يشير الأطباء إلى أن الأصناف الثلاثة الجديدة من أدوية الصداع النصفي (الشقيقة) تساعد على التخفيف من أعراض الصداع لدى المرضى.
عقاقير جديدة
أنباء سارة وجديدة جاءت بحلول عام 2018 بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من أعراض الصداع النصفي المنهك والمتكرر، إذ وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على ثلاثة عقاقير جديدة، وهي: إيرينوماب erenumab أيموفيغ Aimovig)، وفريمانيزوماب fremanezumab آجوفي Ajovy)، و«غالكاننيزوماب galcanezumab إيمغاليتي Emgality) — وهي من العقاقير المصممة خصيصا للقضاء على الصداع النصفي والحيلولة دون تكراره، والحد من شدته، والتقليل من زمن نوباته.
ويعد هذا من التطورات الكبيرة حيث إن العقاقير الأخرى المستعان بها في القضاء على الصداع النصفي كانت مصممة بالأساس للسيطرة على أعراض مرضية أخرى، مثل النوبات المرضية (المماثلة للصرع)، أو حالات الاكتئاب، أو ارتفاع ضغط الدم، أو عدم انتظام ضربات القلب. بيد أن آثارها الجانبية (مثل زيادة الوزن، أو الدوار، أو التفكير الغامض غير المتزن) غالبا ما تدفع المرضى إلى التوقف عن تناول العقاقير للعلاج.
كيف كانت ردود الفعل إزاء عقاقير الصداع النصفي الجديدة؟ يقول الدكتور سيت أشينا، اختصاصي أمراض الأعصاب والمختص في علاج الصداع لدى مركز بيت إسرائيل الطبي التابع لجامعة هارفارد: «لقد حققت نجاحا كبيرا باستخدام هذه الأدوية. وكانت استجابة أغلب المرضى الذين يعانون من الصداع النصفي الحاد، جيدة للغاية مع بعض الآثار الجانبية الطفيفة».
خيارات جديدة
تندرج عقاقير الصداع النصفي الجديدة تحت فئة من العقاقير تسمى الأجسام المضادة وحيدة النسيلة monoclonal antibodies. وهي من العلاجات المستهدفة التي تسعى وتتداخل مع «الببتيد المرتبط جينيا بالكالسيتونين: سي جي آر بي» calcitonin gene - related peptide CGRP. والكالسيتون هو البروتين المسبب لالتهابات النهايات العصبية ويساهم في اشتداد حالات الصداع النصفي. ولذلك السبب تحديدا يُطلق على هذه العقاقير اسم مضادات أو مثبطات «سي جي آر بي» CGRP inhibitors.
وبالنسبة إلى بروتين الببتيد المثير لنهايات الأعصاب، فلا بد أن يلتحق بالمستقبلات على الخلايا العصبية، بنفس طريقة التحام المفتاح مع القفل. وتلتحق العقاقير الجديدة إما مع بروتين الببتيد نفسه أو مع مستقبلات بروتين الببتيد. وفي الحالتين، ينتهي الأمر بتلك العقاقير لأن تحجب أو تحيد عمل بروتين الببتيد لمدة أسابيع في المرة الواحدة.
يتعاطى المريض تلك العقاقير بأسلوب الحقن الذاتي تماما كمثل تعاطي حقن الأنسولين لعلاج مرض السكري - مع فارق واحد وهو أن مرات التعاطي هي أقل بكثير من حقن الأنسولين. ويتناول المريض دواء «إيرينوماب»، ودواء «غالكاننيزوماب» مرة واحدة في الشهر فقط. أما دواء «فريمانيزوماب» فيتناوله المريض إما مرة واحدة في الشهر أو مرة واحدة كل ثلاثة أشهر.
العلاج والآثار الجانبية
* حالات العلاج، تخصص العقاقير الجديدة لعلاج الحالات التالية:
* المرضى الذين يعانون من تكرار نوبات الصداع أربع مرات أو أكثر في الشهر الواحد، أو ثمانية أيام من الصداع أو أكثر في الشهر الواحد.
* المرضى الذين يعانون من أعراض جانبية عصية على التحمل إثر تناول عقاقير أخرى، مثل التدهور الإدراكي، وانخفاض ضغط الدم، أو فقدان أو زيادة الوزن، أو الدوار.
* المرضى الذين لم تستجب حالاتهم المرضية للعلاجات الوقائية الأخرى.
لا تنجح مضادات بروتين الببتيد مع كافة الحالات المرضية. غير أن الأدلة المسجلة حتى الآن مبشرة وواعدة بالخير. ويقول الدكتور سيت أشينا: «خلصت الدراسات إلى أن المرضى الذين يتناولون العقاقير الجديدة يعانون من الصداع النصفي بانخفاض نسبته 50 في المائة من أيام الإصابة به في الشهر الواحد، مقارنة بالمرضى الذين لا يتناولون نفس العقاقير».
وأضاف الدكتور أشينا قائلا: «بعض المرضى الذين أشرفت على علاجهم كانت نتائجهم أكثر إيجابية. ومن بينهم مريضة مرت عليها فترة 20 يوما من دون صداع على الإطلاق للمرة الأولى في حياتها منذ إصابتها بالمرض وذلك مع بدء تناولها للعلاجات الجديدة».
* الآثار الجانبية. من شأن العقاقير الجديدة أن تتسبب في آثار خاصة في موضع الحقن، أو تقلص العضلات، أو ربما الإمساك. يقول الدكتور سيت أشينا: «شاعت الشكوى من الإمساك لدى أغلب المرضى الذين أشرفت على علاجهم بنفسي. والكثير منهم يتحملون ذلك ويتعاملون مع الأمر بأساليبهم الخاصة مثل تناول المزيد من الألياف والسوائل، وممارسة التمارين الرياضية، وربما إضافة مكمل غذائي غني بالألياف إلى النظام الغذائي الخاص بهم. فإذا لم تختف أعراض الإمساك بعد ذلك، فيمكننا استبدال الدواء المسبب للإمساك من خلال آخر من عقاقير علاج الصداع الجديدة».
تناول العقاقير
* العقاقير الجديدة. هل ينبغي تناول العقاقير الجديدة على الفور؟ يجيب الدكتور سيت أشينا قائلا: «لا بد من توخي الحذر التام مع العقاقير الجديدة إن كان المريض من كبار السن، إذ إن التجارب الإكلينيكية الخاصة بكافة العقاقير الجديدة تتضمن نسبة منخفضة للغاية من كبار السن، لذلك فإننا لا نعرف مدى استجابة كبار السن لتلك العقاقير الجديدة وما إذا كانت تختلف عن استجابة البالغين لها».
وينصح الدكتور سيت أشينا البدء بتناول أقل جرعة ممكنة من العقاقير الجديدة، أي بمحتوى 70 مليغراما على سبيل المثال من عقار «إيرينوماب» بدلا من 170 مليغراما في بدء العلاج.
ماذا لو أن المريض لا يتحمل تكاليف العقاقير الجديدة؟
* العقاقير القديمة. ليست هناك مشكلة في تناول عقاقير علاج الصداع النصفي القديمة (إن كانت تعالج المرض من دون المعاناة من الآثار الجانبية. ومن الأمثلة على ذلك الأدوية المضادة للاختلاج (التشنجات العصبية) مثل «ديفالبروكس» (ديباكوت)، أو «توبيرامات» (توباماكس)؛ وكذلك الأدوية المضادة للاكتئاب مثل «إميتريبتيلين» (إيلافيل)، أو «دوكسيبين» (سيلينور)، وأيضا حاصرات قنوات الكالسيوم مثل «فيراباميل» (كالان، إيزوبتين، فيريلان)؛ وهناك حاصرات بيتا مثل «ميتوبرولول» (لوبريسور)، أو «بروبرانولول» (إنديرال).
وتعد حقن «بوتولينوم توكسين» (بوتوكس) من العقاقير المعتمدة لدى إدارة الغذاء والدواء الأميركية للوقاية من الصداع النصفي. ومع ذلك، فهي تتطلب عشرات الحقن في الرأس والعنق. ومن شأن العلاج أن يقلل من أيام نوبات الصداع النصفي بنسبة 15 في المائة تقريبا.
تكاليف العقاقير
> تعتبر مضادات بروتين الببتيد من العقاقير غالية الثمن، إذ يبلغ سعرها نحو 575 دولارا في الشهر. وربما تخضع تلك العقاقير للتغطية التأمينية أو تكون خارج التغطية.
كانت شركات صناعة العقاقير الثلاثة المذكورة قد وفرت وصفات مجانية أو مدعمة في عام 2019 للمرضى الذين لديهم تغطيات تأمينية خاصة، وذلك لإتاحة الوقت أمام شركات التأمين الطبي لاتخاذ القرار النهائي بشأن تغطية تلك العقاقير في نهاية المطاف من عدمه. غير أن برامج المساعدة المالية تلك تنتهي بحلول ديسمبر (كانون الأول) لعام 2019 الجاري، ومن غير الواضح حتى الآن ما الذي سوف يحدث بعد ذلك.
يقول الدكتور سيت أشينا: «يضطر المرضى في بعض الأحيان إلى سداد ثمن الدواء من أموالهم الخاصة، ويحاول نظام (ميديكير) الصحي تغطية التكاليف إذا ما كان المريض قد جرب التداوي بالكثير من العقاقير الأخرى».
أعراض وتكرار الصداع النصفي
> يعد الصداع النصفي من أمراض الصداع الحادة، ويبدأ في المعتاد بمهاجمة أحد جانبي الرأس. ويعاني المرضى في الغالب من ألم «خفّاق - نابض» شديد الوطء على الدماغ تصاحبه حساسية خاصة لمصادر الضوء أو الصوت مع الغثيان والقيء.
قد يستمر الصداع النصفي لبضع ساعات وربما يمتد إلى عدة أيام. وقد يهاجم المريض بصفة غير منتظمة، أو ربما يلازمه في حالة مزمنة (تمتد لأكثر من 15 يوما في الشهر الواحد). وهو غالبا ما يحدث استجابة لمحفزات معينة مثل الإجهاد البدني، أو التغيرات الهرمونية، أو تناول بعض الأطعمة، أو التعرض لبعض الروائح، أو الحرمان من النوم.
ويصيب الصداع النصفي نسبة 10 إلى 15 في المائة من البالغين، لا سيما النساء.
دواء للصداع العنقودي أيضاً
> بعض من تلك الأدوية لا تعالج الصداع النصفي فقط. ففي يونيو (حزيران) الماضي، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على استخدام المثبط الدوائي المسمى «غالكاننيزوماب» (إيمغاليتي) في علاج حالات الصداع العنقودي، وهو من أنواع الصداع الحادة للغاية، وينطوي في أغلب الأحيان على ألم «واخز» حول العينين ثم ينتشر إلى مواضع أخرى من الوجه. وتستمر كل نوبة من نوبات الصداع لفترة تصل إلى ثلاث ساعات كاملة ويمكن أن تعاود الهجوم والتكرار على مدار اليوم الواحد، مع الاستمرار لبضعة أسابيع ثم تتوقف فجأة لبضعة شهور.
وعلى العكس من الصداع النصفي، فإن تأثير الصداع العنقودي على الرجال هو أبلغ منه على النساء. يقول الدكتور سيت أشينا: «حتى اللحظة، تعكس الأدلة أن المرضى الذين يتناولون هذا العقار يعانون من الصداع العنقودي بنسبة تنخفض 50 في المائة بصفة أسبوعية مقارنة بأولئك المرضى الذين لا يتناولون نفس العقار».
* رسالة هارفارد الصحية، خدمات «تريبيون ميديا».