لطفية الدليمي
لا أظن أن الناقد الأدبي والمنظر الثقافي البريطاني تيري إيغلتون (Terry Eagleton) يمكن أن يهدأ يوماً أو يركن لراحة موهومة بالنسبة إلى المشتغل في حقل الدراسات الثقافية. لم تمر سنة خلال العقد الماضي وحتى يومنا هذا؛ إلا كان له فيها كتاب منشور في موضوعة ثقافية دسمة، ويبدو أن مشروعه المشترك مع جامعة ييل الأميركية المرموقة صار علامة مميزة في حقل الدراسات الثقافية الراهنة. إيغلتون ماكينة عمل لا تهدأ، يقودها شغفٌ لا حدود لمدياته.
واحدةٌ من سمات الكائن البشري أنه كائن فلسفي. قد تخمد بعضُ جذوة المساءلة الفلسفية فيه عندما تتناهبه متطلباتُ إدامة الوجود البيولوجي؛ لكن سرعان ما تستعيد روح التفكّر الفلسفي بعض جذوتها فيه عندما يتجاوز انشغالات إدامة وجوده في هذا العالم. بدأت شواغل الفلسفة – كما نعرفها في أقلّ تقدير – مع الأطروحات الفلسفية الإغريقية التي انطوت على تمايزات جوهرية صار معها من الممكن تصنيف طريقة التفكير الفلسفي في الإنسان بأنها طريقة أفلاطونية أم أرسطوية.
لا أظنُّ أنّ أحداً من الكُتّاب يرتاحُ في العادة لاختيار عناوين سائدة لكتبه أو مواده المنشورة؛ لكني ما وجدتُ ضيراً أو مثلبة في اختيار عنوان للتنقيب في «تاريخي الكتابي»، أعرفُ أنه بين أكثر العناوين إغواءً وفتنة. اختار كلّ من هنري ميللر وكولن ويلسون «الكتب في حياتي» عنواناً لكتاب لهما؛ ومع هذا أرى من الواجب أن يكتب كلّ قارئ متمرّس أو كاتب طالت عشرته مع الكتاب عن هذا المعشوق الأبدي الذي يمثلُ ملكية مشاعية لنا جميعاً.
يرى بعضُ الدارسين لتأريخ الأفكار وصناعة السياسات الثقافية أن شيوع قراءة الكلاسيكيات (أدبية أو علمية أو فلسفية) إنما يمثل أحد الروافد التي تساهم في تشكيل العقل المتحضر القادر على التعامل الخلاق مع الحاضر بكل تعقيداته. غالباً ما تُصنفُ هذه الكلاسيكيات في هيئة معتمدات (Canons) تلقى هوى متزايداً وإقبالاً حثيثاً، ويجري التثقيف بشأن أهميتها والترويج لها على صعيد المدارس والجامعات ووسائل النشر المعروفة.
هل سمعتم بـ(يوم الكم العالمي World Quantum Day) ؟ لا ضير إن لم نسمع به؛ فهو مبادرة حديثة* تكفل بها علماء وتقنيون يعملون في حقل نظرية الكم وتطبيقاتها الواسعة. شملت المبادرة علماء من خمسة وستين بلداً، اختاروا يوم 14 أبريل (نيسان) يوماً عالمياً للاحتفاء بعلوم الكم وتقنياتها. نقرأ في توصيف هذه المبادرة أنها مبادرة غير حكومية، لا شأن لها بأي تنظيم مؤسساتي دولي، تنطلق من القاعدة الشعبية العالمية، وتدعو كل المهتمين بعلوم الكم من علماء نظريين، ومهندسين، وأساتذة جامعات، ومدرسين، وتقنيين، ومطوري أعمال، ومُعدي برامج علمية، ومهتمين بتاريخ العلم وفلسفته، وفنانين...
ألبرت آينشتاين هو أحد ألمع المفكرين الإنسانيين والفيزيائيين الذين شهدهم التاريخ البشري الذي نعرف. تلك حقيقة لا أظن أن أحداً يجادل في مدى صوابيتها؛ لكن هذه الميزة الاستثنائية التي حازها آينشتاين لم تأت من فراغٍ أو محض موهبة اختصته قوانين الوراثة البيولوجية بها دون سواه.
نُشِرَتْ مطلع العام 2022 نسخة مترجمة من كتابٍ ألّفه الفيلسوف والروائي الفرنسي ميشيل هنري Henry Michel عام 1987. وصدر وقتذاك بعنوان «الهمجية La Barbarie». تُرجِم الكتاب من الفرنسية إلى الإنجليزية عام 2012، ثم جاءت ترجمته العربية عام 2022 بالعنوان ذاته مع إضافة عنوان ثانوي هو «زمنُ علمٍ بلا ثقافة»، في إشارة تأكيدية إلى الأطروحة الجوهرية للكتاب. عُرِف عن ميشيل هنري (1922 – 2002) أنه فيلسوف فرنسي تخصّص في مبحث الفلسفة الظواهرية Phenomenology، كما كتب 5 روايات وكتباً كثيرة تناولت حقولاً معرفية شتى. منها؛ السياسة والاقتصاد واللاهوت المسيحي والتحليل النفسي والثقافة.
منذ صغره كان (س) معجباً بأينشتاين. وَجَدَ فيه صورة كاملة للبطل الأسطوري الذي يتناغم مع صورة البطل التي روّض نفسه ليكون على شاكلتها في المستقبل. قرأ كلّ ما وقعَتْ عليه عيناه وبلغتْهُ يداه من كتب في النسبية، الخاصة والعامة، ومنها تلك التي كتبها أينشتاين نفسه. صارت نسبية أينشتاين هي الشفرة السرية التي ستتكفل بفتح مغاليق الكون أمامه. لم يقتصر الأمر على حدود الفكر، بل تعدّاه للشكل والمظهر، صار صاحبنا (س) يطيل شَعْرَهُ على طريقة أينشتاين حتى بلغ به الأمر أن يشكّك في مقدرة أي فيزيائي ما لم يجعل شعره مثل شعر أينشتاين. لم يصبح (س) في نهاية الأمر أينشتايناً آخر، والأهمّ من هذا أنه لم يصبح نفسه.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
