حضارة القارة الهندية وتاريخها في قلب الجنادرية

الرياض ونيودلهي علاقاتهما تأسست على الروابط الحضارية منذ عقود

حرفي هندي يعرض لزوار الجناح بعض المواد اليدوية التي أنتجها  (تصوير: خالد الخميس)
حرفي هندي يعرض لزوار الجناح بعض المواد اليدوية التي أنتجها (تصوير: خالد الخميس)
TT

حضارة القارة الهندية وتاريخها في قلب الجنادرية

حرفي هندي يعرض لزوار الجناح بعض المواد اليدوية التي أنتجها  (تصوير: خالد الخميس)
حرفي هندي يعرض لزوار الجناح بعض المواد اليدوية التي أنتجها (تصوير: خالد الخميس)

في قلب القرية التراثية للمهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية 32) تبرز حضارة الهند، ضيف شرف المهرجان في دورته الحالية، بتاريخها العريق وارتباطها بالجزيرة العربية منذ قرون، فمن خلال المساحة التي خصصها منظمو المهرجان، حرصت الهند على نشر تاريخها العريق، إضافة إلى ارتباطها الوثيق بالسعودية وقوة شراكاتهما في مختلف المجالات.
وعلى أروقة الجناح تبرز كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، التي وجهها أثناء زيارة رئيس الوزراء الهندي للسعودية عام 2016، جاء فيها «نحن واثقون أن محادثاتنا ستعزز علاقاتنا في مختلف المجالات من أجل تحقيق الشراكة الاستراتيجية بين بلدينا لخدمة المصالح المشتركة».
وتلك الكلمات التي قالها خادم الحرمين الشريفين تلخص العلاقات الوثيقة والاستراتيجية التي تربط السعودية بالهند بتاريخها وحضارتها، كما أنها تعطي جانباً في مستقبل العلاقات بين الرياض ونيودلهي المهم؛ كونهما شريكين استراتيجيين.
في حين تلخص العبارات التي قالها ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند، عن العلاقات التي تربط بلاده بالسعودية، حين قال: «فرص عظيمة لتوسيع الروابط الهندية – السعودية في مجالات النفط والطاقة المتجددة والبنية التحتية والدفاع والزراعة».
وبالرجوع قليلاً، نجد أن الروابط الثنائية بين البلدين أعطيت زخماً مع زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى الهند عام 2014 حينما كان ولياً للعهد نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للدفاع، حيث تم إبرام شراكة استراتيجية ثنائية نامية، وتم خلال الزيارة توقيع البلدين مذكرة تفاهم حول التعاون الدفاعي.
وعلى هامش مجموعة العشرين التي عقدت في هانغجو الصينية عام 2016، التقى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، حينما كان ولياً لولي العهد برئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، وشكّل هذا اللقاء التأكيد على الرؤية الثاقبة المشتركة بين البلدين بالنظر إلى أن السعودية هي رابع شريك تجاري للهند، كما أنها مصدر رئيسي للطاقة، كما أن السعودية تلبي نحو خُمس متطلبات النفط الخام للهند.
وعلى جنبات المعرض أيضاً عرض المسؤولون على الجناح صوراً للزيارة التاريخية التي قام بها الراحل الملك سعود بن عبد العزيز، إلى الهند عام 1955؛ إذ تعتبر تلك الزيارة أول مشاركة رفيعة المستوى بين البلدين الصديقين، وتلك الزيارة حددت مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، ومهدت لإقامة العلاقات الدبلوماسية، وتجول الملك سعود حينها في مختلف المدن الهندية، وأجرى لقاءات مع قيادات هندية ووضعت أساساً للصداقة لتطوير العلاقات بين البلدين.
ولعل البارز في المعرض عرض نسخ لمخطوطات للقرآن الكريم كتبت بالخط الكوفي، إضافة إلى كتب ومخطوطات يرجع تاريخها لقرون، إضافة إلى عرض أجزاء من كتابات لنصوص من أقول الرسول الكريم، وبعض علماء الإسلام، ويؤكد سيد طارق أزهر، وهو أحد المسؤولين عن قسم المخطوطات بالجناح الهندي، أن بلاده تمتلك تراثاً كبيراً مرتبطاً باللغة العربية، وهناك نصوص قرآنية محفوظة في متاحف بالهند، وأن المسؤولين هناك حرصوا على نقل تلك المخطوطات إلى زوار المهرجان الوطني للتراث والثقافة، وتظهر الارتباط الوثيقة بين الحضارة الهندية والعربية.
ويوضح أزهر، وهو يتحدث لـ«الشرق الأوسط»، أن الهند والسعودية لديهما أواصر صداقة وعلاقة قائمة على الثقة المتبادلة؛ إذ تتمتع الهند والسعودية بعلاقة تأسست على الروابط الحضارية التي بنيت على اتصالات الشعوب منذ قرون كونهما صديقين مقربين لبعضهما بعضاً، والرياض ونيودلهي قاما بتحويل هذه العلاقات إلى شراكة استراتيجية مرتكزة على تبادل المنفعة والمتعددة الأوجه.
وفي جناح ضيف الشرف الهند عُرضت بعض اللوحات التي تظهر ارتباط الهند بالحج؛ إذ يمثل أداء مناسك الحج والعمرة عاملاً مهماً للهنود؛ لما له من ارتباط عاطفي بالمشاعر المقدسة، فمنذ دخول الإسلام للهند يتوجه الهنود إلى السعودية لأداء فريضة الحج، كما أنه في الأيام الماضية كان المعلمون السعوديون يذهبون إلى الهند ليرافقوا الحجاج الهنود من أجل تعلم بعض العلوم والمعارف في الهند.
وحالياً، يشكل الحجاج الهنود ثالث أكبر جالية من الحجاج الذين يفدون إلى السعودية لأداء الحج كل عام، كما أن الحجاج الهنود مثل حجاج الدول الأخرى يتمتعون بالترتيبات التي تنفذها الجهات المعنية في السعودية لإقامتهم وتسهيل أداء مناسك الحج والعمرة.
ويؤكد القائمون على جناح الهند، ضيف شرف المهرجان، أن «الجنادرية» تمثل أكبر فرصة للتعرف على وجه القارة الهندية لما لها من تراث وثقافة فنية ممتدة، وتأتي هذه المشاركة من أجل توسيع التواصل العالمي وإيجاد تعاون ثقافي، كما أنها تعزز الارتباطات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تربط البلدين.
وحرص المسؤولون عن الجناح على عرض القوة الاقتصادية المتنامية للهند وبراعة صناعتها وسحر ثرواتها؛ إذ تتواجد «أكشاك» داخل الصالة المغطاة تتحدث عن الهند التقليدية والمعاصرة، كما أن هناك برامج ثقافية تحتوي على أنواع الرقصات الحديثة والكلاسيكية، في حين يتم عقد سلسة من الندوات والتفاعلات بين المؤسسات التجارية التي تزور الجناح.
وخلال ساعات المساء يتم عرض اليوغا، كما يتم عروض لأفلام بوليوود وعرض للوحات فن الخط العربي من مكتبة رضا رامبور الشهيرة ضمن الأنشطة الثقافية، كما تم عرض رقصات من مختلف أنحاء الهند كرقصات كاتهاكالي ومانيبوري وراجستهاني وكاتهاك بمشاركة طلاب المدرسة الهندية العالمية الذين يتلقون تعليمهم في مدن سعودية.


