كيف تقضي يوماً ممتعاً في الريف المصري؟

«سياحة الحصاد» برائحة الياسمين ومذاق الزيتون والفواكه

يعتبر الكثيرون رحلات الحصاد فرصة للاستجمام والتقاط الصور وسط الطبيعة (تصوير إيهاب علي)
يعتبر الكثيرون رحلات الحصاد فرصة للاستجمام والتقاط الصور وسط الطبيعة (تصوير إيهاب علي)
TT

كيف تقضي يوماً ممتعاً في الريف المصري؟

يعتبر الكثيرون رحلات الحصاد فرصة للاستجمام والتقاط الصور وسط الطبيعة (تصوير إيهاب علي)
يعتبر الكثيرون رحلات الحصاد فرصة للاستجمام والتقاط الصور وسط الطبيعة (تصوير إيهاب علي)

تثير ما يعرف بـ«سياحة الحصاد» فضول المسافرين وتعطشهم لتجربة بسيطة تقليدية، فهي تسمح لهم برؤية وتجربة بعض نشاطات ريفية تضيف قيمة أكبر إلى تجربة الإقامة في الجهة التي يقصدونها، حيث تساعد على تعزيز التواصل مع الثقافة والتراث والتقاليد المحلية من خلال التفاعل المباشر مع السكان المحليين.

ولسنوات طويلة كان الاحتفاء بسياحة الحصاد في مصر، يكاد يقتصر على التمر في سيوة والأقصر وأسوان والبدرشين؛ حيث تجتذب أشجار النخيل السياح من مختلف الجنسيات والأعمار، لارتفاعها وتجربة تسلقها المثيرة للكثيرين، إلا أنه انضمت إليها تدريجياً أنواع أخرى من رحلات الحصاد.

تصوير علي الدين أحمد

على رأس هذه الرحلات حالياً حصاد الياسمين والزيتون، وتطورت لتشمل مجموعة متنوعة من الفواكه والزهور مثل الفراولة والبرتقال والمانجو والزهور الطبية والشتوية، حتى باتت سياحة الحصاد عطلة مفضلة لعدد متزايد من الأشخاص محبي الطبيعة الخلابة.

«هناك عدة أمور تجعل من وجهات الحصاد في مصر مكاناً مثالياً لقضاء عطلة سياحة زراعية متعمقة»، كما تشير سالي هيثم منظمة رحلات لـ«الشرق الأوسط». توضح: «توفر هذه الأمكنة تجربة التنقل بين ربوع الطبيعة، والاستمتاع بتأمل مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، علماً بأن بعض المزارع توفر أماكن إقامة، بحيث يمكن للسياح الاختلاط مع السكان المحليين بدلاً من الإقامة في غرف الفنادق».

وتلفت إلى أن «فكرة أن الطعام المقدم الذي يُزرع ويعد محلياً، يسهل دعم الزراعة المستدامة وخفض البصمة الكربونية أثناء السفر، وهو اتجاه عالمي مهم ومتنامٍ».

الرائع أن البعض يحرص على ارتداء ملابس ريفية أثناء المشاركة في لحظات الحصاد، كي تكتمل التجربة، كما يحرص عدد من الزائرين على زيارة الأهالي في منازلهم، للمشاركة في تحضير تناول الطعام.

حصاد الفراولة (تصوير علي الدين أحمد)

محافظة البحيرة شمال مصر واحدة من أهم مقاصد سياحة حصاد الفراولة، وهو من أطول مواسم الحصاد، حيث يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) حتى يونيو (حزيران) ويجتذب الكثيرين، كما تتزين المزارع باللون الأحمر.

ومع إشراقة الشمس تمتد الأيدي لجمع الفراولة وسط فرحة عارمة والزغاريد التي تطلقها النساء، تعبيراً عن فرحتهن ويقوم الجميع بجني ثمار الفراولة، وهنا لا يستمتع الزائر للحقول فقط بالمنظر الملون الممتد، إنما كذلك تلك الرائحة الرائعة التي تفوح وسط المساحات الشاسعة من الأراضي الخضراء التي يغطيها اللون الأحمر.

حصاد الياسمين في قرية شبرا بلولة يجتذب الكثيرين (تصوير إيهاب علي)

الإسماعيلية، والقناطر الخيرية في مقدمة وجهات الحصاد التي تنظمها «أيمان الله أشرف» صاحبة مبادرة «سفر الروح»، التي تقول: «أصبح الحصاد يمثل نزهة جميلة وفرصة للتزود بالثقافة الريفية واستكشاف جمال مصر». وتتابع: «إنها لحظات خاصة من قطف النجاح والسعادة وليس مجرد قطف ثمار محصول ما».

على سبيل المثال، كما تشير أيمان الله، يتم تنظيم رحلات في الشتاء إلى مدينة الإسماعيلية وهي من أجمل مدن القناة، «خلال الرحلة يتم الجلوس وسط الخضرة وتناول (الفطير الفلاحي)، ويقوم الزوار بجمع الفراولة أو المانجو، وفقاً لموسم كل منهما، ثم التوجه لزيارة معالم المدينة مثل متاحفها وحدائقها، ونتناول السمك على البحر».

وعلى أنغام أغنيتي «أبو صرة يا حليوة» و«ياللي زرعتـوا البرتقال... يلا اجمعـوه آن الأوان»، وغيرهما من الأغاني القديمة والتراثية الأخرى يقوم زائرو مزارع القليوبية، التي تحولت إلى وجهة سياحية في موسم حصاد الموالح، بجمع محصول جمع البرتقال أو «ملك الفيتامينات» كما يحلو للمصريين أن يطلقوا عليه.

وأنصحك في هذه الحالة بالتوجه إلى منطقة «القناطر الخيرية» على وجه التحديد أو «عروس القليوبية» التي تبعد عن القاهرة نحو مسافة 25.8 كم، ففي هذه الحالة لن تستمتع فقط بحصاد البرتقال أو الليمون وغير ذلك، إنما ستجد نفسك داخل قطعة من الجمال الطبيعي، حيث يوجد بها العديد من المساحات الخضراء والحدائق التي تتجاوز الـ500 فدان.

حصاد الياسمين في قرية شبرا بلولة يجتذب الكثيرين (تصوير إيهاب علي)

كما أنك بعد أن تنتهي من لحظات الحصاد وتفرغ من الاستمتاع بمذاق الثمار التي جمعتها بيدك، يمكنك أن تزور عدة أماكن سياحية هامة مثل «قناطر محمد علي» التي تعد تحفة فنية وأثرية، وكذلك متحف الري الذي توجد به وسائل الري منذ عهد الحضارة المصرية القديمة إلى الآن، وبه مجسمات للسد العالي، والصوت والضوء؛ ليسرد تاريخ الري في مصر، فضلاً عن زيارة مجموعة من الحدائق النادرة والأشجار المعمرة التي تشتهر بها، والشلالات، ولا يفوتك أن تتجول في القناطر بعربة الحنطور.

في جنوب مصر أيضاً تتعدد مقاصد سياحة الحصاد، منها حصاد الفلفل الأحمر في قرية «القوصية» بأسيوط الجاذب للكثيرين، لكنك هذه المرة ربما تضطر إلى أن تضع على وجهك كمامة بسبب تأثير الفلفل القوي على العين والأنف، لكن ذلك لن يمنعك من قضاء وقت ممتع داخل الحقول، وأنت تراقب السكان المحليين وهم يجمعون المحصول.

ومن تجربة الحصاد في أسيوط، إلى زيارة العديد من المواقع الأثرية بالمحافظة، حيث تزخر بمعالم عديدة منها منطقة «مير» الأثرية، وهي منطقة آثار فرعونية تضم مقابر لحكام الإقليم 14 من أقاليم مصر العليا في الدولتين القديمة والوسطى، كما أنه من الضروري زيارة قصر «ألكسان» أحد أروع القصور المصرية، الذي يحوي تحفاً وتماثيل منحوتة من المعادن، كما يضم حديقة تزخر بالأشجار النادرة.

جانب من رحلات السفر إلى الريف المصري من أجل الحصاد (تصوير إيهاب علي)

أما «دير المحرق» الذي مكثت به العائلة المقدسة حوالي ستة أشهر، فلو قمت بزيارته فإنك بذلك ستكون وصلت إلى آخر بقعة في صعيد مصر بلغتها العائلة المقدسة في رحلتها التاريخية المباركة من الشمال إلى الجنوب، وفق العديد من المصادر التاريخية. أما أيقونة وجهات سياحة الحصاد في مصر فهي بلا منازع قرية «شبرا بلولة» التابعة لمحافظة الغربية، والشهيرة بإنتاج أكثر من 50 في المائة من الياسمين في العالم، بمجرد أن تقترب منها ستسحرك رائحة الياسمين التي تملأ الأجواء، وحين تقترب أكثر يبهرك مشهد الحقول، حيث تبدو كما لو أنها لوحة فنية أبدعت ريشة فنان في رسمها باللونين الأبيض والأخضر.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.