ثمة كثير مما يُمكن لأحدنا فعله خلال حياته اليومية كي يرفع من مستوى حرق جسمه للطاقة المتراكمة فيه على هيئة شحوم، وبالتالي خفض وزن الجسم. وعلى سبيل المثال، ليس المطلوب بذل الإنسان أي جهد بدني رياضي إضافي لإزالة 3 كيلوغرامات من الشحوم المتراكمة في جسمه خلال عام، بل بمجرد حرصه على تقليل ساعات جلوسه اليومي على الكنبة والوقوف على قدميه بدلاً من ذلك هو كل ما يلزم لإزالة تلك الكيلوغرامات عن جسمه، وهذا ما طرحه الباحثون من قسم «طب القلب الوقائي» في «مايو كلينك» بالولايات المتحدة في دراستهم الحديثة.
وإذا أضاف إلى ذلك الاهتمام بالمشي أو الهرولة أو السباحة اليومية، فإنه يفقد المزيد، وكذا إذا حرص على أخذ قسط كاف من ساعات النوم الليلي وعدم تغطية الرأس أثناء النوم، هذا مع الحرص على ضبط تناول كمية الطعام اليومي.
- حرق الجسم للطاقة
وتكتسب معرفة مقدار ما يحرقه الجسم من الطاقة، خلال القيام بمختلف الأنشطة البدنية في الحياة اليومية، أهمية لدى الإنسان لتشجيعه في جهوده لخفض الارتفاع في وزن الجسم ولرفع مستوى اللياقة البدنية لديه وللوقاية من الإصابة بالأمراض ذات الصلة بتدني مستوى النشاط وعيش حياة الكسل والخمول البدني. وتمثل البحوث في مجال «توازن الطاقة» Energy homeostasis في الجسم أحد الجوانب المهمة في فهم آليات نشوء السمنة وكيفية التغلب عليها، وأيضاً في فهم التأثيرات السلوكية في النشاط البدني اليومي التي ترفع من الإصابة بالأمراض المزمنة ذات التأثيرات الصحية البالغة، كأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم واضطرابات الكولسترول ومرض السكري وهشاشة العظم... وغيرها.
وضمن عدد فبراير (شباط) من «المجلة الأوروبية لطب القلب الوقائي» European Journal of Preventive Cardiology، الصادرة عن «الجمعية الأوروبية لطب القلب» ECS، عرض الباحثون من «مايو كلينك» بالولايات المتحدة دراستهم للمراجعة الشاملة حول نتائج الدراسات الطبية التي بحثت في مقدار حرق الجسم لكمية الطاقة الذي يحدث خلال الجلوس ومقارنة ذلك بمقدار حرق الجسم لكمية الطاقة الذي يحدث خلال الوقوف. وقال الباحثون في مقدمة عرضهم للدراسة إن ممارسة الوقوف بدلاً من الجلوس من التوصيات التي تُقلل من مستوى وطول وقت الكسل والخمول البدني، والتي أيضاً ترفع من مستوى حرق الجسم للطاقة، ولكن لا يزال الفرق بين مقدار حرق الطاقة خلال الوقوف وحرقها خلال الجلوس محل جدل بين الباحثين الطبيين. وأضافوا أن دراستهم هذه للمراجعة الشاملة للبحوث السابقة تهدف إلى تحديد هذا المقدار للفرق في كمية حرق الطاقة.
ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن «الوقوف» بحد ذاته دون القيام بأي حركة، يُؤدي إلى حرق جسم المرأة كمية من الطاقة مقدارها 0.1 (صفر فاصلة واحد) كالوري من السعرات الحرارية في كل دقيقة وقوف، ولدى الرجل يُؤدي إلى حرق ضعف تلك الكمية، وتحديداً نحو 0.2 (صفر فاصلة اثنان) كالوري من السعرات الحرارية في كل دقيقة وقوف.
