في واحد من المشاهد الفنية النادرة، يواجه أحد الممثلين جمهور المسرح متسائلاً في نبرة استفزازية: «ألم تتحركوا بعد؟ ألم يكن كل هذا الملل كافياً كي تغادروا المكان هنا؟».
وجاء المشهد غير المألوف في المسرحية السعودية «طوق» التي تُعرض حالياً ضمن فعاليات الدورة الـ32 من مهرجان «القاهرة للمسرح التجريبي» حيث تطرح تساؤلات فلسفية حول علاقتنا بالزمن، وكيف نتصور أننا نعيش وأن الأيام تتوالى علينا، في حين أن ما نحياه من تكرار ورتابة قد يكون مؤشراً قوياً على أن الأيام والساعات توقفت بنا وأننا نعيش حالة من «السكتة الزمنية».
وتحمل المسرحية دعوة تحريضية صريحة إلى كسر «الطوق» المهيمن على رقاب البشر بعد أن استسلموا إلى دائرة جهنمية من العادات المكررة والسلوكيات المعادة، وتطالبهم بفعل قوي يكسروا به هذا الحصار الذي يكاد يخنق الأرواح، من خلال حبكة درامية تجسد حالة عدد من الموظفين العاملين بمؤسسة ما ويخضعون لهيمنة مدير متسلط يمارس عليهم ديكتاتورية صارمة.

وتبدأ الدعوة إلى التغيير من جانب شخصية تستشعر خطورة ما يحدث من «موت بطيء» و«صدأ الروح» هو رئيس القسم الذي يرأس أربعة من زملائه، رجلين وسيدتين، ويناقشهم في مسألة وجوب التمرد على أوامر المدير التي تجعلهم يدورون في دائرة مفرغة من التكرار، فيكون رد فعلهم الأولي هو الرفض القاطع خشية قطع أرزاقهم.
ويكشف مؤلف المسرحية أحمد البن حمضة عن أن «فكرة العمل وردته أثناء قراءته لجملة وردت على لسان البطل في رواية (الهدنة) للكاتب ماريو بينيديتي التي يتساءل فيها حول ما الذي يمكن أن يفعله لو أصبحت حياته كلها يوماً واحداً متواصلاً»، مشيراً في تصريح إلى «الشرق الأوسط» إلى أنه «مر بتجربة شخصية منذ فترة بيّنت له أن العمل قد يتحول أحياناً إلى نوع من السجن غير المرئي والناعم يقيد ضحاياه ويمنعهم من تحقيق ما يصبون إليه».

وحول الهاجس الذي كان يلّح عليه وأراد توصيله بشكل مباشر إلى المتلقي، أوضح حمضة أنه «أراد التنبيه إلى خطورة أن نصبح كأفراد أسرى الوهم بأن ما نملكه هو الشيء الوحيد الذي يصلح لنا، بينما في الواقع لو تأملنا جيداً في قيودنا وسجوننا غير مرئية، يمكن لنا حينها أن نلاحظ كيف أن بعض الأفكار تعد قيوداً تمنعنا من التحرك بحرية، وكيف أن كسر هذه القيود يحتاج إلى خلخلة عظيمة ولحظة صفاء نادرة للخروج من أسرنا الداخلي».

لجأ صناع العمل، لا سيما المخرج فهد الدوسري والممثلين أحمد الذكر الله، فاطمة الجشي، مريم حسين، عبد العزيز الزياني، خالد الهويدي، شهاب الشهاب، إلى حيلة جريئة تحمل نوعاً من المجازفة وهي تكرار تفاصيل المشاهد الأولى بحذافيرها حتى يُشعروا المتفرج عملياً بضراوة الملل وصعوبة التكرار، تمهيداً للسؤال الاستفزازي الذي يُطرح على الجمهور مباشرة حول إذا ما كانوا سيغادرون المكان بعد تلك المشاهد المملة.
وجاءت الديكورات متقشفة، تخلو من الألوان المبهجة، مع إضاءة موزعة باقتصاد في جنبات المسرح لتعمق الإحساس بالواقع الكئيب لحالة الملل والتكرار، كما اتسم أداء الممثلين بالنبرة الخافتة والجُمل الحوارية الآلية التي تخلو من الحرارة وتجسد ما تفعله بنا الرتابة.

وبسؤاله: «إلى أي حد استطاع المخرج وفريق التمثيل أن يحولوا رؤيته الفكرية إلى دراما تنبض بالحياة»، أوضح مؤلف المسرحية أن «المقترحات الفنية التي قدمها المخرج منحت النص قيمة وقوة وساهمت بالتالي في تقديم الأثر المطلوب على المتلقي، كما لا يمكن إغفال دور ناقلي الأمانة وهم الممثلون الذين بثوا الروح في الشخصيات».


