«النزاهة» العراقية تصدر أوامر قبض ضد مسؤولين متهمين بالفساد

TT

«النزاهة» العراقية تصدر أوامر قبض ضد مسؤولين متهمين بالفساد

في مسعى لإقناع الحراك الاحتجاجي بجدية الخطوات التي تقوم بها في اتجاه مكافحة الفساد الذي كان أحد أبرز عوامل انطلاق الاحتجاجات العراقية مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنشط هذه الأيام هيئة النزاهة والدوائر القضائية العراقية بإصدار أوامر قبض واستقدام بحق مجموعة كبيرة من المسؤولين السابقين والحاليين على خلفيات تهم فساد مالي وإداري.
وبعد حكم بالسجن 7 سنوات صدر، الأسبوع الماضي، وطال مسؤولة رفيعة بدرجة وزير هي رئيسة «مؤسسة السجناء» ناجحة عبد الأمير، تواصل على امتداد الأيام الأخيرة «سيل» من أوامر القبض والاستقدام ضد مسؤولين حكوميين.
كانت محكمة جنايات بابل أصدرت الأحد الماضي، أمراً بإلقاء القبض على محافظ بابل كرار العبادي، وأصدرت هيئة النزاهة أوامر استقدام بحق عدد من كبار المسؤولين في محافظة النجف، كذلك صدر أمر استقدام بحق أحد أعضاء مجلس النواب الحالي (النائب أحمد الجبوري) على خلفية صرف أموال لغير الأغراض المخصصة لها أثناء مدة توليه منصب محافظ صلاح الدين. وأيضاً أصدرت محكمة جنايات الديوانية قراراً بحجز الأموال المنقولة وغير المنقولة لرئيس مجلس المحافظة.
ولفت انتباه المراقبين أن «سيل» الأحكام ومذكرات القبض القضائية المتواصلة ضد مسؤولين فاسدين، جاء على شكل أوامر قبض بـ«الجملة» وأخرى بـ«المفرد».
فعلى مستوى أوامر الاستقدام بـ«الجملة» لمسؤولين محليين، أعلنت محكمة تحقيق محافظة كركوك الخاصة بالنظر في قضايا النزاهة، أمس، عن صدور أمر استقدام بحق 13 عضواً من مجلس محافظة كركوك للتحقيق في قضايا فساد. وأكد مجلس القضاء الأعلى أن «الأمر يأتي استناداً لأحكام المادة 340 من قانون العقوبات»، وهي مادة تصل عقوبتها إلى السجن 7 سنوات ضد «كل موظف أو مكلف بخدمة عامة أحدث عمداً ضرراً بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل فيها».
كذلك، أعلنت رئاسة محكمة استئناف محافظة ذي قار عن إصدار أمر استقدام بحق عدد من المسؤولين، ضمنهم وزير الثقافة والسياحة والآثار الحالي، ومحافظ ذي قار السابق، ومدير بلدية الناصرية السابق، «لتجاوزهم على الجهة اليسرى لنهر الفرات بإحداث البناء والمشيدات والمغروسات الزراعية في داخل حوض النهر ما أثر على انسيابية مجرى النهر وتلوثه».
كما حكمت المحكمة، بحسب القاضي محمد حيدر حسين «بالسجن لمدة سنة واحدة على مديرة دائرة عقارات الدولة سابقاً ومدير تقاعد ذي قار الحالي ومعاون مدير الضريبة في ذي قار، وفق أحكام المادة 331 من قانون العقوبات».
وذكر حسين أن الحكم «يأتي عن جريمة ارتكابهم عمداً ما يخالف واجبات الوظيفة عند قيامهم بتقدير قيمة أحد العقارات بأقل من السعر الحقيقي بقصد منفعة شخص على حساب الدولة».
أما على مستوى الأحكام ومذكرات القبض الفردية، فقد أصدرت محكمة جنايات محافظة صلاح الدين، أمس، مذكرة قبض ومنع سفر بحق مدير صحة صلاح الدين السابق.
وقال المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى في بيان: «هذه الإجراءات اتخذت بعد اتهام الأخير بقضيتين؛ الأولى تتعلق بأدوية فاسدة وفق المادة 340 من قانون العقوبات. والثانية وفق أحكام المادة 318 عن جريمة إنشاء حدائق وهمية».
من جانبه، يقول رئيس هيئة النزاهة الأسبق القاضي رحيم العكيلي لـ«الشرق الأوسط»: «تفاعل المحاكم المعنية بمكافحة الفساد وهيئة النزاهة مع غضب الشعب ضد الفساد والانحراف، وتبنيهما ملاحقات ضد بعض الفاسدين، يبعث بالأمل في تعزيز وتقوية أدوات المساءلة، وإن جاء ردَّ فعل حيال الاحتجاجات».
ويضيف العكيلي: «أظن أن الشعب ينتظر منهم أكثر من خلال تقديم كبار الفاسدين للمحاكمات العادلة الشفافة واسترداد أمواله المنهوبة التي تقدر بنحو 300 مليار دولار أميركي».
ورغم التفاؤل الحذر الذي يبديه العكيلي بشأن ما يقوم به القضاء من مطاردات وأحكام ضد بعض المسؤولين في الأيام الأخيرة، فإن مصدراً قضائياً يرى أن «القضاء العراقي كان وما زال جزءاً من مشكلة الفساد والانحراف، ولن يكون جزءاً من الحل إلا بإصلاحه وتطهيره».
ويقول المصدر الذي يفضل عدم الإشارة إلى اسمه لـ«الشرق الأوسط»: «القضاء ومنذ عام 2003، كان الحامي للفساد والمتبرع بصكوك البراءة المجانية لتابعي الأحزاب والكتل السياسية، ثم أصبح شريكاً في الفساد حينما سعى لابتزاز الفاسدين وتناصف الأرباح معهم».
ويعتقد المصدر القضائي أن «تسارع إصدار أوامر الاستقدام والقبض بتهم فساد في الفترة الأخيرة، ليس إلا محاولة للإيحاء بوجود ملاحقات جدية للفساد، في حين أنها ملاحقات بعيدة عن الحياد والمهنية من أجل الإيقاع ببعض أكباش الفساد الصغيرة أو ذات الأهمية والنفوذ المحدود من أجل الإيحاء بوجود مساءلة وملاحقة قضائية للفساد».
ويؤكد أن «الملاحقات لن تطال حيتان الفساد المعروفة، وسوف تتوقف فوراً حالما تنخفض حدة الاحتجاجات الشعبية، وسوف يتم الإفراج عن الأكباش الذين أوقع بهم سراً بنقض أحكام الحبس الصادرة ضدهم».
يذكر أن العراق يتصدر منذ سنوات مراتب متقدمة في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم استناداً إلى التقارير التي تصدرها المنظمات الدولية المتعلقة بالشفافية ومحاربة الفساد.



«مقترح عربي» في مواجهة خطة ترمب لـ«تهجير» الفلسطينيين

اجتماع لوزراء خارجية مصر والسعودية والأردن والإمارات وقطر في القاهرة قبل أيام (الخارجية المصرية)
اجتماع لوزراء خارجية مصر والسعودية والأردن والإمارات وقطر في القاهرة قبل أيام (الخارجية المصرية)
TT

«مقترح عربي» في مواجهة خطة ترمب لـ«تهجير» الفلسطينيين

اجتماع لوزراء خارجية مصر والسعودية والأردن والإمارات وقطر في القاهرة قبل أيام (الخارجية المصرية)
اجتماع لوزراء خارجية مصر والسعودية والأردن والإمارات وقطر في القاهرة قبل أيام (الخارجية المصرية)

تعتزم القمة العربية الطارئة، التي تستضيفها مصر نهاية الشهر الحالي، مناقشة «مقترح عربي» يضمن بقاء الفلسطينيين على أرضهم، في مواجهة خطة «التهجير» التي يدعو لها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، إن «قمة القاهرة المرتقبة ستناقش طرحاً عربياً يقابل المقترح الأميركي»، مشيراً إلى أن «المقترح سيقوم على التوافق الفلسطيني، والدعم العربي والدولي».

وحسب المتحدث باسم الجامعة العربية، جمال رشدي، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فإن «الطرح الذي ستناقشه القمة يقوم على خطة لإعادة إعمار قطاع غزة، في وجود الفلسطينيين»، إلى جانب الإعلان عن «موقف عربي صلب، في مواجهة دعوات التهجير».

وأعلنت وزارة الخارجية المصرية، الأحد، استضافة القاهرة قمة عربية طارئة في 27 فبراير (شباط) الجاري لبحث التطورات «المستجدة والخطيرة» للقضية الفلسطينية.

