الكسل... صفة وراثية أم مكتسبة؟

الجينات ونمط الحياة يساهمان في حدوثه

الكسل... صفة وراثية أم مكتسبة؟
TT

الكسل... صفة وراثية أم مكتسبة؟

الكسل... صفة وراثية أم مكتسبة؟

كشفت دراسة حديثة مسؤولية بعض الجينات عن الشعور بالكسل، وعدم الرغبة في النهوض من الفراش باكراً، وأرجعت أسباب ذلك الشعور إلى 7 جينات، هي المسؤولة عن ميل الأشخاص إلى الخمول وعدم ممارسة أي نشاط بشري.

الكسل والحمض النووي
هل الكسل في حمضك النووي؟ دائماً ما يتم الربط بين الخمول والكسل بعادات يميل إليها الشخص الكسول، دون أن يكون للجينات الموروثة أي علاقة. إلا أن دراسة حديثة نسفت هذا المفهوم، لتبرئ معها الشخص الكسول من مسؤولية ميله إلى الخمول.
أكدت الدراسة التي أجراها علماء من جامعة «أكسفورد» البريطانية في ديسمبر (كانون الأول) 2018، أن الكسل ينبع من صفات متوارثة وليست مكتسبة، عبر الجينات السبعة المسؤولة عن الكسل والخمول. واعتمدت الدراسة على بحث أجري على 91 ألفاً و105 أشخاص، عبر تحليل بياناتهم، مؤكدة أن النتائج برهنت على أن الكسل والخمول ينحصر في الواقع بعلم الوراثة. وقد ارتدى الأشخاص الذين أجريت عليهم الدراسة جهاز مراقبة مثبتاً على معصمهم لمدة أسبوع، بهدف قياس مستويات النشاط لديهم، ليتبين أن هناك 14 جيناً نصفها غير معروف، كانت مرتبطة مباشرة بنشاط الشخص. وهذه الجينات هي أجزاء من الحمض النووي (دي إن إيه) التي ترشد الجسم لأداء العمل بشكل ما.
ويمكن أن تقدم دراسة الحمض النووي نظرة جديدة حول ما إذا كانت الجينات تجعل الناس يعانون من السمنة، ولذلك هم كسالى، أو لأنهم غير نشطين مما يؤدي إلى السمنة. وربط الباحثون بين هذه الجينات المكتشفة حديثاً ومستويات النشاط لدى الأفراد في بريطانيا بعد إجراء المقارنات.
ومع هذا، يرى الباحثون أن الدراسة الحديثة على الرغم من أهميتها في تحديد الجينات المسؤولة عن الكسل، فإن العادات المكتسبة والوعي لدى الأشخاص، يساهم بشكل فعال في تقليل الشعور بالخمول.
وأوضحت الدكتورة إيدين دوهرتي التي قادت الدراسة، أن كيفية ممارسة أنشطتنا وأسبابها لا تتعلق بالجينات، مستدركة بأن فهم العمل الذي تلعبه الجينات سيساعد في تحسين فهم أسباب ونتائج عدم الرغبة في ممارسة أي نشاط بشري. وأن الخمول البشري هي مشكلة الصحة العامة المتنامية؛ لأن أنماط الحياة المستقرة للناس تزيد من خطر السمنة والسكري من النوع الثاني، وأمراض القلب والسرطان.
وقد أظهرت البيانات الأخيرة لممارسة الرياضة في إنجلترا، أن هناك واحداً من كل ستة أطفال يمارس الرياضة لمدة ساعة واحدة في اليوم، الموصى بها من قبل وزارة الصحة البريطانية. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية في سبتمبر (أيلول) 2018، فإن 40 في المائة من النساء و32 في المائة من الرجال في المملكة المتحدة، يفشلون في القيام بما يكفي من النشاط البدني للبقاء في صحة جيدة.

الكسل والذكاء
هل تصدق أن الكسل ربما يدل على الذكاء؟ في دراسة جامعة «أكسفورد» وكثير من الدراسات التي سبقتها، كان هناك إجماع على أن الأشخاص الكسالى محدودو التفكير، ولا يتمتعون بالقدر الكافي من الذكاء، وهو ما يدفعهم إلى الكسل وعدم النشاط، وأن نمط الحياة هذا يسبب لهم مشكلات صحية كثيرة.
وقد أثبتت دراسة حديثة عكس ذلك تماماً؛ حيث تناولت العلاقة بين الكسل ونسبة الذكاء المرتفعة، وتوصلت إلى أن الأشخاص الذين يبدون كسلاً أكثر مما لدى الأشخاص العاديين يتمتعون بنسبة ذكاء تفوق النسب المعتادة. وأجرى باحثون من جامعة «فلوريدا العالمية» في عام 2016، استطلاعاً للرأي بين عشرات من الطلبة.
وبناء على الاستبيان الأولي تم اختيار 60 منهم، تم تقسيمهم إلى مجموعتين، ضمت المجموعة الأولى 30 طالباً من المفكرين، والمجموعة الثانية 30 طالباً من غير المفكرين.
وأظهرت النتائج أن مجموعة الأشخاص المفكرين، كانت أقل نشاطاً من أعضاء مجموعة غير المفكرين. ورجح الباحثون أن هذه النتائج تؤيد فكرة أن غير المفكرين يُصابون بالملل بسهولة، ولذلك يحتاجون إلى ملء أوقاتهم بالأنشطة البدنية.
وشدد العلماء على أن هذه الدراسة لم تقدم تفسيراً علمياً للحقيقة المتداولة حول اتباع نمط حياة يتميز بالكسل والخمول بالنسبة للمفكرين، والأشخاص الأكثر ذكاء، ولكنها أثبتت أن هناك علاقة منطقية بين الذكاء والكسل، وهو ما يمثل دليلاً على أن نمط الحياة المستقر والروتيني يمكن أن يكون مؤشراً علمياً على الذكاء.

الكسل القاتل
أظهرت دراسة أجريت على مليون شخص، أن عدم ممارسة النشاط البدني يكلف الاقتصاد العالمي نحو 67.5 مليار دولار سنوياً، بالنسبة لتكاليف الرعاية الصحية والخسائر الإنتاجية، وأن ممارسة التمرينات لمدة ساعة يومياً يمكن أن تمنع كثيراً من هذه الخسائر.
ووجد الباحثون أن أسلوب الحياة الذي يخلو من النشاط، مرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكري والسرطان، وأن أنشطة مثل السير السريع قد تقي من الاحتمال المتزايد للموت المبكر، المرتبط بالجلوس لمدة 8 ساعات أو أكثر يومياً. وتشير التقديرات إلى أن عدم الحركة يتسبب في حدوث أكثر من 5 ملايين حالة وفاة سنوياً.
وقال أولف أيكيلوند، أستاذ في المدرسة النرويجية للعلوم الرياضية وجامعة «كامبردج»: «إن توصيات منظمة الصحة العالمية بممارسة التمرينات المعتدلة، بما لا يقل عن 150 دقيقة أسبوعياً ليست كافية على الأرجح. ولا يتبع حتى ربع البالغين في أنحاء العالم توصيات منظمة الصحة العالمية».
وأضاف أنه ليس من الضرورة أن تمارس الرياضة أو أن تذهب إلى صالة الألعاب الرياضية، ولكن من الضروري أن تفعل ذلك «بالسير أو ركوب الدراجة» لمدة ساعة يومياً.
وشدد على أن الأشخاص الذين يجلسون لمدة 8 ساعات يومياً لكنهم يمارسون نشاطاً من نواحٍ أخرى، هم أقل تعرضاً لخطر الموت المبكر، مقارنة بالأشخاص الذين يقضون ساعات أقل في الجلوس لكنهم أقل نشاطاً، مما يشير إلى أن التمارين مهمة على نحو خاص، بصرف النظر عن عدد الساعات التي يقضيها المرء في الجلوس. وأشارت الدراسة إلى أن الأشخاص الذين يجلسون لفترات طويلة ولا يمارسون أي نشاط، هم الأكثر عرضة لخطر الموت المبكر.

* أكثر الشعوب كسلاً أو نشاطاً في العالم

* وضعت دراسة سابقة أجرتها جامعة «ستانفورد» الأميركية وشملت نحو 717 ألف رجل وامرأة من 111 دولة حول العالم، قائمة بأكثر الدول كسلاً. وجاءت إندونيسيا في المركز الأول للكسل وفق الدراسة، ثم ماليزيا والفلبين وجنوب أفريقيا، بينما كانت هونغ كونغ الأكثر نشاطاً حول العالم، ثم الصين وأوكرانيا واليابان. وتم الحصول على هذه المعلومات من خلال تحليل البيانات الموجودة على هواتف 700 ألف شخص شاركوا في الدراسة.
وقال سكوت ديلب، أستاذ الهندسة الحيوية وأحد المشاركين في الدراسة، إنه تم إجراء كثير من الدراسات الاستقصائية المشابهة من قبل، ولكن الفرق هو أن هذه الدراسة وفرت بيانات من عدد أكبر من البلدان، متتبعة بذلك نشاط البشر على أساس مستمر، وهذا ما يفتح لنا الباب على طرق جديدة في ممارسة مهامنا العلمية، على نطاق أوسع من السابق.
لاحظ الباحثون من خلال دراستهم جانباً مهماً بعض الشيء، وهو أنه وعند الدلالة عن معدل السمنة في بلد ما، فإننا لا نأخذ معدل تلك الخطوات في عين الاعتبار بشكل مباشر، وإنما نأخذ الفرق بين من هم أكثر نشاطاً جسدياً ومن هم الأكثر كسلاً، وكلما اتسعت تلك الفجوة كلما زاد عدد الأشخاص المصابين بالسمنة في ذلك البلد.
وفي مشروع بحثي آخر قامت به الباحثة جور ليسكوفيك، أوضحت فيه أن النساء هنَّ الأكثر تأثراً في هذه الدراسة؛ حيث أوضحت أنهنَّ الأقل نشاطاً من الرجال، وهذا هو سبب ارتفاع معدلات البدانة بين النساء أكثر من الرجال.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني
TT

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

صمم نظام ذكاء اصطناعي جديد توربين رياح لأول مرة في التاريخ، وفقاً لمطوره.

نظام ذكاء هندسي ثوري

وأعلنت شركة «EvoPhase» البريطانية أن الذكاء الاصطناعي الخاص بها تخلى عن جميع القواعد الراسخة في هندسة مثل هذه الأجهزة. وبناءً على اختباراتها، فإن اختراعها أكثر كفاءة بسبع مرات من التصميمات الحالية.

تتكون «شفرة برمنغهام» The Birmingham Blade -كما تسمي الشركة التوربين- من ست أذرع موازية للأرض متصلة بمحور عمودي مركزي. وتحتوي كل ذراع على شفرة رأسية، وسطح به موجتان تغيران زاوية هجومهما عبر ارتفاعها وطولها.

لعمل مع سرعات رياح منخفضة

يتم تحسين توربينات الرياح التقليدية لسرعات رياح تبلغ نحو 33 قدماً في الثانية. في المقابل، تم تصميم «الشفرة» لسرعات الرياح المتوسطة المنخفضة النموذجية للمناطق الحضرية مثل برمنغهام، والتي تبلغ نحو 12 قدماً في الثانية. هذا يزيد قليلاً عن ثمانية أميال (13كلم تقريباً) في الساعة.

وتم تحسين التصميم للعمل بين المباني الشاهقة التي تنتج أنماط اضطراب تؤثر على فاعلية تصميمات التوربينات الحضرية الأخرى. وإذا ثبت أن هذا صحيح، فقد يفتح التصميم الباب أمام إنتاج كهرباء غير محدود في المباني المكتبية والسكنية بتكلفة تكاد تكون معدومة.

يقول ليونارد نيكوسان، كبير مسؤولي التكنولوجيا في الشركة، في بيان صحافي: «كان استخدام الذكاء الاصطناعي ضرورياً للتحرر من التحيزات طويلة الأمد التي أثرت على تصميمات التوربينات خلال القرن الماضي. سمح لنا الذكاء الاصطناعي باستكشاف إمكانيات التصميم خارج نطاق التجارب البشرية التقليدية».

وفقاً لنيكوسان، تمكن المصممون من «توليد واختبار وتحسين أكثر من 2000 تصميم لتوربينات الرياح في غضون أسابيع قليلة، ما أدى إلى تسريع عملية التطوير لدينا بشكل كبير وتحقيق ما كان يستغرق سنوات وملايين الجنيهات من خلال الطرق التقليدية».

سحر «التصميم التطوري»

«التصميم التطوري الموجه بالذكاء الاصطناعي» هو منهجية تقوم على نفس فكرة الانتقاء الطبيعي. تبدأ العملية بتوليد آلاف المتغيرات التصميمية التي يتم تقييمها وفقاً لوظيفة «البقاء للأفضل»، والتي تحدد مدى نجاح كل متغير في تلبية أهداف المشروع. ويختار الذكاء الاصطناعي أفضل البدائل لاستخدامها أساساً لتكرارات جديدة، وإعادة الجمع بين الميزات وتنويعها لتطوير إصدارات محسنة.

تتكرر هذه الخطوات حتى يصل الذكاء الاصطناعي إلى حل يحقق تحسين جميع العلامات المهمة مثل الكفاءة الديناميكية الهوائية، والاستقرار الهيكلي، والوزن، أو الاكتناز.

تقول الشركة إن عمليتها تتجنب التحيزات البشرية الموجودة في الهندسة التقليدية. بطبيعتها، تكون الهندسة التقليدية محدودة بالأفكار والمعرفة السابقة.

من ناحية أخرى، يستكشف الذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من الاحتمالات دون القيود في العقل البشري. عندما تجمع بين جيل الذكاء الاصطناعي والتكرار التطوري، يمكن أن يؤدي هذا إلى نتائج مبتكرة تتحدى غالباً الفطرة السليمة ولكنها لا تزال تعمل.

إن نهج التصميم التطوري هذا ليس جديداً تماماً، إذ استخدمت صناعة الطيران والفضاء برامج بهذه القدرات لسنوات. ومثلاً استخدمت شركة «إيرباص»، بالتعاون مع شركة «أوتوديسك»، عملية مماثلة لتصميم حاجز مقصورة خفيف الوزن للغاية لطائراتها من طراز A320وظهرت النتيجة مستوحاة من هياكل العظام الطبيعية، ما أدى إلى انخفاض الوزن بنسبة 45 في المائة مقارنة بالهياكل المماثلة المصممة بالطرق التقليدية.

كما طبقت شركة «جنرال إلكتريك» الخوارزميات التطورية في إعادة تصميم حامل محرك نفاث جديد، مما أدى إلى انخفاض وزن القطعة بنسبة 80 في المائة. وتستخدم وكالة «ناسا» أيضاً هذه التقنية منذ سنوات، ففي عام 2006 استخدمت الوكالة خوارزمية تطورية لتصميم «هوائي متطور».

نجاح توربين «برمنغهام بليد»

لقد طبق فريق المصممين بقيادة الدكتور كيت ويندوز - يول من جامعة برمنغهام هذه العملية التطورية لحل مشكلة تكافح العديد من تصميمات التوربينات لمعالجتها: كيفية العمل بكفاءة في البيئات الحضرية، حيث تكون الرياح أبطأ وأكثر اضطراباً بسبب المباني.

ويقول نيكوسان: «كنا بحاجة إلى توربين يمكنه التقاط سرعات الرياح المنخفضة نسبياً في برمنغهام مع إدارة الاضطرابات الناجمة عن المباني المحيطة. وكان لا بد أن يكون التصميم أيضاً مضغوطاً وخفيف الوزن ليناسب التركيبات على الأسطح».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»