وسائل الصحة النفسية للأطفال واليافعين

تقارير في مؤتمر مجمع الأمل الدولي الخامس بمدينة جدة

وسائل الصحة النفسية للأطفال واليافعين
TT

وسائل الصحة النفسية للأطفال واليافعين

وسائل الصحة النفسية للأطفال واليافعين

انطلقت يوم أمس (الخميس) أعمال مؤتمر مجمع الأمل الدولي الخامس بمدينة جدة تحت عنوان «نحو صحة نفسية أفضل للأطفال واليافعين»، وسوف تستمر جلسات المؤتمر وورش العمل لمدة ثلاثة أيام. وقال الدكتور نواف بن عبد العزيز الحارثي، المشرف العام على مجمع الأمل للصحة النفسية بجدة ورئيس المؤتمر: إن 60 من الخبراء والمتخصصين في مجال الاضطرابات العقلية والنفسية والإدمان لدى الأطفال واليافعين من الولايات المتحدة، وبريطانيا، ولبنان، وجمهورية مصر العربية، ودول الخليج يشاركون في المؤتمر الذي تنظم فيه 33 ورشة عمل؛ وذلك لتبادل الخبرات والتخطيط المستقبلي والاستفادة من المعنيين كافة بصحة الطفل والمراهق العقلية والنفسية من خلال وضع صورة شمولية للاحتياجات الجسدية والاجتماعية.

طفولة ومراهقة
تحدث إلى «صحتك» الدكتور خالد بن عوض بازيد، أستاذ مساعد واستشاري في الطب النفسي للأطفال والمراهقين، موضحاً أن البعد الإيجابي للصحة النفسية يتجلى في تعريف الصحة الوارد في دستور منظمة الصحة العالمية، من أن الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، وليست مجرد انعدام المرض أو العجز. كما وإن للطفولة والمراهقة نصيباً كبيراً من الاهتمام العالمي، ولا سيما في الآونة الأخيرة، حيث يتم تسليط الأضواء عالمياً على احتياجات هذه الفئة العمرية، والتأكيد على أهمية الاكتشاف المبكر للاضطرابات النمائية والسلوكية، وأيضاً التدخل المبكر في العلاج الشمولي.
يضيف الدكتور بازيد: إن 20 في المائة من الأطفال والمراهقين في العالم يعانون من اضطرابات ومشكلات نفسية. ويؤكد على أن الصحة النفسية السيئة ترتبط بالتغيير الاجتماعي السريع، وظروف التحصيل العلمي، والتمييز بين الجنسين، والاستبعاد الاجتماعي، وأسلوب الحياة غير الصحي، والعنف، وانتهاكات الحقوق.
ويشير الدكتور بازيد إلى أن أكثر من نصف الأمراض والاضطرابات العقلية والنفسية تبدأ قبل سن البلوغ، كاضطرابات الذهان العقلي والوسواس القهري وتشتت الانتباه وفرط الحركة والتوحد والاضطرابات النمائية العصبية الأخرى، وفي معظم الأحيان لا تكتشف هذه الاضطرابات أو أن يتأخر علاجها.
وحسب الإحصائيات العالمية، فإن الاكتئاب هو السبب الرئيسي الثالث ضمن الاضطرابات العقلية والنفسية، كما أن الانتحار هو ثاني سبب رئيسي للوفاة في الفئة العمرية من 15 إلى 29 عاماً، بعد الحوادث المرورية. كما أنه قد لوحظ ازدياد تعاطي الكحول والمنبهات والمخدرات بين المراهقين، بل وفي سن مبكرة؛ مما يؤذِن بخطر محدق على المستويات الاجتماعية والأمنية والاقتصادية ما لم يتم التدخل من قبل الجهات المسؤولة. وقد تم اختيار هذه الحالات المرضية ذات الأولوية؛ لأنها تمثل عبئاً كبيراً من حيث الوفيات أو المراضة أو العجز، ولأنه يترتب عليها تكاليف اقتصادية باهظة وترتبط بانتهاكات لحقوق الإنسان.
ويشير الدكتور بازيد إلى استخدامات تكنولوجيا الإنترنت والأجهزة الذكية، وما لها من جوانب متعددة مفيدة إذا ما استخدمت بحكمة، وحذّر من الأفراط في استخدامها لدرجة الإدمان لما يترتب عليه من إهدار لطاقات الشباب وتوجيهها في غير ما فائدة منه، فضلاً عن مساهمتها في جلب مزيد من التوتر العصبي والضغط النفسي.
والسعودية ليست بمعزل عن العالم الذي أصبح مثل القرية الواحدة، فرغم احتفاظها بمقومات الهوية الدينية والاجتماعية، فإن أبناءها معرّضون لكل هذه الاضطرابات النفسية التي أصابت غيرهم، فضلاً عن تميزها بحداثة سن أبنائها. وأكد على الاهتمام بالصحة النفسية لأبنائنا وبناتنا، وأن تكون من أولويات وزارة الصحة عند وضع خططها المستقبلية وإطلاق مبادراتها الصحية فيما يخص «برنامج التحول الوطني 2020» و«رؤية المملكة 2030».

اضطرابات نفسية
> الانتحار ظاهرة عالمية. وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن الانتحار لا يحدث في البلدان المرتفعة الدخل فحسب، بل هو ظاهرة عالمية في جميع أقاليم العالم، وفي حقيقة الأمر، أن 75 في المائة من حالات الانتحار العالمية تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وتسجل الإحصاءات موت شخص كل 40 ثانية جراء الانتحار في مكان ما حول العالم. ويضع، في كل عام، أكثر من 800000 شخص نهاية حياته بالانتحار، وتمثل كل حالة انتحار مأساة تؤثر على الأسر والمجتمعات والبلدان بأكملها بما تحدث من آثار طويلة الأمد على من تركوهم وراءهم. ويحدث الانتحار في مختلف مراحل العمر، وبشكل خاص، نرى أن الانتحار يحتل المرتبة الثانية بين أهم أسباب الوفاة بين الشباب في الفئة العمرية 15 - 29 عاماً على مستوى العالم. وهذا مؤشر خطر يتطلب اتخاذ إجراءات فورية، إضافة إلى زيادة الوعي حول خطورة مسألة الانتحار ومحاولات الانتحار على الصحة العامة، وإعطاء قضية الوقاية من الانتحار أولوية أكبر على جدول أعمال الصحة العامة على الصعيد العالمي.

الطفل سريع الاهتياج
يكون الأطفال، في العادة، في وضع غير مستقر ومتهيج، وهذا لا يدعو للقلق بشأنهم؛ فهذا السلوك المضطرب هو ما يميز هذه المرحلة العمرية للأحداث والمراهقين، رغم كونه مؤذياً ومزعجاً للوالدين والأسرة. فالحدث تكثر طلباته ويرفض الامتثال للتوجيهات، ومن النادر أن يكون هادئاً ومستقراً، لكنه يظل سلوكاً قد يكون مقبولاً.
ووفقاً للكلية الملكية البريطانية للأطباء النفسيين Royal College of Psychiatrists، فهناك عوامل ومسببات عدة تجعل نشاط الطفل أكثر من الطبيعي، نذكر منها:
> التاريخ الأسري، كأن يعاني الآباء أنفسهم من الاكتئاب والقلق النفسي؛ مما يحول دون مشاركة أطفالهم والاستماع لهم، وهذا يقود الحدث أو اليافع لإحداث الضوضاء لجلب الاهتمام إليه.
> افتقاد البيت للقواعد والمعايير السلوكية الصحيحة، وبالتالي يفتقد الطفل هو الآخر ضبط سلوكه وأفعاله.
> المزاج. يولد الأطفال بأمزجة مختلفة، فبينما يكون بعضهم هادئاً وديعاً، يكون الآخر مزعجاً ومحدثاً للضوضاء وغير مستقر. وهذا في الحقيقة لا يقلق، وإنما يحتاج إلى توجيه الآباء إلى مساعدة أطفالهم من أجل تهذيب سلوكهم.
> صعوبة التعلم، يحتاج بعض الأطفال إلى مساعدة ذويهم في التعلم ومتابعة دراستهم بينما لا يجد أطفال آخرون أي صعوبة في ذلك؛ وهذا يدعو الآباء إلى متابعة النوع الأول من الأطفال في المدرسة ومع المعلمين.
> صعوبة السمع. قد يكون السبب مرضاً عضوياً في الأذن مثل التهاب الأذن الوسطى فيكون من الصعب على الطفل سماع ما يقوله الآخرون فيضطر إلى الصراخ ليسمعوه، وربما يحدث ضجة وضوضاء.
> الطعام. يتهيج وينزعج بعض الأطفال عندما يقدم لهم طعام لا يتذوقونه أو لا يحبونه، وهذه الحالة غير شائعة، لكنها واقع حال بعض الأطفال يجب وضعه في الحسبان.
والحل، أن على الآباء أن يشعِروا أطفالهم بأنهم موضع اهتمامهم ورعايتهم، من أجل جعلهم هادئين، وأن يعتنوا بتفاصيل حياتهم. الكلية الملكية البريطانية للأطباء النفسيين توصي بالتالي:
- اختيار أحد أيام الأسبوع لقضائه مع الأولاد، ولإتاحة الوقت لهم لتفريغ طاقاتهم وليمرحوا كما يشاؤون، ومن دون قيود.
- محاولة تشجيع الطفل بالثناء عليه وتشجعيه في كل مناسبة ممكنة، وبالذات عندما يلعب وحده بهدوء، أو عند يمارس هوايته المفضلة، كأن نقول له «أنت لاعب كرة جيد» مثلاً.
- استشارة الطبيب النفسي في حالة تكرر رفض الطفل طعاماً معيناً أو عند الشك من أنه لديه ضعف في السمع. واستشارة طبيب الأطفال، أيضاً، في حالة صعوبة التعلم أو فرط الحركة؛ لأن السلوك المفرط في الحركة للطفل هو دائماً مشكلة للوالدين والأسرة.

التبول الليلي
من الطبيعي أن يتبول معظم الأطفال، دون السنة الثانية من العمر، على أنفسهم أثناء النوم، ويستمر ذلك حتى الخامسة عندما يتعلمون السيطرة على التبول ليلاً. وربما تحدث هذه الحالة، بعد الخامسة، عندما يكون الطفل متعباً ومجهداً، أو أثناء النوم العميق، أو خلال فترة مرض ألَمَّ به، وقد يكون السبب تناوله السوائل بكثرة قبل النوم. أما إذا استمر الحال لما بعد عمر السادسة، حتى ولو مرة واحدة أسبوعياً، أو أنه عاود التبول بعد فترة انقطاع، فهذا أمر غير طبيعي ويستوجب استشارة الطبيب.
ولماذا يتبول الطفل نهاراً؟ إن نسبة 30 في المائة من الأطفال المصابين بالتبول الليلي يفعلون ذلك أثناء النهار أيضاً، وهي مشكلة مزعجة، وبخاصة عندما يبدأ الطفل الذهاب للمدرسة ويكون السبب عادة عدم تعوده على حمام المدرسة، أو بسبب لعبه لمدة طويلة وحبسه البول حتى نهاية دوام المدرسة. وتلاحظ هذه الحالة عند الفتيات بسبب التهاب المجاري البولية الذي يستجيب للعلاج الدوائي.
والحل: ينصح أطباء النفس، عادة، باتباع وسائل بسيطة تنجح في كثير من الحالات، مثل:
- عدم لوم الطفل أو جعله يشعر بأنه سيئ، وأن فعله مخجل، فيتوتر وتصبح المشكلة أصعب.
- التأكد من عدم تناول الطفل للمنبهات أو شربه السوائل قبل وقت النوم.
- أخذ الطفل إلى الحمام قبل النوم.
- الثناء على الطفل بـ«أحسنت» ومكافأته عندما يقضي ليلة من دون التبول على نفسه.
- استشارة الطبيب إذا استمرت الحالة.
وختاماً، يؤكد الدكتور خالد بازيد على أن الوقاية خير من العلاج، وعليه فيجب أن تبدأ الوقاية بالمساهمة ببناء العقلية المرنة في سن مبكرة للحد أو منع الاضطراب العقلي والنفسي لدى الأطفال والمراهقين وصغار البالغين، وذلك بتثقيف الآباء والأمهات والمعلمين، وتعريفهم العلامات المبكرة وأعراض المرض العقلي أو الاضطراب النفسي.
كما يؤكد على أهمية وجود المختصين النفسيين والاجتماعيين من ذوي الخبرة في المدارس والمؤسسات التعليمية لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي وتدريب العاملين في المجال الصحي، خصوصاً في مراكز الرعاية الأولية لتمكينهم من اكتشاف ومعالجة اضطرابات الصحة العقلية والنفسية لدى الأطفال والمراهقين.
* استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام
TT