وأضافوا أنه بهذا المعدل، فإن حرص شخص بوزن 65 كيلوغراما على الوقوف بدلاً من الجلوس، ولمدة 6 ساعات خلال ممارسته أنشطة حياته اليومية، يُؤدي إلى حرق نحو 55 كالوري من السعرات الحرارية، وأضاف الدكتور فرنسيسكو لوبيز، طبيب القلب والباحث الرئيسي في الدراسة، قائلاً: «هذا الفرق في حرق الطاقة يُترجم إلى فقد نحو 3 كيلوغرامات من كتلة الشحوم في الجسم خلال عام». هنا تحدث الباحثون عن مجرد الوقوف بدلاً من الجلوس، وبكل تأكيد يرتفع مستوى حرق الجسم الطاقة المختزنة على هيئة الشحوم إذا ما قام المرء بالمشي أثناء ذلك الوقوف وقام كذلك بأداء بعض الأعمال ذات المجهود البدني البسيط. وكان الباحثون قد شملوا في مراجعتهم العلمية نتائج 46 دراسة سابقة بحثت في هذا الأمر.
وقال الباحثون: «هذه هي المراجعة المنهجية الأولى التي تتم لتقييم الفرق في كمية حرق الطاقة بين الجلوس والوقوف لدى الأشخاص البالغين». وأضافوا أن الفرق بين ما يحرقه الرجل وما تحرقه المرأة أثناء الوقوف سببه في الغالب هو ارتفاع كتلة العضلات في جسم الرجل مقارنة بالمرأة، وبالتالي استهلاك العضلات كمية أكبر من الطاقة لإتمام عملية الوقوف.
وكانت دراسة طبية سابقة لباحثين من أستراليا، تم نشرها ضمن عدد 22 يونيو (حزيران) من مجلة «السكري» Diabetes، قد لاحظت في نتائجها أن النوم في غرفة باردة نسبياً، نحو 20 درجة مئوية، ولمدة صحية كافية مع الحرص على عدم تغطية الرأس، يرفع من مستوى حرق الدهون بنسبة 10 في المائة، وزيادة في كمية الدهون البنية الصحية بنسبة 43 في المائة، وتحسين تعامل الجسم مع نسبة السكر في الدم Glucose Metabolism، مقارنة مع عدم الاهتمام بتوفير تلك الظروف خلال النوم.
- سعرات حرارية
ويتم قياس كمية الطاقة البيولوجية باستخدام وحدة «كالوري» السعر الحراري، وهي كمية الطاقة اللازمة لرفع حرارة كيلوغرام واحد من الماء درجة مئوية واحدة، أي من 36 درجة مئوية إلى 37 درجة مئوية. ولذا نلاحظ أن الأوساط الطبية تستخدم وحدة «كالوري» في وصف الأطعمة المختلفة، أي كمية الطاقة التي يُمكن للجسم إنتاجها من حرق السكريات والبروتينات والدهون التي توجد في قطعة من الطعام. والوقود في الجسم هو إما شحوم الدهون أو البروتينات أو السكريات، وبشكل تقريبي، كل واحد غرام من البروتينات أو واحد غرام من السكريات يُعطي 4 كالوري، وكل واحد غرام من الدهون يُعطي نحو 9 كالوري. ولذا، فإن شريحة من خبز التوست بوزن 28 غراما، والتي تحتوي على واحد غرام من الدهون و4 غرامات من البروتين و12 غراما من سكريات الكربوهيدرات، تحتوي على نحو 70 كالوري من السعرات الحرارية.
- توازن الطاقة
و«توازن الطاقة» في الجسم عملية حيوية مستمرة، تتضمن تنظيم التناسق بين تدفق الغذاء المحتوي على كمية الطاقة التي تدخل الجسم من جهة، ومن جهة أخرى مدى حرق واستهلاك تلك الطاقة التي دخلت إلى الجسم، أي مدى إخراجها من الجسم. ويلعب الدماغ دوراً مهماً في السيطرة المحورية على عملية توازن الطاقة بالجسم، خصوصاً منطقة «ما تحت المهاد» Hypothalamus في المنطقة السفلية للدماغ. ومن مظاهر سيطرة الدماغ على سبيل المثال: تكوين الشعور بالجوع لزيادة تناول الطعام عبر إنتاج عدد من المواد الكيميائية والهرمونات، وبالمقابل يعمل الدماغ على إتمام عمليات حرق الطاقة حال سكون الجسم وعدم قيامه بأي مجهود بدني في تحريك العضلات، وذلك بإنتاج الحرارة للجسم كي تبقى حرارة الجسم ضمن المعدلات الطبيعية، وكذلك بحرق الطاقة من أجل إجراء عمليات الأيض الأساسية «BMR» التي تعمل فيها أنسجة أعضاء الجسم المختلفة طوال الوقت لإتمام أداء مهامها الوظيفية كالكبد والقلب والدماغ والكلى... وغيرها.
وعلى سبيل المثال، رجل بعمر 45 سنة، وبوزن 70 كيلوغراما، يحتاج نحو 1500 كالوري لكي يتمكن جسمه من أداء جميع الوظائف الأساسية حال السكون عن الحركة تماماً، وامرأة بالعمر نفسه وبالوزن نفسه يحتاج جسمها نحو 1300 كالوري للغاية نفسها. وللتوضيح وبشكل تقريبي، يتم حرق تلك الكمية لإتمام عمليات الأيض الأساسية بنسبة 27 في المائة في الكبد، ولذا فإن عضو الكبد هو الأعلى في درجة الحرارة بين جميع أعضاء الجسم، و19 في المائة في الدماغ، و18 في المائة في العضلات الساكنة عن الحركة، و10 في المائة في الكليتين، و7 في المائة في القلب، و19 في المائة في بقية أعضاء الجسم. وإضافة إلى الحرق الداخلي للطاقة في عمليات الأيض الأساسية، هناك حرق آخر للطاقة يتم للقيام بالجهد البدني الذي يتطلب تحريك العضلات لكي تقوم بالحركات البدنية.
و«توازن الطاقة» يعتدل حينما تتساوى كفة كمية الطاقة المتدفقة إلى الجسم مع الغذاء مع كفة الطاقة التي يحرقها الجسم لاستهلاك الوقود الغذائي المختزن فيه، ويختل حينما تكون الكمية المتدفقة إلى الجسم أكثر من الكمية الخارجة منه عبر الاحتراق لإنتاج الطاقة، مثلما في حالات عيش حياة الكسل والخمول البدني وحالات الإفراط في تناول الطعام، وهو ما يظهر على هيئة زيادة الوزن نتيجة زيادة تراكم كميات الشحوم فيه.
- الأنشطة البدنية... ومقادير الطاقة المحروقة
ولتعامل الإنسان مع مشكلة اختلال توازن الطاقة في الجسم، هناك خطوتان مهمتان؛ الخطوة الأولى حساب كمية طاقة الغذاء الذي يتعين عليه تناوله وعدم الزيادة فيه. والخطوة الثانية معرفة كمية الطاقة التي يحرقها الجسم والتي هي على نوعين؛ نوع «الحرق الداخلي» في عمليات الأيض الأساسية، ونوع الحرق الذي يتم مع القيام بالأنشطة البدنية الحركية المختلفة خلال اليوم. وبممارسة أنواع مختلفة من الأنشطة، وبدرجات مختلفة من الشدة في أداء المجهود البدني، ولمدد زمنية متفاوتة، ووفق مقدار العمر، تختلف كمية الطاقة التي يحرقها الجسم، وعلى سبيل المثال، فإن رجلا متوسط العمر بوزن نحو 75 كيلوغراما، يحرق نحو 365 كالوري عند ممارسته المشي لمدة ساعة بسرعة 4 أميال (6.4 كلم) في الساعة، ويحرق نحو 400 كالوري عند السباحة الخفيفة للمدة نفسها، بينما يحرق فقط 300 كالوري عند قيادة الدراجة الهوائية للمدة نفسها بسرعة لا تتجاوز 10 أميال (16 كلم) في الساعة، بينما حينما يُهرول لمدة ساعة بسرعة 5 أميال (8 كلم) في الساعة فإنه يحرق نحو 600 كالوري، وكذلك يحرق نحو 700 كالوري حينما يسبح بسرعة لمدة ساعة. وصعود الدرج ببطء لمدة ساعة يحرق نحو 370 كالوري، وصعود الدرج بسرعة للمدة نفسها يحرق نحو 780 كالوري.
والحقيقة أن ثمة الكثير مما يُمكن فعله لحرق مزيد من الدهون المتراكمة في الجسم، وإعادة التوازن بين الطاقة الداخلة إلى الجسم والطاقة الخارجة منه، أمر ممكن، ولكنها تتطلب من المرء الاهتمام بذلك.
- استشاري قلب وباطنية