«سانتو ماري»... رائحة أسماك المتوسط تعبق بين جدرانه المعتّقةhttps://aawsat.com/home/article/1923141/%C2%AB%D8%B3%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%88-%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%8A%C2%BB-%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%AD%D8%A9-%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%83-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D8%AA%D8%B9%D8%A8%D9%82-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%AC%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%AA%D9%91%D9%82%D8%A9
«سانتو ماري»... رائحة أسماك المتوسط تعبق بين جدرانه المعتّقة
«سانتو ماري»... عنوان السمك الإيطالي الجديد في لندن
ربما سمعتم بأن لندن تعدّ في مقدمة العواصم التي تشهد افتتاح المطاعم أسبوعياً، ومن الصعب جداً مواكبة الكمّ الهائل من عناوين الأكل الجديدة.
في بعض الأحيان تسمع عن مطعم جديد من خلال التقييمات التي تنشر على مواقع مختصة بحجوزات المطاعم مثل «توب تايبل»، وفي مرات أخرى تسمع من خلال أشخاص مهتمين بالأكل وبكل ما هو جديد في عالم الطعام، ولكن تبقى هناك فئة من المطاعم الجديدة التي تشدّك بمجرد المرور بقربها، فيكون هناك عنصر لافت، مثل الموقع، أو الديكور، أو الجلسة الخارجية، والأهم رائحة الطعام التي تنبعث من المكان.
وهذا ما حدث عندما مررت بشارع «جورج ستريت» في وسط لندن... العنوان جديد؛ إيطالي ويحمل اسم «سانتو ماري (Santo Mare)» ولفتتني الستائر المخملية المنسدلة على النوافذ الكبيرة، والطاولات الموزعة في الخارج والتي تحيط بها المدافئ، وشدّني أيضاً منظر مصطبة من الثلج تغطيها الأسماك، وتتربع في صدر المطعم ويمكن رؤيتها من المدخل، المنظر جذبني، ورائحة السمك أغرتني، ومعدتي شجعتني، فقررت أن أتجرأ وأسأل النادل عما إذا كان من الممكن تناول العشاء، والسبب هو أن المطاعم الجديدة تستلزم الحجز المسبق، لا سيما خلال عطلة نهاية الأسبوع، ولحسن الحظ وجد النادل طاولة مناسبة في زاوية جميلة تشرف على البار الذي تزين الخلفية وراءه الجدران التي تبدو عتيقة، وقد اعتمد هذا الديكور ليضفي رونقاً متوسطياً تجده في البيوت الإيطالية... لون الكراسي المخملية من زرقة البحر لتتناسب مع نوعية الطعام الذي يقدمه المطعم الإيطالي الذي يتفرد بتقديم الأسماك الطازجة التي يمكن الاختيار من بينها بنفسك وتباع بحسب الوزن.
من الصعب أن تجد مطعماً للأسماك في لندن، وهذا المطعم نجح في ضرب عصفورين بحجر واحد؛ فهو إيطالي، وفي الوقت نفسه مختص في أكلات صقلية التي تعتمد على كثير من الليمون وزيت الزيتون في أطباقها، وبالإضافة إلى هذا تستخدم الأسماك الإيطالية فيها.
لائحة الطعام كانت واضحة وتعتمد على المنتجات الموسمية، وهذا ما شرحه النادل الذي نصحني بتناول سمكة إيطالية اسمها «كابوني» وهي برتقالية اللون، وبحسب النادل، فهي سمكة تجدها فقط في إيطاليا والبحر الأدرياتيكي، ولا يمكن أن تجدها في أي مطعم آخر في لندن، وهي متوفرة في «سانتو ماري» بكمية محدودة.
وبعد شرح مطول عن عالم الأسماك الإيطالية، اخترت السمكة الإيطالية طبقاً رئيسياً، وجربت سلطة الأخطبوط مع البطاطس المتبّلة بالليمون وزيت الزيتون، وتذوقت أيضاً سلطة ثمار البحر المنوعة.
لائحة الطعام واضحة وغير معقدة، وهذا ما أفضله في المطاعم المختصة في أكلات معينة، ولم يبخل النادل بالشرح الفائض عن كل طبق وطريقة طهوه، بما في ذلك طريقة طهو السمكة التي اخترتها والتي أتت في طبق كبير يكفي لشخصين وفيه قطع من الخبز المغمس في صلصة من خلاصة السمك وزيت الزيتون وحبات الزيتون (على طريقة طهو البروديتو في مقاطعة أبروتزو الإيطالية)، وكانت هذه المرة الأولى التي أتذوق فيها هذا النوع من السمك، وبالفعل النكهة رائعة، لأن لحم هذه السمكة كثيف وأبيض ولذيذ للغاية، وليس بحاجة لكثير من النكهات الإضافية لجعله أفضل.
