خصوصاً الجلد».

حقن ومستحضرات
وتلاحظ انخفاض اللجوء إلى حقن الكولاجين في ممارسات العيادات الطبية، لأنه لا يدوم لفترة طويلة وقد يتسبب في تفاعلات الحساسية. كما تلاحظ أن وضع مستحضرات الكولاجين على الجلد لا يفيد، لأن مركبات الكولاجين كبيرة في الحجم ويتعذر امتصاصها عبر الجلد. أما عن تناول الكولاجين لجعل بشرة الجلد تبدو أكثر شباباً، فتقول الدكتورة بو: «فقط في السنوات القليلة الماضية، كانت هناك بعض الدراسات المثيرة للإعجاب التي تبين أن تناول الكولاجين يمكن أن يؤثر في مظهر البشرة». ووجدت دراسة أجريت على 69 امرأة تتراوح أعمارهن بين 35 و55 عاماً أن أولئك الذين تناولوا 2.5 أو 5 غرامات من الكولاجين يومياً لمدة 8 أسابيع أظهروا تحسناً كبيراً في مرونة الجلد، مقارنة بأولئك الذين لم يتناولوه. ووجدت دراسة أخرى أن النساء اللائي تناولن غراماً واحداً يومياً من مكملات الكولاجين المشتقة من الدجاج لمدة 12 أسبوعاً كان لديهم جفاف أقل بنسبة 76 في المائة، وانخفاض بنسبة 12 في المائة من التجاعيد الجلدية المرئية، وتدفق دم أفضل في الجلد، ومحتوى كولاجين أعلى بنسبة 6 في المائة في طبقة الجلد.
كما كشفت دراسة أخرى أجريت على 53 رجلاً مسناً مصاباً بحالة ساركوبينيا ضمور اللحم وفقدان العضلات بسبب الشيخوخة (Sarcopenia)، أن الذين تناولوا 15 غراماً من الكولاجين يومياً، بالإضافة إلى ممارسة تمارين رفع الأوزان 3 مرات في الأسبوع لمدة 3 أشهر، اكتسبوا مزيداً من العضلات وفقدوا مزيداً من الدهون، مقارنة بأولئك الذين مارسوا فقط تمارين رفع الأوزان.
ووجدت دراسة أيضاً شملت 98 من كبار السن الذين يعانون من القرحة الجلدية الناتجة عن الضغط (Pressure Ulcers)، أن أولئك الذين تناولوا مكملات الكولاجين 3 مرات يومياً لمدة 8 أسابيع رأوا أن جروحهم تلتئم مرتين بسرعة.

حشوات الجلد
ويمكن لحشوات الجلد (Skin fillers) بحقن الكولاجين إعطاء تحسين «مؤقت» لملامح الجلد التي تتغير بسبب إما التقدم في العمر أو التأثيرات السلبية للعوامل البيئية أو الإصابات الجلدية السابقة. والحشوات التي تحتوي على الكولاجين يمكن استخدامها بشكل تجميلي لإزالة الخطوط والتجاعيد من الوجه، كما يمكن أن يُحسن حقن الحشوات تلك مظهر الندبات الجلدية، وفي ملء المناطق التي زالت نضارة الامتلاء عنها.
ويتم الحصول على هذه الحشوات من البشر والأبقار، ولذا يجب إجراء اختبارات الجلد قبل استخدام الكولاجين من الأبقار لتجنب تفاقم أي حساسية لدى الشخص. وبالعموم، الكولاجين يمكن أن يملأ المناطق الجلدية السطحية نسبياً، بينما غالباً ما تُملأ الفجوات الأوسع والأعمق في الجلد بمواد مثل الشحوم أو السيليكون أو بالزراعة.
كما يمكن أن يساعد الكولاجين في التئام الجروح عن طريق جذب خلايا الجلد الجديدة إلى موقع الجرح، ما يعزز الشفاء ويوفر منصة حية لنمو الأنسجة الجديد. وضمادات الكولاجين (Collagen Dressings) يمكن أن تساعد في التئام الجروح المزمنة التي لا تستجيب للعلاج الآخر، والجروح التي ترشح وتنضح بسوائل الجسم مثل البول أو العرق، وفي حالات «تحبيب الجروح» (Granulating Wounds) التي تنمو فيها أنسجة مختلفة، وفي حالات الجروح النخرية المتعفنة (Necrotic Wounds)، والجروح الجزئية وكاملة السماكة للجلد، والحروق من الدرجة الثانية، ومواقع التبرع بالجلد (Skin Donation) وترقيع الجلد (Skin Grafts) في حالات الحروق والتشوهات الجلدية الأخرى. ولا ينصح باستخدام ضمادات الكولاجين للحروق من الدرجة الثالثة، أو الجروح المغطاة بقشرة الجلد الميت (Dry Eschar)، أو للمرضى الذين قد يكونون حساسين للمنتجات التي يتم الحصول عليها من الأبقار.

