مصر لتطوير منطقة سقارة الأثرية تمهيداً لافتتاح هرم زوسر

«الآثار» و«الإسكان» توقّعان بروتوكول تعاون لإنشاء خدمات للزائرين

منطقة آثار سقارة من أهم المناطق الأثرية وأقدمها في الجيزة
منطقة آثار سقارة من أهم المناطق الأثرية وأقدمها في الجيزة
TT

مصر لتطوير منطقة سقارة الأثرية تمهيداً لافتتاح هرم زوسر

منطقة آثار سقارة من أهم المناطق الأثرية وأقدمها في الجيزة
منطقة آثار سقارة من أهم المناطق الأثرية وأقدمها في الجيزة

قرّرت الحكومة المصرية تطوير منطقة سقارة الأثرية، تمهيداً لافتتاح هرم زوسر، الذي يجري ترميمه حالياً. ووقّع أمس، الدكتور خالد العناني، وزير الآثار المصري، والدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية المصري، ورئيس مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، بروتوكول تعاون لتقديم خدمات الزائرين والسياح وتشغيلها في منطقة آثار سقارة بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة).
وقال العناني، في بيان صحافي أمس، إنّ «البروتوكول يأتي في إطار التعاون المثمر والبناء بين وزارتي الآثار والإسكان للحفاظ على التراث الأثري والحضاري، وتطوير الخدمات في المنطقة الأثرية للزائرين، مما ينشط السياحة الوافدة إليها، ويشجع على جذب الزائرين لقضاء وقت أطول في زيارة تلك المنطقة الأثرية».
وقد وُقّع البروتوكول بعد موافقة اللجنة الدائمة للآثار على الدراسة المقدمة لتطوير خدمات الزائرين، بما يتلاءم مع بانوراما المنطقة الأثرية، حيث تُنفّذ الأعمال تحت إشراف المنطقة الأثرية المختصة وقطاع المشروعات في وزارة الآثار.
يأتي ذلك، في الوقت الذي يتواصل العمل بمشروع ترميم هرم زوسر المدرج في منطقة سقارة، تمهيداً لافتتاحه في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
من جانبه، أوضح وزير الإسكان أنّ «الوزارة ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، تتولى بموجب هذا البروتوكول، مصاريف التمويل والاعتمادات المالية لأعمال التصميم والتنفيذ، وكل ما يلزم لإنهاء مشروع تطوير منطقة سقارة، ويتضمن ذلك إعداد الرّسومات التنفيذية، ومستندات الطرح، ومراجعة مواقع الخدمات المقترحة، التي من شأنها رفع كفاءة الخدمات في المنطقة الأثرية وتطويرها».
واشتُقّ اسم سقارة من إله الجبانة «سوكر»، ووضعت المنطقة على قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو عام 1979. ويرى الآثاريون أنّ منطقة سقارة من المناطق الواعدة أثرياً، حيث لم «يُكشف سوى عن ثلث آثارها»، ويظهر ذلك من كمّ الاكتشافات الأثرية التي أعلنتها وزارة الآثار في المنطقة، خلال العامين الماضيين، ربما كان أهمها الإعلان عن اكتشاف ورشة كاملة للتحنيط في 14 يوليو (تموز) 2018، لذلك يعمل في المنطقة عدد من البعثات الأثرية المصرية والأجنبية، من بينها بعثة أميركية، وبعثة إيطالية، وبعثة ألمانية، وبعثتان فرنسيتان، وبعثة تشيكية، وبعثتان مصريتان. وتضمّ المنطقة مجموعة من المقابر الأثرية تمثّل العصور التاريخية المختلفة بدءاً من عصر بداية الأسرات وصولاً إلى عصر الدولة الحديثة.
وقال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إنّ «وزارة الإسكان ستتولى تنفيذ مشروع تطوير منطقة آثار سقارة على غرار ما يجري حالياً في منطقة أهرامات الجيزة، التي تتولّى تطويرها شركة (أوراسكوم)»، مشيراً إلى أنّ «المشروع سيتضمّن تقديم جميع الخدمات للزائرين، مثل الكافيتريات، ودورات المياه، ومظلات لحماية السّياح من أشعة الشمس في أماكن الانتظار، وإعداد الطّرق المؤدية إلى المزارات الأثرية»، مؤكداً أنّ «أعمال التطوير تقتصر على حدود المنطقة الأثرية، وليست لها علاقة بما هو خارجها».
وقبل شهور عدّة، حصلت شركة «أوراسكوم» على عقد تطوير منطقة آثار الهرم في الجيزة، لتقديم الخدمات للزائرين، وتشغيل العربات الكهربائية لنقل السياح داخل المنطقة الأثرية. وقال العناني، في تصريحات صحافية، إنّ «الوزارة تعقد اجتماعات دورية مع شركة (أوراسكوم) لمتابعة سير مشروع التطوير»، مشيراً إلى أنّ «تنفيذ المشروع يستغرق وقتاً، خصوصاً فيما يتعلّق بالعربات الكهربائية التي ستُستورد من الخارج».
في سياق متصل، قال وزيري إنّ «الوزارة تعتزم افتتاح هرم زوسر المدرج بسقارة في نوفمبر المقبل، بعد انتهاء أعمال ترميمه من الداخل والخارج».
ويعد هرم زوسر (2687 - 2668 قبل الميلاد)، من أبرز ملامح المنطقة الأثرية، وهو أول بناء حجري في تاريخ البشرية، بناه المهندس إيمحتب من الحجر الجيري، ونتيجة لتأثيرات العوامل البيئية تعرض الهرم للكثير من الأضرار، وتساقطت بعض أحجاره، وهو الأمر الذي تطلّب البدء بمشروع لترميمه وتدعيم درجاته، وبدأ المشروع في عام 2007 في عهد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، لكنّه توقّف بعد انتفاضة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، حتى بدأ العمل به من جديد، لترميم درجاته من الخارج، وأنفاقه الدّاخلية التي يصل طولها إلى 5.5 كيلومتر.


مقالات ذات صلة

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) يصافح رئيس الحكومة الآيرلندية سيمون هاريس خلال زيارة إلى دبلن (أ.ف.ب)

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

أعلنت وزارة الخارجية المصرية استعادة مجموعة من القطع الأثرية من آيرلندا، وذلك عقب الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الآيرلندية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

عقد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري اجتماعاً، الأحد، لاستعراض إجراءات الطرح العالمي لتخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق إناء شرب على شكل رأس بيس من واحة الفيوم في مصر يعود إلى العصر البطلمي - الروماني (القرن الرابع قبل الميلاد - القرن الثالث الميلادي)... (جامعة جنوب فلوريدا)

كوكتيلات مخدرة وطقوس سحرية: كشف أسرار أكواب المصريين القدماء

كشف الباحثون عن استخدام أكواب خاصة لتقديم مزيج من العقاقير المخدرة، والسوائل الجسدية، والكحول.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق كلب ضال أمام هرم خوفو في منطقة أهرامات الجيزة (أ.ف.ب)

بفضل «أبولو»... «كلاب الأهرامات» تجذب السياح وتنشِّط المبيعات

مقطع مصور غير اعتيادي لكلب يتسلق الهرم يجذب الزوار والسائحين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)