مقالات ذات صلة

تأجيل مهرجان الجنادرية إلى العام المقبل بسبب تداعيات «كورونا»

يوميات الشرق تأجيل مهرجان الجنادرية إلى العام المقبل بسبب تداعيات «كورونا»

تأجيل مهرجان الجنادرية إلى العام المقبل بسبب تداعيات «كورونا»

أعلنت وزارة الثقافة عن تأجيل موعد انعقاد المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» إلى الربع الأول من عام 2021م، في حال كانت الظروف الصحية مواتية لحضور تجمعات بشرية كبيرة مثل التي يمتاز بها مهرجان شعبي بحجم مهرجان الجنادرية، وجاء التأجيل حرصاً على سلامة زوار المهرجان، وتنفيذاً لقرارات الدولة المتعلقة بالإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس «كورونا» المستجد ولحفظ أفراد المجتمع من تداعياته. وكانت وزارة الثقافة قد حددت سابقاً شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2020م موعداً لإقامة أول دورة من مهرجان الجنادرية تتولى إدارتها الوزارة بعد قرار مجلس الوزراء رقم 645 المتضمن نقل مهمة إقامة وتنظيم المهرجان من وزا

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق «الثقافة» السعودية تحدد نوفمبر 2020 موعداً للانطلاقة الجديدة لـ«الجنادرية»

«الثقافة» السعودية تحدد نوفمبر 2020 موعداً للانطلاقة الجديدة لـ«الجنادرية»

حددت وزارة الثقافة شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، من عام 2020م موعداً للانطلاقة الجديدة للمهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» بعد تسلمها مهمة الإشراف على المهرجان من وزارة الحرس الوطني في شهر يوليو (تموز) الماضي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الجناح الإندونيسي من الخارج (تصوير: عبد الهادي حبتور)

الأنغكلونغ وطائر غارودا الأسطوري ينقلان تراث إندونيسيا إلى مهرجان الجنادرية

عبر عرض آلة الأنغكلونغ الموسيقية التي يشتهر بها أهالي جاوة الغربية، والبيت التقليدي لسكان توراجا جنوب شرقي سولاويسي، وجلب السونكيت الديباجي الذي ينسج يدوياً، إلى جانب عرض مجسم لطائر غارودا الأسطوري لدى مجتمع بالي، عمدت إندونيسيا ضيف شرف مهرجان (الجنادرية) إلى تعريف السعوديين بتراثها وثقافتها وموروثها الشعبي. ولأن المملكة العربية السعودية تعني بالنسبة لإندونيسيا بلد المقدسات الإسلامية مكة المكرمة والمدينة المنورة، استعرض الجناح الإندونيسي بالجنادرية أيضاً رحلة الحج الإندونيسي والمراحل التي عاشها الحجاج بدءاً من السفر حتى الوصول والتخييم في الأراضي المقدسة. حفل جناح ضيف الشرف كذلك بأبرز اللحظات

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق القرية التراثية بالجنادرية تقدم للزوار الكثير من الفعاليات والأنشطة الجديدة المنفذة داخل الأجنحة المشاركة وقرى مناطق المملكة (واس)

الجنادرية... السعوديون يستحضرون التاريخ وعيونهم على المستقبل

منذ الثانية بعد ظهر أمس الذي تميز بطقس معتدل، توافد مئات السعوديين كباراً وصغاراً على شمال العاصمة الرياض لحضور فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية في دورته الثالثة والثلاثين، الذي افتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أول من أمس. وفور دخول الزائر منطقة المهرجان، الذي افتتح تحت شعار «وفاء وولاء»، تستقبله لوحة فنية وتراثية وتاريخية تمثل موروث مختلف مناطق المملكة العربية السعودية من فنون شعبية، حرف يدوية، أكلات شعبية، طرز معمارية، وغيرها من الخريطة التاريخية الغنية والمتنوعة للجزيرة العربية وسكانها. التعرف على الماضي وعبقه، لم يمنع السعوديين من التطلع للمستقبل وآ

عبد الهادي حبتور (الرياض)

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.