صحة القلب... هل ترتبط بصحة الأمعاء؟

دراسات حول الدور المهم للبكتيريا المعوية

صحة القلب... هل ترتبط بصحة الأمعاء؟
TT
20

صحة القلب... هل ترتبط بصحة الأمعاء؟

صحة القلب... هل ترتبط بصحة الأمعاء؟

هناك تفاعل معقد بين الميكروبات الموجودة داخل أمعائنا وبين أكثر أجهزة جسمنا بما في ذلك الجهاز القلبي الوعائي والجهاز العصبي والجهاز المناعي... وكل ذلك يتصل بشكل كبير بصحة القلب والأوعية الدموية
كيف تلعب التريليونات من البكتيريا الموجودة في الأمعاء دوراً في صحة القلب والأوعية الدموية؟
إذا سالت أكثر الخبراء في مجال الصحة عن أكثر التوجهات رواجاً وانتشاراً في الأبحاث المتعلقة بالصحة، فإنهم سيذكرون على الأرجح «الميكروبيوم».
- كائنات متعايشة
الميكروبيوم (Microbiome)، هو مجموع الميكروبات المتعايشة مع الإنسان، ويطلق عليه أيضاً «النبيت الجرثومي المعوي». ويشير هذا المصطلح إلى الأعداد الهائلة من الميكروبات والكائنات الدقيقة التي تُقدر بالتريليونات وتعيش داخل أجسامنا. وتعيش أكثر تلك البكتيريا والفيروسات والفطريات داخل أمعائنا، وتساعد في عملية الهضم، وتفرز مواد مغذية محددة، إلى جانب مواد لها آثار متنوعة متعددة على الصحة.
تقول الدكتورة جوان مانسون، أستاذة الطب في كلية الطب بجامعة هارفارد، ورئيسة قسم الطب الوقائي في مستشفى «بريغهام والنساء»: «هناك تفاعل معقد بين الميكروبات الموجودة داخل أمعائنا، وأكثر أجهزة جسمنا، بما في ذلك الجهاز القلبي الوعائي، والجهاز العصبي، وجهاز الغدد الصماء، والجهاز المناعي. كل تلك العلاقات المترابطة متصلة بشكل كبير بصحة القلب والأوعية الدموية».
- نتاجات أيض الميكروب
كما تتوقع، فإن ما نتناوله يلعب بالفعل دوراً أساسياً في تركيب الكائنات الدقيقة في أمعائنا. ونحن نعلم الآن المزيد عن تأثير المواد التي تفرزها ميكروبات الأمعاء على احتمالات الإصابة بالكثير من الأمراض المزمنة بما فيها السكري، وأمراض القلب، والسرطان كما توضح الدكتورة مانسون.
من أشهر نواتج الأيض (النواتج المفرزة من قبل الميكروب) في الأمعاء، مادة ثلاثي ميثيل أمين trimethylamine (TMA)، التي تتكون عندما تتغذى ميكروبات الأمعاء على الكولين، وهي من المواد المغذية الموجودة في اللحم الأحمر، والسمك، والدواجن، والبيض. تتحول تلك المادة في الكبد إلى أكسيد ثلاثي ميثيل أمين trimethylamine N - oxide (TMAO) التي لها علاقة وثيقة بتكون الصفائح التي تتسبب في انسداد الشرايين (مرض التصلب العصيدي».
وقد جمع بحث (نشرته الدكتورة مانسون وزملاؤها عام 2017 في دورية جمعية القلب الأميركية) نتائج 19 دراسة تنظر في العلاقة بين مستوى أكسيد ثلاثي ميثيل أمين في الدم، وحدوث مشكلات خطيرة في القلب والأوعية الدموية أبرزها النوبات القلبية والسكتات الدماغية.
كان الأشخاص، الذين لديهم ارتفاع في مستويات أكسيد ثلاثي ميثيل أمين، أكثر عرضة للإصابة بمشكلات خطيرة في القلب والأوعية الدموية بنسبة 62% مقارنةً بمن ينخفض مستوى تلك المادة في دمهم. كذلك كانت هناك علاقة بين ارتفاع مستوى تلك المادة، وارتفاع معدل الوفاة. كذلك كانت تلك الصلات مستقلة ومنفصلة عن عوامل الإصابة التقليدية مثل السكري، والبدانة، ومشكلات في الكلى. يشير هذا إلى أن تلك المادة قد تصبح هدفاً جديداً لاستراتيجيات الوقاية والعلاج.
كذلك من المعروف أن الكائنات الدقيقة الموجودة في الأمعاء تؤثر على عوامل أخرى مرتبطة بالإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والالتهاب. على سبيل المثال، قد يحفز اتباع نظام غذائي غنيّ بالألياف على نمو بكتيريا الأمعاء التي تفرز أحماضاً دهنية ذات سلسلة قصيرة. ويبدو أن الأمعاء التي تحتوي على تلك الميكروبات تساعد المصابين بالسكري في السيطرة بشكل أفضل على مستوى السكر في الدم ووزن الجسم حسب دراسة محدودة.
- تنظيم ضغط الدم
كذلك يبدو أن الأحماض الدهنية ذات السلسلة القصيرة، والتي تتكون بشكل حصري في الأمعاء، تلعب دوراً في تنظيم ضغط الدم، حيث تشير دراسات خاصة بالفئران إلى أن تلك الدهون مرتبطة بانبساط وانقباض الأوعية الدموية. تعد هذه الملاحظة واحدة من بين ملاحظات كثيرة وردت في تقرير خاص بدور الكائنات الدقيقة داخل جسم الإنسان في تنظيم ضغط الدم تم نشره في عدد سبتمبر (أيلول) 2017 من مجلة «ارتفاع ضغط الدم».
من النتائج الأولية الأخرى التي تمت مناقشتها في المراجعة:
> كيف تغيِّر المستويات المرتفعة من الصوديوم في النظام الغذائي تكوين الكائنات الدقيقة التي تسكن الأمعاء.
> كيف من المحتمل أن تؤثر المواد السامة التي تفرزها الميكروبات على وظائف الكلى، وهو أمر يلعب دوراً في تنظيم ضغط الدم.
> كيف تتفاعل الميكروبات التي تعيش داخل الفم مع النترات الموجودة في الخضراوات لتكوّن النترات وأكسيد النتريك اللذين يساعدان في استرخاء الأوعية الدموية.
مع ذلك لا يزال هذا المجال ناشئاً وفي مراحله الأولى على حد قول الدكتورة مانسون. وتشير أدلة متزايدة إلى أن العادات الغذائية، التي تساعد في الوقاية من أمراض القلب مثل الامتناع عن تناول اللحوم الحمراء، والحد من تناول الملح، وتناول خضراوات غنية بالألياف، إلى جانب الحبوب الكاملة، لها آثار إيجابية على الكائنات الدقيقة التي تعيش داخل الأمعاء.
- المُعينات الحيوية... فوائد مهمة لكنها محدودة
> ماذا عن المعينات الحيوية (بروبيوتيك)، أي تلك البكتيريا الحية الموجودة في لبن الزبادي وغيره من الأطعمة المخمرة والمكملات الغذائية؟ في الوقت الذي من المحتمل أن تحسّن فيه تلك المكونات حالة الإسهال الناتج عن الإصابة بعدوى أو عن تناول مضادات حيوية، وتخفف من حدة أعراض متلازمة القولون المتهيج، فإن الأدلة التي تؤكد فائدتها لا تزال محدودة.
من السابق لأوانه التوصية بتناول المعينات الحيوية بانتظام للوقاية من أكثر الأمراض المزمنة، أو علاجها على حد قول الدكتورة مانسون. وتضيف قائلة: «نحن لا نعرف في أكثر الأحوال ما إذا كانت المعينات الحيوية تحقق هدفها وتغير الكائنات الدقيقة أم لا». مع ذلك من غير المتوقع أن يمر وقت طويل لنفهم المزيد عن هذا الموضوع، حيث حصلت الدكتورة مانسون وباحثون آخرون في الولايات المتحدة على منح كثيرة من المعاهد الوطنية للصحة من أجل دراسة علوم الأيض للتمكن من توقع احتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري. ويقال عن دراسة علوم الأيض إنها الحلقة المفقودة التي تربط الكائنات الدقيقة داخل جسم الإنسان بصحته.

- رسالة هارفارد للقلب، خدمات «تريبيون ميديا».

الرجاء إرسال الأسئلة إلى العنوان الإلكتروني الجديد:
istisharat@aawsat.com


مقالات ذات صلة

6 علامات تحذيرية بشأن النوم تخفي مشكلات وخيمة على صحتك الجسدية والعقلية

صحتك 6 علامات رئيسية تُنبئ بضرورة استشارة طبيبك بشأن نومك (رويترز)

6 علامات تحذيرية بشأن النوم تخفي مشكلات وخيمة على صحتك الجسدية والعقلية

أصبح من المعلوم أن الحصول على قسط كافٍ من النوم ضروري لتحسين صحة الإنسان، ومع ذلك، يعاني ملايين الأشخاص من أجل الحصول على الفترة الكافية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك طبيب ينظر إلى فحوصات التصوير المقطعي للدماغ في معهد بانر لألزهايمر في فينيكس (أ.ب)

5 إجراءات للوقاية من الاكتئاب والخرف والسكتة الدماغية

أكدت دراسة جديدة أن ما لا يقل عن 60 في المائة من حالات السكتة الدماغية، و40 في المائة من حالات الخرف، و35 في المائة من حالات الاكتئاب يمكن التصدي لها

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
رياضة عربية في السنوات الأخيرة شهد عالم الرياضة واللياقة البدنية تصاعداً لافتاً في شعبية رياضة البيلاتس (الشرق الأوسط)

ثورة البيلاتس: كيف غزت «الريفورمر» عالم اللياقة؟

في السنوات الأخيرة، شهد عالم الرياضة واللياقة البدنية تصاعداً لافتاً في شعبية رياضة البيلاتس، وتحديداً «بيلاتس ريفورمر»، التي تحوّلت من ممارسة علاجية إلى نمط حي

فاتن أبي فرج (بيروت )
صحتك سرطان القولون والمستقيم كان يُعتقد أنه يصيب الناس في مرحلة متقدمة من العمر ولكنه الآن يزداد بين الشباب (رويترز)

الارتفاع في سرطان القولون بين الشباب قد يكون مرتبطاً بالطفولة... ما العلاقة؟

تشير دراسة جديدة رائدة إلى أن بكتيريا تعيش في الأمعاء قد تكون وراء الارتفاع الأخير في حالات سرطان القولون والمستقيم المبكر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك الأشخاص المصابون بمتلازمة التمثيل الغذائي كانوا أكثر عرضة للإصابة بالخرف في سن مبكرة بنسبة 24 % (رويترز)

متلازمة التمثيل الغذائي تزيد خطر الإصابة بالخرف المبكر... كيف تحمي نفسك؟

كشفت دراسة جديدة أن كيفية إدارة مجموعة من الحالات الصحية المعروفة باسم متلازمة التمثيل الغذائي لها تأثير كبير على احتمال إصابتك بالخرف في سن مبكرة.

«الشرق الأوسط» (سيول)

دراسة: الستاتينات تخفض خطر وفاة مرضى سرطان الدم بـ61 %

تناول الستاتينات مع أدوية السرطان لا يُسبب أي آثار جانبية خطيرة أو مُهددة للحياة (رويترز)
تناول الستاتينات مع أدوية السرطان لا يُسبب أي آثار جانبية خطيرة أو مُهددة للحياة (رويترز)
TT
20

دراسة: الستاتينات تخفض خطر وفاة مرضى سرطان الدم بـ61 %

تناول الستاتينات مع أدوية السرطان لا يُسبب أي آثار جانبية خطيرة أو مُهددة للحياة (رويترز)
تناول الستاتينات مع أدوية السرطان لا يُسبب أي آثار جانبية خطيرة أو مُهددة للحياة (رويترز)

أشارت دراسة حديثة إلى أن مرضى سرطان الدم لديهم خطر وفاة أقل بنسبة 61 في المائة إذا تناولوا الستاتينات مع العلاج، وفقاً لصحيفة «تلغراف».

يُشخَّص نحو 4500 شخص سنوياً بسرطان الدم الليمفاوي المزمن (CLL) أو سرطان الغدد الليمفاوية الصغيرة (SLL)، ويموت منهم أقل بقليل من ألف شخص.

لكن تشير الأبحاث إلى أن الستاتينات قد تكون وسيلة اقتصادية لخفض معدلات الوفيات بشكل كبير.

تعمل الستاتينات بشكل أساسي على خفض مستويات الكوليسترول، ولكنها تُحسِّن أيضاً وظيفة الأوعية الدموية بشكل عام، مما قد يُساعد الجهاز المناعي، ويبدو أن لها تأثيرات مضادة للالتهابات.

حلل باحثون من الإمارات العربية المتحدة السجلات الطبية لـ1467 مريضاً مصاباً بسرطان الدم الليمفاوي المزمن أو سرطان الغدد الليمفاوية الصغيرة، والذين شاركوا في 4 تجارب سريرية بين عامي 2012 و2019.

كان نحو ثلث المشاركين في الدراسة يتناولون أيضاً، بشكل غير ذي صلة، أدوية الستاتين، ووُجد أن خطر الوفاة لديهم انخفض بشكل ملحوظ خلال 5 سنوات.

«رابط قوي»

انخفض خطر الوفاة بالسرطان لدى المرضى الذين تناولوا أدوية الستاتين بنسبة 61 في المائة في المتوسط، و38 في المائة لأي سبب.

صرح الدكتور أحمد أبو حلوة، الأستاذ المساعد في ممارسة الصيدلة والعلاج الدوائي بجامعة الشارقة في الإمارات العربية المتحدة: «هذا أول تقييم منهجي لعلاقة استخدام الستاتينات بنتائج البقاء على قيد الحياة لدى مرضى سرطان الدم الذين عولجوا بعوامل مستهدفة حديثة مثل إبروتينيب».

وقال: «تُبرز نتائجنا وجود صلة قوية بين استخدام الستاتينات وتحسين فرص البقاء على قيد الحياة لدى هذه الفئة من المرضى».

سرطان الدم الليمفاوي المزمن هو سرطان بطيء النمو يبدأ في الخلايا المكونة للدم في نخاع العظم، وهو أحد أكثر أشكال سرطان الدم شيوعاً.

يؤثر سرطان الغدد الليمفاوية الصغيرة، وهو أيضاً سرطان بطيء النمو، على نفس نوع الخلايا مثل سرطان الدم الليمفاوي المزمن ولكنه يبدأ في الأنسجة الليمفاوية مثل الطحال بدلاً من الخلايا المكونة للدم.

من المتوقع أن يموت نحو 12 في المائة من المرضى في غضون 5 سنوات من تشخيص أي من الحالتين، وهو ما يشير إلى أن الستاتينات يمكن أن تساعد في خفض هذه النسبة إلى نحو 5 في المائة.

من غير المعروف سبب قدرة الستاتينات على تحسين البقاء على قيد الحياة، على الرغم من أن العديد من الدراسات أظهرت أن الأدوية التي تُحسّن الصحة العامة يمكن أن تُساعد في الوقاية من أمراض خطيرة أخرى.

كما وجد البحث أن تناول الستاتينات مع أدوية السرطان لا يُسبب أي آثار جانبية خطيرة أو مُهددة للحياة، ما يُشير إلى أنها قد تكون إضافة آمنة للعلاج.

وأضاف الدكتور أبو حلوة: «لا تُمكّننا هذه النتائج من الجزم بأن الستاتينات تُحسّن نتائج علاج السرطان بشكل مباشر».

ومع ذلك، فإن بقاء هذا الارتباط قوياً حتى بعد مراعاة عوامل متعددة يجعله مجالاً مهماً للأبحاث المستقبلية.