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

مؤشرات وزن الجسم

يستخدم «مؤشر كتلة الجسم» BMI الذي يحسب مقدار وزن الجسم بالكيلوغرامات، مع الأخذ بالاعتبار مقدار طول الجسم بالمتر، ليعطينا «رقماً» يفصل بين 3 حالات: الحالة الطبيعية، وزيادة الوزن، والسمنة.

ونلجأ كذلك إلى قياس «محيط الخصر» WC بعدد السنتيمترات بوصفه «رقماً» يميز وجود سمنة البطن من عدم ذلك.

في السنوات الأخيرة ازداد ظهور أمراض ذات صلة بالسلوكيات غير الصحية في نمط عيش الحياة اليومية، وعادات الأكل السيئة، وتداعيات التقدم التكنولوجي الذي يفصل الناس عن ممارسة النشاط البدني. وقد ثبت تجريبياً أن العواقب الصحية السلبية لذلك تنمو على مستوى العالم بمعدل مثير للقلق. وهي تشمل السمنة Obesity، ومرض السكري من النوع 2، وأمراض القلب.

وإلى جانب ظهور «أمراض نمط الحياة» هذه، هناك انتشار زائد لمتلازمة التمثيل الغذائي Metabolic Syndrome، وهي مجموعة من الاضطرابات الأيضية في العمليات الكيميائية الحيوية التي تجري في الجسم، وترتبط بمقاومة الجسم لمفعول الإنسولين، ونشوء عمليات بطيئة ومستمرة في الالتهابات، واضطرابات الدهون في الدم (خصوصاً ارتفاع الدهون الثلاثية)، وارتفاع ضغط الدم.

«سمنة مركزية» ووزن طبيعي

ومن بين كل ذلك، تطفو السمنة البطنية (السمنة المركزية Central Obesity)، التي تتميز بزيادة كمية الأنسجة الشحمية (الشحوم الصفراء) داخل البطن، بوصفها علامة مميزة في كثير من تلك الحالات.

والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل الأمر في شأن الأضرار الصحية مرتبط بالسمنة بوصفها حالة عامة في زيادة كتلة عموم الجسم أم أن الأمر مرتبط على وجه الخصوص بزيادة تراكم الشحوم في البطن (محيط منطقة الوسط)؟

والأدق أيضاً في طرح هذا السؤال عندما يكون لدى المرء حالة «الوزن الطبيعي مع سمنة بطنية» NWCO، أي عندما يكون وزن الجسم طبيعياً لدى الشخص بالنسبة لطوله، ولكن في الوقت نفسه لديه سمنة بطنية... هل من الممكن أن يكون هذا الشيء ضاراً ويمثل خطراً صحياً؟

والإجابة عن هذا السؤال تحتاج بداية إلى التساؤل بالأصل: هل ثمة «مشروعية طبية» لطرح مثل هذا السؤال؟

والإجابة نعم بالتأكيد، أن ثمة مشروعية طبية في طرح هذا السؤال لدواع شتى، أهمها اثنان، هما:

- الداعي الأول أن هناك أمثلة من سمنة أجزاء معينة في الجسم، ثبت أن ليس لها ضرر صحي واضح، حتى لو كان لدى الشخص ارتفاع في مقدار وزن الجسم، وارتفاع في مؤشر كتلة الجسم. وتحديداً أفادت نتائج دراسات عدة بأن سمنة شحوم الأرداف بحد ذاتها لدى النساء، ليس لها تأثير صحي ضار يوازي وجود سمنة تراكم شحوم البطن لديهن. وكذلك ثبت أن سمنة كتلة عضلات الجسم (زيادة مقدار وزن الجسم بسبب زيادة وزن كتلة العضلات فيه وليس زيادة تراكم الشحوم)، التي قد تزيد في مقدار مؤشر كتلة الجسم لتجعله ضمن نطاق السمنة، ليس لها تأثيرات سلبية مقارنة مع سمنة زيادة كتلة الشحوم في الجسم بالعموم وفي البطن على وجه الخصوص. وثبت أيضاً أن سمنة الوزن الطبيعي، مع تدني حجم كتلة العضلات، وارتفاع كتلة الشحوم Sarcopenic Obesity، لها تأثيرات ضارة لا تقل عن سمنة زيادة مؤشر كتلة الجسم.

- الداعي الآخر أن نحو 25 في المائة من البالغين ذوي الوزن الطبيعي، يُصنفون بالفعل على أن لديهم سمنة تراكم شحوم البطن، وفي الوقت نفسه يكون وزن أجسامهم طبيعياً، وفق «المجلة الطبية البريطانية BMJ» عدد 26 أبريل (نيسان) 2017. وهذه النسبة مقاربة جداً للإحصاءات الطبية في الولايات المتحدة. وفي مجتمعات أخرى ثبت أنها أعلى وفق نتائج دراسات طبية فيها. وهي نسبة مهمة بين عموم البالغين الذين قد يعتقدون أن كون مقدار وزن جسمهم طبيعياً يعني تلقائياً أنه لا ضرر متوقعاً عليهم من تراكم الشحوم في بطونهم.

دراسات سمنة البطن

والملاحظ أن الأوساط الطبية تأخرت كثيراً في الاهتمام بهذه الوضعية الصحية ومعرفة آثارها. وأيضاً تأخرت في وضع إرشادات ونصائح طبية للتعامل معها. وفي دراسة مشتركة لباحثين من جامعة آيوا، ومن كلية ألبرت آينشتاين للطب بنيويورك، ومن جامعة كاليفورنيا، ومن كلية الطب بجامعة هارفارد، ومن مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل، تم طرح الأمر في دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بالوفيات بين النساء». ونشر ضمن عدد 24 يوليو (تموز) 2019 من مجلة «شبكة جاما المفتوحة» JAMA NETWORK Open، الصادرة عن «الجمعية الطبية الأميركية» AMA.

وقال فيها الباحثون: «السمنة المركزية، التي تتميز بتراكم الشحوم في منطقة البطن بشكل مرتفع نسبياً، ارتبطت بارتفاع خطر الوفاة، بغض النظر عن مقدار مؤشر كتلة الجسم. ومع ذلك، فإن الأفراد الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي مع السمنة المركزية يتم إهمالهم عادة في الإرشادات الإكلينيكية. وعلاوة على ذلك لا يحظى الأفراد الذين يعانون من السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي باهتمام كبير في وضع استراتيجيات الحد من المخاطر، مثل تعديلات نمط الحياة والتدخلات الأخرى».

ولكن حتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، قد يكون أولئك الذين يعانون من السمنة المركزية مُعرّضين لخطر زائد للوفاة بسبب تراكم الشحوم المفرط في البطن. وفي نتائج دراستهم التي شملت أكثر من 160 ألف امرأة أفادوا بالقول: «ارتبطت السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة بالسرطان، مقارنة بالوزن الطبيعي دون السمنة المركزية».

عوامل خطر أيضية قلبية

ومن ثمّ بدأت تصدر دراسات طبية من مناطق مختلفة من العالم حول هذا الأمر. وعلى سبيل المثال، نذكر دراسة حديثة من الصين، وأخرى من بنما.

وفي دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع ضغط الدم»، تم نشرها العام الماضي، عدد 8 مارس (آذار) 2023 من مجلة «BMC» لاضطرابات القلب والأوعية الدموية، لباحثين من الصين، أفادوا بالقول: «السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي (NWCO) هي حالة أيضية تم وصفها أخيراً في عدد قليل من الدراسات. ويتم تجاهل الأفراد المصابين بها بسهولة في الرعاية الصحية الروتينية، بسبب التركيز الصارم على مؤشر كتلة الجسم».

وأضافوا: «قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم كبيرة في الجسم، وهو ما لا يظهر عندما يكون مقدار مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وتشير الأدلة الموجودة إلى أن السمنة المركزية، التي تتميز بالتراكم المرتفع نسبياً للشحوم في البطن، ترتبط ارتباطاً أقوى بعوامل الخطر الأيضية القلبية من السمنة العامة، وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي». وخلصوا في نتائجهم إلى القول: «ترتبط السمنة المركزية، كما هو محدد بواسطة محيط الخصر، بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى البالغين ذوي مؤشر كتلة الجسم الطبيعي».

وضمن عدد يونيو (حزيران) 2022 من مجلة «لانسيت للصحة الإقليمية - بالأميركتين» The Lancet Regional Health - Americas، نشر باحثون من كلية الطب بجامعة بنما، حول انتشار السمنة المركزية والتعرف على مدى وجود عوامل الخطر القلبية الأيضية Cardiometabolic risk لديهم.

ويتم تعريف مخاطر القلب والأيض على أنها مجموعة من التشوهات في العمليات الأيضية الكيميائية الحيوية، وفي القلب، وفي الأوعية الدموية، بما في ذلك السمنة البطنية، ومقاومة الإنسولين، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكولسترول، ودهون الدم، وتصلب الشرايين، التي تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، ومرض السكري من النوع 2.

ولاحظوا أن باستخدام مؤشر «نسبة الخصر إلى الطول»WHtR، كان معدل انتشار السمنة البطنية نحو 44 في المائة بين الذين بالأساس لديهم مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وقالوا في نتائجهم: «ارتبطت السمنة البطنية مع الوزن الطبيعي للجسم بعوامل الخطر القلبية الوعائية، خصوصاً مع ارتفاع تركيز الدهون الثلاثية. قد يكون تقييم السمنة البطنية على مستوى الرعاية الصحية الأولية تقنية مفيدة لتحديد الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي مع خصائص السمنة الأيضية».

ولذا إذا أردنا ألا نفقد متابعة هذه الفئة من الناس، فيجدر قياس محيط الوسط مع قياس وزن الجسم وحساب مؤشر كتلة الجسم، والالتفات إلى كليهما في التقييم الإكلينيكي. وللتوضيح، على الرغم من حقيقة أن مؤشر كتلة الجسم يتم استخدامه على نطاق واسع لتحديد السمنة في الممارسة الإكلينيكية، فإن أحد القيود المهمة لمؤشر كتلة الجسم هو أنه لا يميز بين أشكال مكونات تركيبات أجزاء الجسم المختلفة، حيث قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم متزايدة في منطقة من الجسم، ولكنها قد تكون مخفية بالقيمة الطبيعية لمؤشر كتلة الجسم.

وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، فإن أولئك الذين لديهم نسبة عالية من الشحوم في الجسم، لديهم انتشار أعلى لمتلازمة التمثيل الغذائي ومكوناتها من أولئك الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي، ونسبة شحوم في الجسم طبيعية.

25 % من البالغين ذوي الوزن الطبيعي لديهم سمنة تراكم شحوم البطن

تشخيص السمنة بالأساس مجرد حسابات من الأرقام

* عند التكلم عن السمنة في جانب التشخيص، علينا ابتداءً استخدام لغة الأرقام. ومن بين عدة «طرق» مطروحة لدى الأوساط العلمية والطبية، يظل «الأشهر»، و«الأقرب» هو الطرق الأربع التالية في تقييم وزن الجسم والسمنة:

- حساب «مؤشر كتلة الجسم» BMI يتم بقسمة مقدار الوزن بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم بالمتر. و«الطبيعي» أن يكون مؤشر كتلة الجسم ما بين 20 إلى 25، أما ما بين 25 و30 فهو «زيادة في الوزن»، وما بين 30 إلى 35 فهو «سمنة»، وما بين 35 و40 فهو «سمنة شديدة»، وما فوق ذلك هو «سمنة مفرطة».

- حساب محيط الخصر Waist Circumference هو طريقة مهمة في تقييم سمنة البطن بالذات. وبدقة، يتم قياس محيط الخصر عند مستوى منتصف المسافة بين أدنى ضلع ملموس وبين الحافة الحرقفية لأعلى قوس عظمة الحوض، وذلك تقريباً أعلى قليلاً من السرّة، بعد إخراج هواء الزفير من النفس، أي قياس محيط أصغر جزء من الخصر. ولكن تجدر ملاحظة أن محيط الخصر يختلف في المجتمعات الجغرافية المختلفة وفق متوسط الطول فيها وعموم حجم الجسم.

ووفقاً للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة NIH، فإن محيط الخصر الذي يزيد على 102 سنتيمتر (40 بوصة) للرجال ويزيد على 88 سنتيمتراً (35 بوصة) للنساء (غير الحوامل)، هو سمنة البطن. بينما لدى ذوي الأصول من جنوب شرقي آسيا، فإن الطبيعي نحو 94 سنتيمتراً (37 بوصة) للرجال و80 سنتيمتراً (31 بوصة) للنساء. ولذا تحتاج المجتمعات المختلفة دراسات لتقييم الطبيعي وغير الطبيعي في ذلك.

- حساب نسبة محيط الخصر إلى محيط الورك WHR. ومحيط الورك Hip Circumference يختلف عن محيط الخصر، حيث إن محيط الورك هو قياس محيط الجزء الأكبر من الوركين، أي الجزء الأوسع من كتلة الأرداف. والطبيعي أن تكون تلك النسبة أقل من 0.95 للرجال، وأقل من 0.80 للنساء. وما فوق ذلك فهو سمنة. وهي طريقة يتم بها التغلب على وجود حجم أكبر في الأرداف التي تكون الشحوم فيها مختلفة عن نوعية الشحوم التي في البطن. وتحديداً شحوم بيضاء في الأرداف، وشحوم صفراء في البطن.

- حساب نسبة الخصر إلى الطول WHtR: يكون بقسمة مقدار محيط الخصر على مقدار الطول. والطبيعي أن يكون أقل من 0.5، وما فوق ذلك هو سمنة. وهي طريقة يتم من خلالها التغلب على الاختلافات العرقية في متوسط الطول لدى غالبية الناس في المجتمعات المختلفة.