ترمب يفتح جولة جديدة من حرب الجمارك ويحذر الصين من مغبة الانتقام

بكين ترد وتشكو لـ«التجارة العالمية»... وتقلص فرص المفاوضات

ترمب - شي جينبينغ
ترمب - شي جينبينغ
TT

ترمب يفتح جولة جديدة من حرب الجمارك ويحذر الصين من مغبة الانتقام

ترمب - شي جينبينغ
ترمب - شي جينبينغ

نفذ الرئيس الأميركي دونالد ترمب التهديد الذي يلوح به منذ أسابيع، وفرض رسوماً جمركية جديدة نسبتها 10 في المائة على واردات صينية بقيمة 200 مليار دولار، لمعاقبة الصين التي أكدت فرض رسوم على ما قيمته 60 مليار دولار من البضائع الأميركية، متعهدة بأنها ستتخذ «تدابير مضادة» في حال مزيد من التصعيد، فيما أشارت مصادر في بكين إلى أن الصين لن ترسل على الأرجح وفداً تجارياً إلى واشنطن بعد أن تم إعلان الرسوم الأميركية.
ويتهم ترمب الصين بأنها لا تصحح ممارساتها التجارية التي يعتبرها «غير نزيهة». وقال في بيان وزّعه البيت الأبيض مساء الاثنين، إن «الرسوم الجمركية ستدخل حيّز التنفيذ في 24 سبتمبر (أيلول) الجاري، وتبلغ 10 في المائة حتى نهاية العام»، موضحاً أنه «اعتباراً من الأول من يناير (كانون الثاني) المقبل، ستُرفع هذه الرسوم الجمركية إلى 25 في المائة».
وأضاف: «إذا اتخذت الصين إجراءات انتقامية ضد مزارعينا أو صناعات أخرى، فعندها سنقوم في الحال بتفعيل المرحلة الثالثة، أي فرض رسوم جمركية على ما قيمته 267 مليار دولار من الواردات الإضافية». وفي حال فرضت هذه الرسوم، فستكون الإجراءات الحمائية الأميركية قد شملت كل الواردات الصينية.

