معرض القاهرة للكتاب يحتفي بالمنتجات الثقافية لمتحدي الإعاقة

شملت كتباً مسموعة وعلى طريقة «برايل» وبرامج تدريبية

منتجات يدوية من صناعة متحدي الإعاقة (الشرق الأوسط)
منتجات يدوية من صناعة متحدي الإعاقة (الشرق الأوسط)
TT

معرض القاهرة للكتاب يحتفي بالمنتجات الثقافية لمتحدي الإعاقة

منتجات يدوية من صناعة متحدي الإعاقة (الشرق الأوسط)
منتجات يدوية من صناعة متحدي الإعاقة (الشرق الأوسط)

تسعى مصر في الآونة الأخيرة، لدمج ذوي القدرات الخاصة في الحياة العامة، عبر فعاليات اجتماعية وثقافية كبيرة، كان آخرها الدورة الـ50 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي خصص مساحات كبيرة لتمثيل ذوي الاحتياجات الخاصة في المعرض، حيث أعد منظمو المؤتمر مفاجآت سارة لهم، شملت تمثليهم كعارضين وأصحاب منتجات فنية، بجانب تقديم دور نشر خدمات ثقافية متخصصة لخدمة المكفوفين في المعرض. وعرضت 4 دور نشر إنتاجها من الكتاب المسموع والكتاب بطريقة «برايل»، وكذلك عرضت البرامج الثقافية التدريبية الخاصة بمتحدي الإعاقة بأسعار ميسرة، فضلاً عن بيع منتجات يدوية متميزة من إنتاجهم، تحت إشراف المجلس الأعلى المصري لذوي الاحتياجات الخاصة. ولاقت المشغولات الفنية لذوي التوحد، إقبالاً جيداً من رواد المعرض، الذين تبادلوا الحديث الودي مع أصحاب الأعمال الفنية من متحدي الإعاقة.
وتعد دار نشر «اقرأ لي» واحدة من رواد الكتاب المسموع في مصر، التي أطلقت تطبيقها خلال عام 2011. وبلغت مليون مشترك على مستوى الوطن العربي، كانت مجانية في بداية الأمر، ثم تحولت إلى مدفوعة مقابل اشتراك شهري مناسب، مع تخفيضات خاصة خلال فترة المعرض.
تقول هبة حافظ مسؤولة النشر في الدار، لـ«الشرق الأوسط»: «إن فرض اشتراكات على التطبيق جاء بسبب اهتمام الدار باستيفاء الحقوق المادية والفكرية لناشر الكتاب الأصلي، حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، بعد استبعاد إدخال مواد إعلانية داخل الكتاب المسموع، حتى لا ينزعج القارئ المستمع».
تضيف هبة حافظ أن «أغلب المشتركين في التطبيق من متحدي الإعاقة، إضافة إلى مشتركين آخرين يجدون في الكتاب المسموع وسيلة جيدة للمعرفة، خلال قيادتهم السيارة، وركوبهم المواصلات، وحتى خلال ساعات العمل في المنزل بالنسبة للسيدات، أو حتى قبل النوم».
وتزخر مكتبة تطبيق اقرأ بـ500 كتاب، تتنوع ما بين الحديث، والقديم، والديني، والثقافي، وكل كتاب يحمل مؤثرات صوتية مصاحبة، لدمج القارئ في بيئة الكتاب، ومنع الملل من التسلل إليه.
أما دار نشر «استورى تيل» فترى في الكتاب المسموع واحة يلجأ إليها القارئ بعد عناء يوم طويل، فتمده بالمعرفة بطريقة ميسرة، وسريعة، يقول علي عبد المنعم مدير نشر الدار لـ«الشرق الأوسط»: إن «تطبيق الدار يحتوي على 1200 كتاب، من الكتب الأكثر مبيعاً، إضافة إلى الكتب القديمة المهمة، بالإضافة إلى 50 ألف كتاب إنجليزي، حيث تعد الدار الشريك العربي لدار نشر كندية بنفس الاسم، وأطلق التطبيق منتصف العام الماضي، ولاقى رواجاً جيداً، رغم الارتفاع النسبي لاشتراكه الشهري».
الكتاب بطريقة «برايل» كان حاضراً أيضاً في معرض الكتاب، حيث حرص محمد الزيات، مدير «جمعية مزايا للمكفوفين»، على عرض إصدارات الجمعية من الكتاب الملموس، وهو مشروع أطلقته الجمعية لوضع الثقافة تحت أطراف كل كفيف.
يقول الزيات بينما أصابعه تتلمس الأحرف المطبوعة، إنه «وجد صعوبة عقب تعلمه طريقة (برايل) في إيجاد كتب مشوقة ومفيدة للقارئ، لذلك حرص على بدء مشروعة الخاص في إنتاج الكتب على طريقة (برايل) منذ 10 سنوات، نجح خلالها في الحصول على آلات الطباعة الخاصة، وإصدار 5 آلاف كتاب متنوع».
ويضيف الزيات لـ«الشرق الأوسط»: «إن الطباعة والخامات مكلفة جداً، وتحتاج إلى دعم دائم للمحافظة على استمرار ذلك المشروع»، ويأمل الزيات في أن ينضم إلى اتحاد الناشرين المصريين خلال العام الحالي، كأول دار نشر مصرية بطريقة «برايل»، كما يأمل أن تتعاقد الجمعية مع عدد من الكتاب، لإصدار أعمالهم حصريا بطريقة «برايل».
المنتجات الثقافية والتدريبية الخاصة بمتحدي الإعاقة من الأطفال، كانت حاضرة في المعرض أيضاً، حيث كلف المجلس الأعلى لذوي الاحتياجات الخاصة الجمعيات الأهلية، في عرض برامجهم التدريبية في المعرض، وإتاحتها للجمهور بأسعار ميسرة.
تقول جانيت سمير، مسؤولة البرامج التدريبية في جمعية كاريتاس مصر، ومركز سيتي لمساعدة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، أن المعرض أتاح لعائلات الأطفال شراء الأدوات التدريبية، الخاصة بمنهج «منتسوري»، وهو منهج عالمي، وُضع لمساعدة الأطفال على تخطي صعوبات التعلم. وأضافت أن «القسم الخاص في المجلس الأعلى لذوي الاحتياجات الخاصة يُتيح عدداً من البرامج، والتدريبات بالفيديو، موجهة للأمهات اللاتي لا تجيد القراءة والكتابة، لمساعدتهن على تنمية مهارات أطفالهن، وتفيد تلك البرامج كافة متحدي الإعاقة من ذوي التوحد، والشلل الدماغي، ومتلازمة داون، والإعاقة المزدوجة».



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.