مع مرور السنين، تحوّل شارع أمير الجيوش في منطقة باب الشعرية المكتظة بالسكان، إلى مركز لتصنيع عربات الطّعام المتنقلة التي تبيع وجبات «التيك أواي» التي يشتريها شباب الخريجين في العاصمة المصرية الكبيرة، أو خارجها. وتتميز المنطقة بأصواتها الرّنانة والضجيج الناتج عن تصنيع العربات المعدنية المتنقلة (عربات الفول والفشار وغزل البنات والكبدة والكُشري).
ويصل شارع أمير الجيوش ميدان باب الشعرية بشارع المعز لدين الله الفاطمي الأثري الشهير، ويطلق عليه سكان المنطقة اسم شارع «مارجوش» أو شارع «النحاسين»، نسبة لحرفة صناعة النحاس. وعلى الرّغم من أن التطوير لم يمتد إلى الشارع، فإنّه يبقى صامدا ضدّ تقلبات الزّمن وأصوات مطارق العمال الثقيلة التي تضفي إليه طابعا مصريا أصيلا.
في زاوية ليست متسعة من الشارع، كان يجلس الأسطى أشرف، أحد شيوخ حرفة تصنيع العربات المتنقلة الذي قضى 24 سنة بين جدران ورشات الشّارع، منذ أن كان صبياً في مقتبل عمره باحثا عن «صنعة» تدرّ عليه دخلاً يسدّ احتياجاته ومطالب منزله.
كان يتابع عن كثب تحركات وأعمال العمال المهرة الذين يعملون في ورشته الكبيرة والمتخصصة في صناعة عربات الفول والكبدة والآيس كريم والأفران وغيرها.
داخل الورشة، تجولت «الشرق الأوسط» وسط معدات اللحام والتقطيع وخامات التصنيع المعدنية. وقال الأسطى أشرف إن «ورشته باعت مئات العربات إلى شبان كثيرين، كانوا يبحثون عن بداية مستقبلهم». ولفت: «حرفة تصنيع العربات المتنقلة تحتاج إلى (صنايعي) صاحب تركيز عالٍ ونسبة ذكاء مرتفعة»، موضحاً أنّ المتدرّب يحتاج إلى عام واحد على الأقل لكسب الكثير من مهارات المهنة والاعتماد على الذّات في عملية التصنيع من دون الحاجة إلى توجيه أو مساعدة من أحد.
وتختلف أنواع الخامات المستخدمة في تصنيع العربات المتنقلة، إذ كشف الأسطى أشرف، أنّ طلب الزبون هو معيار تحديد خامات التصنيع إذا ما كانت مستوردة أو محلية الصنع، وذلك حسب مقدرته المادية، لافتاً إلى أنّه يعتمد على استيراد الخامات من بعض الدول، وفي مقدمتهم الهند والصين، بجانب حصوله على الخامات المحلية من تجار المعادن والموزعين المعتمدين المشهورين. موضحاً أنّ «الإقبال على شراء العربات متفاوت طوال أيام السنة، ويعتمد على المواسم»، متابعاً أنّ الموسم السنوي لكثافة العمل يتمثل في وقت دخول شهر رمضان من كل عام، مرجعاً السبب إلى أنّ أغلب الشباب يلجأون إلى استغلال إقبال المواطنين على شراء الأطعمة خصوصاً الفول والحلويات، بالإضافة إلى موسم عيد الأضحى الذي يجدّد فيه أصحاب مطاعم اللحوم والدواجن عرباتهم ومعداتهم المعدنية في فترة إجازة العيد».
ولفت أشرف إلى أنّ هناك فترات تشهد ركوداً في حركة البيع بالسوق، مما يؤدي إلى غلق الورشة وانتظار طلبات جديدة للزبائن والمحلات المعتمدة على توزيع منتجات الورشة، الأمر الذي يجعل «الصنايعي» مهددا بالجلوس في البيت في أي وقت بعد انتهاء طلبات الزبائن، خصوصاً بعد ملاحقة «البلدية» لعربات الشباب في الشوارع؛ مما يزيد مخاوفهم من اقتناء عربة وفتح مشروع جديد. وعن هوية زبائنه أوضح، أنّ أغلبهم من الشباب الخريجين الذين يبحثون عن مصادر رزق بديلة للعمل في القطاع الحكومي هربا من البطالة.
من جانبه، قال الشاب الثلاثيني حسام رضا، أحد عمال تصنيع عربات الطعام المتنقلة الذي قضى تسع سنوات من عمره في هذا العمل: «المهنة كانت سبباً في عدم جلوسي بالبيت، والانضمام إلى صفوف العاطلين، خاصة بعد تلاشي حلم التعيين الحكومي، وساعدتني على توفير تكاليف الزواج وفتح بيت من دون الاعتماد على أحد». ويوضح، أنّه أصبح يتقاضى في اليوم الواحد راتباً قيمته 250 جنيها مصريا (الدولار الأميركي يعادل 17.82 جنيها مصريا)، وذلك بعد إثبات كفاءته بين زملائه في العمل، حتى أصبح متخصصاً في تصنيع «رمالة القهوة» التي تحتاج إلى تركيز كبير، لافتاً إلى أنّ شقيقه كان سبباً في دخوله هذه المهنة منذ صغره، بعد أن أقنعه بجدوى عائدها المادي المغري.
تواجه الورشات اليوم، مطالبات متكررة بضرورة إغلاقها وإبعادها عن المناطق السّكنيّة لما تصدره من أصوات تزعج المواطنين، وإلزامها بالإغلاق في مواعيد محددة، وسط اعتراضات من أصحاب الورشات الذين يفضلون البقاء داخل تلك المناطق لقربها من وسط القاهرة ومن جميع الموردين والزبائن.
شارع «أمير الجيوش» في القاهرة... من هنا تخرج كتائب بيع الـ«تيك أواي»
محطة ينطلق منها بعض الشباب بعد التخرج
شارع «أمير الجيوش» في القاهرة... من هنا تخرج كتائب بيع الـ«تيك أواي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة