«الشرق الأوسط» في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (7): سنة أخرى عادية بالنسبة للسينما العربية

تحتاج إلى سوق وتجاوز ظروف

تحت الخطر في «جدار الصوت»
تحت الخطر في «جدار الصوت»
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (7): سنة أخرى عادية بالنسبة للسينما العربية

تحت الخطر في «جدار الصوت»
تحت الخطر في «جدار الصوت»

يختتم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي دورته الحادية والأربعين يوم غدٍ (الجمعة) بعدما جال مجدداً في عالم من الأفلام العربية والأجنبية وقدّم باقة كبيرة منها في شتّى أقسامه مع التركيز على الأفلام التي لم تعرض من قبل عالمياً أو على نطاق دول الشرق الأوسط والمغرب العربي، والسعي لزيادة رقعة الأفلام العربية بغياب الاهتمام الكامل بها الذي كان يوفره وجود مهرجانات توقفت، كما مرّ معنا سابقاً.
قسم المسابقة احتوى على 12 فيلماً، من بينها ثلاثة أفلام عربية هي «بين الجنة والأرض» لنجوى النجار (فلسطين)، و«جدار الصوت» لأحمد غصين (لبنان)، و«إحكيلي» لماريان خوري (مصر). وهي تتباين في أكثر من شأن كذلك الأفلام التي عرضها قسم «آفاق السينما العربية»، وهو قسم له مسابقته الخاصة التي تحتوي على 12 فيلماً أيضاً، وهي «سيدة البحر» لشهد أمين (السعودية)، و«بيك نعيش» لمهدي برصاوي (تونس)، و«بيرت المحطة الأخيرة» لإيلي كمال (لبنان، الإمارات العربية المتحدة)، «نوم الديك في الحبل» لسيف عبد الله (مصر)، و«ع البار» لسامي تليلي (تونس)، و«بغداد في خيالي» لسمير جمال الدين (العراق)، «نجمة الصبح» لجود سعيد (سوريا)، «أوفسايد الخرطوم» لمروة زين (السودان)، «من أجل القضية» لحسن بنجلون (المغرب)، «شارع حيفا» لمهند حيال (العراق)، «باركور» لفاطمة الزهراء زموم (الجزائر) و«نساء الجناح ج» لمحمد نظيف (المغرب).
- جدار الصوت
هناك أفلام عربية أخرى في أقسام موازية، لكن ما عرض منها في المسابقة الرئيسية أو في مسابقة «آفاق» هو الأقرب لانتخاب الأكثر جدارة وإن لم تكن الأفلام كلها على مستوى جيد. خذ مثلاً الفارق الشاسع بين «سيدة البحر» و«بيك نعيش» وبين «نوم الديك في الحبل» و«باركور». أو داخل المسابقة الرئيسية بين طموح أحمد غصين في «جدار الصوت» (الذي فاز بإحدى جوائز مهرجان فينيسيا المهمة) وبين الفيلم الجديد لماريان خوري «إحكيلي».
يتناول «جدار الصوت» وضع الجنوب اللبناني خلال الحرب التي نشبت سنة 2006 بين «حزب الله» وإسرائيل. لكنه يبتعد تماماً عن تعميم الوضع أو الغوص في تفاصيله السياسية. لا وجود لمقاتلي «حزب الله» في الفيلم ولقطة مختصرة للجنود الإسرائيليين عندما يهبطون من الطابق الفوقي مغادرين ذلك البيت الصغير الذي آوى إليه خمسة أفراد (4 رجال وسيدة) يهمسون كلماتهم حتى لا يسمعهم العدو الذي احتل الطابق الأعلى.
بعض التفاصيل قد لا تجد لها مكاناً في المنطق العام، لكنها الحرب (التي نسمعها ونسمع عنها، لكننا لا نراها) وهي كفيلة بتجاوز أي سؤال حائر. من بين تلك الأسئلة موقع الفيلم من الحرب ذاتها. لكن أحمد غصين لا يلهو أو يتلهى بتقديم وجهة نظر ولا يؤيد طرفاً لأنه يسعى لما هو أهم: عرض إنساني لشخصيات تعيش كابوساً.
جيد التنفيذ من بدايته وحتى آخر لقطة فيه. مشحون وتمثيله من الجميع جيد كذلك. شغل المخرج ضمن الميزانية المحدودة يتميز بالمهارة ومعرفة ما يريد التعبير عنه باقتصاد لافت.
- إحكيلي
«بيك نعيش» لمهدي برصاوي، وقد سبق له أن تناولناه في رسالة سابقة، هو أيضاً جيد على أكثر من نحو، وهذا للأسف ما لا يستطيع المرء قوله حول فيلم ماريان خوري «إحكيلي»، الفيلم التسجيلي الذي قامت بتحقيقه حول نفسها وحول أمها والعائلة التي تضم، فيمن تضم، شقيقها غابي خوري والمخرج الراحل يوسف شاهين في مشاهد تم تصويرها قبل أشهر عدة من وفاته.
تقترح المخرجة أن المادة التي ستعرضها (البحث عن تاريخ والدتها) ستثير الاهتمام حتماً. ربما لأن العائلة تحتل مكانة ثقافية وفنية مرموقة بسبب تاريخ المخرج يوسف شاهين وتاريخ المؤسسة التي أسسها مع غابي وماريان والتي ما زالت تنتج وتوزع وتشرف على صالاتها.
لكن لا شيء كثيراً يوازي هذا الاهتمام ما يجعله جانبياً وفي إطار المخرجة وحدها. اختيارها هو شخصي بالطبع ويبقى شخصياً أكثر من اللزوم طوال مدة عرض طويلة (نحو ساعتين) تنتقل خلالهما من مشاهد بيتية (موائد طعام، لقاءات) إلى مقابلات ومنهما إلى ابنة ماريان الشابة وهي تجلس على سريرها بعيداً عن الكاميرا التي تنظر إليها من خلال جانبين أسودين من اللقطة مع فسحة في النصف بالكاد تكفي لصورة الابنة وهي تسأل الأم (ماريان) التي تتحدث من وراء الكاميرا طوال الوقت.
ليس هناك فن فعلي لهذه السلسلة من المشاهد بالشكل المتكرر هذا، لكن لا فن فعلياً في أي من مشاهد الفيلم الأخرى أيضاً. تصوير العائلة والبحث عن إجابات تتعلق بوالدة ماريان مثير لفترة، لكنه يتحوّل إلى منوال مثير للضجر ويتحوّل أكثر في أكثر من مناسبة إلى حديث صالونات فرنسي - عربي وأحياناً بالإنجليزية.
- نجمة الصبح
فيلم جود سعيد الجديد «نجمة الصبح» (المقدّم في ينتهي إلى مأزق مشابه). المخرج السوري يكاد لا يتوقف عن العمل في ظل ظروف صعبة، وهذا جيد، لكنه لم يعد يورد جديداً وهذا سيئ. ما لديه هنا هو ما سبق وأن عرضه في أفلام سابقة له ضمن حكاية مختلفة وإن لم تكن جديدة بدورها.
يريد جود سعيد تناول حياة شرائح ونماذج تعيش كابوس الحرب القائمة. يحاول أن يبقى على الحياد على صعوبة تحقيق ذلك (الفيلم في نهاية الأمر من إنتاج المؤسسة العامة للسينما). يعرض لشخصيات كثيرة ويسرد حكاية شقيقين، أحدهما انضم للثورة والآخر بقي مواطناً عادياً قام بالوشاية بأخيه الذي قبضت السلطات عليه واستخرجت كلوته خلال اعتقاله. لن ينسى هذا ما فعله شقيقه به وعندما تتاح له ولجماعته (لا تحمل اسماً في الفيلم) احتلال القرية يخطفون النساء وبينهن فتاة هي توأم لأخرى اسمها نجمة الصبح ماتت خلال القصف. الشقيقة الحية تحمل اسم أختها القتيلة وما تفعله وما يدور حولها وحول شقيقتها من أحداث كان يكفي لفيلم مستقل ولا يؤدي هنا (مع صعوبة اللهجة المحلية المستخدمة) إلا لتشتيت الجهد وإرباك المشاهد.