وفي بكين، قالت وزارة التجارة الصينية في بيان أمس: «من أجل ضمان حقوقها ومصالحها الشرعية في نظام التبادل الحر العالمي، ليس أمام الصين سوى خيار اتخاذ تدابير مضادة مماثلة»، موضحة أنها قدمت شكوى إلى منظمة التجارة العالمية، بخصوص الرسوم الجمركية التي تعتزم الولايات المتحدة فرضها.
وأعلنت الصين أمس فرض رسوم جمركية جديدة على ما قيمته 60 مليار دولار من السلع الأميركية المستوردة سنوياً، وذلك رداً على العقوبات الإضافية التي أعلنتها واشنطن. وقالت الحكومة الصينية: «إذا أصرت الولايات المتحدة على زيادة الرسوم الجمركية، فإن الصين سترد بالمثل».
وفي أول رد فعل، اتهم ترمب الصين «بمحاولة التأثير» على الانتخابات الأميركية عبر عقوبات تجارية، وذلك بعد إعلان بكين عن «ردود» على الرسوم الجمركية الجديدة التي أعلنتها واشنطن الاثنين، في تصعيد جديد للحرب التجارية.
وكتب ترمب في تغريدة: «لقد قالت الصين علناً إنها تحاول التأثير على انتخاباتنا وتغييرها عبر مهاجمة مزارعينا ومربي الماشية لدينا وعمال صناعاتنا؛ لأنهم موالون لي».
وقال مسؤولون أميركيون في مؤتمر صحافي هاتفي، إن إدارة ترمب التي اختتمت مطلع سبتمبر مشاوراتها العامة، قررت إعفاء بعض المنتجات التي تستهلك بشكل واسع من الرسوم البالغة عشرة في المائة، مثل الساعة المرتبطة بالإنترنت، ومنتجات نسيجية وزراعية، والمقاعد المرتفعة، ومقاعد السيارات المخصصة للأطفال، وخوذ حماية سائقي الدراجات.
وصرح ترمب: «منذ أشهر، ندعو الصين إلى تغيير هذه الممارسات غير النزيهة، ومعاملة الشركات الأميركية معاملة عادلة ومتبادلة... ولكن، حتى الآن، لا تزال الصين غير راغبة في تغيير ممارساتها».
وكان الرئيس الأميركي قد هدد صباح الاثنين بفرض «تعريفات» جمركية على الدول التي ترفض ممارسة تجارة عادلة مع الولايات المتحدة. وقال إن الرسوم الجديدة «ستدخل مبالغ كبيرة إلى خزائن الولايات المتحدة». ويرى ترمب أن «الرسوم الجمركية تجعل الولايات المتحدة في موقع تفاوضي قوي جداً، مع مليارات الدولارات ووظائف تتدفّق إلى بلادنا».
لكن مستشاره الاقتصادي لاري كودلو، قال إن الولايات المتحدة منفتحة على الحوار «في أي وقت»، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. من جهة أخرى، قال المسؤولون الأميركيون إن الهدف من ذلك ليس الحد من نمو الاقتصاد الصيني.
ويطالب ترمب الصين بخفض العجز التجاري الأميركي، بما يصل إلى مائتي مليار دولار عبر فتح أسواقها بشكل أوسع للبضائع الأميركية.
ويمكن أن يبدو فرض رسم نسبته 10 في المائة أولاً - بدلاً من 25 في المائة، طلب ترمب من إدارته دراستها - مبادرة انفتاح نسبية، بعدما طلب وزير الخزانة الأميركية ستيفن منوتشين من نظرائه الصينيين استئناف المفاوضات.
واستبقت بكين قرار ترمب بتحذيره من أن أي ضريبة سيفرضها على صادراتها إلى بلاده، ستواجه بضريبة تفرضها هي على بضائع تستوردها من الولايات المتحدة.
وقال غينغ شوانغ المتحدث باسم الخارجية الصينية: «في حال أقرّت الولايات المتحدة إجراءات جديدة بشأن الرسوم الجمركية، فلن يكون أمام الصين سوى اتّخاذ إجراءات مماثلة للدفاع عن حقوقها ومصالحها المشروعة». ودعا غينغ الولايات المتحدة إلى التفاوض «بحسن نية».
وقال ترمب إن «هذه الممارسات (الصينية) تشكّل بكل وضوح تهديداً خطراً لصحّة اقتصاد الولايات المتحدة وازدهاره على المدى الطويل». وأضاف: «نأمل في أن تتم تسوية هذا الوضع التجاري في نهاية المطاف لي وللرئيس شي جينبينغ، الذي أكن له احتراماً كبيراً».
ولا يؤثر هذا النزاع كثيراً على أول اقتصاد في العالم على ما يبدو، يعمل بكامل طاقته، وإن كانت بعض المناطق وبعض القطاعات تشعر بآثار الإجراءات الانتقامية لشركاء الولايات المتحدة.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، إن تحصيل الرسوم على قائمة الواردات سيبدأ في 24 سبتمبر، وإن النسبة ستزيد إلى 25 في المائة بحلول نهاية العام، مما يعطي الشركات الأميركية وقتاً لتحويل دفة سلاسل الإمداد التابعة لها إلى بلدان أخرى، بحسب «رويترز».
ويأتي التصعيد بعدما لم تسفر محادثات بين أكبر اقتصادين في العالم لحل خلافاتهما التجارية عن نتائج. ودعا وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين مسؤولين صينيين بارزين الأسبوع الماضي لجولة جديدة من المحادثات؛ لكن لم يتحدد موعد لأي شيء حتى الآن.
وقالت صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست» الصينية أمس، نقلاً عن مصدر حكومي في بكين لم تسمه، إن الصين لن ترسل على الأرجح وفداً تجارياً إلى واشنطن. وأفاد التقرير بأن الصين تراجع ما كانت تخطط له في السابق من إرسال وفد برئاسة ليو هي، نائب رئيس الوزراء، إلى الولايات المتحدة الأسبوع المقبل، لإجراء جولة جديدة من المباحثات.
وأبلغ المصدر الصحيفة أن بكين لم تتخذ بعد قراراً نهائياً؛ لكن إظهار «ما يكفي من حسن النيات» شرط مسبق للمباحثات المزمعة.
ونقلت وكالة «بلومبيرغ» للأنباء عن مصدر مطلع قوله، إن ليو هي سيعقد اجتماعاً في بكين صباح الثلاثاء، لبحث رد بكين على القرار الأميركي. وقال مسؤول كبير في سوق السندات الصينية أمس، إن «تصرفات واشنطن التجارية ضد الصين لن تجدي نفعاً؛ لأن الصين لديها كثير من أدوات السياسة المالية والنقدية للتعامل مع تأثيراتها».
