اعتاد نادي ريـال مدريد الإسباني على ضم اللاعبين الذين يتألقون في نهائيات كأس العالم كل أربع سنوات. وكان الظهير الأيسر لألمانيا الغربية بول برايتنر، مثالاً مبكراً وناجحاً لهذه السياسة عندما انضم إلى النادي الملكي بعد أسابيع من فوز منتخب ألمانيا الغربية بلقب كأس العالم على أرضه عام 1974، وضم النادي بعد ذلك عدداً كبيراً من اللاعبين بعد تألقهم في نهائيات كأس العالم، مثل جورجي هاجي، وبريدراج سباسيتش، وفرناندو ريدوندو، وروبرت جارني، والبرازيلي رونالدو، والإيطالي فابيو كانافارو والألماني مسعود أوزيل ومواطنه سامي خضيرة.
وكان حارس المرمى الكرواتي تيبو كورتوا، الفائز بجائزة أفضل حارس مرمى في نهائيات كأس العالم 2018 في روسيا، هو أحدث اللاعبين المنضمين إلى الفريق الملكي بعد التألق في نهائيات كأس العالم الأخيرة. وكانت الصفقتان اللتان أبرمهما ريـال مدريد بعد نهائيات كأس العالم 2014 بالبرازيل (جيمس رودريغيز وتوني كروس) تتوافقان بصورة كبيرة مع السياسة التي يتبعها النادي منذ وقت طويل، فأحدهما من أميركا الجنوبية والآخر من أوروبا، أحدهما لاعب خط وسط فعّال للغاية ويمتلك قدرة كبيرة على تمرير الكرة بدقة شديدة وقاد منتخب بلاده للفوز بكأس العالم، والآخر كان لاعباً شاباً ومهارياً ولديه القدرة على تسجيل الأهداف وينتظره مستقبل مشرق للغاية.
وكان ريـال مدريد قد أعلن لأول مرة عن نفسه كنادٍ يسعى للتعاقد مع اللاعبين المتألقين في كأس العالم في ظروف مماثلة تقريباً بعد كأس العالم عام 1958، حيث تعاقد رئيس النادي آنذاك، سانتياغو برنابيو، مع اثنين من أبرز وألمع الأسماء في ذلك الوقت، وهما البرازيلي ديدي والسويدي آجني سيمونسون. وكان أحدهما من أميركا الجنوبية والآخر من أوروبا، أحدهما صانع ألعاب مبدع قاد منتخب بلاده للفوز بالمونديال، والآخر شاب موهوب يلعب في خط الهجوم. وبعد ذلك، وكما هو الحال بعد كأس العالم 2014، لم تنجح تلك الاستراتيجية بالكامل.
ويمكن القول إن ريـال مدريد يبحث دائماً عن التعاقد مع ألمع اللاعبين في عالم كرة القدم لأسباب تتعلق بالتسويق في المقام الأول. وعلاوة على ذلك، فإن الحفاظ على النجاح المستمر داخل الملعب، سواء كان ذلك لصالح الحملات الدعائية أو لإضفاء الشرعية على نظام إداري متخلف، يحتاج إلى التعاقد مع لاعبين عالميين وأصحاب قدرات كبيرة.
وفي فريقٍ سبق أن ضم نجوماً عالميين مثل ألفريدو دي ستيفانو، وفيرينتس بوشكاش، وهيكتور ريـال، وريموند كوبا، وباكو خينتو، وخوسيه سانتاماريا، فإن أبرز اللاعبين في العالم يتمنون الانضمام إلى هذا النادي العريق والسير على نفس الدرب الذي سار عليه هؤلاء اللاعبون العظماء. لقد لفت بيليه الأنظار بشدة مع منتخب البرازيل في نهائيات كأس العالم بالسويد عام 1958، وحاول ريـال مدريد مراراً وتكراراً الحصول على خدماته عبر سنوات طويلة، لكن قائد البرازيل، ديدي، كان هو المحرك الأساسي للمنتخب البرازيلي والعقل المدبر لانتصارات راقصي السامبا آنذاك.
