تثير ما يعرف بـ«سياحة الحصاد» فضول المسافرين وتعطشهم لتجربة بسيطة تقليدية، فهي تسمح لهم برؤية وتجربة بعض نشاطات ريفية تضيف قيمة أكبر إلى تجربة الإقامة في الجهة التي يقصدونها، حيث تساعد على تعزيز التواصل مع الثقافة والتراث والتقاليد المحلية من خلال التفاعل المباشر مع السكان المحليين.
ولسنوات طويلة كان الاحتفاء بسياحة الحصاد في مصر، يكاد يقتصر على التمر في سيوة والأقصر وأسوان والبدرشين؛ حيث تجتذب أشجار النخيل السياح من مختلف الجنسيات والأعمار، لارتفاعها وتجربة تسلقها المثيرة للكثيرين، إلا أنه انضمت إليها تدريجياً أنواع أخرى من رحلات الحصاد.
على رأس هذه الرحلات حالياً حصاد الياسمين والزيتون، وتطورت لتشمل مجموعة متنوعة من الفواكه والزهور مثل الفراولة والبرتقال والمانجو والزهور الطبية والشتوية، حتى باتت سياحة الحصاد عطلة مفضلة لعدد متزايد من الأشخاص محبي الطبيعة الخلابة.
«هناك عدة أمور تجعل من وجهات الحصاد في مصر مكاناً مثالياً لقضاء عطلة سياحة زراعية متعمقة»، كما تشير سالي هيثم منظمة رحلات لـ«الشرق الأوسط». توضح: «توفر هذه الأمكنة تجربة التنقل بين ربوع الطبيعة، والاستمتاع بتأمل مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، علماً بأن بعض المزارع توفر أماكن إقامة، بحيث يمكن للسياح الاختلاط مع السكان المحليين بدلاً من الإقامة في غرف الفنادق».
وتلفت إلى أن «فكرة أن الطعام المقدم الذي يُزرع ويعد محلياً، يسهل دعم الزراعة المستدامة وخفض البصمة الكربونية أثناء السفر، وهو اتجاه عالمي مهم ومتنامٍ».
الرائع أن البعض يحرص على ارتداء ملابس ريفية أثناء المشاركة في لحظات الحصاد، كي تكتمل التجربة، كما يحرص عدد من الزائرين على زيارة الأهالي في منازلهم، للمشاركة في تحضير تناول الطعام.
محافظة البحيرة شمال مصر واحدة من أهم مقاصد سياحة حصاد الفراولة، وهو من أطول مواسم الحصاد، حيث يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) حتى يونيو (حزيران) ويجتذب الكثيرين، كما تتزين المزارع باللون الأحمر.
ومع إشراقة الشمس تمتد الأيدي لجمع الفراولة وسط فرحة عارمة والزغاريد التي تطلقها النساء، تعبيراً عن فرحتهن ويقوم الجميع بجني ثمار الفراولة، وهنا لا يستمتع الزائر للحقول فقط بالمنظر الملون الممتد، إنما كذلك تلك الرائحة الرائعة التي تفوح وسط المساحات الشاسعة من الأراضي الخضراء التي يغطيها اللون الأحمر.
الإسماعيلية، والقناطر الخيرية في مقدمة وجهات الحصاد التي تنظمها «أيمان الله أشرف» صاحبة مبادرة «سفر الروح»، التي تقول: «أصبح الحصاد يمثل نزهة جميلة وفرصة للتزود بالثقافة الريفية واستكشاف جمال مصر». وتتابع: «إنها لحظات خاصة من قطف النجاح والسعادة وليس مجرد قطف ثمار محصول ما».
على سبيل المثال، كما تشير أيمان الله، يتم تنظيم رحلات في الشتاء إلى مدينة الإسماعيلية وهي من أجمل مدن القناة، «خلال الرحلة يتم الجلوس وسط الخضرة وتناول (الفطير الفلاحي)، ويقوم الزوار بجمع الفراولة أو المانجو، وفقاً لموسم كل منهما، ثم التوجه لزيارة معالم المدينة مثل متاحفها وحدائقها، ونتناول السمك على البحر».