ما ينقذ الفيلم من انحدار كامل هو تلك اللقطات المبدعة لمشاهده. يتحرك المخرج خلال التنفيذ لاستنفاد كل وسيلة تصوير ممكنة، مستغلاً المكان لجانب أفكاره في التحريك وفي الطريقة التي سيصوّر فيها هذا المشهد أو ذاك. وهذا يُقدّر كثيراً، لكنه لا يكفي لصنع الفيلم الذي في باله.
- سنة عادية
ما بقي من أفلام غير مُشاهدة حتى الآن قليل. لكن المرء، مع نهاية المهرجان الذي يقع، مع مهرجان مراكش المنطلق في الثالث من الشهر المقبل، يستطيع أن يكوّن الصورة الشاملة لما جاءت به السينما العربية من أعمال خلال هذه السنة.
ما يحدث أساساً هو أن كثرة المهرجانات العربية وغير العربية باتت تتيح للكثير من الأفلام العربية المنتجة حرية الاشتراك والتحرك على مستوى يتراوح بين عروض في مهرجانات أجنبية رئيسية (برلين، كان، فينيسيا) وأخرى في الصفوف من الثاني وحتى الخامس من المهرجانات.
نظراً لحاجة معظم المهرجانات إلى أفلام من شتّى دول العالم، فإن دخول أفلام عادية القيمة - أو أقل - مهرجانات مختلفة في العالمين العربي والغربي، صار أمراً لا مهرب منه. لكن النجاح ما زال محدوداً في نطاق ثلاثة أفلام أو أربعة في العام. «بيك نعيش» (تونس)، و«جدار الصوت» (لبنان)، و«لا بد أنها الجنة» (فلسطين) و- إلى حد - الفيلم الجزائري «بابيشا».
هذا من أصل 13 دولة عربية تنتج أفلاماً على نحو سنوي معظمها يطمح لدخول مهرجانات كبيرة ولا يستطيع، فينتهي به الأمر إلى مهرجانات قد ينال فيها ولو شهادة تقدير.
إنه حراك بلا نتائج فعلية. فورات لسينما ما زالت غير مستقرة تودي بها الحدود الضيقة للتوزيع التجاري والحدود المغلقة بين دول عربية كثيرة، ثم اعتقاد المخرج البديل للسائد (حين يوجد السائد) بأن اختلافه هو التذكرة الوحيدة التي عليه الحصول عليها لدخول التاريخ.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
رياضة سعودية إقامة شوط للسيدات يأتي في إطار توسيع المشاركة بهذا الموروث العريق (واس)

مهرجان الصقور: «لورد» غادة الحرقان يكسب شوط الصقارات

شهد مهرجان الملك عبد العزيز للصقور 2024؛ الذي ينظمه نادي الصقور السعودي، الجمعة، بمقر النادي بمَلهم (شمال مدينة الرياض)، جوائز تتجاوز قيمتها 36 مليون ريال.

«الشرق الأوسط» (ملهم (الرياض))
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق جوي تتسلّم جائزة «أفضل ممثلة» في مهرجان «بيروت للأفلام القصيرة» (جوي فرام)

جوي فرام لـ«الشرق الأوسط»: أتطلّع لمستقبل سينمائي يرضي طموحي

تؤكد جوي فرام أن مُشاهِد الفيلم القصير يخرج منه وقد حفظ أحداثه وفكرته، كما أنه يتعلّق بسرعة بأبطاله، فيشعر في هذا اللقاء القصير معهم بأنه يعرفهم من قبل.

فيفيان حداد (بيروت)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.