مسلمو بلدة فرنسية يساعدون جيرانهم اليهود على بناء مقر عبادتهم

في «بويسي» كنيستان ومنصة للأديان تضم مسجداً وكنيساً ومعبدين بوذياً وهندوسياً

يجتمع في «بويسي» مسؤولو الطوائف المتعددة جنباً إلى جنب
يجتمع في «بويسي» مسؤولو الطوائف المتعددة جنباً إلى جنب
TT

مسلمو بلدة فرنسية يساعدون جيرانهم اليهود على بناء مقر عبادتهم

يجتمع في «بويسي» مسؤولو الطوائف المتعددة جنباً إلى جنب
يجتمع في «بويسي» مسؤولو الطوائف المتعددة جنباً إلى جنب

تبدو «منصة الأديان» فكرة تعذر تنفيذها في مواقع أخرى لكنها رأت النور في بلدة «بويسي سان جورج» القريبة من باريس. وانبثقت الفكرة قبل 4 سنوات وقامت على أن تخصص البلدية قطعة من الأرض، بسعر مناسب، لإقامة أماكن عبادة للفئات المتنوعة وخليط الجنسيات الموجود في البلدة. وكان على كل منها أن تتولى جمع المبلغ اللازم للبناء. ولما تأخر بناء كنيس لأتباع الديانة الموسوية بسبب نقص في أموال التبرعات، تقدم جيرانهم المسلمون وساهموا بما يمكن أن يسمح بإكمال مكان العبادة.
هذا ليس مشهدا من أفلام الخيال الغرائبي بل واقعة حصلت في البلدة التي لا يزيد سكانها على 27 ألفا. مع هذا، يخيل لمن يتجول في طرقاتها أنه في زيارة لبرج بابل المذكور في أساطير القدماء، حيث يتحدث سكانه لغات مختلفة. وبالإضافة إلى الفرنسيين، يقيم في البلدة مهاجرون مغاربة وآسيويون وهنود وأفارقة. لذلك جاءت فكرة إقامة مجمع للتعبد وممارسة العقائد يضم مسجدا وكنيسا ومعبدين بوذي وهندوسي. وطوال السنوات الماضية كان العمل يتواصل لتنفيذ المشروع. ويجري تشييد هذه الأبنية بتبرعات الأهالي، ومن هبات تتناسب وموارد كل عائلة، وأغلبها عطايا بسيطة بحدود 50 أو 100 يورو.
تبلغ مساحة «بويسي» 13 كيلومترا ونصف. وهي البلدة الأكثر كثافة بالسكان في محيطها، أي في محافظة «سين إي مارن». وفيها أسواق تلبي احتياجات مختلف الفئات ومراكز للرياضة والنشاط الثقافي وفنادق وكنيستان. وجاءت «منصة الأديان» لتكمل ما كان ينقص أهلها من ذوي الثقافات المختلفة والشعار الواحد: «أن نعيش معا». وهي مبادرة تمثل الجواب العقلاني على دعاوى التطرف والكراهية والنبذ التي ما زالت تجد مرتعا لها في مناطق تجمع أعدادا كبيرة من المهاجرين.
يحدث أن يجتمع في «بويسي» مسؤولو الطوائف المتعددة، جنبا إلى جنب. وقد يجري اللقاء في أي واحد من المعابد القائمة في «منصة الأديان». وتبدو تلك اللقاءات وكأنها التجسيد اليومي والعملي لفكرة التقارب بين الحضارات، بدل صراعها، ونموذجا مصغرا لمؤتمرات حوار الأديان التي تقام في هذه العاصمة أو تلك. ونفهم من كلام تهامي هادي، ممثل جمعية التوبة التي تدير المسجد، أن الأمر لم يكن سهلا وأن بعض الأهالي ترددوا إزاء المشروع لكنه نجح في إقناعهم بأن الجميع يعيش على بقعة واحدة وعليهم تقع مسؤولية بناء جيل يؤمن بالتعايش والسلام. أما غي بن عروس، حاخام الكنيس اليهودي قيد الإنشاء، فيؤيد هذا الكلام ويقول إن «من حقي أن أختلف مع جاري لكن ليس من حقي أن أتقاتل معه».
عمدة البلدة، يان دوبوسك، قال في حديث مع «الشرق الأوسط» إن هذه المنصة هي الأولى من نوعها في أوروبا. وأضاف: «كانت فكرة خطيرة أن نضع الأديان المختلفة جنبا إلى جنب، لكن الأهالي استقبلوا الفكرة بشكل طيب. فقد اعتدنا سماع خطابات وشعارات عن العيش المشترك لكننا قرنا القول بالفعل. وقد رفضت هذا المشروع مدنا وقرى غيرنا، انطلاقا من مبدأ العلمانية الذي تعتمده الدولة الفرنسية، لكننا أقدمنا عليه كنوع من التحدي ولم نواجه أي معارضة أو اضطرابات». وأوضح العمدة أن 40 في المائة من سكان البلدة من الآسيويين، بينهم صينيون وتايوانيون ولاوسيون وفييتناميون، و30 ألفا من الأفارقة، بالإضافة إلى الروس والمغاربة والإيرانيين والأتراك.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة قلقة من حظر أوكرانيا الكنيسة الأرثوذكسية الروسية

أوروبا أعضاء فرع الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية يحضرون اجتماعاً في دير القديس بانتيليمون في كييف يوم 27 مايو 2022 (رويترز)

الأمم المتحدة قلقة من حظر أوكرانيا الكنيسة الأرثوذكسية الروسية

أعلن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه يدرس حظر كييف للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المرتبطة بروسيا، قائلاً إنه يثير مخاوف جدية بشأن حرية المعتقد.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
آسيا البابا فرنسيس أثناء وصوله إلى مطار سوكارنو هاتا الدولي في جاكرتا (أ.ف.ب)

البابا فرنسيس يصل إلى إندونيسيا في مستهل أطول رحلة خارجية خلال ولايته

البابا فرنسيس يصل إلى إندونيسيا في محطة أولى ضمن جولة له على 4 دول. وتتمحور الزيارة بشكل خاص حول الحوار الإسلامي المسيحي.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
أميركا اللاتينية الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي خلال زيارته إلى القدس 6 فبراير 2024 (أ.ب)

كيف تحول تأييد الرئيس الأرجنتيني لإسرائيل واهتمامه المتزايد باليهودية مصدر قلق لبلاده؟

لقد أظهر الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، وهو كاثوليكي بالميلاد، اهتماماً عاماً متزايداً باليهودية، بل وأعرب حتى عن نيته في التحوّل إلى اليهودية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا رجال الشرطة يقفون للحراسة مع وصول المسلمين لأداء صلاة الجمعة في مسجد جيانفابي في فاراناسي 20 مايو 2022 (أ.ف.ب)

الهند: قوانين مقترحة للأحوال الشخصية تثير مخاوف المسلمين

من المقرر أن تطرح ولاية هندية يحكمها حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي قوانين الأحوال الشخصية العامة الجديدة المثيرة للجدل والتي ستطبَّق على جميع الأديان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
آسيا رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال حفل الافتتاح (رويترز)

مودي يفتتح معبداً هندوسياً بُني على أنقاض مسجد تاريخي

افتتح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اليوم معبداً هندوسياً، بني على أنقاض مسجد تاريخي، في خطوة تكتسي أهمية كبيرة في سياسته القومية المحابية للهندوسية.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».