وعلى أنغام أغنيتي «أبو صرة يا حليوة» و«ياللي زرعتـوا البرتقال... يلا اجمعـوه آن الأوان»، وغيرهما من الأغاني القديمة والتراثية الأخرى يقوم زائرو مزارع القليوبية، التي تحولت إلى وجهة سياحية في موسم حصاد الموالح، بجمع محصول جمع البرتقال أو «ملك الفيتامينات» كما يحلو للمصريين أن يطلقوا عليه.
وأنصحك في هذه الحالة بالتوجه إلى منطقة «القناطر الخيرية» على وجه التحديد أو «عروس القليوبية» التي تبعد عن القاهرة نحو مسافة 25.8 كم، ففي هذه الحالة لن تستمتع فقط بحصاد البرتقال أو الليمون وغير ذلك، إنما ستجد نفسك داخل قطعة من الجمال الطبيعي، حيث يوجد بها العديد من المساحات الخضراء والحدائق التي تتجاوز الـ500 فدان.
كما أنك بعد أن تنتهي من لحظات الحصاد وتفرغ من الاستمتاع بمذاق الثمار التي جمعتها بيدك، يمكنك أن تزور عدة أماكن سياحية هامة مثل «قناطر محمد علي» التي تعد تحفة فنية وأثرية، وكذلك متحف الري الذي توجد به وسائل الري منذ عهد الحضارة المصرية القديمة إلى الآن، وبه مجسمات للسد العالي، والصوت والضوء؛ ليسرد تاريخ الري في مصر، فضلاً عن زيارة مجموعة من الحدائق النادرة والأشجار المعمرة التي تشتهر بها، والشلالات، ولا يفوتك أن تتجول في القناطر بعربة الحنطور.
في جنوب مصر أيضاً تتعدد مقاصد سياحة الحصاد، منها حصاد الفلفل الأحمر في قرية «القوصية» بأسيوط الجاذب للكثيرين، لكنك هذه المرة ربما تضطر إلى أن تضع على وجهك كمامة بسبب تأثير الفلفل القوي على العين والأنف، لكن ذلك لن يمنعك من قضاء وقت ممتع داخل الحقول، وأنت تراقب السكان المحليين وهم يجمعون المحصول.
ومن تجربة الحصاد في أسيوط، إلى زيارة العديد من المواقع الأثرية بالمحافظة، حيث تزخر بمعالم عديدة منها منطقة «مير» الأثرية، وهي منطقة آثار فرعونية تضم مقابر لحكام الإقليم 14 من أقاليم مصر العليا في الدولتين القديمة والوسطى، كما أنه من الضروري زيارة قصر «ألكسان» أحد أروع القصور المصرية، الذي يحوي تحفاً وتماثيل منحوتة من المعادن، كما يضم حديقة تزخر بالأشجار النادرة.
أما «دير المحرق» الذي مكثت به العائلة المقدسة حوالي ستة أشهر، فلو قمت بزيارته فإنك بذلك ستكون وصلت إلى آخر بقعة في صعيد مصر بلغتها العائلة المقدسة في رحلتها التاريخية المباركة من الشمال إلى الجنوب، وفق العديد من المصادر التاريخية. أما أيقونة وجهات سياحة الحصاد في مصر فهي بلا منازع قرية «شبرا بلولة» التابعة لمحافظة الغربية، والشهيرة بإنتاج أكثر من 50 في المائة من الياسمين في العالم، بمجرد أن تقترب منها ستسحرك رائحة الياسمين التي تملأ الأجواء، وحين تقترب أكثر يبهرك مشهد الحقول، حيث تبدو كما لو أنها لوحة فنية أبدعت ريشة فنان في رسمها باللونين الأبيض والأخضر.