وتأتي الدعوة للقمة مع إصرار الرئيس ترمب على «تهجير الفلسطينيين» من قطاع غزة، إلى بلاد أخرى، منها مصر والأردن.

وشدد أبو الغيط على أنه «لا تنازل عربياً عن الأراضي الفلسطينية»، وقال في حديث لـ«العربية»، الثلاثاء، إن «الدول العربية تُجمع على مشروع حل الدولتين»، مشيراً إلى أن «الرئيس الأميركي يريد تجريد الفلسطينيين من كل شيء، ولا يمكن له، أو لأي جهة شراء غزة».

ويواجه مقترح ترمب برفض عربي واسع، وقال الرئيس المصري، نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، إن «ترحيل وتهجير الشعب الفلسطيني ظلمٌ لا يمكن أن نشارك فيه».

كما أكدت الجامعة العربية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، أن «طرح الرئيس الأميركي يتعارض مع القانون الدولي، ولا يُسهم في تحقيق حل الدولتين، الذي يُعد السبيل الوحيد لإحلال السلام والأمن بين الفلسطينيين والإسرائيليين».

ويستهدف الطرح العربي، في القمة المقبلة، الحفاظ على بقاء الفلسطينيين على أرضهم، بدعم عربي ودولي، وفق المتحدث باسم الجامعة العربية، الذي قال إن «قمة القاهرة ستناقش رؤية عربية قائمة على إمكانية تنفيذ إعادة إعمار قطاع غزة، في وجود الفلسطينيين»، إلى جانب «حشد الدعم العربي والدولي لتنفيذ هذا المقترح».

وشدد رشدي على أهمية «وحدة الصف العربي في هذا التوقيت»، مشيراً إلى أن «القمة المقبلة يجب أن تخرج بتوافق وموقف حاسم وصلب، في مواجهة دعوات التهجير»، وقال: «هدف القمة صياغة موقف عربي موحد، داعم لثوابت القضية الفلسطينية، وإرسال رسالة للمجتمع الدولي بأن قضية فلسطين عربية، ولا تخص الفلسطينيين وحدهم أو عدداً من الدول العربية المعنية بشكل مباشر بالقضية».

وباعتقاد متحدث الجامعة أن «وحدة الموقف العربي وحشد الدعم الدولي خلفه سيشكّل جبهةً قوية لمواجهة الأفكار التي يطرحها الرئيس الأميركي».

وفق مصدر عربي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فإن «هناك ترتيبات مصرية - عربية خاصة بشأن مستقبل إدارة قطاع غزة»، موضحاً أن هناك «رؤية تضمن عودة السلطة الفلسطينية لممارسة دورها في إدارة القطاع، دون اعتراض من حركة (حماس)».

ويشمل الطرح العربي لمواجهة مخطط ترمب للتهجير، 3 محاور، كما يشير الصحافي والمحلل السياسي المصري أشرف العشري، الذي استمع في لقاء مع أمين عام الجامعة العربية، لسيناريوهات التحرك العربي.

وقال العشري، لـ«الشرق الأوسط»، إن المقترح العربي يتضمن «تأكيد قمة القاهرة على الرفض المطلق لدعوات التهجير، وتبني الجامعة مبادرة لإعادة إعمار غزة في وجود الفلسطينيين، وأخيراً تمكين السلطة الفلسطينية من إدارة القطاع والسعي لإجراء انتخابات فلسطينية، بعد فترة انتقالية».

وأعلنت الخارجية المصرية، أخيراً، عن عزم القاهرة استضافة مؤتمر دولي لإعادة الإعمار في غزة، بالتعاون مع الأمم المتحدة، بهدف العمل على استعادة الخدمات الإنسانية، وإعادة تأهيل البنية التحتية في القطاع.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، شفيق التلولي، أن «الدول العربية جادة في ترجمة رؤيتها الخاصة بالقضية الفلسطينية لواقع حقيقي، بحصول الشعب الفلسطيني على حقه في دولة مستقلة»، وقال إن «وحدة الموقف العربي السبيل الأمثل لإحباط دعوات التهجير».

وأوضح التلولي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «خطة اليوم التالي للحرب يجب أن تكون قائمة على إعادة القطاع للسلطة الفلسطينية، خاصة في ظل دعم دول أوربية لهذا الخيار»، وقال: «هذه الخطوة تستدعي وحدة الصف الفلسطيني وبشكل عاجل، خصوصاً بين حركتي (فتح) و(حماس)».