- عوامل تنشط إنتاج الكولاجين وأخرى تثبطه
> إن اتباع نظام غذائي صحي يمكن أن يساعد الجسم في إنتاج الكولاجين. * تشمل العناصر الغذائية التي قد تدعم تكوين الكولاجين:
- البرولين (Proline): المتوفر في بياض البيض واللحوم والجبن وفول الصويا والملفوف.
- مركبات أنثوسيانيد (Anthocyanidins): المتوفرة في التوت والكرز والعنب.
- فيتامين سي: المتوفر في البرتقال والفراولة والفلفل والبقدونس والقرنبيط.
- النحاس: المتوفر في المحار والمكسرات واللحوم الحمراء والبيض.
- فيتامين إيه (Vitamin A): المتوفر في الأغذية المشتقة من الحيوانات وفي الأغذية النباتية كالجزر والمكسرات.

> وبعض العوامل الضارة يمكن أن تستنفد مستويات الكولاجين داخل الجسم، وبالتالي فإن تجنبها يمكن أن يحافظ على صحة الجلد لفترة أطول. ومن أهمها:
- الإكثار من استهلاك السكر: يزيد النظام الغذائي الذي يحتوي على نسبة عالية من السكر من معدل السكر في الدم، وزيادة نشاط عملية التصاق السكريات في الدم بالبروتينات، لتشكيل جزيئات جديدة تسمى المنتجات النهائية المتقدمة للسكري (Advanced Glycation End Products). وهذه المركبات الضارة تتلف البروتينات القريبة التي من أهمها الكولاجين، ما يجعل الكولاجين جافاً وهشاً وضعيفاً.
- التدخين: كثير من المواد الكيميائية الموجودة في دخان التبغ تدمر الكولاجين والإيلاستين (Elastin) في الجلد، وهما المكونان الرئيسيان لنضارة الجلد بطبقة الأدمة. ويضيق النيكوتين الأوعية الدموية في الطبقات الخارجية من الجلد، وهذا يضر بصحة الجلد عن طريق تقليل توصيل العناصر الغذائية والأكسجين إلى الجلد.
- ضوء الشمس: تتسبب الأشعة فوق البنفسجية في ضوء الشمس بتحلل الكولاجين بسرعة أكبر، ما يؤدي إلى إتلاف ألياف الكولاجين وزيادة تراكم الإيلاستين غير الطبيعي. كما أن الأشعة فوق البنفسجية في ضوء الشمس تلحق الضرر بالكولاجين في الأدمة، وتتسبب في إعادة بناء الجلد بشكل غير صحيح، وبالتالي زيادة شكل التجاعيد.
- اضطرابات المناعة الذاتية: تتسبب بعض اضطرابات المناعة الذاتية في استهداف الأجسام المضادة للكولاجين.
- تتسبب عملية الشيخوخة في نضوب مستويات الكولاجين بشكل طبيعي مع مرور الوقت، ولا توجد وسيلة لمنع هذا. ولكن يمكن أن يساعد تجنب التبغ والإفراط في التعرض لأشعة الشمس واتباع نظام غذائي صحي وممارسة التمارين الرياضية في تقليل تأثيرات الشيخوخة المرئية وحماية الكولاجين، والحفاظ على صحة الجلد والعظام والعضلات والمفاصل لفترة أطول.

- استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك 7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

خل البلسميك خل عطري مُعتّق ومركّز، داكن اللون وذو نكهة قوية، مصنوع من عصير كامل عناقيد العنب الأبيض الطازج المطحون، أي مع جميع القشور والبذور والسيقان.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة في سن مبكرة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك التمر كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة

آفاق جديدة للابتكار في أبحاث الطب النبوي

تنطلق في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، صباح يوم غدٍ السبت الحادي عشر من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي 2025 فعاليات «المؤتمر العالمي السادس للطب النبوي»

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (بريدة - منطقة القصيم)

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».