من جانبها، رأت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، أمس الثلاثاء، أن ترمب يبدو عازماً على شن حرب تجارية كاملة مع الصين، مستشهدة بقرار البيت الأبيض فرض جمارك إضافية قيمتها مائتا مليار دولار على بضائع صينية.
وأوضحت الصحيفة في تقرير لها، أن هذه الخطوة تأتي في أعقاب الفشل الواضح للمحادثات الأخيرة بين المسؤولين الأميركيين والصينيين، وقالت إن «الهجوم الجديد من جانب واشنطن سوف يُلقي بظلاله - أو ربما يقوض بالكامل - على الدعوة الأخيرة من جانب وزير الخزانة ستيفن منوتشين إلى بكين لإحياء المفاوضات».
وأشارت الصحيفة إلى أن ترمب أبدى في وقت سابق رغبة لقتال تجاري، وذلك في سلسلة من التغريدات، وأشاد بمناوراته الحمائية، التي زعم أنها عززت الاقتصاد الأميركي بشكل كبير.
وفي هذا السياق، قال مسؤولون في البيت الأبيض، إن ترمب سيضيف مزيداً إلى قائمة الجمارك الجديدة على الصين في حال ردت بكين، كما هو متوقع. وتعليقاً على ذلك، قالت الصحيفة إنه على المدى القصير، يمكن أن تُلحق مثل هذه الإجراءات العقابية، التي تستهدف الصين، أضراراً كبيرة بالشعب الأميركي نفسه. وأضافت أن «ترمب طلب من مساعديه تحديد الجمارك بنسبة 10 في المائة، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين الأميركيين؛ حيث يتم دفع هذه الجمارك من قبل الشركات الأميركية التي تستورد المنتجات، لذلك فإن هذه الشركات غالباً ما تنقل فارق التكاليف إلى المستهلكين الأميركيين في شكل أسعار أعلى».
وتابعت الصحيفة أن «الجمارك الجديدة تعد جزءاً من جهد أكبر يبذله ترمب لمواجهة الصين. فبعد أن فرضت إدارته رسوم استيراد على السلع الصينية في وقت سابق من هذا الصيف، ردت الصين بتدابير انتقامية، قال مسؤولوها إنها كانت بادرة ضبط النفس. والآن، بدلاً من تهدئة التوترات، اختار ترمب التصعيد؛ بل ورأى أن شن حرب تجارية محتملة بمثابة استراتيجية سياسية رابحة في الداخل، وذلك في وقت يأتي قبل إجراء انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وقال دين غارفيلد، رئيس مجلس صناعة تكنولوجيا المعلومات، الذي يمثل شركات التكنولوجيا الرئيسية: «قرار الرئيس ترمب فرض رسوم إضافية بقيمة 200 مليار دولار طائش، وسيلحق ضرراً مستديماً بمجتمعات في مختلف أنحاء البلاد».
وحث مشرعون من الحزب الجمهوري الأميركي إدارة ترمب على مواصلة المفاوضات مع الصين لحل الخلافات التجارية، فيما أشادوا بموقف ترمب الصارم من ممارسات الصين في مجالي حقوق الملكية الفكرية والتجارة.
وقال محللون من «سيتي بنك» في مذكرة، إن أثر الرسوم الجديدة سيظهر تدريجياً في بيانات الصين للربع الأخير من العام، وإن الأثر الكامل لرسوم إجمالية نسبتها 25 في المائة من المتوقع الشعور به العام المقبل، حيث سينخفض معدل النمو 0.83 نقطة مئوية.
لكن نائب رئيس الهيئة المنظمة للأوراق المالية في الصين، فانغ شينغ هاي، قال خلال مؤتمر في مدينة تيانجين الساحلية، إنه حتى إذا فرض ترمب رسوماً على جميع الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، فسيكون الأثر السلبي على الاقتصاد الصيني نحو 0.7 في المائة. ولم يوضح ما إذا كان يشير إلى الأثر على حجم الناتج المحلي الإجمالي أم نموه.
من جهة أخرى، قال وزير التجارة الصيني في تصريحات لممثلي شركات أجنبية، يوم الاثنين، إن النهج الفردي الذي تسير عليه الولايات المتحدة والحماية التجارية، من شأنهما التأثير على مصالح البلدين وإلحاق الضرر بالاقتصاد العالمي.
وأبلغ الوزير الصيني تشونغ شان ست شركات عالمية، أنه «لا رابح في أي حرب تجارية»، وأن التعاون هو الخيار الوحيد الصحيح، وذلك وفقاً لبيان نشرته وزارة التجارة على موقعها الإلكتروني أمس.
وبدوره، قال ماتس هاربورن، رئيس غرفة التجارة الأوروبية في الصين، أمس، إن الرسوم الأميركية ضد الصين تعتبر «جنوناً اقتصادياً»، ولن تكون فعالة في إقناع الحكومة الصينية بالتعجيل بإصلاحات السوق.
وقالت غرفة التجارة الأوروبية في الصين، إن تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين يضر بالشركات الأوروبية، ويؤدي إلى اضطراب عمل شبكة إمداداتها العالمية.
وبحسب المسح الذي أجرته الغرفة، قالت 54 في المائة من الشركات الأوروبية التي شملها المسح، إنها تنظر بشكل سلبي إلى الرسوم الأميركية على السلع الصينية، في حين قالت 43 في المائة من الشركات إنها تنظر بالطريقة نفسها إلى الرسوم الصينية على السلع الأميركية.
وذكر التقرير الصادر عن الغرفة أن الرسوم المتبادلة بين أكبر اقتصادين في العالم تؤدي إلى تباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد العالمي، وتقلص عدد الوظائف، وتؤخر تحديث المنتجات. وقالت 17 في المائة من الشركات إنها أجلت زيادة استثماراتها أو توسعاتها بسبب التوترات التجارية.
وقال هاربورن، إن «تأثيرات الحرب التجارية الأميركية الصينية على الشركات الأوروبية في الصين كبيرة وسلبية بصورة كاسحة». موضحاً أن الشركات الأوروبية تشترك مع الولايات المتحدة في المخاوف من الممارسات التجارية والاستثمارية للصين: «لكن المضي قدماً على طريق تصعيد الرسوم خطير للغاية».


