متحف سوهاج القومي يروي قصة الحج عبر العصور

بدأت بأبيدوس في الأسرة الأولى... وانتهت بكسوة الكعبة

قطعة من أوّل كسوة للكعبة
قطعة من أوّل كسوة للكعبة
TT

متحف سوهاج القومي يروي قصة الحج عبر العصور

قطعة من أوّل كسوة للكعبة
قطعة من أوّل كسوة للكعبة

يتوق كل مسلم لأداء فريضة الحج، باعتبارها قمّة أركان الإسلام الخمسة، وفي كل عام يصطفّ عشرات الآلاف على جبل عرفات لأداء الشّعائر المقدسة، لكنّ الحج لم يظهر فقط بظهور الإسلام، فالدلائل التاريخية تشير إلى أنه كان موجوداً عند قدماء المصريين، وإن تغير مكانه واختلفت شعائره، ويروي متحف سوهاج القومي الذي افتتحه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبل أيام، قصة الحج عبر العصور، بدءاً من عصر الدولة القديمة وصولا إلى الدولة الإسلامية وتصنيع كسوة الكعبة.
يبدأ العرض المتحفي من بدروم المتحف، حيث تُعرض مجموعة من الآثار التي ترجع لعصر الدولة القديمة التي تُبيّن بعض طقوس الحج لدى المصريين القدماء في مدينة أبيدوس، ووفقا للدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، فإنّ «الحج كان معروفاً عند المصري القديم، وكان المصريون يحجّون إلى معبد أبيدوس في سوهاج».
وترجع قصة الحج عند المصريين القدماء إلى أسطورة إيزيس وأوزوريس، حين انتصر إله الخير أوزوريس على إله الشّر «ست»، كان أوزوريس هو إله البعث والحساب، ورئيس محكمة الموتى عند قدماء المصريين، لذلك قدّسه المصري القديم الذي آمن بالحياة بعد الموت، مما أضاف قدسية لطقوس الحج في أبيدوس التي تعبّر عنها بعض المعروضات داخل متحف سوهاج القومي.
وأوضح وزيري لـ«الشرق الأوسط»، أنّه «وفقا للأسطورة قُطّع جسد أوزوريس إلى 14 قطعة، ووجدت رأسه بمدينة أبيدوس، ولذلك كان الحج إلى مكان العثور على رأس الإله أوزوريس»، وقال: «كان الحج رمزاً لانتصار الخير على الشّر»، مشيراً إلى أنّ هذه العادة استمرت في الفترة القبطية، حيث شهدت سوهاج إنشاء ديرين من أهم الأديرة وهما الدير الأحمر والدير الأبيض».
وكعادة المصري القديم كان هناك امتداد للأديان، فلم يطمس دين ما سبقه من عادات، فالأديرة والكنائس القبطية أنشئت على أنقاض المعابد المصرية القديمة وبحجارتها، وحافظت على بعض أجزائها، وكذلك الأمر بالنسبة للمساجد التي يوجد في بعضها أعمدة لمعابد فرعونية. وأضاف وزيري: «المصريون طوال تاريخهم كانوا نسيجا واحدا».
استمر الحج في العصر اليوناني الروماني، حتى وصلنا للدولة الإسلامية، ولأنّ سوهاج كانت مقراً للحج في العصور القديمة، كان للمحافظة الواقعة في صعيد مصر دور في فريضة الحج الإسلامي، حتى وإن لم يعد الحجاج يأتون إليها، وداخل أحد فتارين المتحف عرضت أجزاء من كسوة الكعبة، بجوار مصحف من العهد العثماني.
وقال وزيري: «كان لسوهاج، وتحديداً مدنية أخميم دور كبير في صناعة كسوة الكعبة حيث اشتهرت هذه المدنية بصناعة النسيج، وظلّت كسوة الكعبة تصنع بأخميم طوال الفترة التي كان موكب المحمل يخرج فيها من مصر إلى السعودية»، موضحا أنّ «الجزء المعروض في متحف سوهاج هو أول ستار لكسوة الكعبة».
والمحمل هو موكب كان يخرج من مصر كل عام حاملا كسوة الكعبة التي كانت تُصنّع في مدينة أخميم، واستمر حتى منتصف الخمسينات من القرن الماضي.
وبدأ العمل في إنشاء متحف سوهاج القومي عام 1993. وتوقف عدة سنوات لأسباب مالية، أو لأسباب متعلقة بثورة 25 يناير، ويروي المتحف قصة ملوك مصر على مرّ العصور، ويضمّ 950 قطعة أثرية، وقال الدكتور خالد العناني، وزير الآثار المصري، إنّ «حلم المتحف بدأ في عام 1989. عندما خصّصت محافظة سوهاج قطعة أرض لبنائه، لكنّ عمليات الإنشاء الفعلي لم تبدأ سوى عام 1993، وفي عام 2004 أُسند المشروع الذي واجه بعض الصعوبات إلى جهاز الخدمة الوطنية، لتتوقّف أعمال الإنشاءات بشكل كامل مع نهاية عام 2010. ويعود العمل به من جديد في عام 2016»، وأضاف العناني أن «ميزانية إنشاء المتحف بلغت 72 مليون جنيه، منهم 30 مليونا أُنفقوا في العامين الأخيرين لاستكمال المتحف».
وتعد محافظة سوهاج، الواقعة جنوب مصر، «مهد الحضارة المصرية القديمة»، فالتاريخ المصري بدأ من هناك، حيث تعود أصول الأسرة الأولى إلى محافظة سوهاج، وبها مقابرهم في مركز البلينة، وتضم المحافظة 60 موقعاً أثريا، من بينهم مدينة أخميم، وهي مدينة أثرية كاملة وكانت عاصمة الإقليم التاسع، كما تضم معبد أبيدوس وهو واحد من أجمل وأهم معابد مصر.
ومن بين المعروضات لوحة من الحجر الجيري بارتفاع 170 سم، وعرض 105 سم، تعرض قرص الشّمس المجنح الذي يحمي آلهة العالم الآخر أوزيريس وإيزيس وحورس، وهي على غرار حجر رشيد، توثق للكتابة الفرعونية، حيث تحوي 21 حرفا من الكتابة الهيروغليفية، وبعض السّطور باللغة الديموطقية، وتتضمن تكريسا للملك بطليموس الثالث العظيم.
وفي قاعة الملوك يعرض المتحف قصة أول ملوك مصر القديمة، من الأسرتين زيرو والأولى، ومن بين المعروضات تمثال للملك تحتمس الثالث أشهر ملوك مصر الذي قاد 17 حملة عسكرية، إضافة إلى تمثال من الغرانيت الوردي لأشهر ملوك مصر الملك رمسيس الثاني، وبجانبه لوحة للملك مرنبتاح من الألباستر، بينما توثّق قاعة أخرى لحياة المرأة المصرية، وكيف اهتمت بجمالها، وتعرض بعض أدوات التجّميل مثل الأمشاط والكحل، أمّا قاعة الصّناعات فتوضح كيف اهتم المصري بحركة النيل والتجارة وتعرض للعملات المستخدمة في التجارة في ذلك الوقت، إضافة إلى توثيق صناعة النسيج في أخميم.
في السياق نفسه، لا يغفل المتحف صناعة النسيج التي تشتهر بها سوهاج منذ أقدم العصور، حيث يعرض داخل القاعة الخامسة قطعة من أندر القطع وهي عبارة عن لفة من قماش الكّتان تحمل اسم الملك «بيبي»، وثوب من القماش يكشف عن حرفية المصري القديم في صناعة النسيج. كما يقدّم المتحف داخل القاعة السادسة التراث الشّعبي، وأرض سوهاج صاحبة الموال والغناء الشّعبي، ويستعرض عدداً من الآلات الموسيقية القديمة، كما يكشف عن السّحر الذي مارس (آذار)ه المصريون مثل التعاويذ والأحجبة والأعمال السّحرية التي لجأوا إليها لحمايتهم من الحسد، في المقابل لا يغفل المتحف فكرة التدين عند المصريين، فيقدم نسخة نادرة من القرآن الكريم وهي مصحف يرجع إلى العصر العثماني وهو من مقتنيات متحف الفن الإسلامي.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة قلقة من حظر أوكرانيا الكنيسة الأرثوذكسية الروسية

أوروبا أعضاء فرع الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية يحضرون اجتماعاً في دير القديس بانتيليمون في كييف يوم 27 مايو 2022 (رويترز)

الأمم المتحدة قلقة من حظر أوكرانيا الكنيسة الأرثوذكسية الروسية

أعلن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه يدرس حظر كييف للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المرتبطة بروسيا، قائلاً إنه يثير مخاوف جدية بشأن حرية المعتقد.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
آسيا البابا فرنسيس أثناء وصوله إلى مطار سوكارنو هاتا الدولي في جاكرتا (أ.ف.ب)

البابا فرنسيس يصل إلى إندونيسيا في مستهل أطول رحلة خارجية خلال ولايته

البابا فرنسيس يصل إلى إندونيسيا في محطة أولى ضمن جولة له على 4 دول. وتتمحور الزيارة بشكل خاص حول الحوار الإسلامي المسيحي.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
أميركا اللاتينية الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي خلال زيارته إلى القدس 6 فبراير 2024 (أ.ب)

كيف تحول تأييد الرئيس الأرجنتيني لإسرائيل واهتمامه المتزايد باليهودية مصدر قلق لبلاده؟

لقد أظهر الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، وهو كاثوليكي بالميلاد، اهتماماً عاماً متزايداً باليهودية، بل وأعرب حتى عن نيته في التحوّل إلى اليهودية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا رجال الشرطة يقفون للحراسة مع وصول المسلمين لأداء صلاة الجمعة في مسجد جيانفابي في فاراناسي 20 مايو 2022 (أ.ف.ب)

الهند: قوانين مقترحة للأحوال الشخصية تثير مخاوف المسلمين

من المقرر أن تطرح ولاية هندية يحكمها حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي قوانين الأحوال الشخصية العامة الجديدة المثيرة للجدل والتي ستطبَّق على جميع الأديان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
آسيا رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال حفل الافتتاح (رويترز)

مودي يفتتح معبداً هندوسياً بُني على أنقاض مسجد تاريخي

افتتح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اليوم معبداً هندوسياً، بني على أنقاض مسجد تاريخي، في خطوة تكتسي أهمية كبيرة في سياسته القومية المحابية للهندوسية.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.