وكان ديدي يقدم مستويات مبهرة مع نادي بوتافوغو ومنتخب البرازيل، وكان يتحكم في وتيرة المباريات بالشكل الذي يريده، كما كان ممرراً رائعاً للكرات ولاعباً فذاً في تسديد الكرات الثابتة بطريقة مميزة للغاية. وضغط برنابيو بكل قوة من أجل إنهاء هذه الصفقة، وبعد انتهاء الموسم المحلي في البرازيل، وصل ديدي إلى إسبانيا في أوائل عام 1959 وسط ضجة كبيرة. في ذلك الوقت، كان الكشف عن التعاقد مع لاعب جديد، كما هو الآن، يمثل حدثاً مهماً لوسائل الإعلام العالمية، وتم تقديم ديدي للجمهور على أنه «بطل العالم وأفضل لاعب في العالم». كان اللاعب البرازيلي يبلغ من العمر 26 عاماً، أي أصغر بست سنوات من دي ستيفانو، الذي كان يُتوقع أن يشارك كأساسي ثم يُستبدل بعد ذلك بسبب تقدمه في السن.
لكن دي ستيفانو لم يتأثر بالسياسة التي يبتعها النادي في ما يتعلق باللاعب الذي سيخلفه في تشكيلة النادي الملكي وواصل اللعب بكل قوة وظل يقدم أفضل مستوياته على الإطلاق، لكنه في نفس الوقت كان منزعجاً من فكرة أنه يتم الإعداد لرحيله عن النادي. وفي أول يوم لديدي في النادي، طلب مصور من ديدي ودي ستيفانو أن يتصافحا من أجل التقاط صورة لوسائل الإعلام. وأمسك دي ستيفانو بيد ديدي وقال بكل هدوء وهو يبتسم: «سمعت أنك خليفتي في الملاعب. حسناً، أنت كبير في السن ولا تمتلك الفنيات الكافية لذلك».
وتألق كوبا وبوشكاش في ريـال مدريد لأنهما احترما أقدمية دي ستيفانو في الفريق، لكن ديدي لم يتمكن من التأقلم مع التسلسل الهرمي المعقد في ريـال مدريد. لقد كان ديدي دائماً هو محور الارتكاز في أي فريق يلعب له وكان يتم اختيار زملائه في الفريق بناءً على قدرتهم على التكيف مع أسلوبه المميز، لكنه إما لم يدرك أنه سيتعين عليه التكيف مع الوضع الجديد وإما أنه لم يتمكن من القيام بذلك من الأساس.
وبدا أن طبيعة اللعب في إسبانيا من حيث القوة البدنية والسرعة كانت تسبب مشكلة كبيرة لديدي، ولم يحصل على الثقة اللازمة بسبب تصريحات دي ستيفانو المتكررة بأن طريقة لعبه تؤدي إلى إبطاء بناء الهجمات. وعندما بدأ النجم الأرجنتيني دي ستيفانو في استقبال الكرة القادمة من ديدي بشكل من أشكال الاحتكار خلال المباريات كان من الواضح أن هناك مشكلة كبيرة تلوح في الأفق، وأن الحرب قد بدأت بين اللاعبين، وأنه لن يكون هناك سوى منتصر واحد فقط.
وبعد 19 مباراة فقط، خلصت إدارة ريـال مدريد إلى أن ديدي لا يمكن أن يظهر بشكل جيد في فريق يتمحور أداؤه حول دي ستيفانو، وبالتالي تمت إعارة اللاعب البرازيلي إلى فالنسيا وبدأ مرة أخرى في إظهار الفنيات والمهارات التي أظهرها في كأس العالم عندما لعب لفريق يشعر بالسعادة لمنحه القيادة والحرية وانتظار اللمحات الإبداعية منه داخل المستطيل الأخضر. وأظهر فالنسيا حماساً كبيراً للتعاقد مع ديدي بشكل دائم، لكن ريـال مدريد صمم على إعادة اللاعب إلى بوتافوغو. لقد لعب ديدي في إسبانيا لمدة تقل عن 12 شهراً، لكنه اكتسب خبرات كبيرة من تلك التجربة وعاد لتقديم أداء رائع في الدوري البرازيلي واستمر في التألق بقميص المنتخب البرازيلي وساعده على الاحتفاظ بكأس العالم عام 1962.
أما الصفقة الكبرى الأخرى التي أبرمها ريـال مدريد بعد نهائيات كأس العالم عام 1958 فكانت أجني سيمونسون، وهو مهاجم موهوب كان يمتلك مهارة كبيرة في صناعة وإحراز الأهداف. وفي نهائيات كأس العالم عام 1958، جذب سيمونسون الأنظار بشدة وساهم في وصول منتخب السويد للمباراة النهائية أمام البرازيل، لكن نظراً إلى أن اللاعب البرازيلي ديدي قد حصل على المكان المتبقي في الأماكن المتاحة للاعبين الأجانب في ريـال مدريد، كان يتعين على اللاعب السويدي أن ينتظر حتى يكون هناك مكان له في قائمة الفريق. ونتيجة لرحيل ديدي، لم ينتظر سيمونسون طويلاً حتى انضم إلى النادي الملكي.
وبينما كانت مسيرة ديدي تتعثر مع ريـال مدريد، كانت مسيرة اللاعب السويدي البالغ من العمر 23 عاماً تزداد قوة وتألقاً بمرور الوقت. وكان الشيء الأبرز في ذلك الموسم هو تألق سيمونسون اللافت للأنظار على ملعب ويمبلي وتسجيله هدفين في المباراة التي فازت فيها السويد على منتخب إنجلترا. وانضم سيمونسون أخيراً إلى ريـال مدريد في بداية عام 1960 وحصل على مقابل مادي كبير بلغ 14 ألف جنيه إسترليني ووقّع على أول عقد احتراف له، لكنه سرعان ما واجه نفس العقبات التي واجهت ديدي مع الفريق الملكي.
وكانت هناك رغبة في أن يكون سيمونسون هو المهاجم الرئيسي في ريـال مدريد مع السماح لدي ستيفانو بالتركيز على اللعب في عمق الملعب بسبب تقدمه في السن وانخفاض لياقته البدنية، لكن ذلك الأمر لم يحدث وظل دي ستيفانو هو أفضل مهاجم وأفضل لاعب خط وسط في ريـال مدريد. ورغم أن دي ستيفانو لم يكن يُعادي سيمونسون بشكل كبير، فإنه كان يتعامل معه على أنه لاعب هامشي من خلال الركض في نفس المساحات التي يوجد بها اللاعب السويدي.
وشارك سيمونسون في التشكيلة الأساسية في ثلاث مباريات فقط قبل أن يجلس على مقاعد البدلاء وينتقل خلال الموسم التالي لنادي ريـال سوسيداد على سبيل الإعارة. وبحلول عام 1963 عاد سيمونسون، مثل ديدي، إلى بلاده وناديه السابق بعد أن حصل على بعض الأموال من ريـال مدريد، ولم يقدم شيئاً يُذكر داخل الملعب. ونتيجة للتسرع وسوء التقدير وعدم دراسة الأمور بشكل جيد في عام 1958 دفع النادي الملكي 150 ألف جنيه إسترليني لضم لاعبين جدد، وهو مقابل مادي خرافي بالنسبة إلى لاعبين لم يشاركا، فيما بينهما، سوى في 22 مباراة مع الفريق الأول.
وبعد مرور 56 عاماً على تلك التجربة، تعاقد النادي مع الكولومبي جيمس رودريغيز بعد نهائيات كأس العالم عام 2014 بالبرازيل، ليخوض مشواراً مشابهاً تماماً في ريـال مدريد. ويأمل كورتوا أن تكون الفترة التي سيقضيها مع ريـال مدريد مماثلة لما حدث مع توني كروس، وليس لما حدث مع ديدي وسيمونسون ورودريغيز.
استراتيجية ريـال مدريد في التعاقد مع نجوم كأس العالم تعود إلى ما قبل 60 عاماً
تيبو كورتوا وتوني كروس ورونالدو جزء من السياسة التي يتبعها النادي الملكي في صفقات اللاعبين منذ عام 1958
استراتيجية ريـال مدريد في التعاقد مع نجوم كأس العالم تعود إلى ما قبل 60 عاماً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة