في عرض سينمائي خاص جمعت فيه نجوم العمل وأهل الصحافة وبعض الأصدقاء والأقرباء، قدمت المخرجة ليال راجحة فيلمها القصير «وفي اليوم السادس».
العرض جرى في صالات سينما «أ.ب.ث» في الأشرفية بعيد إلقاء كلمة قصيرة للمخرجة التي سبق أن قدمت شريطين طويلين («حبة لولو» و«شي يوم رح فل»).
ورغم أن مدة العمل لا تتجاوز 15 دقيقة، فإن الفيلم يطرح رسائل إنسانية كثيرة من خلال موضوع الحرب اللبنانية. واختارت راجحة الجنوب اللبناني، وبالتحديد حقبة حرب الثمانينات فيها. والمعروف أن القرى الجنوبية على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية في تلك الفترة شهدت انقساماً ما بين أهاليها، فبعضهم اختار الجانب الإسرائيلي بعد انخراطهم في صفوف ميليشيات «جيش لحد» المؤازرة لها.
«هي قصة حقيقية تأثرت فيها كثيراً بعد أن أخبرني إياها أحدهم خلال دعوة على العشاء عند أصدقاء لي. فسكنتني وقررتُ أن أحولها إلى فيلم قصير يوقع رسالة الماجستير الجامعية الثانية التي أحضّرها»، تروي راجحة التي تنوي بواسطة هذا الفيلم المشاركة في مهرجانات سينمائية عالمية. وجاءت عملية «الكاستينغ» لأبطال الفيلم، وهم: ختام اللحام وعبدو شاهين ومازن معضم ورودريغ سليمان وإلياس الزايك لتضفي على هذا العمل الاحتراف المطلوب.
«إنهم ممثلون لبنانيون نفتخر بهم. ويمكنني وصفهم بـ(وحوش الشاشة)، إذ إن لكل منهم حضوره الكامل على الشاشة، الذي يسرق المشاهد بأدائه المحترف»، تقول ليال راجحة التي بدت متحمسة للتعرف على رأي الحضور بفيلمها.
ويحكي الفيلم قصة سيدة لبنانية (تجسد دورها ختام اللحام) أم لشاب مقاوِم (يلعب الشخصية عبدو شاهين)، في إحدى قرى الجنوب قبل تحريره. ترفض مبدأ التعاون وتبدي رأيها فيه بكل صراحة في كل مرة شاهدت فيها جارها الشاب «إلياس» (رودريغ سليمان) العميل للإسرائيليين المنخرط في صفوف ميليشيا لبنان الجنوبي. وفي أحد الأيام يطرق إلياس باب بيتها فتشهر في وجهه بندقية صيد، لأنها كانت وحدها في المنزل. إلياس كان حزيناً ومتردداً في إبلاغها بخبر سقوط ابنها شهيداً في عملية ضد الاحتلال، ومن ثم أكد لها أنه تعرّف على جثته، ومطلوب منها أن تتعرف عليها بدورها، وأسرّ لها بأنها يجب عدم الاعتراف بالحقيقة وإلا هدم الإسرائيليون بيتها على رأسها، فترافقه سيراً على الأقدام رافضة الانتقال بسيارته. وتصل إلى الحاجز الإسرائيلي حيث يتمدد جسد ابنها المستشهد لتلتزم نكران الحقيقة كما طلب منها جارها العميل. وحتى عندما استعان الضابط الإسرائيلي (مازن معضم) بالقرآن الكريم كي تعترف بالأمر، واجهتهم بالعربية بأنها لا تقسم أمام كفرة. وليترجم كلامها جندي مرافق للضابط (إلياس الزايك) وبالعبرية، بأنها أقسمت، وبأن الجثة لا تخصها، فينقذها من هذا الموقف المحرج، ثم قفلت عائدة إلى بيتها بأعصاب حديدية لم تضعف بضغط عاطفتها تجاه ابنها على قدرة تحملها. وطيلة مدة عرض العمل ساد صمت تام في الصالة بعد أن التقط الحضور أنفاسه منذ اللحظة الأولى لدوران كاميرا ليال راجحة؛ فبرز نضجها المهني بفعل تراكم تجارب سينمائية مصقولة بالعلم والدراسة، فعينها الثاقبة وحركة كاميرتها المفعمة بتفاصيل تقنية غنية، كانت دلالة دامغة بأن هذا الفيلم يشكل انطلاقة جديدة لليال راجحة في عالم الشريط السينمائي الطويل بالتحديد.
«لقد تمكنت من جمع خبراتها بشكل مركز ومبهر للعين في آن، وهو ما يؤكد أن (وفي اليوم السادس) علامة فارقة في مشوار ليال راجحة»، يقول المخرج والأستاذ الجامعي إميل شاهين لـ«الشرق الأوسط»، في تعليق له على العمل.
وكما في مشاهد قليلة تضمنت أجواء مريحة يسودها المرح ما بين الأم وابنها، لتنفرج أسارير مشاهد العمل، كذلك وفي مشاهد أخرى حزينة ومؤثرة استطاعت المخرجة نقل مشاعر حقيقية لأم مفجوعة جسدتها الممثلة ختام اللحام بحرفية كبيرة؛ فقد بقيت الأم المتماسكة والشجاعة رافعة رأسها أمام العدو رافضة الانهيار.
وبدا هذا التأثر واضحاً على وجه غالبية الحضور، وترجمه بعض المدعوين دموعاً أو تعليقات بصوت متهدج في نهاية عرض الفيلم. والسؤال الذي راود معظم أهل الصحافة والإعلام من بين الحضور هو كيف وافق نجوم الشاشة اللبنانية على المشاركة في فيلم قصير لن يكون مردوده عليهم مادياً ومعنوياً، كما هو مطلوب. وليأتي الجواب الشافي من الفنانين أنفسهم بأنهم أعجبوا بالقصة التي لامستهم بإنسانيتها عن قرب، فقرروا دخول هذه التجربة من دون تردد.
«وفي اليوم السادس» فيلم قصير لليال راجحة يبرز نضوج كاميرتها
«وفي اليوم السادس» فيلم قصير لليال راجحة يبرز نضوج كاميرتها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة