بطل أم شرير؟ تتطلب الإجابة عن هذا السؤال القيام بجولة في الأوساط السياسية لطهران للاقتراب من وزير خارجية الجمهورية الإسلامية المثير للجدل محمد جواد ظريف... فقد اكتسب السؤال زخماً كبيراً إثر قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض عقوبات على ظريف.
تبرر واشنطن قرارها معاقبة ظريف، وهو ما يعني استبعاده من أي محادثات مستقبلية، بأنه مجرد ممثل يلعب دور وزير الخارجية، وبالتالي؛ فإن إدارة ترمب لا تعتزم تكرار خطأ الرؤساء السابقين الذين لم يفهموا طبيعة النظام الإيراني، وهو نظام لا تشكل فيه الحكومة الرسمية سوى واجهة لـ«دولة عميقة» تعمل في الظلام.
يعتقد بعض المحللين الأميركيين أن إدارة ترمب لم تثق قط في ظريف بسبب علاقاته الوثيقة بالحزب الديمقراطي الأميركي في عهد الرئيس باراك أوباما. وفقاً لوجهة النظر تلك، فقد ساعد ظريف أوباما على تحضير ما يسمى «الاتفاق النووي» بوصفه عنصراً أساسياً في ميراثه الرئاسي.
لكن المحادثات التي أدت إلى «الاتفاق النووي» بدأت قبل عامين من تعيين ظريف وزيراً للخارجية بمبادرة من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وجرت الموافقة عليها من قبل المرشد الإيراني علي خامنئي.
ومع ذلك؛ الآن، وبعد انهيار «الاتفاق النووي»، يحاول خامنئي إلقاء اللوم على الرئيس حسن روحاني وفريقه الذي يعدّ ظريف عضواً رئيسياً فيه. لكن روحاني يلقي باللوم ضمنياً على خامنئي في فشل ملحمة «الاتفاق النووي». في خطاب ألقاه يوم الخميس الماضي، ادّعى روحاني أنه طلب من «المرشد الأعلى» منحه «الصلاحيات الكاملة» فيما يتعلق بالمفاوضات مع الولايات المتحدة ودول «5+1» الأخرى. ومع ذلك، رفض خامنئي الطلب بإصراره على أن «مثل هذه المسؤولية الثقيلة» ستكون أكثر مما ينبغي بالنسبة لروحاني.
لم يثق خامنئي في أن ظريف «ليس لغزاً»، ولم يعتمد قط في إدارة السياسة الإيرانية تجاه الشرق الأوسط على وزارة الخارجية، حيث قام خامنئي بإشراك «فيلق القدس» وقائد «فيلق القدس»، قاسم سليماني، لتعزيز مصالح الجمهورية الإسلامية في لبنان وسوريا والعراق والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي واليمن وفي الأراضي الفلسطينية.
وصف الجنرال إسماعيل قاآني، الرجل الثاني بعد قاسم سليماني، تلك البلدان بأنها «خطوط دفاعية أمامية» لا يمكن التعامل معها من قبل الدبلوماسيين والسياسيين.
في الوقت ذاته؛ استخدم خامنئي رئيس الأركان المسلحة، اللواء محمد باقري، رجلاً محورياً في إدارة العلاقات مع تركيا وباكستان، ومرة أخرى استبعد ظريف ووزارة الخارجية. يتعامل كبير مستشاري خامنئي؛ علي أكبر ولايتي مع شريحة أخرى من السياسة الخارجية المتعلقة بروسيا وآسيا الوسطى وأفغانستان والهند.
هكذا تُركت الحكومة الرسمية؛ أي روحاني وظريف، للتعامل مع العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ومع سير العلاقات مع الاتحاد الأوروبي في طريق مسدودة، وكذلك انتهاء مشاعر الود مع أوباما، لم يتبقَّ لظريف سوى الفشل بصفته وزيراً للخارجية. لكن قلة من الناس على استعداد للنظر في احتمال أن يكون فشل ظريف، جزئياً على الأقل، بسبب افتقاره إلى السلطة الحقيقية، إلى جانب الكراهية المرَضية التي تكنّها إدارة ترمب لأوباما ولأي شخص مرتبط بإدارته.
حتى قبل أن يعاقب الأميركيون ظريف، كان منتقدوه في طهران يطالبون بإخفائه. يزعم حجة الإسلام حميد رسايي، عضو سابق بالبرلمان، أنه خلال فترة رئاسة أحمدي نجاد، أراد ظريف، الذي اعتزل قسراً، أن ينشق ليعيش في الولايات المتحدة؛ بل وملأ طلباً في السفارة الأميركية لدى تركيا. وقد دعا رسايي إلى سحب جواز سفر ظريف وإخضاعه للتحقيق فيما يتعلق بوجود «جواسيس أجانب في فريقه».
قال السكرتير السابق لمجلس الأمن القومي سعيد جليلي بخطاب ألقاه في همدان الأسبوع الماضي، إن معاقبة ظريف ليست سوى وسيلة إضافية لضغط واشنطن على إيران، ولا تعني ضمناً تصميمها على قطع القنوات مع طهران.
وصف أحد نجوم شبكة الإذاعة والتلفزيون الرسمية الإيرانية ظريف بأنه «وزير الخارجية الأكثر تأييداً للغرب والأكثر (كفراً) في تاريخ الجمهورية الإسلامية». ويدّعي أن ظريف «يستحق تماماً ما يتعرض له من إذلال».
في مقال افتتاحي أمس، زعمت «وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)»، التي يسيطر عليها فصيل روحاني، أنه بينما كان فريق يحاول تحريض الولايات المتحدة على شن حرب ضد إيران، كان هناك فريق آخر في طهران يحاول غلق جميع قنوات الحوار الدبلوماسي السلمي. وفي ذلك التحليل، وقع ظريف ضحية لكلا الفريقين.
أظهرت لقاءات ظريف شبه السرية مع السيناتور الديمقراطي ديان فاينشتاين والجمهوري راند بول، على الأقل اجتماعين مع اثنين من «جامعي التبرعات» الأقرب لترمب في نيويورك، أن ظريف لا يزال قادراً على جعل كثير من العناصر في الولايات المتحدة يستمعون إليه بتعاطف. لم يتم التأكيد رسمياً على التقارير التي تفيد بأن السيناتور بول قد وجّه دعوة إلى ظريف لزيارة مستشار الأمن القومي جون بولتون في البيت الأبيض، لكن لا ينبغي نفيها بوصفها مجرد شائعة.
ومع ذلك، فإن أفضل تخمين في طهران هو أنه من غير المرجح أن يُعطى ظريف دوراً في أي حوار نهائي بين خامنئي وإدارة ترمب. يقال إن آية الله يستعد لتعيين رجل جديد هو وزير الخارجية السابق كمال الدين خرازي، صاحب سجل الاتصالات الحافل مع كل من واشنطن ولندن.
وسواء كان بطلاً أم شريراً، فإن ظريف الذي وصفته واشنطن بـ«المدافع المأجور»، قد وصل إلى نهاية الطريق.
البطل أم الشرير... هل هذه نهاية ظريف؟
البطل أم الشرير... هل هذه نهاية ظريف؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة