سوق المال في مصر تنتظر دعماً بإضافة بورصة للعقود الآجلة

إقرار تعديلات في القانون بالتزامن مع تخفيض أسعار الفائدة

في حين بلغ حجم سوق الصكوك العالمية بنهاية العام الماضي 95 مليار دولار لم تستطع مصر الاستفادة من هذه الآلية لقصور بنيتها التشريعية (رويترز)
في حين بلغ حجم سوق الصكوك العالمية بنهاية العام الماضي 95 مليار دولار لم تستطع مصر الاستفادة من هذه الآلية لقصور بنيتها التشريعية (رويترز)
TT

سوق المال في مصر تنتظر دعماً بإضافة بورصة للعقود الآجلة

في حين بلغ حجم سوق الصكوك العالمية بنهاية العام الماضي 95 مليار دولار لم تستطع مصر الاستفادة من هذه الآلية لقصور بنيتها التشريعية (رويترز)
في حين بلغ حجم سوق الصكوك العالمية بنهاية العام الماضي 95 مليار دولار لم تستطع مصر الاستفادة من هذه الآلية لقصور بنيتها التشريعية (رويترز)

قفزت البورصة المصرية بقوة بعد تعويم العملة في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016، وتخطت 14 ألف نقطة، مسجلة مستوى قياسياً في الارتفاع لم تشهده منذ إطلاقها، بيد أن تعديلات قانون سوق رأس المال الجديدة، والتي جاءت متزامنة مع بدء نهج تخفيض أسعار الفائدة، من شأنها أن تدفع البورصة لتسجيل مستويات جديدة، مع إقرار بورصة للعقود الآجلة. وتهدف التعديلات الجديدة في قانون سوق رأس المال، الذي صدر عام 1992، في وقت كانت فيه قيم التداول وأعداد المتداولين قليلة، إلى جذب أكبر شريحة من المستثمرين الأجانب، الذي فضلوا أسواقاً مجاورة في وقت شهدت فيه البلاد اضطرابات وعدم استقرار، فضلاً عن سمعة تلاحقها بالبيروقراطية لا تخلو من فساد إداري ومالي.
فبعد أكثر من 10 سنوات على الحديث عن تعديلات على قانون سوق المال من نحو 5 رؤساء لهيئة سوق المال، وافق مجلس النواب مؤخراً، بعد عامين من المباحثات على تعديل القانون.
وكان المسؤولون عن سوق رأس المال يتعاملون سابقاً مع التحديثات الجديدة في البورصة، بإضافة لائحة أو تعديل على القانون المعمول به منذ 25 عاماً، اختصاراً للروتين.
وتنصّ التعديلات الجديدة للقانون، على إدخال أدوات مالية جديدة للبورصة من بينها الصكوك، والسماح بإنشاء بورصة للسلع والعقود الآجلة، وتتيح هذه التعديلات جذب شريحة كبيرة من المستثمرين المحليين والعرب، والتي ترفض الاستثمار في أدوات الدخل الثابتة من خلال إتاحة أدوات مالية جديدة للاستثمار، مثل البنوك الإسلامية وشركات التأمين التكافلي.
وأكدت وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي سحر نصر، في تصريحات صحافية بعد موافقة مجلس النواب، أهمية قانون رأس المال، ليتواكب مع متطلبات الاقتصاد المصري وتحقيق احتياجاته للوصول إلى التنافسية وسط الاقتصاد العالمي، وإتاحة أدوات مالية جديدة بالسوق المصرية، وتحقيق الشمول المالي، وتفعيل دور القطاع المالي غير المصرفي، بحيث يكون محركاً أساسياً للنمو الاقتصادي من خلال حزمة من الإصلاحات.
وبلغ حجم سوق الصكوك العالمية بنهاية العام الماضي نحو 95 مليار دولار، وفقاً لتقرير مؤسسة «موديز» للتصنيف الائتماني، ولم تستطع مصر الاستفادة من هذه الآلية التمويلية لقصور بنيتها التشريعية، رغم جاذبيتها للمستثمرين العرب والأجانب.
كما تتيح بورصة العقود الخاصة بالسلع، اتفاق المتعاملين على تفاصيل بيع وشراء سلعة بسعر طويل الأجل، بما يعني موافقة البائع على تسليم كمية معينة من سلعة ما، في تاريخ مستقبلي، مقابل سعر يحدَّد عند إبرام العقد، بغض النظر عن سعر السلعة يوم التسليم، ويمكن تداول تلك العقود الآجلة، وانتقالها من متداول إلى آخر.
وتهدف الحكومة من تلك التعديلات إلى ضبط إيقاع السوق، وتحقيق شفافية لتداول السلع وفقاً للعرض والطلب، ومحاربة ممارسات التهريب والاحتكار، والغش التجاري، والحفاظ على أسعار متوافقة وثابتة للسلع الأساسية، مثل القطن والقمح والسكر والأرز.
وتتعامل البورصات السلعية في الحبوب ومنتجاتها، والبقوليات، والمنتجات الزراعية الجافة، والألبان ومنتجاتها، والدواجن والماشية واللحوم، والخضر والفاكهة، ويصدر عنها عند الإقفال نشرة تتضمن جميع التعاملات توضح الكميات والأسعار.
كما تستهدف التعديلات، توفير حماية أكبر للمستثمرين، والتصدي لأي مخالفات قد تصدر من شركات تداول الأوراق المالية، وتحرص التعديلات على تشديد العقوبات على المخالفين في التعامل بسوق المال. ونفّذت البورصة المصرية عدداً من الإصلاحات في الفترة الماضية، مكّنتها من تحسن ترتيب مصر في مؤشر التنافسية العالمي من المركز 115 إلى 100، وكذلك التقدم في مؤشر تنمية سوق المال بنحو 44 مركزاً للعام المالي 2017-2018، من 111 إلى 77.

تعديل 45 مادة
يشمل القانون تعديل 45 مادة أبرزها: الصكوك، التي حددها القانون بأنها أوراق مالية اسمية متساوية القيمة تصدر لمدة محددة لا تزيد على 30 عاماً، وتمثل كل منها حصة شائعة في ملكية أصول أو منافع أو موجودات أو مشروع معين أو التدفقات النقدية له، وفقاً لما تحدده نشرة الاكتتاب العام أو مذكرة المعلومات حسب الأحوال. وذلك حسب ما جاء في المادة الرابعة في تعديلات القانون. ويتم الترخيص لشركات تسمّى شركات «تصكيك»، وأقرّت المادة 14 (مكرراً 1) عدم جواز إصدار صكوك يطلق عليها «متوافقة مع الشريعة الإسلامية» أو «إسلامية» أو «شرعية»، أو أن يشار إليها أو إلى أيٍّ من تلك العبارات في أيٍّ من عقودها أو نشرات طرحها أو وثائقها أو مواد الترويج لها أو الإعلانات الصادرة عنها إلا وفقاً لمجموعة من الاشتراطات تتمثل في تشكيل لجنة رقابة شرعية للإصدار وفقاً للضوابط التي يصدر بها قرار من مجلس إدارة الهيئة بشأن متطلبات تشكيل لجان الرقابة الشرعية واشتراطات شغل عضويتها، وأن يكون المشروع محل التصكيك مُجازاً من لجنة الرقابة الشرعية بما يفيد توافقه مع أحكام الشريعة الإسلامية، وأن يكون طلب قيد وتداول إصدار الصكوك بإحدى البورصات مُجازاً من لجنة الرقابة الشرعية.

إعفاء ضريبي
أقرت التعديلات، الإعفاء من جميع الضرائب والرسوم أياً كان نوعها، وكل التصرفات التي تتم بين الجهة المصدرة أو المستفيدة وبين شركة التصكيك بشأن التصرفات العقارية، وتسجيل العقارات اللازمة لنقل ملكية الأصول العقارية التي تتم بين الجهة المصدّرة وشركة التصكيك سواء عند إصدار الصكوك أو عند إعادتها للجهة المصدّرة في نهاية مدة الإصدار، وتسجيل الموجودات والأصول والمنافع التي تتم بين الجهة المستفيدة وشركة التصكيك سواء عند إصدار الصكوك أو إعادتها للجهة المستفيدة في نهاية مدة الإصدار.
وتسري على توزيعات العائد أو الأرباح المقررة لحَمَلة الصكوك وعلى ناتج التعامل على الصكوك، المعاملة الضريبية المقررة لسندات الشركات.
وطبّقت الحكومة ضريبة دمغة على تعاملات الأسهم والسندات سواء المقيدة أو غير المقيدة، وكذلك على سوق خارج المقصورة خلال العام الماضي، وأقرّت المادة 14 (مكرراً 10) من تعديلات قانون سوق المال أن يكون للصكوك ضامن لتغطية الاكتتاب من بين البنوك المرخص لها وبموافقة البنك المركزي أو غيره من الجهات المرخص لها بذلك من الهيئة.
وفي حالة عدم اكتمال عملية إصدار الصكوك لعدم التغطية، أو لأي سبب آخر تُعاد للمكتتبين جميع المبالغ التي دفعوها كاملة، وذلك خلال يومَي عمل من التاريخ المحدد لانتهاء مدة تغطية الاكتتاب أو الطرح وحدوث عدم التغطية، وخلال المدة التي تحددها نشرة الاكتتاب أو مذكرة المعلومات في غيرها من حالات عدم اكتمال عملية الإصدار.

بورصة العقود الآجلة
تضمنت التعديلات تعريفات لثلاثة أنواع من العقود الآجلة، تتمثل في العقود المستقبلية، وتكون على سلع وفقاً للمواصفات والجودة والكمية ومكان التسليم بما يتفق مع القواعد التي تضعها إدارة البورصة. وشملت أيضاً عقود الخيارات، وعقود المبادلة.

وحدة مراقبة السلع
تضمنت تعديلات القانون إنشاء وحدة مستقلة ذات طابع خاص بالوزارة المختصة بالتجارة الداخلية، تسمَّى «وحدة الإشراف والرقابة على المخازن المعتمدة للسلع». وتختص الوحدة بالتنظيم والإشراف والرقابة على المخازن المعتمدة للسلع وخبراء تصنيفها، ولها في سبيل تحقيق ذلك وضع شروط ومتطلبات الترخيص بالمخازن المعتمدة للسلع وقواعد عملها، وشروط ومتطلبات الترخيص لخبراء تصنيف السلع، وشروط استمرار الترخيص، وإصدار دليل الإجراءات المرتبطة بالتسوية المادية، وتحديد آلية توفير الأسعار المرجعية للتداولات الآنية لمختلف السلع وبالأخص السلع محل التعاقدات في بورصة العقود، والتفتيش على المخازن، والتفتيش على أعمال خبراء تصنيف السلع، وفحص المنازعات المتعلقة بالسلع وتصنيفها وتحديد معايير ودرجة جودتها وما يتصل بأعمال خبراء تصنيف السلع، والطلب من الهيئة تحريك الدعوي الجنائية بشأن مخالفات الجهات القائمة على إدارة المخازن المعتمدة للسلع أو مخالفات خبراء تصنيف السلع.

صندوق حماية المتعاملين
تلتزم شركات الوساطة في بورصات العقود بالاشتراك في صندوق تأمين لتغطية المخاطر غير التجارية الناشئة عن أنشطة الشركات العاملة في بورصات العقود؛ ويصدر رئيس مجلس الوزراء قراراً بقواعد تحديد اشتراك الشركات العاملة في بورصات العقود في عضوية مجلس إدارة الصندوق المشار إليه، ونسبة مساهمة كل شركة في موارده، ومقابل التأخير في الوفاء بهذه المساهمة، وأي مبالغ تُستحق للصندوق عن المواعيد المحددة للوفاء بها.


مقالات ذات صلة

مصر توقع اتفاقين بقيمة 600 مليون دولار لمشروع طاقة مع «إيميا باور» الإماراتية

الاقتصاد منظر للعاصمة المصرية (الشرق الأوسط)

مصر توقع اتفاقين بقيمة 600 مليون دولار لمشروع طاقة مع «إيميا باور» الإماراتية

وقّعت مصر وشركة «إيميا باور» الإماراتية اتفاقين باستثمارات 600 مليون دولار، لتنفيذ مشروع محطة رياح، بقدرة 500 ميغاواط في خليج السويس.

الاقتصاد اجتماع وزير البترول  والثروة المعدنية المصري كريم بدوي بمسؤولي شركة «إكسون موبيل» (وزارة البترول والثروة المعدنية)

«إكسون موبيل» تستعد لحفر بئر جديدة للتنقيب عن الغاز في مصر

ستبدأ شركة «إكسون موبيل» المتخصصة في أعمال التنقيب عن البترول وصناعة البتروكيماويات يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) المقبل بأنشطة الحفر البحري للتنقيب عن الغاز.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مصريون يلجأون للمعارض لشراء احتياجاتهم مع ارتفاع الأسعار (الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية)

الغلاء يُخلخل الطبقة الوسطى في مصر... رغم «التنازلات»

دخلت الطبقة الوسطى في مصر مرحلة إعادة ترتيب الأولويات، بعدما لم يعد تقليص الرفاهيات كافياً لاستيعاب الزيادات المستمرة في الأسعار، فتبدلت معيشتها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال استقباله الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس وزراء قطر في العاصمة الإدارية الجديدة (مجلس الوزراء المصري)

مصر وقطر ستتعاونان في مشروع عقاري «مهم للغاية» بالساحل الشمالي

قال مجلس الوزراء المصري، الأربعاء، إن مصر وقطر ستتعاونان خلال المرحلة المقبلة في مشروع استثماري عقاري «مهم للغاية» في منطقة الساحل الشمالي المصرية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

حذّر تقرير أممي من زيادة نسبة خدمة الدين الخارجي في البلدان العربية، بعد أن تضخّم الدين العام المستحق من عام 2010 إلى 2023، بمقدار 880 مليار دولار في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».