بوردو الفرنسية... أكبر موقع للتراث العالمي الحضري

خليج أركاشون
خليج أركاشون
TT

بوردو الفرنسية... أكبر موقع للتراث العالمي الحضري

خليج أركاشون
خليج أركاشون

لن تحتاج إلى قضاء الكثير من الوقت في مدينة بوردو الفرنسية لتكتشف أن نصف مساحتها تُعد من مواقع منظمة اليونيسكو للتراث العالمي. وقد مُنحت المدينة هذا الامتياز بسبب وحدة الهندسة المعمارية الكلاسيكية والنيوكلاسيكية والتنمية الحضرية فيها.
ورغم أنك ستجد فيها بعض المعارض والمتاحف الفنية التي تحتوي على معروضات من جميع العصور،
فإن الجاذبية الحقيقية تتكشف أكثر لدى التجول بين شوارعها ومعالمها. فهذه المدينة، التي تعد سادس أكبر مدينة في فرنسا، من أكثر مدن أوروبا إثارة وجرأة، كونها مزيجاً من أناقة القرن الـ18، وتكنولوجيا الألفية الجديدة والحياة الحضرية. ومن الصعب تصديق أنها كانت خاضعة للحكم البريطاني لمدة 300 عام، حيث تبدو ثقافتها محلية حتى النخاع، ويتمتع سكانها بإحساس عميق بالفخر والكياسة.
اليوم تعد بوردو أكبر موقع للتراث العالمي الحضري في العالم، حيث يندرج نصف المدينة (18 كم) في قائمة اليونيسكو للكنوز. وتشمل فنون العمارة فيها المنحوتات الرائعة في ميدان البورصة، والقصور والتماثيل المنحوتة على الحجارة المتناثرة في الشوارع المظللة بالأشجار، والمنازل المزخرفة.
إذا ترجلت في طريق بوردو الشمالي باتجاه القصور القديمة، فإنك ستجد نهر غارون، شريان حياة للمدينة، الأمر الذي يجعل الأماكن الواقعة على ضفاف النهر تستحق الزيارة للتنزه، سواء بالمشي أو بركوب الدراجات، أو عبر إلى رحلات نهرية.
من أهم نقاط جذبها:
- قرية القديس إميليو: قرية ساحرة من العصور الوسطى تقع في قلب منطقة بوردو، وتشكل العمارة الجميلة، والمعالم الأثرية الرائعة، مزيجاً رائعاً هناك.
وتحكي الأسطورة هنا عن فرار راهب من مسقط رأسه في مدينة فان بمنطقة بريتاني، للبحث عن ملجأ في أحد الكهوف في مكان يسمى أسكوم با (الاسم السابق للقرية) في القرن الـ8 وعاش الراهب، الذي كان يسمى إميليو، حياة الرهبان وحقق بعض المعجزات، وسرعان ما اشتهر في المنطقة وحتى خارج حدودها، وبات لديه الكثير من التلاميذ، الذين ساعدوه فيما بعد على تنصير السكان وجعل المكان مركزاً دينياً كبيراً. وحتى بعد وفاته استمر أتباعه في مواصلة إرثه، بل وقاموا بتسمية المدينة باسمه: سان إميليو. وتعد المناظر الطبيعية الموجودة في سان إميليو بجانب الإنجازات الإنسانية التي شهدتها بمثابة شهادة على تاريخها. ففي عام 1999، ولأول مرة في العالم، أدرجت اليونيسكو حقول الكروم فيها، كموقع ثقافي ضمن قائمتها للتراث العالمي.
- ميدان البورصة ويقع على نهر غارون، وقد تم تصميمه في القرن الـ18 من قبل المهندس المعماري للملك لويس الـ15، جاك آنغ غابرييل، ليكون بمثابة إطار لتمثال الفروسية الخاص بالملك. يحد الميدان بورصة الأسواق المالية (وهو سبب تسميته بهذا الاسم) من جهة، ومتحف من الجهة الأخرى، ويجد زوار الميدان جماله الرئيسي وجاذبيته في وسطه، حيث توجد نافورة بناها فسكونتي في عام 1869، وتبهر الزوار عند إضاءتها ليلاً.
- خليج أركاشون عبارة عن 47 ميلاً (76 كيلومتراً) من الشواطئ المطلة على البحر والبحيرات، والمنتجعات المليئة بغابات الصنوبر والمستنقعات، فضلا عن أطول الكثبان الرملية في أوروبا. ويعد هذا الخليج الملاذ المفضل لمحبي الطبيعة المتجهين إلى ساحل المحيط الأطلسي في فرنسا، كونه يقع على بُعد ساعة واحدة بالسيارة من بوردو. وهذا وحده يجعله مكانا مثاليا للراغبين في الزيارات النهارية، أو من قبل الذين يتطلعون إلى تسلق كثبان بيلا الرملية الشهيرة، أو الراغبين في تذوق المحار الطازج اللذيذ الذي تشتهر به المنطقة.
ويمكن هنا الذهاب في جولة عبر المحيط الأطلسي لنصف يوم. ولكن حتى تتمكن من استكشاف الخليج بالكامل، فإنه يُفضل قضاء بضعة أيام فيها، وذلك بالإقامة لليلة في منتجع أركاشون، والذهاب فيما بعد، في رحلة على طول شبه الجزيرة إلى كاب فيريت، مع أخذ الكثير من الاستراحات على الشواطئ الممتدة على طول الطريق. وأفضل الشواطئ المناسبة للسباحة هناك هي تلك التي تواجه حوض أركاشون، التي تشتهر بمياهها الصافية. كما أن الأمواج العالية لشواطئ ساحل المحيط الأطلسي تجعلها مثالية لممارسة رياضة ركوب الأمواج.
- تتبع معظم المدن المحيطة بخليج أركاشون ساعات العمل الفرنسية الرسمية، ولكن تغلق المحلات أبوابها من الظهر وحتى الساعة 2 مساء، فيما تقدم المطاعم الغداء من الظهر وحتى الساعة 2:30 ظهراً، والعشاء من الساعة 7 مساء إلى الساعة 10 مساء.
- بالنسبة لكيفية الوصول إلى هناك فإن الخليج يقع على طول الساحل الجنوبي الغربي لفرنسا في منطقة آكيتاين وجيروند، على بُعد نحو 40 ميلاً (65 كم) جنوب غربي بوردو، وأقرب مطار دولي له هو مطار بوردو - ميريجناك. هناك أيضا حافلات وقطارات تسير بشكل منتظم بين بوردو وبلدة أركاشون، وأفضل طريقة للتجول في شبه الجزيرة هي بالسيارة، إلى جانب عبَّارات تربط منتجعات أركاشون وكاب فيريت ومولو وأندرنوس، ولو كانون.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».