ألمانيا تحيي ذكرى مارتن لوثر بعد 500 عام على حركته الإصلاحية

شملت كراهيته الأتراك خلال أول حصار عثماني لفيينا عام 1529
شملت كراهيته الأتراك خلال أول حصار عثماني لفيينا عام 1529
TT

ألمانيا تحيي ذكرى مارتن لوثر بعد 500 عام على حركته الإصلاحية

شملت كراهيته الأتراك خلال أول حصار عثماني لفيينا عام 1529
شملت كراهيته الأتراك خلال أول حصار عثماني لفيينا عام 1529

«هنا أنا أقف، ولا يمكنني أن أفعل غير هذا، فليساعدني الرب! آمين»، هذا ما نطق به مارتن لوثر خلال معارضته القيصر والبابا أمام ما يعرف بـ«مجلس ورمز» عام 1521. وصيغت هذه الكلمات بعد فترة طويلة من حدوثها، بهدف تعزيز أسطورة لوثر؛ فقد كان سكان ولاية بروسيا، التي هيمنت عليها اللوثرية، يبحثون في القرن التاسع عشر عن أبطال التاريخ الألماني، وكان لوثر هو من عثروا عليه.
لوثر مواطن ألماني أخذ على عاتقه معارضة نهب المال والبابوية الفاسدة في روما وقيصر هابسبورغ؛ الملك الذي كان يفضل القيام بأي شيء إلا رعاية الجزء الألماني من إمبراطوريته. لذلك، فإن صورة لوثر تتناسق بشكل جيد مع الأمير أوتو فون بسمارك؛ «المستشار الحديدي» ومؤسس الدولة الألمانية الحديثة، ومواطني بروسيا؛ حتى لو لم يكن لوثر وحده فقط الذي وقف في وجه القيصر والبابا.
وقف عدد من الأمراء الألمان في ذلك الوقت إلى جانب لوثر، بقيادة فريدريش الثالث ناخب سكسونيا الملقب بالحكيم (1463 – 1525).
فقد رأى فريدريش أن مساندة «الراهب الصغير المتمرد» من الممكن أن تصب في مصلحته. وفي هذه النقطة، اتضح أمران عن لوثر؛ أحدهما أنه كان أداة سياسية في الصراعات بين الحكام الكبار والأقوياء. والثاني أنه نفسه أصبح سياسيا على نحو متزايد.
قبل 500 عام، كانت الكاثوليكية هي الدين الرسمي للبلاد، كما هي الحال في يومنا هذا بالنسبة للإسلام في معظم الدول الإسلامية. ولذلك عندما أصدر لوثر أطروحته الشهيرة والمكونة من 95 قضية في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 1517، مهاجما بيع الكنيسة صكوك الغفران، اتخذ الفعل بُعدا سياسيا.
ولم يتسبب لوثر في تجديد اللاهوتية الدينية فحسب، ولكنه خلق أيضا وضعا سياسيا أدى خلال فترة حياته إلى وجود معسكرات شديدة الانقسام. لتتواصل الانقسامات بشكل قوي حتى القرن العشرين وتؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى حروب بين دول أوروبية وممالك وأقاليم. وكان لوثر على استعداد لأن يستمر في شق طريقه من أجل التجديد الديني. ولكن عندما اندلعت الاضطرابات في مسقط رأسه بمدينة فيتنبرغ؛ حيث اتخذه المتمردون مصدر إلهام، هرب لوثر، غير راغب في أن يكون جزءا من ذلك، فلم تكن الثورة في تكوين رجل أصبح ثوريا.
وكما هي الحال مع الكاثوليكية، فقد سعى لوثر وحلفاؤه إلى إنشاء كنيستهم الخاصة لتكون دينا للدولة. وحدث ذلك مرة واحدة، فيما يسمى «صلح أوجسبورغ» الذي وقع عام 1555؛ حيث سمح بند «كويوس ريجيو، إيوس ريليجيو» للأمراء الألمان باختيار إما اللوثرية أو الكاثوليكية ديانةً داخل أراضيهم.
وهذا ما يفسر تحركات لوثر المتعرجة خلال حرب الفلاحين الألمانية (1524 – 1525)؛ ففي البداية حث الحكام على عدم التعامل بقسوة مع الفلاحين. وكان هذا لوثر الأخلاقي واللاهوتي والكاهن، ولكن عندما رأى كيف بدأت الانتفاضة في الخروج عن السيطرة، مما شكل تهديدا للدولة والنظام الكنسي، وقف مع الحكام. أما هذا؛ فكان لوثر الذي أقسم اليمين بالولاء للإمبراطورية الرومانية المقدسة وللأمة الألمانية.
وفي السنوات الأخيرة من حياة لوثر، كان أكثر جرأة في جداله ضد أعدائه المفترضين، في الداخل والخارج، كلما رأى أن أعماله اللاهوتية في خطر.
وكان اليهود يحتلون الصدارة في قائمة أعدائه؛ فعندما أدرك لوثر أنه لن يتمكن من تحويلهم من اليهودية إلى المسيحية، بدأ في محاربتهم - قبل كل شيء في خطبه - وبشكل أكثر حدة مما كان عليه الأمر وقتها. ولم يكن أقل من ذلك حدة في تعامله مع البابا، الذي لم تكن حتى أشد الشتائم السيئة كافية بالنسبة له.
وشملت كراهيته أيضا الأتراك المسلمين خلال أول حصار عثماني لفيينا في عام 1529.
وفي العقد الثاني من القرن العشرين، احتفلت ألمانيا، على الرغم من أهوال الحرب العالمية الأولى التي ألقت بظلالها على العالم، بعيد ميلاد بسمارك المائة في عام 1915 وبالذكرى الـ400 للإصلاح الديني في عام 1917.
لا يوجد شك في أن لوثر شخصية بارزة في التاريخ الألماني. ولكن في عام 2017 لا يمكن للكنيسة البروتستانتية الألمانية أن تحتفل به بوصفه بطلا ألمانيا، خصوصا بالنظر إلى وجود 3 ملايين شخص في البلاد من خلفية عرقية تركية، وحقيقة أنه لم يمر على «الهولوكوست» سوى 70 عاما. ما تحاول الكنيسة القيام به الآن هو أن تجعل الناس يتفهمون - ويتقبلون - أن لوثر أحد أشهر وأهم رجال عصره، حسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة قلقة من حظر أوكرانيا الكنيسة الأرثوذكسية الروسية

أوروبا أعضاء فرع الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية يحضرون اجتماعاً في دير القديس بانتيليمون في كييف يوم 27 مايو 2022 (رويترز)

الأمم المتحدة قلقة من حظر أوكرانيا الكنيسة الأرثوذكسية الروسية

أعلن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه يدرس حظر كييف للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المرتبطة بروسيا، قائلاً إنه يثير مخاوف جدية بشأن حرية المعتقد.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
آسيا البابا فرنسيس أثناء وصوله إلى مطار سوكارنو هاتا الدولي في جاكرتا (أ.ف.ب)

البابا فرنسيس يصل إلى إندونيسيا في مستهل أطول رحلة خارجية خلال ولايته

البابا فرنسيس يصل إلى إندونيسيا في محطة أولى ضمن جولة له على 4 دول. وتتمحور الزيارة بشكل خاص حول الحوار الإسلامي المسيحي.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
أميركا اللاتينية الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي خلال زيارته إلى القدس 6 فبراير 2024 (أ.ب)

كيف تحول تأييد الرئيس الأرجنتيني لإسرائيل واهتمامه المتزايد باليهودية مصدر قلق لبلاده؟

لقد أظهر الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، وهو كاثوليكي بالميلاد، اهتماماً عاماً متزايداً باليهودية، بل وأعرب حتى عن نيته في التحوّل إلى اليهودية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا رجال الشرطة يقفون للحراسة مع وصول المسلمين لأداء صلاة الجمعة في مسجد جيانفابي في فاراناسي 20 مايو 2022 (أ.ف.ب)

الهند: قوانين مقترحة للأحوال الشخصية تثير مخاوف المسلمين

من المقرر أن تطرح ولاية هندية يحكمها حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي قوانين الأحوال الشخصية العامة الجديدة المثيرة للجدل والتي ستطبَّق على جميع الأديان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
آسيا رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال حفل الافتتاح (رويترز)

مودي يفتتح معبداً هندوسياً بُني على أنقاض مسجد تاريخي

افتتح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اليوم معبداً هندوسياً، بني على أنقاض مسجد تاريخي، في خطوة تكتسي أهمية كبيرة في سياسته القومية المحابية للهندوسية.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.