مقالات ذات صلة

نائبة بالبرلمان الفرنسي: نتطلع لتعاون مستدام مع السعودية في ظل «رؤية 2030»

الاقتصاد نائبة البرلمان الفرنسي أميليا لكرافي (الشرق الأوسط)

نائبة بالبرلمان الفرنسي: نتطلع لتعاون مستدام مع السعودية في ظل «رؤية 2030»

في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المملكة العربية السعودية ضمن إطار «رؤية 2030»، تتجه الأنظار نحو تعزيز العلاقات الثنائية بين السعودية وفرنسا.

أسماء الغابري (جدة)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي (الشرق الأوسط)

وزيرا خارجية السعودية وفرنسا يناقشان المستجدات الإقليمية

ناقش الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي هاتفياً مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو المستجدات الإقليمية والموضوعات المشتركة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تحليل إخباري الأمير محمد بن سلمان والرئيس إيمانويل ماكرون أمام قصر الإليزيه في يونيو 2023 (إ.ب.أ)

تحليل إخباري مساعٍ فرنسية لرفع العلاقة مع السعودية إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»

السعودية وفرنسا تسعيان لرفع علاقاتهما إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»، و«الإليزيه» يقول إن باريس تريد أن تكون «شريكاً موثوقاً به» للسعودية في «كل المجالات».

ميشال أبونجم (باريس)
الخليج الأمير خالد بن سلمان خلال استقباله سيباستيان ليكورنو في الرياض (واس)

وزير الدفاع السعودي ونظيره الفرنسي يبحثان في الرياض أفق التعاون العسكري

بحث الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي مع سيباستيان ليكورنو وزير القوات المسلحة الفرنسية، مستجدات الأوضاع الإقليمية وجهود إحلال السلام في المنطقة والعالم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق أعضاء اللجنة الوزارية أعربوا عن رغبتهم في تعزيز التعاون بما يعكس الهوية الثقافية والتاريخية الفريدة للمنطقة (واس)

التزام سعودي - فرنسي للارتقاء بالشراكة الثنائية بشأن «العلا»

أكد أعضاء اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية بشأن تطوير «العلا»، السبت، التزامهم بالعمل للارتقاء بالشراكة الثنائية إلى مستويات أعلى.

