احتفاء رسمي وشعبي بدور المرأة في مصر

المجلس القومي للمرأة يستقبل القادمات في مطار القاهرة بالورود وشعار «التاء المربوطة» (الشرق الأوسط)
المجلس القومي للمرأة يستقبل القادمات في مطار القاهرة بالورود وشعار «التاء المربوطة» (الشرق الأوسط)
TT

احتفاء رسمي وشعبي بدور المرأة في مصر

المجلس القومي للمرأة يستقبل القادمات في مطار القاهرة بالورود وشعار «التاء المربوطة» (الشرق الأوسط)
المجلس القومي للمرأة يستقبل القادمات في مطار القاهرة بالورود وشعار «التاء المربوطة» (الشرق الأوسط)

شاركت مصر دول العالم أمس، في الاحتفال باليوم العالمي للمرأة 8 مارس (آذار)، قبل أن تحتفل بيوم المرأة المصرية في الـ16 من الشهر نفسه، ليختتم الشهر باحتفال عيد الأم. وبالتزامن مع الاحتفالات بيوم المرأة العالمي، نظمت مصر على مدار الأيام القليلة الماضية عدة فعاليات للاحتفاء بدور المرأة المصرية في المجتمع، حيث استقبلت عضوات المجلس القومي للمرأة السيدات القادمات إلى مصر عبر مطار القاهرة الدولي، أمس، بالورود، والشوكولاته، وشعار «التاء المربوطة». وقالت مايا مرسي، رئيسة المجلس القومي للمرأة، في تصريحات صحافية، إن «المجلس كان يسعى لتنظيم احتفال مختلف بيوم المرأة العالمي، وفكرنا في توزيع شعار (التاء المربوطة) على السيدات، باعتباره رمزا وأيقونة للمرأة المصرية، وبادرة ترحيب بالقادمات من الخارج»، مشيرة إلى أن «شاشات العرض بصالات السفر والوصول بالمطار عرضت فيلم (التاء المربوطة) باللغة الإنجليزية».
وفي الإسكندرية، نظمت كلية التربية الرياضية للبنات بجامعة الإسكندرية، بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة، أمس، مسيرة على الكورنيش، تحت عنوان «معاً من أجل مصر»، انطلقت من أمام مسجد القائد إبراهيم، وحتى المبنى الإداري لجامعة الإسكندرية، وشارك فيها نحو 30 طالبة، وعدد من أعضاء هيئة التدريس.
واجتمعت نحو 5 آلاف سيدة ورائدة أعمال، أمس الجمعة، في مؤتمر She can تحت شعار «النجاح بعد الفشل»، الذي نظمته مؤسسة Entreprenelle المعنية بتدريب وتثقيف السيدات، وعرضن منتجات مشروعاتهن المختلفة من حرف تقليدية، وزهور، وطعام، وغيرها، كما شاركن في جلسات مختلفة لإبداء النصح ومشاركة الخبرات في مجال ريادة الأعمال وإدارة المشروعات، مستعرضات قصص نجاحهن.
واستكمالاً للاحتفالات، تنظم إدارة التنمية الثقافية والتواصل المجتمعي بوزارة الآثار احتفالية تحت عنوان «المرأة المصرية... تحدي الـ100 عام»، الاثنين المقبل، ببيت السناري في القاهرة. وأوضحت الدكتورة رشا كمال، رئيس إدارة التنمية الثقافية والتواصل المجتمعي، في بيان صحافي، أن «المؤتمر يحتفل بمرور 100 عام على ثورة 1919، التي خرجت فيها المرأة المصرية، للمشاركة في الحياة السياسية، ومختلف المجالات الأخرى».
ويتضمن الاحتفال معرضاً فنياً تحت عنوان «فنون نون»، يعرض مجموعة من الأعمال المستوحاة من التراث المصري، مثل الحلي، واللوحات الزيتية، والخزف، إضافة إلى مجموعة من المحاضرات بالتعاون مع مؤسسة المرأة والذاكرة عن دور المرأة المصرية في المجتمع، بالتعاون مع مؤسسة المرأة والذاكرة، من بينها محاضرة تحت عنوان «ذاكرة النساء... من أرشيف الحركة النسائية المصرية»، و«100 عام إبداع»، و«النساء ذاكرة التراث».
وقالت هدى الصدة، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة المرأة والذاكرة لـ«الشرق الأوسط» إن «المرأة المصرية ناضلت وخاضت معارك كثيرة على مدار 100 عام من أجل حقها في التعليم والعمل، واستطاعت تحقيق إنجازات في هذه الملفات»، مشيرة إلى أن «النضال ما زال مستمراً، خاصة في مجال القضاء وملف الأحوال الشخصية».
ونظم المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة، مساء أمس الجمعة، احتفالاً بهذه المناسبة، تحت عنوان «المرأة والرياضة... التغلب على التحديات»، قدمته الفنانة هند صبري، وشاركت فيه عدد من الرياضيات المصريات مثل: رانيا علواني عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، وفريدة سالم، مدربة كرة القدم، وهنا جودة الطفلة الموهوبة في عالم تنس الطاولة.
بدأت الاحتفالات بيوم المرأة العالمي الاثنين الماضي، حيث أطلقت الدكتورة مايا مرسي، جرس جلسة تداول البورصة المصرية، في بداية فعاليات الدورة الخامسة، من مؤتمر «دق جرس المساواة بين الجنسين» السنوي، موجهة التهنئة للمرأة المصرية، وقالت مرسي، في تصريحات صحافية: «نحتفل في هذه الفترة بمئوية المرأة المصرية، تحت عنوان (100 عام من الكفاح)»، مشيرة إلى أن «المرأة المصرية تعتبر شريكاً أساسياً في النهوض بالاقتصاد القومي»، مضيفة: «نعمل على زيادة تمثيل المرأة في الإدارات العليا بالقطاعين العام والخاص، لتصل إلى النسبة العالمية وهي 30 في المائة».
وأصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، أول من أمس، تقريراً عن وضع المرأة المصرية، قال فيه إن «عدد النساء بمصر في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي بلغ 47.5 مليون نسمة، أي نحو 48.5 في المائة من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 98 مليون نسمة»، مشيراً إلى أن «41 في المائة من العاملات صاحبات مهن علمية... أما الباقي فيؤدين أعمالا كتابية، أو يعملن بمهن حرفية، أو الزراعة والصيد، والبيع والخدمات».
وأشار التقرير إلى «تولي 8 سيدات حقائب وزارية من إجمالي 32 حقيبة، وتعيين 66 قاضية من إجمالي عدد القضاة البالغ عددهم 9694، إضافة إلى أن 34 في المائة من العاملين بالسلك الدبلوماسي والقنصلي سيدات».
وعلى صعيد الصحف قال التقرير إن «18 في المائة من رؤساء تحرير الصحف الحكومية من النساء، و12 في المائة أعضاء مجلس إدارة الصحف الحكومية سيدات»، موضحاً أن «نسبة مشاركة المرأة في قوة العمل وصلت إلى 21 في المائة، بينهن 89 في المائة يعملن بدوام كامل».
ووفقاً للتقرير فإن «نسبة الإناث في التعليم الجامعي بلغت 49 في المائة، بينما بلغت نسبة القيد في التعليم الابتدائي 98 في المائة... وفي التعليم الإعدادي 93 في المائة، وفي الثانوي 65 في المائة»، مشيراً إلى أن «متوسط عمر النساء في مصر بلغ 75 عاما، مقارنة بـ72 عاما للذكور».