«سانتو ماري» افتتح أول فرع له في لندن منذ فترة وجيزة جداً، وله فرع في «بورتو سيرفو»، ومن المنتظر أن يفتح فرعاً جديداً في نيويورك قريباً.
المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملةhttps://aawsat.com/%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82/%D9%85%D8%B0%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA/5084699-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B7%D8%A7%D8%B9%D9%85-%D9%88%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%AA%D8%BA%D8%B1%D8%A7%D9%85-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%AD%D8%A8-%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%85%D9%84%D8%A9
في الماضي، كان الناس يخرجون لتناول الطعام في مطعمهم المفضل وتذوق طبقهم الألذ فيه، أما اليوم، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي وتوفر كاميرا الهواتف الذكية في كل مكان وزمان، ونشر صور الطعام على منصات رقمية على رأسها «إنستغرام» أصبحت زيارة المطعم لالتقاط الصور ومشاركتها مع العالم، دون أكلها أحياناً. ولكن هل كل ما تأكله الكاميرا قبل المعدة لذيذ كما تراه في الصورة؟
هناك فئة من المطاعم التي تحمل مصطلح «إنستغرامابل» Instagrammable وتعني أنها تبدو جميلة على صفحات «إنستغرام» نظراً للتركيز على شكل الأطباق وطريقة تقديمها واستخدام الألوان فيها، بعيداً عن التركيز عن النكهة والمنتج المستخدم فيها.
وفي دراسة نشرت أخيراً على موقع رقمي متخصص بأخبار المطاعم والطعام، تبين أن تصوير مأكولات (تبدو شهية مثل الكيك وأنواع الحلوى المنمقة) قد تزيد من نكهتها قبل أكلها، والسبب قد يعود إلى أن مقولة «العين تعشق قبل القلب أحياناً» صحيحة، وذلك لأن العين هنا تقع في حب الطبق قبل تذوقه، فقط بسبب الصور التي نلتقطها.
في الآونة الأخيرة، وفي تغير واضح في طريقة تصرف الذواقة في المطاعم أصبح التقاط صور الطعام أمراً مبالغاً به، لدرجة أنه أصبح من الضروري الاستئذان من الجالسين على طاولتك قبل مد يدك لتناول الأكل بسبب اهتمام بعضهم بالتقاط الصور ونشرها على الإنترنت، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كل ما تلتقطه الكاميرا وينشر على الشبكة العنكبوتية يتمتع بنكهة لذيذة توازي الشكل الجميل؟
هذا السؤال يذكرني بحادثة وقعت معي، بعدما تحمست لزيارة أحد المطاعم الإيطالية في لندن، بعد رؤية العديد من المؤثرين ينشرون صوراً لثمار البحر يسيل لها اللعاب، فقررت الذهاب وتذوق تلك التحف الصالحة للأكل، وللأسف انتهى الحماس بمجرد تذوق أول لقمة من طبق الأسماك المشكلة الذي جئت حالمة بصورته وتذوقه، فالمذاق لم يكن على المستوى الذي توقعته، خاصة أن لائحة الانتظار للحصول على حجز في ذلك المطعم طويلة مما اضطرني للتكلم مع المدير المسؤول في هذا الخصوص، والاعتراض على نوعية المنتج.
الأكل في أيامنا هذه بالنسبة للأجيال الصاعدة مثل «جين زي» وجيل الألفية يعدّ نوعاً من التعبير عن المكانة الاجتماعية والمادية، فنشر صور الأكل بالنسبة لهم يتعدى مفهوم التهام الطعام والتمتع بمذاقه، وإنما يكون نوعاً من المفاخرة والتباهي في أوساط مجتمعاتهم ومعارفهم.
فالطعام نوعان؛ الأول يركز على المذاق والنكهة، أما الثاني فيعتمد على التصميم الخارجي، تماماً مثل ما حصل مع دوناتس قوز القزح، أقراص الحلوى التي غزت الإنترنت وشبكة التواصل الاجتماعي، وسميت بـRainbow Food Craze فكل من تذوق هذه الحلوى بوصفة الدونات المعدلة والمبتكرة قال إن النوع التقليدي يتمتع بمذاق ألذ بكثير.
هناك عدد من المطاعم حول العالم التي تشتهر بتقديم أطباق جميلة وجذابة بصرياً على «إنستغرام»، لكنها ليست بالضرورة لذيذة. غالباً ما يكون الهدف من هذه المطاعم هو جذب الانتباه من خلال الإبداع في العرض وتنسيق الألوان والتفاصيل الجمالية، ولكن عند تذوق الطعام قد يكون الطعم عادياً أو غير مميز.
فيما يلي بعض الأمثلة التي تُذكر عادة في هذا السياق، مثل مطعم «ذا أفو شو» في أمستردام المعروف بتقديم يعتمد بشكل كامل على الأفوكادو بطريقة مبهرة وجميلة، إنما هناك بعض الآراء التي تشير إلى أن الطعم لا يرقى إلى مستوى العرض البصري.
أما مطعم «سكيتش» في لندن ويعدّ من المطاعم ذائعة الصيت والمميز بديكوراته الجميلة وألوانه الزاهية، فهناك آراء كثيرة حول مذاق أطباقه الذي لا يكون على قدر التوقعات العالية التي يولدها المظهر الفاخر.
ومطعم «شوغر فاكتوري» في الولايات المتحدة الذي يملك فروعاً كثيرة، وشهير بحلوياته ومشروباته المزينة بألوان مشرقة على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يصفونه بأنه مجرد «سكر على شكل جميل»، ولا يقدم شيئاً مميزاً من حيث المذاق.
«إيل أند أن كافيه» في لندن، وهو غني عن التعريف، خاصة أنه من أكثر المطاعم التي تنشر صورها على «إنستغرام»، ومن بين أول المطاعم التي استخدمت أسلوب الديكور الذي يعتمد على الورود، فهناك من يعتقد أن أكله ليس جيداً على عكس الصور التي تنشر هنا وهناك.
«فيش أند بابلز» Fish & Bubbles الواقع في نوتينغ هيل بلندن، من المطاعم الإيطالية التي انتشرت بسرعة البرق على وسائل التواصل الاجتماعي، والصور والفيديوهات التي نشرها المؤثرون جرّت الكثير للذهاب إلى المطعم وتذوق ثمار البحر كما رأوها في الصور، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك؛ لأن المذاق أقل من عادي والأسماك ليست طازجة، ومن زار هذا المكان فلن يزوره مرة ثانية.
ولمحبي البرغر فقد أغرتهم الصور في مطعم «بلاك تاب كرافت برغرز» في نيويورك بعد الشهرة التي حصل عليها على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يجدون أن النكهات عادية، ولا تتناسب مع الشهرة التي حصل عليها على الإنترنت. ولا يتفق الكثير من الذين زاروا «سيريال كيلار كافيه» Celear Killer Café في كامدن تاون بلندن، الذي يقدم حبوب الإفطار بألوان زاهية وتنسيقات مبتكرة تجعلها مثالية للصور، أن الطعم يوازي روعة الصور، مما عرّض المقهى للكثير من الانتقادات، خاصة أنه ليس رخيصاً.
لائحة أسماء المطاعم التي تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي لتسويق أطباقها التي لا ترتقي للجودة المطلوبة لا تنتهي، والسبب وفي عصرنا هذا هو التسويق البصري والجذب السريع للزبائن، حيث يعتمد هذا النوع من التسويق بشكل كبير على الصور والفيديوهات القصيرة، خاصة على منصات مثل «إنستغرام» و«تيك توك». الأشخاص يتأثرون بالصور الجميلة والجذابة أكثر من أي شيء آخر. لذلك، عندما تكون الأطباق مصممة بشكل جميل ومبهج، يسارع الناس إلى تصويرها ونشرها، مما يوفVر للمطعم تسويقاً مجانياً وانتشاراً واسعاً.V
الكثير من الزبائن في يومنا هذا يسعون إلى أماكن مثالية لتصوير أطباقهم ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي. بعض المطاعم تلبي هذا الاحتياج عبر تقديم أطباق مبهجة بصرياً، مما يجعل المطعم وجهة مفضلة رغم أن الطعم قد يكون عادياً.
في السنوات الأخيرة، بدأ الطعام يُعامل بوصفه نوعاً من الفنون البصرية. فهناك اتجاه كبير نحو تقديم الطعام بطريقة إبداعية وفنية، مما يجعل من الصعب أحياناً التوفيق بين الطعم والتصميم. فالبعض يرى أن تصميم الطبق الجميل يستهلك جهداً كبيراً قد يطغى على الاهتمام بالتفاصيل المتعلقة بالطعم.
ولكن، وفي النهاية، لا يصح إلا الصحيح، ويبقى هذا النوع من المطاعم التي تهتم بالشكل والديكور وطريقة تقديم الأطباق لتشد الكاميرا وتتحول إلى صور يتهافت عليها الزبائن حالة خاصة؛ لأنها ستكون مؤقتة وستجذب الزبون مرة واحدة على عكس المطاعم التي تعتمد على جودة المنتج ونوعية الطعام وطعمه. كما أنه لا يجوز وضع المسؤولية كاملة على كاهل المطاعم إنما يتحمل أيضاً الزبون وبعض المؤثرين المسؤولية في تضليل الرأي العام، والتسويق لمطعم لا يستحق الشهرة والانتشار.