«الشرق الأوسط» (باريس)

مسح «بنك إنجلترا»: الشركات البريطانية تتوقع زيادة الأسعار وتقليص العمالة

نظرة عامة على الحي المالي في لندن (رويترز)
نظرة عامة على الحي المالي في لندن (رويترز)
TT

مسح «بنك إنجلترا»: الشركات البريطانية تتوقع زيادة الأسعار وتقليص العمالة

نظرة عامة على الحي المالي في لندن (رويترز)
نظرة عامة على الحي المالي في لندن (رويترز)

أظهر مسحٌ أجراه «بنك إنجلترا»، يوم الخميس، على أكثر من ألفَي شركة، أن الشركات البريطانية تتوقَّع رفعَ الأسعار وتقليص أعداد الموظفين رداً على زيادة مساهمات أصحاب العمل في الضمان الاجتماعي التي ستدخل حيز التنفيذ في أبريل (نيسان) المقبل.

وأشارت النتائج إلى أن 61 في المائة من الشركات تتوقَّع انخفاضاً في الأرباح، و54 في المائة تخطِّط لزيادة الأسعار، و53 في المائة تتوقَّع تقليص العمالة، في حين تعتزم 39 في المائة منها تقليص زيادات الأجور؛ نتيجة لزيادة التأمين الوطني، التي تم إعلانها في موازنة 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وقد أظهرت استطلاعات أخرى انخفاضاً في معنويات الأعمال وتراجعاً في نوايا التوظيف والاستثمار، منذ إعلان وزيرة المالية، راشيل ريفز، زيادة قدرها 25 مليار جنيه إسترليني (31 مليار دولار) في ضرائب الرواتب. وقد أسهم تباطؤ الاقتصاد في إثارة القلق في الأسواق المالية بشأن مستويات الدين العام في المملكة المتحدة، مما دفع تكاليف الاقتراض إلى الارتفاع بشكل حاد هذا الأسبوع. كما أظهرت أرقام منفصلة، يوم الخميس، من «جمعية وكالات التوظيف» انخفاضاً في الطلب على الموظفين الجدد، وهو الانخفاض الأكبر منذ أغسطس (آب) 2020.

ومن جانبه، يراقب «بنك إنجلترا» - الذي يدرس احتمالية خفض أسعار الفائدة مجدداً - تأثير تكاليف التوظيف المرتفعة على التضخم من خلال زيادة الأسعار أو تقليص الوظائف، وانخفاض الاستثمار، ونمو الأجور، مما قد يبطئ من النشاط الاقتصادي.

وعلق روب وود، كبير خبراء الاقتصاد في المملكة المتحدة في «بانثيون ماكرو إيكونوميكس»، قائلاً إن مسح بنك إنجلترا يشير إلى أن الزيادات الضريبية تؤدي إلى دفع الأسعار للأعلى بشكل أكبر، بينما التأثير في التباطؤ أقل مما أظهرته استطلاعات مؤشر مديري المشتريات.

وأضاف: «لا تزال الأسئلة الأساسية للمسح تشير إلى تضخم مستمر وزيادة في الأجور، مع ضعف أقل حدة في سوق العمل مقارنة بالمسوحات النوعية، وهو ما يستدعي أن تتبنى لجنة السياسة النقدية خفض أسعار الفائدة بشكل تدريجي فقط».

وارتفع تضخم أسعار المستهلكين البريطاني إلى أعلى مستوى له في 8 أشهر ليصل إلى 2.6 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني)، مع توقعات من «بنك إنجلترا» بأن التضخم سيواصل الارتفاع في 2025، ولن يعود إلى هدفه البالغ 2 في المائة حتى عام 2027، مما يحد من احتمالية خفض أسعار الفائدة عن مستواها الحالي، البالغ 4.75 في المائة.

وأظهر مسح «بنك إنجلترا»، الذي أُجري بين 6 و20 ديسمبر (كانون الأول)، أن الشركات تخطط لرفع الأسعار بنسبة 3.8 في المائة على مدار الأشهر الـ12 المقبلة، بزيادة قدرها 0.1 نقطة مئوية عن التوقعات في الأشهر الثلاثة حتى نوفمبر. وظل نمو الأجور المتوقع للعام المقبل ثابتاً عند 4 في المائة على أساس المتوسط المتحرك لثلاثة أشهر في ديسمبر.

على صعيد آخر، هبطت أسهم شركة «ماركس آند سبنسر» البريطانية وبعض شركات التجزئة الأخرى يوم الخميس، حيث فقد القطاع مليارَي جنيه إسترليني (2.45 مليار دولار) من قيمته، مع تأثر التجارة الجيدة خلال موسم عيد الميلاد بتراجع ثقة المستهلك والضعف الاقتصادي.

ويستعد تجار التجزئة، الذين يواجهون أصلاً ضعفاً في معنويات المستهلكين، لتكاليف أعلى اعتباراً من أبريل المقبل، حيث من المتوقع أن ترتفع ضرائب أرباب العمل والحد الأدنى للأجور. كما ألقت قفزة في تكاليف اقتراض الحكومة البريطانية في الأيام الأخيرة بظلال من القلق على التوقعات الاقتصادية، مما ضاعف الضغوط على المالية العامة، ودفع المحللين إلى التحذير من احتمال الحاجة إلى زيادات ضريبية إضافية. ومع التوقعات بارتفاع التضخم، يتوقَّع تجار التجزئة عاماً صعباً.

وقال ستيوارت ماشين، الرئيس التنفيذي لشركة «ماركس آند سبنسر»، للصحافيين بعد إعلان تحقيق الشركة أعلى مبيعات للأغذية خلال موسم عيد الميلاد: «هناك ثقة حذرة من جانب العملاء». وعلى الرغم من النمو الأعلى من المتوقع بنسبة 8.9 في المائة في مبيعات المواد الغذائية و1.9 في المائة في مبيعات الملابس والمستلزمات المنزلية، فإن أسهم الشركة تراجعت بنسبة 6.5 في المائة. في المقابل، سجَّلت «تيسكو»، أكبر مجموعة سوبر ماركت في البلاد، زيادة في مبيعاتها بنسبة 4.1 في المائة، لكن أسهمها انخفضت بنسبة 1.3 في المائة.

وقال مات بريتزمان، محلل الأسهم في «هارغريفز لانسداون»: «لن يكون العام المقبل سلساً تماماً لشركات التجزئة الكبرى، حيث يستعد القطاع لمواجهة الزيادات الضريبية الوشيكة».

وبينما ساعدت مبيعات المواد الغذائية المزدهرة على دعم أداء «ماركس آند سبنسر» و«تيسكو»، إلا أن فئات أخرى شهدت تراجعاً. فقد تباطأ نمو شركة «غريغز» المتخصصة في الأطعمة السريعة في الأشهر الأخيرة من عام 2024، بينما سجَّلت شركة «بي آند إم» للتخفيضات انخفاضاً في المبيعات بنسبة 2.8 في المائة؛ مما أدى إلى انخفاض أسهمها بنسبتَي 10 في المائة و12 في المائة على التوالي.

وفي الوقت الذي شهدت فيه شركات التجزئة تراجعاً، ارتفع مؤشر الأسهم القيادية البريطانية الذي يركز على الأسواق العالمية بنسبة 0.5 في المائة.

وتستمر التحديات، إذ تقول الرئيسة التنفيذية لشركة «غريغز»، رويسين كوري، إن المستهلكين أصبحوا أكثر حذراً بشأن الإنفاق. وأضافت أن «النصف الثاني من عام 2024 كان مليئاً بالتحديات، وأعتقد أننا يجب أن نفترض أن هذا الأمر سيستمر حتى عام 2025».

وعلى الرغم من أن شركة «غريغز» قد حققت أداءً جيداً في السنوات الأخيرة، فإن نمو مبيعاتها الأساسي انخفض إلى 2.5 في المائة في الرُّبع الأخير من عام 2024، مقارنة بـ5 في المائة في الفترة السابقة.

من جانبها، حذَّرت أكبر شركة لتجارة الملابس في المملكة المتحدة من حيث القيمة السوقية، يوم الثلاثاء، من أن نمو المبيعات سيتباطأ في عام 205 - 2026؛ نتيجة لتأثير زيادة الضرائب الحكومية على مستويات التوظيف ورفع الأسعار.

وفيما يخص «تيسكو»، أظهر كين مورفي، رئيس الشركة، تفاؤلاً ملحوظاً. وأوضح أنه على الرغم من أن المستهلكين الذين «احتفلوا فعلاً بعيد الميلاد» سيكونون أكثر حرصاً على القيمة في يناير (كانون الثاني)، فإن هذه الظاهرة تُعدّ سمة تقليدية دائماً في بداية العام.