مقالات ذات صلة

المشرق العربي مصرف سوريا المركزي (متداولة)

سوريا: تكليف امرأة بمنصب حاكم المصرف المركزي لأول مرة

أكدت مصادر سورية، اليوم الاثنين، تكليف ميساء صابرين لتكون أول امرأة بمنصب حاكم مصرف سوريا المركزي، في خطوة تُعد سابقة بتاريخ المصرف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي امرأة شابة تلتقط صورة بعلم «الثورة» السورية في دمشق (أ.ب)

تصريحات مسؤولة في الإدارة السورية الجديدة حول المرأة تثير جدلاً

أثارت تصريحات أدلت بها مديرة مكتب شؤون المرأة في الإدارة السورية الجديدة حول النساء جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وانتقادات من المجتمع المدني.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
آسيا منظر للنوافذ في المباني السكنية بالعاصمة الأفغانية كابل (إ.ب.أ)

«طالبان» تمنع النوافذ المطلة على أماكن تجلس فيها النساء

أمر المرشد الأعلى لـ«طالبان» بإغلاق النوافذ التي تطل على أماكن تجلس فيها النساء الأفغانيات وبالتوقف عن إنشائها في المباني الجديدة.

«الشرق الأوسط» (كابل)
صحتك سرطان الثدي أحد أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين النساء (جامعة ولاية كينت)

دراسة: الجراحة قد لا تفيد المصابات بسرطان القنوات الموضعي بالثدي

أكدت نتائج أولية لدراسة طبية أن التدخل الجراحي ربما لا يفيد معظم النساء المصابات بسرطان القنوات الموضعي، وهو نوع منخفض الخطورة من سرطان الثدي.

«الشرق الأوسط» (تكساس)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)